زاهي حواس يعلن عن اكتشافات اثرية في معبد الملكة حتشبسوت بالدير البحري غرب الأقصر
تاريخ النشر: 8th, January 2025 GMT
أعلن عالم الآثار المصرية الدكتور "زاهي حواس" رئيس البعثة الأثرية المشتركة التابعة لمؤسسة زاهي حواس للآثار والتراث بالتعاون مع المجلس الأعلى للآثار _وزارة السياحة والآثار عن العديد من الإكتشافات الأثرية.
وأكد "حواس" إنه على مدار ثلاث سنوات من البحث والحفائر العلمية التي بدأت في سبتمبر ٢٠٢٢ تمكنت البعثة من تحقيق عدد من الإكتشافات الأثرية المهمة في المنطقة الواقعة عند بداية الطريق الصاعد لمعبد الملكة حتشبسوت بالدير البحري.
*معبد الوادي للملكة حتشبسوت (١٤٧٩ – ١٤٥٨ قبل الميلاد)*
كشفت البعثة عن جزء من أساسات معبد الوادي الذي كان يقع عند مشارف الوادي وهو بوابة الدخول الرئيسية للمعبد الجنائزي للملكة حتشبسوت المسمى "جسر جسرو" والذي يعد أجمل المعابد الفرعونية على الإطلاق.
وأشار "حواس" ان البعثة عثرت على عدد كبير من نقوش معبد الوادي والتي تعد من أندر وأجمل نماذج فن النحت في عصر الملكة حتشبسوت وتحتمس الثالث، والتى لا يوجد مثيل لها في المتاحف المصرية سوى نماذج قليلة في متحفي الأقصر والمتروبوليتان، وتعد مجموعة النقوش الملكية المكتشفة حديثًا هي الأكمل على الإطلاق من بقايا معبد الوادي والذي تعرض للهدم خلال عصر الرعامسة والأسرة التاسعة عشرة.
وقال الدكتور محمد إسماعيل خالد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار ان البعثة عثرت على أكثر من مئة لوحة حجرية من الحجر الجيري والرملي مسجل عليها أسماء وخراطيش الملكة حتشبسوت (إسم الميلاد وإسم التتويج على العرش) وتعد جزء من ودائع الأساسات التي تؤكد على ملكية صاحب المعبد وهي المعروفة بـ Stone Name.
ومن بين تلك اللوحات الحجرية لوحة حجرية فريدة من الحجر الجيري تحمل بالنقش البارز إسم ولقب المهندس المعماري للملكة حتشبسوت المهندس "سنموت" ولقبه المشرف على القصر، وتعد مجموعة ودائع الأساسات الكاملة للملكة حتشبسوت من أهم مكتشفات البعثة والتي تأتي بعد مرور ما يقارب القرن من الزمان منذ أن كشف العالم الأمريكي هيربرت وينلوك عن أخر مجموعة كاملة من ودائع الأساسات للملكة حتشبسوت في موقع المعبد الجنائزي (١٩٢٣ - ١٩٣١).
وأكد "حواس" ان البعثة عثرت علي عدد من المقابر الصخرية من عصر الدولة الوسطى (٢٠٥٠ – ١٧١٠ قبل الميلاد)، وكشفت بموقع معبد الوادي عن التسلسل التاريخي للموقع والذي بدأ إشغاله في عصر الدولة الوسطى وإستمر حتى بداية الأسرة الثامنة عشرة عندما أمر المهندس الملكي سنموت بوقف الدفن في المنطقة وإختاره لها كموقع لتشييد معبد الوادي وجزء من إمتداد الطريق الصاعد الذي يربط بين معبد الوادي والمعبد الجنائزي. قام سنموت بدفن هذة الجبانة أسفل كميات كبيرة من الرمال وذلك ضمن أعمال تمهيد الموقع لتشييد معبد الوادي.
وأضاف "حواس" ان البعثة عثرت علي عدد من المقابر الصخرية التي تعود لعصر الأسرة الدولة الوسطى وعثر بها على عدد من القطع الأثرية المهمة ومنها موائد القرابين المصنوعة من الفخار وعليها مجسمات للقرابين من خبز ونبيذ ورأس وفخذ الثور، وتعد هذة الموائد من الأثار المميزة لعصر الدولة الوسطى.
واوضح "حواس" إنه تم الكشف ايضا عن عدد من أبيار الدفن من عصر الأسرة السابعة عشرة (١٥٨٠ – ١٥٥٠ قبل الميلاد) المنحوتة في الصخر والتي تعود لعصر الأسرة السابعة عشرة وعثر بداخلها على عدد من التوابيت الخشبية بالهيئة الإنسانية والتي تعرف بالتوابيت الريشية وهي المميزة لعصر الأسرة السابعة عشرة ومن أهم تلك التوابيت تابوت لطفل صغير مغلق وموثق بالحبال والتي لا تزال على هيئتها منذ دفنها قبل ٣٦٠٠سنة. وبجانب تلك التوابيت تم العثور على حصير ملفوف لا يزال بهيئتة المكتشف عليه وتعد البعثة حاليًا برنامج خاص لترميمة ونقله للعرض بمتحف الحضارة، حيث قامت البعثة المصرية بنقل واحد من أهم مكتشفاتها وهو سرير من الخشب والحصير المجدول إلى متحف الحضارة في موسم الحفائر الماضى ٢٠٢٣ – ٢٠٢٤ والذي يعود إلى تلك الفترة وكان يخص أحد حراس الجبانة حيث عثر عليه في حجرة صغيرة مخصصة لإعاشة حرس الجبانة.
وأشار "حواس" إنه تم العثور على أقواس الرماية الحربية واحد من المكتشفات المهمة للبعثة المصرية والتي تشير إلى وظيفة أصحاب هذة القبور وخلفيتهم العسكرية وكفاحهم لتحرير مصر من الهكسوس.كما تم العثور علي مقبرة المدعو جحوتي مس، المشرف على قصر الملكة تتي شيري الجدة الكبرى لملوك الأسرة الثامنة عشرة التي توصف بالعصر الذهبى للحضارة المصرية القديمة.
وكشفت البعثة عن مقبرة المشرف على قصر الملكة تتي شيري جدة الملك أحمس محرر مصر من الهكسوس وأم والده الملك سقننرع أول ملك شهيد في حرب الكفاح والتحرير من أهم الإكتشافات الأثرية التي تلقي كثير من الضوء على تلك الفترة المهمة من تاريخ مصر والتي لم يعثر لها على كثير من الأثار، وتؤرخ المقبرة بالعام التاسع من حكم الملك أحمس الأول (١٥٥٠ – ١٥٢٥ قبل الميلاد) كما أكد التاريخ المكتوب على اللوحة الجنائزية لجحوتي مس التي عثر عليها بالمقبرة.
تخطيط المقبرة
المقبرة لها تخطيط بسيط عبارة عن حجرة مربعة منحوتة في الصخر تتقدمها مقصورة من الطوب اللبن المكسو بطبقة من الملاط الأبيض ولها سقف مقبي. وداخل حجرة المقبرة عثر على بقايا رسوم ملونة باللون الأحمر على طبقة من الملاط الأبيض. وفي أرضية الحجرة عثر على بئر مستطيل يودي إلى حجرتي دفن. وفي البئر تم العثور على مائدة قرابين من الحجر الجيري وكذلك على اللوحة الجنائزية لصاحب المقبرة جحوتي مس.
وعلى الرغم من اللقب المهم الذي كان يحمله صاحب المقبرة بوصفة المشرف على قصر الملكة تتي شيري أهم وأقوى ملكة في التاريخ المصري القديم إلا أن هيئة وبساطة المقبرة تعطي الكثير من المعلومات الإقتصادية عن بدايات الأسرة الثامنة عشرة والتي جاءت بعد حروب مريرة من أجل التحرير إستنزفت إقتصاد الدولة.
واكد "حواس" إنه تم الكشف جزء من جبانة بطلمية ممتدده شغلت موقع الطريق الصاعد ومعبد الوادي وشيدت مقابرها من الطوب اللبن وأجزاء من حجارة معبد الملكة حتشبسوت هذة الجبانة كان قد تم الكشف بعض من أجزائها عن طريق بعثات أجنبية في بدايات القرن الماضي ولم يتم توثيقها بشكل مناسب.
كما كشفت البعثة المصرية عن عدد كبير من الأثار من تلك الفترة ومنها عملات برونزية تحمل صورة الإسكندر الأكبر وتعود لعصر بطلميوس الأول (٣٦٧ - ٢٨٣). وكذلك تم العثور على آلعاب أطفال من التراكوتا (الطين المحروق) وبأشكال أدمية وحيوانية، وكذلك عدد من قطع الكارتوناج والماسكات الجنائزية التى كانت تغطي المومياوات وعدد كبير من الجعارين المجنحة والخرز والتمائم الجنائزية.
IMG-20250108-WA0034(1) IMG-20250108-WA0033(1) IMG-20250108-WA0088 IMG-20250108-WA0084 IMG-20250108-WA0074 IMG-20250108-WA0070 IMG-20250108-WA0066 IMG-20250108-WA0064 IMG-20250108-WA0062 IMG-20250108-WA0060 IMG-20250108-WA0054 IMG-20250108-WA0050 IMG-20250108-WA0044 IMG-20250108-WA0038 IMG-20250108-WA0037 IMG-20250108-WA0036 IMG-20250108-WA0034 IMG-20250108-WA0035المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: محافظة الأقصر الاقصر اكتشافات أثرية الحجر الجيري الدكتور زاهي حواس المجلس الأعلى للآثار الملكة حتشبسوت تحتمس الثالث عالم الآثار المصرية فن النحت متحف الحضارة معبد الملكة حتشبسوت وزارة السياحة والاثار الملکة حتشبسوت الدولة الوسطى تم العثور على معبد الوادی قبل المیلاد المشرف على عصر الأسرة من أهم عدد من
إقرأ أيضاً:
قصة الوادي الصغير (24)
حمد الناصري
رجال من قرية ساحل المرجان وتُعرف بـ قرية لؤلؤة المرجان.. يتقدّمهم رجل طويل القامة، ذو عينين ضيقتين، والناظر إليهم يرى في ملامح وجوه الرجال وملبسهم ما يُشير إلى وعثاء ومشقّة وسفرٍ وسُوء مُنقلب، وقف الرجل بطول قامته وعينيه الضيقتين، ومن خلفه رجال سُمر وشُقر:
ـ نحن يا سيّدي، مَبعوثون من قرية ساحل لؤلؤة بحر المرجان وتُعرف اختصاراً بـ قرية لؤلؤة المرجان.. نحمل رسالة من سيّدنا وكبيرنا في قرية لؤلؤة المرجان. وقريتنا عبارة عن ساحل يشرف على بحر ومَمَرّ ضيّق وصغير لم يكن معروفاً إلا في كتب الأولين والبحارة المُستكشفين، وكان لنا جيران كُثر، منهم ما يُعَرّفه الغربيون بالقوّة الحادية عشرة، وآخرين كان لهم امتداد كبير في البحر والأرض والأنفس، وأهلنا لهم في قرية ساحل المرجان أو قرية لؤلؤة المرجان امتداد بالقريتين العتيقة وبلدة الماء القديمة، وروابطهم متينة وقوية، وقد حَمّلنا سيّدنا وكبيرنا رسالة إليك، رغبة في الخروج من عبث الغُرباء بديارنا وقومنا الأعراب، ولكنّنا عرفناك رجلاً آثرتَ غضب رجالك وقوم ذي الساحل الطويل، وتسعى لإرضاء الغُرباء؛ شرقيهم وغربيهم، ولك منافع لتقريب الجوار البحري .. وأنّ سيّدنا وكبيرنا ـ وعينيه تدور في المُجتمعين ـ أمرنا أنْ نُبلغك برفضنا تكوين شرق شامل وقومية شاملة، كما نرفض كُليًاً الفِكْر الشرقي الذي يَطعن في قيَمنا الأصيلة، ولا يُمكن بالوقت نفسه أن نقبل بنظام غربي يُسيّرنا كيفما شاء ورغب، ولا بالقوة الحادية عشرة، تلك القوة المُعادية اللدودة لتأريخ الأعراب ومُعتقدهم الأصيل، ونُعلنها بقوة أنّنا لا نعترف بأفكار الشُركاء جميعهم من غير الأعراب، فالمُتّحد مُتّحدنا ولا نُشرك فيه أحد إلّا من أبناء قومنا.
مدّ يديه وأخرج من جيبه رسالة وقدّمها إلى قائد تحالف الوادي الصغير. أخذ مُحسن الشيخ الرسالة وقرأ سطُورها الأولى.. نحن فلوع ابن سُعود الأعْور، أطلب السماح لي بالرجوع إلى السيح المالح، والكشف عن أسْرار غيابي، وسوف أخبركم عن الظرف الغامض وأسرد حكايته الصَعبة في هذه الرسالة المُقتضبة، وأرجو أنْ أتمكّن من إيصال مضمون الرسالة وأنْ تكون فكرتها مقبولة لديكم، وأنّ هذه الرسالة المكتوبة لن تشرح التفاصيل كلّها، وحين ألتقي بكم سأقوم بشرحها بالتفصيل الدقيق، وهذه رسالة سريعة تتضمّن بعض المعلومات المُهمّة حول مُلابسات اختفائي.. كان يوم اختطافي قد تزامن مع ظهور المُتحد، الذي كرهَ رجاله يومها وجود ذوي العيون الزرقاء، وغضبوا من تواجد الشرقيين وذوي الأنوف الفطحاء ومن معهم من فارعي الطول والعُيون السوداء وذوي العيون الجاحظة، وفي هذا الوقت كان المُتحد بحاجة إلى قائد، وهذه لُعبة الغُرباء، وكبار قادة الشرقيين في البحر العميق، فقد رموا بثقلهم وعسكرتهم في مشروعهم الكبير" البحر العميق" وأنا مُستعد لأقدّم اعتذاري لرجال السيح المالح لما أصابهم في غيابي من جراح وما نالهم من أذى كبير، وبحقّ السماء، لم أضعف ولم أستكن لأحد من الغُرباء شرقيهم وغربيهم بل كانوا يخشونني، ولذلك أبقوا عليّ حيّاً، وكنت على يقين بأنّ الوادي الصغير بحراً ورمالاً سيكون في يد أمينة ، هذه اليد التي باركتها السماء، رجل أمين اشتهر الوادي باسمه وكُني به، مُحسن الوادي.
ولا أدلّ على هذه الحقيقة إلا ما حصل لي، وليس الأمر سهلاً ورغم ذلك لم أخسر شيئاً أبداً في سبيل قومي الأعراب، وبقيتُ عزيزاً لمكسب حُرِمت منه، مال وجاه ومسؤولية واختفاء ومشقّة، ولا ريب فقد تقبّلت البلوى والمهانة والذلّة لأنّ قومي يستحقون، هم الرّفعة والاعتزاز والكرامة والشموخ، ولم يكن مطمحي رحلة وراحة مُؤقتة بل كان خياراً صعبًا واجهت به الأعداء، ولم أرضخ، ولكن قدري وصِدق مشاعري نحو بني جلدتي الأعراب سَمِحا لي أن أقاوم إلى آخر رمق في حياتي، فالأعراب رجال ذو شموخ في الرمال وذو مجد في أحياء الكثبان وعُرباً أقحاح في عين الماء القديمة والبلدتين القديمة والعتيقة وقرية التراث وبدْواً في مضارب الإقدام والشهامة العالية، تحسبهم عدد قليل لكن شُموخهم يزداد بالعُدة والعتاد والأنفس النقية.
ثمّ مدّ عينيه إلى الورقة المُقابلة.. وقرأ؛ وأمّا أخي "فلوع" فقد قُتل أمام عيني وأنا في قبضتهم الحديدية مُكبّل ومُصَفّد بالحديد وسيفاً مُسلطاً على عُنقي، وبندقيتين لهما أعيرة تندفع تلقائية سريعة ودقيقة التصويب مُوجّهة إلى رأسي وأخرى إلى صَدري وخنجر مسموم بين أصابع رِجْلي.
أسند مُحسن الشيخ ظهرهُ على وسادة أعِدّت له، وكأنّ مشاعره لانت وتليّنت وتأهّب لقبول عودة "فلوع" إلى السيح المالح، وكاد أن يُصَرّح بها، لولا أنّه تراجع في اللحظة الأخيرة واختصر صراحته قائلا:
ـ لا بأس عليك ولا تثريب على أهل قريتكم لؤلؤة ساحل المرجان، ونحن بدورنا هُنا، وبعد التشاور بيننا سنرسل وفداً يجتمع بصاحب هذه الرسالة التي حَمّلها لكم "فلوع" والتي جِئْتُمونا بها لتصل بأمانتها وبقدرها إلى من يهمّه أمرها، وسنتمكّن من الردّ عليها بعد تشاور مع أولي الرأي والسداد في التحالف الجديد، ولنا في سيّدكم وكبيركم "نجيب الزهران" صِلة قرابة انحداراً من الجدّ العاشر "غالب" الذي نشترك معاً في صلة الدّم به.
وأما موضوع الرسالة وكما أسلفت فإنّنا في قيادة التحالف الجديد سنشكّل مجموعة، ونعدّها عداً كاملاً، وسوف تستمع هذه المجموعة إلى سيّدكم وكبيركم "نجيب الزهران"، وسنرفع إليه سلاماً مُباشراً، ومن خلال التفاصيل الدقيقة التي سنحصل عليها سنقرّر الردّ الأكيد بقرار عودة "فلوع" وقبول رجوعه إلى السيح المالح، بشرط ألّا يُمارس أيّة زعامة، وألّا يتدخّل في شؤون المجتمع، ويلتزم الصمت المُنقطع.
*
لم يكن الخبر سارّاً ومُفرحاً لوفد قرية لؤلؤة المرجان أو حسب تعديل اسم القرية أخيراً بقيادة كبير القوم وسيدهم "نجيب الزهران" من قرية ساحل المرجان إلى قرية لؤلؤة بحر المرجان، وتتبعها كلّ القرى الساحلية والأحياء الرملية وجُزر صَيد صغيرة جداً عالقة في بحر المرجان لا يسكنها بشر، وتخلو من دوابّ الرمال إلّا من الحيّات يُقال أنّها من ساكنيها.
وهناك حكايات ومَرويّات مُتفرّقة أهمّها ما يدور حول الجزر الصغيرة. والمَمرّ لا عُمق كبير فيه ، واقع بين جزيرتين يُمكن احتوائها في بضع ساعة، يستغلّ الصيّادون الجزيرتين الصغيرتين للراحة من عناء الصيد في بحر المرجان ويسترخون على تُربتيهما لإعطائهما طاقة تشدّ من أزرهم وتُعيد إليهم النشاط الكامل.. وكما وردَ في تأويلات الجزر المُتناثرة، أو قلْ قطع من حجارة صمّاء زُرِعت في عُمق بحر المرجان وكأنّها قواعد صلبة يتلألأ بها ذلك البحر الرهيب .. ومن ضمن تلك الحكايات ، أنّ قوم أو نفرٌ مجهولون لا هوية لهم، يُغْرِقون كلّ سفينة تبحر ليلاً، ويُحدثون ثقباً في السفينة فيدخل الماء وتغرق بمن فيها، ولا ينجوَ أحدًا من طاقم السفينة خلا قطع ألواح السفينة والمؤونة التي تحملها، تبقى طافية كعلامة أنّ السفينة غرقت وتحطّمت في أعماق بحر المرجان ولا حاجة لهم بما تحمله من أغراض إلا البشر، وفي إحدى الروايات المكتوبة أنّ قوماً جبّارون يسكنون الجزر ويقتسمون ساكنيها المجهولين فيما يحصلون عليه من غنائم، فقط البشر لا حاجة لهم لغير ذلك ، فيُحدثون تشويشاً لقيادة السفينة ويفقد قائد السفينة الرؤية الواضحة ولا يستطع تجنّب الاصطدام أو الحذر من الوقوع في قبضتهم وكأنّ السفينة تنجذب إلى الجزيرة بغير إرادة وتنحرف بغير دراية، ويُؤدّي ذلك الانجذاب غير العادي إلى اصطدام السفينة بجزر عالقة في بحر المرجان، رغم أن البحر ليس ضحلاً جداً، لكنّ مجزرة الاصطدام تُحَطّم السفينة وتُحولها إلى أشلاء مُتناثرة ويغرق كل شيء فيها ويطفوا على السطح ما عدا طاقم السفينة، البشر صغيرا أو كبيراً ، امرأة أو رجلاً ، شاباً أو عجوزاً أو طفلاً رضيعاً، لا وجود لهم جميعاً ولا أثر ولا شواهد تدلّ عليهم.
وحين وصلت رسالة وفد قرية لؤلؤة المرجان من نجيب الزهران إلى مُحسن الشيخ قائد التحالف الجديد، وعلم بأنّ الخبر غير سارّ، وما كان مأمولاً تقديمه من قائد التحالف الجديد قد خيّب الآمال، وبعد أنْ علم الوفد بأنّ "مُحسن الشيخ" أطلق قرين اسمه كلمة "السيّد " كما فعل من قبله السيد ثابت قائد التحالف المخلوع أو المُتنحي عن السلطة والمُتخلّي عن المسؤولية والمُنهزم نفسياً في مواجهة الغرباء.
قال رجل من بني زهران.. ما الفرق بين القائد المخلوع والقائد المُتنحّي عن السلطة؟
فعقّب نجيب بن زهران كبير رجال بلدة رمال بني زهران؛ وبني زهران تُعرف امتداد رمالهم إلى الكثبان الذهبية وما خلفها كرملة بن عُوران والبلدة الساحلية اسمها قعدة بني زهران ويقع قُبالتها بحر المرجان ومن خلفها رمال وكثبان ذهبية ورملة بن عُوران.
والآن وكما يبدو أنّ اجتماعنا أسفر عن تحالف جديد مع رجال رملة بن عُوران. وبين بني زهران وبن عوران صِلة قرابة تنحدر من الجدّ العاشر الذي انجب ولدان "زهران وعُوران"، وحينما توفي أباهما "وهْران" تقاسما الرمال، فأخذ الكبير "زهران" الساحل والجزر والقَعْدة التي عُرفت بـ قعدة بني زهران، وهي قري ساحلية لكنها تبدو مرتفعة قليلاً عن سطح البحر بكثبانها الرملية الساحلية الناعمة، ويُسمّونها أعراب بني زهران بالقَعْدة؛ وجزء من الكثبان والرمال الغربية والتي عُرفت برمال بني زهران. بينما الأخ الأصغر عُوران، طلبَ من أخيه الأكبر أخته التي تصغره سناً، وهي موافقة لتكون مع أخيها عُوران وثُلة من الرجال المُقربين لـ عُوران، وكان من نصيبه ـ أيضاً ـ الرمال الشرقية وكثبانها والتي عُرِفت لاحقاً برمال عُوران لكن أعراب الكثبان بَدو؛ استحسنوا إضافة "بِنْ " إلى رمالهم وإلى كثبانهم. وقد عُرفتا بـ رملة بن عُوران وكثبان بن عُوران. وكان من نصيب الأخت الصغرى "الحلال" الإبل والماشية والجواري والغِلمان والخيام. ثم ألحقت نصيبها لأخيها عُوران.
وأمّا الفرق بين القائد المُتنحي والقائد المخلوع، فالفرق يبدو غير واضح لدى الكثيرين، أو به شيء من غُموض، ولكنّني سأوضحه لك، وسأفصله تفصيلاً دقيقاً، وخُذ هذا المثال ؛ ترك نجيب بن زهران المسؤولية وخلع نفسه اتقاءً للفتنة في رمال بني زهران وبحر المرجان، وذلك هو التنحّي الشخصي سواءً أكان برضائه أو بضغوط أخرى مُختلفة .. فالفِعْل كان إنقاذاً لحدث مُهم أو لأجل الخروج من الأزمة التي حَلّت بالمجتمع.
أما المخلوع، فهو كـ "فلوع " هرب وغادر وتخفّى ولا يُعرف عنه شيئاً غير الروايات والحكايات؛ فمنهم من يقول إنه حيّ، وآخرون يقولون بأنّه مات بسبب كذا وكذا.. والآن وكما علمتُم جاء يطلب العفو وهو يُدرك بأنّه لا وجه له بين قومه، وشفاعتنا له بإيعاز من الشرقيين، وتلك حركات الكبار لتبقى عائقاً أمام خصمه ولإضعاف الطرف المقصود، وهذه الحركة هيَ لإسقاط مُحسن الشيخ في اعتقادي.
فمحسن الشيخ يدعمه الغربيون، وكان كلاهما يعلم أين كان محسن الشيخ، ولكن لم يجرأ أحد على نشر خبر عنه ولو كان صغيراً، لأنّ كلّ من القوتين تُخطّط لمصلحتها في رمال الأعراب، لتبقي منافعها قائمة في الوادي الصغير.. ألم ترَ أنّ كُلّ حِلْف يهتم بالتقرّب إلينا على الرّغم من أنّهما الأقوى عتاداً وقوة، لكنّ السماء سخّرت لنا هذه الكنوز والمُدخرات والخيرات لتبقى الأمكنة محفوظة والرمال مكينة، ولتكون القريتان" التراث والعتيقة " شامختين، باقيتين إلى أمدٍ لا يعلمه أحد، كما تكوينها لم يعلمه أحد.. فالغُرباء لا يُقاتلونكم إلا من وراء جُدر، يتحصّنون ويتخفّون وراءها، لا يُقاتلونكم في جمع مُطلقاً، وإنْ فعلوا اختلفوا فوراً، لأنّه لا قاسم مشترك بينهم في العقيدة والأفكار، إذ أنّ مصالحهم أهمّ، ولن يلتفتوا إليك إلّا إذا كانت لديهم فيها منافع، أولئك الغُرباء يخافون الموت ويُحبّون المال، يكنزون الذهب والفضّة ثمّ يتركونها غير آبهين بها، وما يتحدّثون عنه من رفاهٍ وتطوير كلّه ينصبّ في خانة الشرّ، وأينما وُجِد الغُرباء وُجد الشر. أمّا الذين نافقوا من الأعراب، هم من أبناء جلدتكم، جُبناء الأعراب ذي القُرى المُحصنة، والذين كانوا سبباً رئيساً في دخول القوتين الشرقية أو الغربية، وتخاذلهم زاد من تعميق الجراح في رمال الأعراب وبحرهم، فلم نُحقّق طموحنا كما قال البعض منهم، ولم ننتصر كما فهم البعض الآخر، ونحن مُستمرّون في تقديم التنازلات في كافّة الأحوال والظروف، والغُرباء - في الوقت نفسه - يُحقّقون الهدف المنشود.. إفساد الأعراب وإلهائنا باضطراب الأمن والفوضى والنزاع على أرضنا والتفريق بين مجتمعنا الأعراب إلى مجتمعات وإلى أسماء أطلقناها على أنفسنا أو هم سموّنا بها.
ولم يبقَ إلّا أصلاء الأعراب، اقتحموا تأصيل النسب والأصل الثابت وغير الثابت والتراث والجذور والمرجعية وتناسوا أمرهم بينهم، وسلّموا نزاعهم إلى الغرباء ليزدادوا عُمقاً في جراحاتهم، ويُورثونها لأجيال لاحقة.
قال كبير رمال بحر المرجان، موجّهاً أوامره إلى قومه بني زهران وبني العُواران، لقد آن لنا أنْ نتحد اتحاداً يضمّ البلدات الساحلية لبحر المرجان وأحياء الرمال ورملة بن العُوران وكثبان بني زهران. ورملة نُجود العُوران. وأنْ نُفكّر مليّاً في جزر البحر المُتناثرة والممرّ الصغير، ونكون مجتمعًا واحدًا.. لا فرق بيننا. وإن لم نتعاون معاً فسوف تغلب علينا القوة الحادية عشرة التي أنشأها الغرباء ذوي الوجوه الحُمر المكتنزة، بل نحن أشدّ خطراً من السيح المالح والحارات العشر والبحر الكبير والوادي الصغير المُقطّعة أجزائها حتى لا تكاد تُعرف لمن هذه الجبال من ذاك البحر، ساحل افتتحت فيه عشر حارات، فأصبحت عشرة سواحل، ولكل ساحل وادٍ ورمال ولكل منهما رجالاً وسيادة.
*
أرجع ظهرهُ قليلاً إلى الخلف وأسندهُ على مخدّة بدوية، وقال:
ـ علينا أن نتدارك الأمر سريعاً، ونشرع في تحالف بيننا لنكون أكثر قوة وترابط، وعلينا فِعْل شيء لم يفعله الأعراب، وأن نزيل عنّا تلك الصفة التي أُلصقتْ بالأعراب؛ أمة التخاذل والتآمر، وأمة تكسب قوتها ولا تزداد.
يتبع 25