هل أنت مدير أم قائد؟!
تاريخ النشر: 8th, January 2025 GMT
سلطان بن محمد القاسمي
في عالم الإدارة الحديثة، يتردد هذا السؤال باستمرار: هل أنت مُدير أم قائد؟ وقد يبدو الجواب بسيطًا للوهلة الأولى، لكن الواقع أكثر تعقيدًا. وبين هذين المفهومين خيطٌ رفيع يفصل بين الوظيفة والمهمة، وبين السلطة والتأثير؛ حيث إنَّ المدير ينظم ويُراقب، أما القائد فيُلهم ويوجه. وبينما يمكن لأي شخص أن يصبح مديرًا بفضل منصبه، فإن القائد يولد من تأثيره وقيمه، بغض النظر عن لقبه.
وفي البداية، علينا أن ندرك الفرق الأساسي بين المدير والقائد. فالمدير يهتم بتحقيق الأهداف قصيرة المدى، يعمل ضمن هيكل تنظيمي، ويتبع القواعد والإجراءات بدقة. أما القائد، فهو الذي يصنع الرؤية، ويحفز فريقه للسير نحو هدف أكبر، بعيدًا عن القيود التقليدية. يقول الكاتب جون ماكسويل: "القادة لا يخلقون أتباعًا، بل يصنعون قادة". إن هذه المقولة تبرز الفارق الجوهري: المدير يوجه، أما القائد فيُمكّن.
ومن ناحية أخرى، الفرق بين المدير والقائد يظهر جليًا في طريقة التعامل مع الفريق. خذ على سبيل المثال مديرًا يركز فقط على الإنتاجية، يحاسب على الأخطاء الصغيرة، ويمنح الثناء بحذر. مثل هذا الشخص قد يحقق الأهداف، لكنه لا يترك أثرًا. على العكس، القائد الحقيقي هو من يفهم أنَّ الأفراد ليسوا أدوات عمل، بل شركاء في النجاح. يُعاملهم باحترام، يدعم تطورهم، ويجعلهم يشعرون بأهمية دورهم. وهذا ما يفسر لماذا يبقى بعض الأشخاص ملهمين حتى بعد سنوات من رحيلهم عن مواقعهم.
ولكن أعظم نموذج للقائد الملهم هو رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم. لقد قاد الأمة الإسلامية بحكمة ورأفة وشجاعة، ولم يكن قائدًا يفرض سلطته، بل كان يُلهم أتباعه بحسن خلقه وعدله. يقول الله تعالى: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ" (الأحزاب: 21). وكان صلى الله عليه وسلم يُشرك أصحابه في القرارات، يحفزهم على التفكير والإبداع، ويوزع المهام بناءً على قدراتهم. كما أنه أظهر أعلى درجات الرحمة حتى مع أعدائه، مما جعله مثالًا يُحتذى به في القيادة.
وبالنظر إلى أمثلة من الحياة الواقعية، نجد نماذج ملهمة للقادة الذين غيّروا مجرى التاريخ. مثلًا، نيلسون مانديلا الذي قاد جنوب أفريقيا نحو الحرية بمزيج من الحكمة والتسامح، أو ستيف جوبز الذي ألهم فريقه لابتكار منتجات غيَّرت العالم. هؤلاء لم يكونوا مجرد مديرين ينجزون المهام؛ بل قادة غرسوا الإيمان في قلوب من حولهم.
ومما لا شك فيه، أن التحدي الأكبر في الانتقال من الإدارة إلى القيادة يكمن في تطوير المهارات الإنسانية. حيث إن المدير قد ينجح في تنفيذ المهام بإتقان، لكنه قد يفتقر إلى القدرة على بناء علاقات قوية مع فريقه. وعلى العكس، القائد يدرك أهمية فهم احتياجات الآخرين، سواء كانت مهنية أو شخصية. هنا تأتي أهمية الذكاء العاطفي، وهو القدرة على التعاطف وفهم مشاعر الآخرين. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته" (رواه البخاري ومسلم). هذه القيم الإسلامية تؤكد أن القيادة الحقيقية تتطلب رحمة وعدلًا.
وفي التاريخ الإسلامي، نجد قادة عظامًا تركوا بصمات خالدة، مثل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي عُرف بعدله وحكمته. كان يستمع لرعية دولته الإسلامية الواسعة، ويحرص على تحقيق مصالحهم. كما يُروى عنه أنَّه كان يخرج ليلًا يتفقد أحوال الناس، دون أن يُشعرهم بوجوده، في نموذج فريد لقائد متواضع يخدم شعبه.
وعلى صعيد آخر، الانتقال من الإدارة إلى القيادة يتطلب أيضًا تغييرًا في طريقة التفكير. فالمدير ينظر إلى التفاصيل ويركز على اليوم، بينما القائد يضع نصب عينيه المستقبل. خذ على سبيل المثال مديرًا يركز على تسليم مشروع مُعين، في حين أن القائد يسأل: كيف يمكن لهذا المشروع أن يؤثر إيجابيًا على فريق العمل والمجتمع ككل؟ هذه النظرة الشاملة هي ما يجعل القيادة أكثر تأثيرًا.
ومن الدروس التي يمكن استخلاصها من القيادة الناجحة هي أن القائد يتسم بالصبر والحكمة في مواجهة الأزمات. مثال ذلك ما فعله صلاح الدين الأيوبي، الذي أظهر شجاعة ورأفة في مُعاملة خصومه أثناء الحروب الصليبية. هذه القيم الإنسانية التي جسدها القادة العظام تعكس حقيقة القيادة التي تقوم على المبدأ والعدل.
ولكي يُصبح المدير قائدًا حقيقيًا، فهناك خطوات عملية يمكن اتباعها. أولًا، الاستماع الفعّال هو مفتاح التواصل. فعندما يشعر الفريق بأن قائدهم يستمع إليهم، تزداد ثقتهم وولاؤهم. ثانيًا، تشجيع الابتكار مهم للغاية. فالقائد الحقيقي هو من يمنح فريقه حرية التجربة والخطأ، بدلًا من فرض القواعد الجامدة. ثالثًا، بناء الثقة من خلال الشفافية والمصداقية. وهنا القائد الذي يفي بوعوده ويبني علاقات قائمة على الصدق يكسب احترام الجميع.
أما في بيئة العمل اليومية، فالفرق بين المدير والقائد يظهر في التفاصيل الصغيرة. فالقائد يبدأ اجتماعاته بسؤال عن حال الفريق قبل الدخول في المواضيع الرسمية. كما أنه يعترف بأخطائه ليُشجع الآخرين على فعل الشيء نفسه، ويبتسم في وجه فريقه حتى في أصعب الأوقات ليبث فيهم الأمل.
ومن المهم أن ندرك أن القيادة ليست حكرًا على المناصب العليا. فكل فرد، بغض النظر عن موقعه في العمل، يمكن أن يكون قائدًا. على سبيل المثال، الموظف الذي يساعد زميله الجديد، أو الذي يتطوع لحل مشكلة دون أن يُطلب منه ذلك، هو قائد في مجاله. وبالتالي، القيادة ليست مجرد لقب، بل هي أسلوب حياة.
وفي الختام.. القرار بيدك. هل تُريد أن تكون مديرًا ينفذ المهام بدقة، أم قائدًا يلهم من حوله ويترك أثرًا لا يُمحى؟ القيادة ليست خيارًا سهلًا، لكنها الخيار الصحيح؛ فكل يوم هو فرصة جديدة لتطوير مهاراتك، لتصبح ذلك الشخص الذي يراه الآخرون قدوة ومصدر إلهام. لذا، اختر أن تكون القائد الذي يجعل من العالم مكانًا أفضل؛ لأنَّ القيادة الحقيقية تبدأ من الداخل وتنعكس على كل من حولك.
رابط مختصر
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
من (وعي) المحاضرة الرمضانية السادسة للسيد القائد 1446هـ
أكد السيد القائد – عليه السلام – في محاضرته الرمضانية السادسة للعام الهجري 1446 هـ ، أن من ضمن منح الله سبحانه وتعالى للرسل والأنبياء الرعاية بهم ليكونوا على مستوى عال من اليقين، والاعداد النفسي والمعنوي لعمق المعرفة واليقين، ويريهم من الآيات ليكونوا على يقين بطريق الحق الذي هم فيه وبالمنهجية التي يتبعونها، ودرجة اليقين عندما تكون ذات درجة عالية فستكون لها نتائج عظيمة في التحركات ومواجهة الضغوط والتحديات، فعندما يأتي رسول أو نبي لمجتمع متشبث بالأباطيل والضلال لا بد أن يكون على يقين عالٍ في مواجهة هذا الباطل والضلال وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ومادة اليقين هي المعرفة الراسخة والقناعة التامة بالحق والإيمان العميق والثقة العالية التامة بالحق التي لا مجال فيها للشك والاضطراب والتردد، واليقين بالله والإيمان به مسألة أساسية لكل المؤمنين ولكنه ذات درجة عالية عند الأنبياء والمرسلين، اليقين له أهميته من حيث الموقف والحق والإيمان للانطلاق بثقة في النفس مع وعود ووعيد الله سبحانه وتعالى..
عندما نشاهد اليوم واقع الأمة الضعيف في المواقف وانعدام الموقف أصلا والسبب هنا هو انعدام اليقين بنصرة الله ونصرة دينة ونصرة والحق والمستضعفين، فمظلومية الشعب الفلسطيني من أهم قضايا الأمة ونشاهد ضعف المواقف تجاه هذه القضية، والسبب هو عدم الاستجابة لله في وعدة ووعيده بالنصر والتأييد للمؤمنين، مثال آخر وهو يقين الإنسان بالآخرة، فلا يمكن لأي إنسان أن يقرأ أوصاف الجنة ولا يتفاعل معها، ففيها حياة نعيم للأبد وفيها وعد إلهي بهذه الحياة الأبدية، وكذلك فإن تقصير الإنسان في واجباته تجاه الله يحقق وعيد الله للإنسان وهو جهنم والعياذ بالله وما فيها من أوصاف العذاب التي فيها كل أنواع الأسى والألم، وهنا نسأل ما الذي جعل الكثير من الأنظمة والحكومات تتجمد أمام أمريكا ولا تتجمد أمام وعد ووعيد الله بجهنم وعذاباتها؟، هناك نقص في اليقين وضعف إيمان، لهذا فإن اليقين من مؤهلات الصبر عند الأمم..
إن أي أمة تتحرك على أساس اليقين بالله وبالوعود الإلهية والصبر في الواقع العملي، يؤهل الله هذه الأمة لدور عظيم ويجعل منها قادة هداه، ويكون لها دور عظيم في العالم، وهذا ما يريده الله للمسلمين، وانعدام اليقين يعني حق الوعيد الإلهي بإخراج دابة من الأرض توبخهم أنهم تركوا اليقين بالله وهي حالة خطيرة جدا، ولذلك علينا أن تكون ثقتنا ويقيننا بالله كبيرة وتامة وان نتحرك على أساس اليقين بالله، وهذا ما فعله سيدنا إبراهيم وبيقينه العالي وثباته الذي لم تتزحزح عن موقفه وقد أقر الناس على إحراقه بالنار، وكان حكيما وكانت خطوته الأولى هي استخدام إفهام الناس كيف أن تلك الأصنام غير جديرة بالعبادة وان الله وحدة هو إله الحق، فكان بحاجة لخطوة تلفت نظر مجتمعه للإيمان بالله وان كمال الله ليس محدوداً، وغير الله فهي قدرة مكتسبة محدودة وفي مستوى معين ولا يقدر على ما هو أكبر من ذلك، فالله لديه كمال مطلق لا يخفى عليه شيء، وحال كل طاقات وإمكانات المخلوقات هي في إطار معين ومستوى محدود من هبات الله لها، فهي كلها ضعيفة مسيرة ومقدرة، ولأن الكثير من الناس بحاجة للأساليب العملية حتى يتحزحوا عن الباطل اتجه سيدنا إبراهيم لإقناع الناس بالأساليب العملية المقنعة..