السلاح خارج السيطرة: خطر المليشيات على سيادة الدولة السودانية
تاريخ النشر: 8th, January 2025 GMT
تُعتبر قضية المليشيات المسلحة واحدة من أكبر التحديات التي تواجه الدولة السودانية اليوم، لا سيما في ظل الحرب المستعرة التي تعصف بالبلاد وتعيد تشكيل موازين القوى داخلها. تُبرز تصريحات قائد "كتائب البراء بن مالك"، المحسوبة على التيارات الإسلامية والمقاتلة ضد قوات الدعم السريع، خطورة الوضع الراهن. هذا القائد، بإعلانه رفض التفاوض وتمسكه باستمرار القتال، يعكس ملامح أزمة أعمق تتعلق بدور المليشيات المسلحة في تحديد مصير البلاد، وهو دور يتجاوز في خطورته إطار المواجهات العسكرية، ليهدد بنية الدولة واستقرارها على المدى البعيد.
وجود المليشيات المسلحة خارج نطاق السيطرة المركزية للدولة يمثل تقويضاً مباشراً لسيادتها. فحينما تصبح هذه الجماعات قادرة على اتخاذ قرارات مصيرية، مثل استمرار الحرب أو وقفها، فإن هذا يعكس ضعف الدولة وانقسامها أمام أطراف متعددة تملك السلاح والنفوذ. المليشيات في السودان ليست مجرد أدوات قتالية بل باتت جهات مستقلة تمتلك أجنداتها الخاصة، مدفوعة بحسابات سياسية وأيديولوجية واقتصادية. هذا الوضع يعزز استدامة الصراع ويحول دون تحقيق السلام، حيث يصبح لكل مليشيا مصالحها الخاصة التي تجعل من الصعب الوصول إلى حلول توافقية شاملة.
الخطورة الأكبر تتمثل في استدامة وجود هذه المليشيات حتى بعد انتهاء الحرب. التاريخ السوداني مليء بالأمثلة على اتفاقيات سلام تضمنت وعوداً بنزع السلاح ودمج أفراد المليشيات في الحياة المدنية. مع ذلك، غالباً ما ظلت هذه الوعود حبراً على ورق. فالسلاح بالنسبة للمليشيات ليس مجرد أداة للقتال، بل وسيلة للنفوذ والبقاء. وعليه، فإن أي حديث عن إنهاء الحرب دون معالجة حقيقية لهذه الأزمة سيكون ضرباً من الوهم. استمرار وجود المليشيات المسلحة يشكل تهديداً دائماً لاستقرار الدولة، إذ يمكن أن يعيد إشعال الصراعات في أي لحظة أو أن يُستخدم لفرض شروط سياسية بالقوة، وهو ما يعيد البلاد إلى دائرة العنف وعدم الاستقرار.
التصريحات الصادرة عن قادة المليشيات، مثل "كتائب البراء"، تُبرز حقيقة أن هذه الجماعات لا ترى نفسها مجرد أدوات عسكرية بل جهات فاعلة سياسياً، تسعى لضمان موقع لها في المشهد السوداني المستقبلي. هذا الدور المتنامي للمليشيات المسلحة يضعف سلطة الجيش النظامي ويؤسس لحالة من تعدد مراكز القوة العسكرية، وهو أمر يزيد من تعقيد المشهد السوداني. حتى في حال توقفت الحرب، سيظل وجود هذه المليشيات عقبة رئيسية أمام بناء دولة مدنية مستقرة، ما لم يتم نزع سلاحها بصورة منهجية ووضع حد لتأثيرها على القرارات الوطنية.
معالجة هذه الأزمة تتطلب خطة شاملة تتجاوز الحلول المؤقتة. يجب أن تبدأ بإصلاح الجيش ليصبح مؤسسة وطنية تمثل جميع السودانيين، بعيداً عن الولاءات السياسية أو الجهوية. كما أن هناك حاجة ملحة لعملية نزع سلاح منظمة وفعالة، تتضمن ضمانات للمقاتلين وبدائل اقتصادية تساعدهم على الاندماج في المجتمع. ولتحقيق ذلك، يجب أن تكون هناك إرادة سياسية قوية تدعمها قوانين صارمة تمنع حمل السلاح خارج إطار الدولة، مع آليات واضحة للمساءلة. هذه الخطوات يجب أن تترافق مع جهود وطنية للمصالحة الشاملة، بحيث يشعر الجميع بأنهم جزء من مستقبل البلاد، وأن حمل السلاح لم يعد ضرورة لتحقيق الأمن أو النفوذ.
الدور الإقليمي والدولي سيكون حاسماً أيضاً في دعم السودان للتخلص من هذه الأزمة. المجتمع الدولي مطالب بتقديم المساعدة في نزع السلاح وإعادة الدمج، إلى جانب الضغط على الأطراف المختلفة لوقف الدعم الذي تتلقاه المليشيات من الخارج. كما أن تحقيق الاستقرار يتطلب تعاوناً إقليمياً لضمان عدم استخدام السودان كساحة لتصفية الحسابات أو لتمرير أجندات خارجية.
في نهاية المطاف، فإن استمرار المليشيات المسلحة كجهات مستقلة يعني بقاء السودان في دائرة الخطر. هذه الجماعات ليست فقط جزءاً من المشكلة الحالية، بل تمثل تهديداً مستقبلياً لأي أفق سلام واستقرار. إذا لم يتم التعامل مع هذه القضية بحزم، فإن السودان سيظل رهينة للصراعات المسلحة والفوضى. معالجة أزمة المليشيات تتطلب رؤية شاملة وإرادة وطنية حقيقية لضمان عودة الدولة إلى مسارها الطبيعي كجهة وحيدة محتكرة للسلاح والقوة، وهو ما يعد شرطاً أساسياً لأي سلام دائم ومستقبل أفضل للسودان.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الملیشیات المسلحة
إقرأ أيضاً:
الإمارات تقر نظام العمل عن بعد من خارج الدولة في الحكومة الاتحادية
ترأس صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، اليوم اجتماعاً لمجلس الوزراء بقصر الوطن في أبوظبي، حيث تعتزم الإمارات رفع مخزون الاستثمار الأجنبي في الدولة من 800 مليار درهم إلى 2.2 تريليون درهم خلال السنوات الست القادمة بإذن الله.
وقال سموه عبر منصة إكس: «ترأست اليوم اجتماعاً لمجلس الوزراء بقصر الوطن بأبوظبي.. أقررنا في بدايته استراتيجيتنا الوطنية للاستثمار خلال الست سنوات القادمة.. الهدف سيكون رفع المعدل السنوي لتدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة من 112 مليار درهم في 2023... إلى 240 مليار درهم في 2031..».
وأضاف سموه: «ورفع مخزون الاستثمار الأجنبي في الدولة من 800 مليار درهم إلى 2.2 تريليون درهم خلال السنوات الست القادمة بإذن الله».
وتابع سموه: «وستركز الاستراتيجية على قطاعات الصناعة، والخدمات اللوجستية، والخدمات المالية، والطاقة المتجددة وتقنية المعلومات..».
وأضاف سموه: «الإمارات مستمرة في تطوير الاقتصاد.. وفتح الأسواق.. وجذب الاستثمارات.. وخلق أفضل بيئة للأعمال عالمياً بإذن الله».
وتابع سموه: «وفي الشؤون الحكومية، اعتمدنا اليوم في مجلس الوزراء نظام العمل عن بعد من خارج الدولة في الحكومة الاتحادية.. والذي يهدف إلى الاستفادة من الكفاءات والخبرات العالمية المتواجدة خارج الدولة في تنفيذ المشاريع أو الدراسات أو المهام التخصصية لدى الجهات الاتحادية».