باريس- عاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إثارة الجدل مجددا بتصريحاته الأخيرة خلال انعقاد المؤتمر السنوي للسفراء -الاثنين في باريس– حيث بحث أولويات سياسته الخارجية لهذا العام في مواجهة "الاضطرابات العالمية" التي يجسدها "إضعاف القواعد الدولية".

وفي سياق تصريحاته، هاجم بشكل مباشر الزعماء الأفارقة، معلنا أن "فرنسا كانت على حق في التدخل عسكريا في منطقة الساحل ضد الإرهاب منذ عام 2013، لكن القادة الأفارقة نسوا أن يقولو شكرا، وأن لا أحد منهم يستطيع إدارة دولة ذات سيادة من دون تدخل" حسب قوله، وأضاف مازحا "لا يهم، سيأتي مع الوقت".

وبتطرقه إلى اعتقال الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال (75 عاما)، يكون ماكرون قد كتب فصلا جديدا يضاف إلى سلسلة التوترات التي تعرفها باريس والجزائر في الفترة الأخيرة.

وفي تفاصيل خطابه أيضا، أشار ماكرون إلى أن "دونالد ترامب يعرف أن لديه حليفا قويا في فرنسا"، أما فيما يتعلق بالدفاع الأوروبي، فقد شدد على ضرورة التحرك "بشكل أسرع وأقوى" لتعزيز الصناعة الدفاعية في مواجهة التهديدات المتزايدة.

استفزاز علني

انتقدت مديرة معهد دراسات العلاقات الدولية والإستراتيجية في باريس ليزلي فارين ما وصفته بـ"محاولات ماكرون المتكررة في تغيير الحقائق، لتحويل الإخفاقات إلى نجاحات"، مستبعدة أن يكون انتهاء مصالح فرنسا في منطقة الساحل أحد الأسباب التي دفعته إلى هذا الهجوم والاستفزاز.

إعلان

وأضافت فارين في حديثها للجزيرة نت أنه "في أفريقيا، وبالنظر إلى التاريخ الماضي والحديث، فإن هذه النغمة التي يتم إرسالها تعد بمثابة صب الزيت على النار، بدلا من تخفيف التوترات، لأن الرئيس الفرنسي لا يستطيع مواجهة فشله في منطقة الساحل"، معتبرة أن السياسة الخارجية التي يتبعها تمثل استمراره في إضعاف فرنسا.

أما عن توقيت هذه التصريحات، فتعتقد أنه من الصعب تقديم تحليل واضح لذلك، "لأنها صدرت من رئيس الدولة بدون تفكير في العواقب، إلى درجة دفعت تشاد والسنغال إلى الرد بشكل قاسٍ، وخلفت حريقا من الصعب إخماده على مواقع التواصل الاجتماعي" حسب قولها.

بدوره، قال الكاتب الصحفي في جريدة "موند ديبلوماتيك" بيير دوم للجزيرة نت إن "تصريحات ماكرون تأتي في سياق تاريخي مثير للاهتمام، لأن الدول من المستعمرات السابقة في جنوب الصحراء الكبرى تضرب بقبضتها على الطاولة للقول: كفى لقد طفح الكيل"، بعد نحو 60 عاما من قبولها شكلا من أشكال الولاء ما بعد الاستعماري، وهو ما يرفض ماكرون تقبله بشكل واضح.

جنود فرنسيون من قوة برخان في فايا لارجو شمال تشاد في يونيو/حزيران 2022 (الفرنسية) ردود فعل

لم ترُقْ تصريحات الرئيس الفرنسي لزعماء الدول الأفريقية، وجاءت ردودهم على الفعل سريعة، حيث أعربت تشاد عن "قلقها العميق" إزاء "الموقف المزدري تجاه أفريقيا الأفارقة"، مذكرة أن "القادة الفرنسيين يجب أن يتعلموا احترام الشعب الأفريقي"، وفقا لبيان صحفي أصدره وزير الشؤون الخارجية عبد الرحمن كلام الله.

وفي هذا الإطار، تعتبر فارين التي نشرت كتابا بعنوان "إيمانويل ماكرون في منطقة الساحل: رحلة الهزيمة" أن خطاب الرئيس الفرنسي "خالٍ من أي طابع دبلوماسي، وهو ما يدل على عدم فهمه للقضايا المتعلقة بأفريقيا وعدم اهتمامه بمسألة الحفاظ على الاحترام في العلاقات الثنائية، بما في ذلك المصالح والثقافات الخاصة بكل بلد".

إعلان

أما حزب "فرنسا الأبية" اليساري الراديكالي، فقد أعلن -في بيان صحفي- أن تصريحات رئيس الدولة "تعكس عمى يصل إلى حد الجنون" وتكشف عن "الأبوية الاستعمارية الجديدة التي لا يمكن التسامح معها"، مضيفا أن "مثل هذه التعليقات غير متسقة سياسيا وغير مسؤولة على الإطلاق دبلوماسيا، وتزيد من إضعاف علاقاتنا مع دول غرب أفريقيا".

كما أدى خطاب ماكرون أمام السفراء إلى حدوث ضجة بين باريس ودكار، حيث شكك رئيس الوزراء السنغالي عثمان سونكو في أن الانسحاب المعلن للجنود الفرنسيين من بلاده كان من شأنه أن يؤدي إلى مفاوضات بين البلدين، مؤكدا أنه "لم يتم إجراء أي نقاش أو مفاوضات حتى الآن، والقرار الذي اتخذته السنغال نابع من إرادتها الوحيدة، كدولة حرة ومستقلة وذات سيادة".

وجدير بالذكر أن فرنسا أشرفت على عملية برخان العسكرية التي بدأت عام 2014، وضمت ما يصل إلى 5 آلاف جندي في منطقة الساحل الأفريقي، قبل أن تعلن عن توقفها في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني عام 2022.

انتقاد الجزائر

وفي تفاصيل صب ماكرون الزيت على النار في علاقاته مع دول أفريقيا، اعتبر الرئيس الفرنسي أن الجزائر "تسيء لنفسها" بعدم إطلاق سراح الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال، المعتقل منذ منتصف نوفمبر/تشرين الثاني بالجزائر العاصمة.

وردّت الخارجية الجزائرية على ذلك -في بيان نشرته على حسابها على منصة "إكس"- بالتأكيد على أن "هذه التصريحات لا يمكن إلا أن تكون موضع استنكار ورفض وإدانة، لما تمثله من تدخل سافر وغير مقبول في شأن جزائري داخلي".

ومن وجهة نظر حرية التعبير، يرى المؤرخ المتخصص في قضايا تاريخ فرنسا الاستعماري بيير دوم أن اعتقال الكاتب "فضيحة من جانب السلطات الجزائرية، وإذا كانت هناك قوانين في الجزائر تمنع قول ما قاله صنصال عن الحدود بين المغرب والجزائر، فهذا يعني أن القوانين الجزائرية مقيدة بشكل فاضح".

وأشار المتحدث إلى أنه كان ضحية القانون الذي صدر عام 2005 في الجزائر، والذي يحظر على أي صحفي التحقيق أو كتابة أي شيء عن الحرب الأهلية في التسعينيات، قائلا "آخر مرة ذهبت فيها إلى الجزائر لإعداد تقرير في عام 2017، بعد 20 عاما من الصدمات التي خلفتها هذه الحرب بين المدنيين داخل البلاد، تم اختطافي من قبل المخابرات التابعة للجيش الجزائري".

وأضاف الصحفي الفرنسي "لو لم أكن فرنسيا فقط ـأي لو كان لدي جواز سفر جزائري أيضاـ لكنت بالتأكيد قد عانيت مما عاناه صنصال، لقد تم طردي من البلد، ولا أزال ممنوعا أن تطأ قدمي هناك مرة أخرى حتى اليوم".

إعلان

في المقابل، اعتبر دوم أن جعل هذا الكاتب بطلا لحقوق الإنسان والديمقراطية ـكما يفعل بعض المسؤولين الفرنسيين- يعد فضيحة كذلك، "لأنه منذ عدة سنوات دخل في موجة من الصحبة لأفكار اليمين المتطرف في فرنسا، وهذا تلاعب، لكن لم يكن ماكرون هو من اختار التوقيت، بل السلطات الجزائرية" بحسب تعبيره.

ويصف المؤرخ الفرنسي ما حدث بـ"جزء من سلسلة من المشاحنات الدائمة بين باريس والجزائر"، موضحا أن هناك 3 نقاط جيوسياسية أساسية لهذه المشاحنات، وهي مكافحة مخاطر الهجمات الإرهابية، وأسعار الطاقة، وحسن النية الفرنسية في إصدار التأشيرات.

كما تطرق دوم في تصريحاته إلى التعاون الوثيق بين أجهزة المخابرات الفرنسية والجزائرية لمطاردة الإرهابيين منذ الحرب الأهلية في التسعينيات، معتقدا أن الجهازين سيستمران في التعاون "حتى لو استمرت خلافات الرئيسين ماكرون وتبون".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات فی منطقة الساحل الرئیس الفرنسی

إقرأ أيضاً:

عبدالله بن زايد يلتقي في باريس وزير الخارجية الفرنسي

التقى سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجية، معالي جان نويل بارو، وزير أوروبا والشؤون الخارجية في الجمهورية الفرنسية.
جرى خلال اللقاء، الذي عقد خلال زيارة عمل يقوم بها سموه إلى باريس، بحث العلاقات الاستراتيجية بين دولة الإمارات والجمهورية الفرنسية وإمكانات تطويرها وتنميتها في المجالات كافة، ومنها الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، وكذلك الثقافية، فضلاً عن التعاون في مجالات المناخ والتكنولوجيا المتقدمة.

وأعرب سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، خلال اللقاء، عن اعتزازه بالعلاقات التاريخية بين دولة الإمارات والجمهورية الفرنسية، مشيداً بما تشهده مسارات التعاون المشترك من نمو وتطور مستمر في مختلف المجالات الحيوية التي تدعم رؤى البلدين لتحقيق التنمية الشاملة والازدهار الاقتصادي المستدام.
كما بحث سموه ومعالي جان نويل بارو، مجمل التطورات الإقليمية والدولية الراهنة والأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وتداعياتها الإنسانية، بالإضافة إلى جهود البلدين لتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة والعالم بما يلبي تطلعات الشعوب في التنمية والرخاء.

أخبار ذات صلة لبنان يؤكد ضرورة وقف الاعتداءات الإسرائيلية الحرس الوطني يطلق بطولة رياضية رمضانية

حضر اللقاء، معالي ريم بنت إبراهيم الهاشمي، وزيرة دولة لشؤون التعاون الدولي، ومعالي نورة بنت محمد الكعبي، وزيرة دولة، وسعيد مبارك الهاجري، مساعد وزير الخارجية للشؤون الاقتصادية والتجارية، وفهد سعيد الرقباني، سفير الدولة لدى جمهورية فرنسا، وعمر سيف غباش، مستشار وزير الخارجية وسفير الدولة غير المقيم لدى الفاتيكان.

المصدر: وام

مقالات مشابهة

  • عبدالله بن زايد يلتقي في باريس وزير الخارجية الفرنسي
  • بنك الجزائر الخارجي يحصل على الاعتماد للعـمل في فرنسا و أوروبا
  • بنك الجزائر الخارجي يحصل على الإعتماد للعـمل كـبـنـك تجاري في فرنسا و اوروبا
  • لقجع ينال ثقة الأفارقة للإستمرار عضواً في مجلس الفيفا و رئيس اتحادية الجزائر يحصد الريح
  • هل ترد الجزائر على فرنسا بتعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية؟
  • عبدالله بن زايد يلتقي وزير القوات المسلحة الفرنسي في باريس
  • عبدالله بن زايد يبحث التعاون الدفاعي مع وزير القوات المسلحة الفرنسي في باريس
  • المتحدث باسم وزارة الدفاع: ‏بعد استعادة الأمن والاستقرار في مدن الساحل.. البدء في المرحلة الثانية التي تهدف إلى ملاحقة فلول وضباط نظام الأسد البائد في الأرياف والجبال
  • باريس سان جيرمان يكتسح رين ويوسع الفارق على قمة الدوري الفرنسي
  • باريس سان جيرمان يكتسح رين برباعية في الدوري الفرنسي