معلومات الوزراء: السلاسل اللوجستية حجر زاوية لضمان نمو اقتصادي مستدام
تاريخ النشر: 8th, January 2025 GMT
القاهرة - أ ش أ:
أكد مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، أن السلاسل اللوجستية تُعد بمثابة الشريان الحيوي للاقتصاد العالمي؛ والتي تربط بين المنتجين والمستهلكين في جميع أنحاء العالم عبر شبكة معقدة من الإنتاج والنقل والتوزيع، إلا أن هذه الشبكات تواجه تحديات متزايدة، لا سيما مع تزايد الضغوطات على النقاط البحرية الاستراتيجية، مثل: مضيق هرمز والبحر الأحمر، وباتت هذه النقاط في الوقت الحالي أكثر عرضة للتأثر بالتوترات الجيوسياسية والتغير المناخي، مما قد يهدد بعرقلة التجارة العالمية وزيادة التكاليف .
وأشار مركز المعلومات في تحليل جديد له أن السلاسل اللوجستية تُعرف بأنها إدارة عمليات إنتاج ونقل وتوزيع السلع عبر سلسلة التوريد التجارية،وتعد هذه السلاسل حلقة الوصل التي تربط بين الشركات المنتجة والمستهلكين،وتتكون السلاسل من نوعين من العمليات، وهي عمليات الدخول والتي تشمل (إدخال المواد والإمدادات) وعمليات الخروج والتي تشمل (توزيع المنتجات للتجزئة والمستهلكين).
وأشار إلى أن السلاسل اللوجستية تلعب دورًا محوريًّا في الاقتصاد العالمي؛ حيث تضمن تدفق البضائع بكفاءة من المنتجين إلى المستهلكين، وتساهم في تعزيز التجارة الدولية. بالإضافة إلى ذلك، يساهم تنفيذ خدمات لوجستية فاعلة في زيادة مرونة الشركات لمواجهة التقلبات العالمية. ومع توسع التجارة العالمية، أصبحت السلاسل أكثر تعقيدًا، ومن ثم يجب على الشركات تحسين عملياتها اللوجستية بشكل مستمر لتجنب نقاط الضعف وضمان تدفق السلع في جميع أنحاء العالم بسلاسة.
وأفاد التحليل بأن أهم التحديات التي تواجه السلاسل اللوجستية في الوقت الحالي تتمثل في الاضطرابات التي تواجهها نقاط الاختناق البحرية والتي تُعرف بأنها مناطق استراتيجية حيوية في المحيطات والبحار وقد تكون هذه النقاط مضايق بحرية طبيعية أو قنوات مائية اصطناعية ضيقة تستخدم كطرق بحرية، وهي بمثابة نقاط تفتيش أساسية على طرق الملاحة البحرية. وتلعب هذه النقاط دورًا أساسيًّا لضمان استمرارية حركة التجارة العالمية وللحفاظ على سلاسل الإمداد اللوجستية العالمية، وتتميز بكثافة الحركة المرورية بها بسبب مواقعها الاستراتيجية، لكن يمكن أن تتسبب في مخاطر متعددة، مثل تعطل السفن وحدوث انسدادات مرورية لفترات طويلة، مما يؤدي إلى أضرار اقتصادية جسيمة للشركات. وتأتي أهمية نقاط الاختناق من كونها تقع على مسارات التجارة البحرية الحيوية، ومن بين أبرز هذه النقاط:(مضيق هرمز- مضيق ملقا بين المحيط الهندي والهادئ- مضيق باب المندب- قناة السويس).
وأشار مركز المعلومات في تحليله إلى أنه وفقًا لتقرير النقل البحري لعام 2024 الصادر عن الأونكتاد، تواجه نقاط الاختناق ضغوطات متزايدة نتيجة للتوترات الجيوسياسية، والتغير المناخي، والصراعات التجارية العالمية، مما يهدد السلاسل اللوجستية العالمية ويعرض الاقتصاد العالمي والأمن الغذائي وإمدادات الطاقة لمخاطر متزايدة.
وأفاد التحليل أنه انطلاقًا من الأهمية المتزايدة لنقاط الاختناق في الاقتصاد العالمي، نتج عن الضغوط التي تواجهها هذه النقاط تأثيرات اقتصادية مهمة مثل ارتفاع تكاليف النقل وتكاليف المواد الخام، كما يمكن أن يؤدي تأخير الشحن إلى تعطيل عمليات الإنتاج والتأثير في قدرة الشركات على المنافسة. وتسببت الاضطرابات التي واجهتها طرق الشحن الرئيسة في التأخير وإعادة التوجيه وارتفاع التكاليف مما نتج عنه انخفاض حركة المرور في عدد من الممرات الملاحية العالمية ومنها قناة بنما.
ويعزى هذا الانخفاض في حركة المرور إلى انخفاض منسوب المياه الناجم عن التغير المناخي الذي واجهته قناة بنما واندلاع الصراع في منطقة البحر الأحمر مما أثر في حركة التجارة. وفي الوقت نفسه، انخفضت حمولة السفن العابرة عبر خليج عدن بنسبة 76% مقارنة بأواخر عام 2023 .
ونتيجة للاضطرابات التي شهدتها الممرات الملاحية العالمية، شهدت حركة التجارة إعادة توجيه البضائع حول رأس الرجاء الصالح والطرف الجنوبي من إفريقيا زيادةً كبيرة؛ وعلى الرغم من أن تحويل حركة البضائع لطريق رأس الرجاء الصالح ساهم في الحفاظ على تدفق البضائع، فإنه أدى إلى ارتفاع التكاليف بشكل كبير والتأخير، بالإضافة إلى زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وأوضح أنه مع تزايد الطلب على خدمات الشحن نتيجة لإعادة توجيه السفن، واجهت الموانئ مثل سنغافورة والموانئ الرئيسة في منطقة البحر الأبيض المتوسط ضغوطًا متزايدة لتلبية هذا الطلب المتزايد . وجدير بالإشارة أن زيادة الازدحام في هذه الموانئ أدى إلى زيادة التعقيد في شبكات النقل والتجارة العالمية.
يذكر أن الارتفاع الحاد في أسعار الشحن له تداعيات عميقة على التجارة العالمية واستقرار الاقتصاد العالمي، ووفقًا لإحصاءات الأمم المتحدة للتجارة والتنمية للنقل البحري عام 2024، يُتوقع أن ترتفع أسعار المستهلك العالمية بنسبة 0.6% بحلول عام 2025 نتيجة زيادة تكاليف الشحن عبر سلاسل التوريد. ومن المتوقع أن تواجه الاقتصادات الهشة مثل الدول الجزرية الصغيرة النامية ارتفاعًا أكثر حدة، مع ارتفاع أسعار المستهلك بنسبة تصل إلى 0.9%، مما يهدد الأمن الغذائي والنمو الاقتصادي. ومن المتوقع أن ترتفع أسعار الأغذية المصنعة، على وجه الخصوص، بنسبة 1.3%، مما يزيد من تفاقم التحديات التي تواجهها هذه الدول.
وأشار التحليل إلى أنه بالنسبة للدول الجزرية الصغيرة النامية والدول الأقل نموًّا، التي تعتمد بشكل كبير على شحن السلع الأساسية، فإن ارتفاع التكاليف يؤدي إلى تآكل القدرة التنافسية التجارية. وقد شهدت الدول الجزرية الصغيرة النامية بالفعل تراجعًا في الاتصال البحري لديها بمعدل 9% في المتوسط خلال العقد الماضي، مما أثر فيها بشكل كبير خاصة في ضوء تقلب أسعار الشحن.
أوضح التحليل أنه خلال السنوات الأخيرة شهدت سلاسل الإمداد العالمية مجموعة من التحديات المتنوعة والمتزايدة، مثل: التضخم السريع، والاضطرابات الجيوسياسية، والظروف الجوية المتقلبة، بالإضافة إلى تأثير جائحة كوفيد-19 (COVID-19) بشكل كبير في العمليات اللوجستية. وفي ضوء هذه الاضطرابات تأتي أهمية تسليط الضوء على بعض الإجراءات التي قد تساهم في الحد من الآثار السلبية لمثل هذه الاضطرابات، ومن أهم هذه الإجراءات التحول الرقمي والذي يمكن أن يلعب دورًا حيويًّا في تعزيز قدرة سلاسل الإمداد على التكيف مع التحديات الحالية. وبالاعتماد على تقنيات مثل إنترنت الأشياء، الذكاء الاصطناعي، الطائرات بدون طيار، والروبوتات، سيساهم التحول الرقمي في تحسين كفاءة عمليات سلاسل التوريد.
وبالإضافة إلى أهمية التحول الرقمي، يجب تطوير البنية التحتية من خلال تعزيز الاستثمارات في الموانئ ووسائل النقل لتجنب وتقليل الاختناقات البحرية التي قد تعرقل سلاسل الإمداد. ومن ثم يجب على الشركات والدول الاهتمام بتصميم استراتيجيات جديدة للمساعدة في التغلب على تحديات سلاسل الإمداد.
وأشار التحليل إلى أن التجارة البحرية بدأت في التعافي بعد انخفاضها في عام 2022؛ حيث ارتفعت بنسبة 2.4٪ في عام 2023 لتصل إلى 12.292 مليون طن. وعلى الرغم من هذه الزيادة، إلا أنه توجد حالة من عدم اليقين بشأن مستقبل التجارة البحرية. ووفقًا لتقرير النقل البحري لعام 2024 الصادر عن الأونكتاد، يُتوقع أن يشهد عام 2024 نموًّا معتدلًا بنسبة 2٪ في التجارة البحرية، وذلك نتيجة للطلب المتزايد على السلع السائبة مثل خام الحديد والفحم والحبوب، بالإضافة إلى ذلك يُتوقع أيضًا أن تشهد تجارة الحاويات تحسنًا ملحوظًا؛ حيث يُتوقع أن تنمو بنسبة 3.5٪ في 2024 مقارنة بنموها بنسبة ضئيلة قدرها 0.3٪ في عام 2023. ومع ذلك، يظل النمو على المدى الطويل معتمدًا بشكل كبير على قدرة الصناعة على التكيف مع التحديات المستمرة، مثل التوترات الجيوسياسية في مناطق مثل أوكرانيا والشرق الأوسط.
وأفاد التحليل في ختامه أن التحديات التي تواجهها السلاسل اللوجستية العالمية تتطلب استجابة شاملة ومتكاملة، لذا يجب على الحكومات والشركات والمنظمات الدولية العمل معًا لتطوير استراتيجيات مرنة وقادرة على التكيف مع التغيرات المستمرة في الاقتصاد العالمي من خلال الاستثمار في البنية التحتية، وتعزيز التعاون الدولي، وتبني التقنيات الرقمية، مما سيساهم في بناء سلاسل إمداد أكثر مرونة وقدرة على مواجهة التحديات المستقبلية؛ حيث يعد استقرار السلاسل اللوجستية بمثابة حجر الزاوية لضمان نمو اقتصادي مستدام ورفاهية عالمية.
مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء السلاسل اللوجستية
تابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
الخبر التالى: تعقيم أقسام المعمل المركزي لتحليل متبقيات المبيدات والعناصر الثقيلة في الأغذية الأخبار المتعلقةإعلان
إعلان
"معلومات الوزراء": السلاسل اللوجستية "حجر زاوية" لضمان نمو اقتصادي مستدام
© 2021 جميع الحقوق محفوظة لدى
القاهرة - مصر
22 12 الرطوبة: 26% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار bbc وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانكالمصدر: مصراوي
كلمات دلالية: انفجار غاز الخانكة مصر 2025 سعر الدولار مسلسلات رمضان 2025 أسعار الذهب سكن لكل المصريين الحرب على غزة سعر الفائدة أول أيام شهر رمضان 2025 مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء السلاسل اللوجستية التجارة العالمیة الاقتصاد العالمی التجارة البحریة مرکز المعلومات سلاسل الإمداد التی تواجهها بالإضافة إلى هذه النقاط التی تواجه بشکل کبیر ارتفاع ا توقع أن إلى أن ی توقع عام 2024
إقرأ أيضاً:
الرمال المُتحركة في التجارة العالمية
د. يوسف بن حمد البلوشي **
yousufh@omaninvestgateway.com
تتعرض ساحة التجارة العالمية لتحولات جذرية، مدفوعة إلى حد كبير بالرسوم الجمركية المفروضة من الولايات المتحدة الأمريكية على مُعظم دول العالم، بنسب مُتفاوتة، لدواعٍ استراتيجية تهدف إلى إعادة هيكلة النظام العالمي بحيث تواصل الولايات المتحدة احتفاظها بالهيمنة وتحد من انطلاقة الصين الاقتصادية وكذلك لدواعٍ اقتصادية لإعادة هيكلة الاقتصاد الأمريكي، بحيث يستطيع تقليل العجز في الميزان التجاري، ويُعيد توطين الصناعة ويجتذب المزيد من الاستثمارات إلى الاقتصاد الأمريكي، ولدواعٍ سياسية بحيث تمارس واشنطن الضغط على الدول المختلفة من خلال التفاوض على هذه الرسوم للحصول على صفقات تجارية أكثر فائدة للاقتصاد الأمريكي، بما يضمن حماية أفضل للصناعات الأمريكية، حسب وجهة النظر الأمريكية وكذلك تقديم بعض التنازلات حول قضايا معينة والحد من التعامل مع الصين.
ويُمثِّل هذا التحوُّل في السياسة الجمركية الأمريكية، تحديًا وفرصًا غير مسبوقة في الوقت نفسه. ومن المتوقع أن ينجم عن الرسوم الجمركية المفروضة إرباكًا في سلاسل التوريد العالمية، وانخفاضًا في الطلب العالمي، وتباطؤ التجارة العالمية، وتخفيض معدلات النمو، وتعظيم التوجهات لمزيد من القيود والإجراءات الحمائية، وقد يتحول الوضع إلى حرب تجارية عالمية شاملة، وخاصةً أن دول العالم لن تقف مكتوفة الأيدي حيال تعرض اقتصاداتها للتهديد.
وتشير الإحصاءات إلى أنَّ العديد من الدول، مثل: الصين وفيتنام والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، استفادت من التصدير إلى السوق الأمريكي العملاق، وأن فرض الرسوم الجمركية الجديدة قد غيَّر المشهد التنافسي بشكل جذري. وقد تواجه هذه البلدان رسومًا مُتزايدة على تصدير سلعها، مما يخلق حافزًا قويًا للمُصنِّعين داخل هذه الدول للبحث عن مواقع إنتاج بديلة من شأنها أن تسمح لهم بالحفاظ على الفعالية من حيث التكلفة والوصول إلى السوق الأمريكية.
وفي السياق المحلي وبفضل موقعها الجغرافي الاستراتيجي، وقدراتها الصناعية المُتوَسِّعة، واتفاقية التجارة الحرة المُهمة مع الولايات المتحدة، فإنَّ سلطنة عُمان في وضع جيِّد لجذب مثل هذه الشركات التي تبحث عن مواقع إنتاج ذات تكلفة جمركية أقل لدخول السوق الأمريكي.
ونظرًا لصغر حجم التبادل التجاري بين السلطنة والولايات المتحدة والذي لا يزيد عن 3% من إجمالي حجم التجارة الخارجية لعُمان، فإنه من المتوقع أن يكون التأثير المباشر للرسوم الجمركية محدودًا، لكن تأثيرها غير المباشر المُتمثِّل في انخفاض الطلب العالمي، وخاصةً صادرات الصين (التي تستورد أكثر من 90% من النفط العُماني) إلى الولايات المتحدة، وتراجع معدلات النمو العالمي؛ الأمر الذي سينعكس بشكل واضح على الطلب على النفط، ومن ثم انخفاض أسعاره.
والأرقام توضح أن قطاع النفط مثَّل في متوسط السنوات الأربعة الأخيرة أكثر من 33% من الناتج المحلي الإجمالي، و74% من الإيرادات العامة، و72% من إجمالي الصادرات. ومن الممكن أن تؤدي الرسوم الجمركية إلى زيادة تدفقات السلع إلى السوق المحلي، نتيجةً لمحاولة تصريف السلع التي تم إعادة توجيهها بسبب الرسوم الأمريكية. ومن المحتمل أن ترتفع أسعار بعض السلع المُستورَدة نتيجة للاضطرابات الناجمة من التحولات المهمة للرسوم الجمركية وتداعياتها على مختلف الأسواق، وما يُقابلها من إجراءات مُضادة وإعادة هيكلة سلاسل الإمداد العالمية.
الجانب المضيء في هذه القضية، أنه على الرغم من أن العديد من الدول قد تتأثر سلبًا بالآثار المترتبة على هذه الرسوم الجمركية، فإنَّه يمكن لسلطنة عُمان- نسبيًا- تعظيم الاستفادة من هذه التحولات، ومحاولة اجتذاب الاستثمارات الأجنبية- وخاصةً من الدول التي تعرضت لفرض رسوم جمركية مرتفعة- بما يُساعدها على تسكين استثماراتهم في السلطنة، ومن ثم التصدير إلى السوق الأمريكي، وخاصة مع وجود اتفاقية التجارة الحرة ومواقف السلطنة السياسية المُتزِنة وموقعها الجغرافي.
اتفاقية التجارة الحرة بين عُمان والولايات المتحدة تُمثِّل حجر الزاوية في المزايا التنافسية لسلطنة عُمان، ولذلك يجب تسليط الضوء عليها بشكل مُكثَّف، بما ستوفره للمصنعين من تخفيض كبير في الرسوم الجمركية والحواجز التجارية على مجموعة واسعة من السلع والخدمات؛ مما يوفر للمصنعين من سلطنة عُمان ميزة كبيرة، لا سيما عند مقارنتها بالشركات العاملة في البلدان ذات الرسوم الجمركية المرتفعة.
وحفَّزت اتفاقية التجارة الحرة بالفعل زيادة ملحوظة في تجارة البضائع الثنائية بين البلدين؛ ففي السنوات العشر التي أعقبت تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة، زادت تجارة السلع بين الولايات المتحدة وسلطنة عُمان بأكثر من 50%؛ لتصل إلى أكثر من 3 مليارات دولار بحلول عام 2019. وبحلول عام 2023، ارتفع هذا الرقم إلى ما يقدر بنحو 3.5 مليار دولار أمريكي. والأهم من ذلك، أن وصول السلع العُمانية الصنع مُعفاة من الرسوم الجمركية أو برسوم مخفضة إلى السوق الأمريكية، على النحو المنصوص عليه في اتفاقية التجارة الحرة، من شأنه أن يُزيل عقبة رئيسية في التكلفة، ويضع عُمان كموقع تصديري جذاب للغاية للشركات الأمريكية.
وتتأهب قطاعات التصنيع في سلطنة عُمان لتحقيق نمو فعلي في هذه البيئة التجارية الجديدة، مثل قطاع البلاستيك، وهو بالفعل مُصدِّر كبير للولايات المتحدة، ومن المتوقع أن يُحقق مكاسب لافتة.
ومع فرض رسوم جمركية أمريكية مرتفعة على البلاستيك من كبار المُصدِّرين العالميين، أصبح المصنعون العُمانيون الآن في وضع مُتميز لتوسيع حصتهم في السوق الأمريكية.
وكذلك الحال في قطاع الألمنيوم والمعادن الأساسية، الذي يعد مجالًا آخر للفرص الواعدة في النمو؛ حيث تُعزِّز التعريفات الجمركية الجديدة للولايات المتحدة على واردات الصلب والألمنيوم القدرة التنافسية للمنتجين العُمانيين في السوق الأمريكية.
وفي حين أن صادرات عُمان الحالية من الآلات إلى الولايات المتحدة صغيرة نسبيًا، فإنَّ مشهد التعرفة الجمركية المتطور، يمكن أن يخلق فرصًا مُتخصصة، لا سيما في الآلات الصناعية المتخصصة.
وتمتد المزايا الاستراتيجية لسلطنة عُمان إلى ما هو أبعد من اتفاقية التجارة الحرة؛ إذ إنَّ الموقع الجغرافي للبلاد، على مفترق طرق آسيا وإفريقيا وأوروبا، يجعلها مركزًا حيويًا للشحن الدولي والخدمات اللوجستية. وقد استثمرت عُمان بكثافة في تطوير بنيتها الأساسية الصناعية؛ بما في ذلك المناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة، التي تجذب المستثمرين الدوليين بشكل مُتزايد. وتسعى الحكومة بنشاط لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، وتقدم حوافز متنوعة مثل الملكية الأجنبية الكاملة في معظم القطاعات، والإعفاءات الضريبية، والإعفاء من الرسوم الجمركية، لا سيما داخل مناطقها الحرة. وتعمل مبادرات مثل منصة "استثمر عُمان" على تبسيط عملية الاستثمار، ويُعزِّز برنامج إقامة المستثمر جاذبية عُمان. علاوة على أن سلطنة عُمان تُركِّز أيضًا على التحوُّل الرقمي والتصنيع الذكي لتعزيز كفاءة قطاعها الصناعي وقدرته التنافسية.
ولضمان الاستفادة الكاملة من هذه الفرص، يتعين على سلطنة عُمان تبنِّي نهج استباقي واستراتيجي. ومن الأهمية بمكان إطلاق حملة ترويج استثمار مُستهدفة، لجذب الشركات في البلدان الأكثر تضررًا من التعريفات الجمركية الأمريكية الجديدة. ويجب أن تؤكد هذه الحملة على مزايا نقل عمليات التصنيع إلى سلطنة عُمان، لا سيما الوصول المُعفَى من الرسوم الجمركية إلى السوق الأمريكية. ومن الأمور الحيوية أيضًا تقديم حزم حوافز مخصصة، وتطوير مناطق صناعية متخصصة، والاستثمار في تدريب القوى العاملة.
ولا يفوتنا هنا أن نُشير إلى أن الموقع الجغرافي لسلطنة عُمان يوفر إمكانية إعادة توجيه البضائع، وجدوى هذه الميزة الاستراتيجية تتوقف على الالتزام الصارم بقواعد "بلد المنشأ" للاتفاقية الاتحادية للتجارة الحرة بين الولايات المتحدة وسلطنة عُمان؛ لأنَّ إعادة شحن البضائع ببساطة عبر عُمان، دون تصنيع كبير أو مُعالجة ذات قيمة مضافة، لن تؤهلها للدخول مُعفاة من الرسوم الجمركية إلى الولايات المتحدة. وصُمِّمَت اتفاقية التجارة الحرة لتعزيز النشاط الاقتصادي الحقيقي، فيما تهدف قواعد المنشأ الخاصة بها إلى ضمان أن المعاملة التعريفية التفضيلية تعود بالفائدة على السلع التي يتم إنتاجها بالفعل أو تحويلها بشكل كبير داخل سلطنة عُمان. وهذا يستلزم جذب عمليات التصنيع التي ترتكز على قيمة مضافة كبيرة داخل سلطنة عُمان.
ولتعظيم نمو الصادرات إلى الولايات المتحدة بموجب اتفاقية التجارة الحرة، يجب على سلطنة عُمان أن تستهدف بشكل استراتيجي التصنيع في القطاعات التي تتمتع فيها بنقاط القوة الحالية أو المزايا المُحتملة، وضمان التحول الكبير للمواد غير الأصلية، والامتثال الكامل لقواعد المنشأ الخاصة باتفاقية التجارة الحرة. ويشمل ذلك: الاحتفاظ بسجلات دقيقة والتعامل مع الجمارك الأمريكية وتوفير وثائق شفافة.
ومن وجهة نظرنا، تُمثِّل الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة والمزايا الاستراتيجية لعُمان "فرصة ذهبية" لسلطنة عُمان، لتصبح لاعبًا أكثر فاعلية وبروزًا في سلاسل الصناعة والتجارة حول العالم. وذلك من خلال ما يلي: تعظيم الاستفادة من اتفاقية التجارة الحُرة، والعمل على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاعات ذات الإمكانات العالية بشكل استراتيجي، خاصةً من الدول التي تتعرض لرسوم جمركية مرتفعة مثل الصين وفيتنام، وكذلك التركيز على وضع استراتيجية وسياسات المحتوى المحلي وضع التنفيذ السريع؛ حيث لا بُد من التركيز على الداخل ورفع كفاءة الإنتاج ودعم الشركات العُمانية، لا سيما تلك التي تسعى لدخول السوق الأمريكي.
إنَّ الدرس الأهم الذي تُسطِّره الأحداث الأخيرة هو كيفية تسخير السياسات العامة المالية وغيرها لإعادة التوازن في جانبي الدورة الاقتصادية من خلال التحفيز والدعم والمساندة لجوانب التحصيل والمدخلات للعملة الصعبة من خلال الصادرات من السلع والخدمات وجذب الاستثمارات وكذلك من خلال رفع الرسوم ووضع الاشتراطات للحد من سرعة خروج الأموال من الاقتصاد مقابل الواردات من السلع والخدمات وتحويلات الأرباح.
** مؤسس البوابة الذكية للاستثمار والاستشارات
رابط مختصر