القرار الأميريكي بفرض عقوبات على الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي" قائد قوات الدعم السريع يعكس أبعاداً سياسية تتجاوز البعد الإنساني الذي تبرر به واشنطن خطواتها. فمن الناحية التحليلية يظهر القرار تركيزاً على معاقبة طرف واحد في الصراع ما قد يؤدي إلى تعقيد المشهد السوداني بدلاً من تهدئته ورغم الإشارة إلى ما تم تسميته ب"الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع" إلا أن تجاهل جرائم القوات المسلحة السودانية المثبتة والموثقة يثير تساؤلات حول انتقائية القرار ؛ ما قد يفهم كخطوة سياسية لتوجيه الضغط نحو جهة معينة دون غيرها.

من منظور تاريخي العديد من العقوبات الأميريكية السابقة لم تحقق أهدافها المنشودة؛ فمثلاً العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية منذ عقود عززت عزلة النظام دون أن تغير سلوكه؛ وبالمثل العقوبات الاقتصادية على العراق في التسعينيات ألحقت أضراراً جسيمة بالسكان المدنيين لكنها فشلت في إسقاط النظام آنذاك؛ إذاً هذه التجارب توضح أن العقوبات الفردية خاصة إذا لم تكن جزءً من استراتيجية شاملة قد تزيد من تعقيد الأزمات بدلاً من حلها. التوقيت المتأخر للقرار قبيل نهاية فترة بحكم "جو بايدن" يعكس دلالات سياسية واضحة فمن جهة يظهر رغبة الإدارة الأميريكية التي توشك على مغادرة مكانها في ترسيخ إرثها عبر التأكيد على التزامها بحقوق الإنسان ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم ومن جهة أخرى يمكن تفسيره كتحرك يهدف إلى تقييد خيارات الإدارة القادمة خاصة إذا كانت تحمل توجهاً مختلفاً بشأن السياسات الخارجية. الأزمة السودانية تتطلب حلولاً شاملة تتجاوز العقوبات الفردية ؛ ومع غياب رؤية دولية موحدة ومعالجة أسباب الصراع مثل تفكك المؤسسات وضعف الهياكل السياسية فإن القرارات العقابية قد تزيد من الانقسامات خاصة إذا لم ترافقها جهود جادة لتعزيز الحوار بين الأطراف المتصارعة، وعلاوة على ذلك تثير خطوة فرض العقوبات دون دعم واضح من الأمم المتحدة أو تفاعل حقيقي مع الشركاء الإقليميين شكوكاً حول قدرة هذه السياسة على تحقيق الاستقرار في السودان ما يجعل القرار أكثر ارتباطاً بالأجندة السياسية الأميريكية بدلاً من كونه وسيلة فعالة لتحقيق السلام. أمر شديد الأهمية وهو أن العقوبات الفردية تفتقر إلى بعد استراتيجي طويل الأمد إذ إنها قد تحفز الأطراف المستهدفة على البحث عن حلفاء جدد ما يخلق توازن قوى غير مستقر؛ وبالضبط في الحالة السودانية حيث تتشابك المصالح الإقليمية والدولية فإن العقوبات وحدها قد تساهم في تعزيز استقطاب وانقسام دوليين دون الدفع نحو الحلول السياسية المستدامة كما يعزز القرار الأميريكي حالة من عدم اليقين في السودان ما يصعب من إمكانية إجراء محادثات سياسية حقيقية بين مختلف القوى الفاعلة. بمنتهى الثقة يمكن التأكيد على أن العقوبات المفروضة على حميدتي قد تؤدي إلى تصعيد الوضع في السودان إذ ستسهم في تعزيز معسكره وموقفه العسكري من خلال البحث عن مصادر تمويل وموارد بديلة؛ كذلك في سياق الصراع السوداني المعقد تفتقر هذه العقوبات إلى حلول لمشاكل الشعب السوداني اليومية؛ وطالما أن فشل المجتمع الدولي في تقديم استراتيجيات شاملة لإعادة بناء المؤسسات السودانية مستمر فإن العقوبات لن تساهم في إيجاد حل دائم للأزمة السياسية والإنسانية.
lanamahdi1st@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

واشنطن تفرض عقوبات على حميدتي قائد قوات الدعم السريع السودانية

قال مصدران دبلوماسيان أمريكيان لوكالة رويترز للأنباء، إن الولايات المتحدة الأمريكية ستعلن فرض عقوبات على قائد قوات الدعم السريع السودانية محمد حمدان دقلو، "حميدتي".

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، دعت الحكومة السودانية المجتمع الدولي إلى تصنيف قوات الدعم السريع جماعة إرهابية، مشددة على أن التصعيد الممنهج للمذابح والفظائع من القوات التي يتزعمها دقلو ضد المدنيين يهدف لاستدعاء التدخل العسكري الدولي في السودان.

واتهم المتحدث باسم وزارة الخارجية السودانية، بابكر الصديق، قوات الدعم السريع بارتكاب مذبحة جديدة في مدينة الهلالية، بولاية الجزيرة، وسط السودان، حيث تجاوز عدد القتلى 100 شخص قتلوا بالرصاص أو نتيجة للتسمم الغذائي، وافتقاد الرعاية الطبية لمئات المدنيين من رجال ونساء وأطفال تحتجزهم رهائن في مواقع مختلفة من المدينة.

وقال الصديق، إن هذه الجريمة البشعة جاءت بالتزامن مع بيانات الإدانة الدولية للمذابح التي نفذتها قوات الدعم السريع، الأسبوعين الماضيين، في قرية السريحة وعشرات القرى الأخرى والمدن في شرق ولاية الجزيرة، وقتل خلالها المئات من المدنيين، في حملات انتقامية مروعة استهدفت المدنيين العزل، بعد انشقاق عدد من قادة قوات الدعم السريع وعناصرها.

وأضاف: "تتزامن المذبحة الشنيعة مع حملة انتقامية وحشية مشابهة تنفذها قوات الدعم السريع ضد القرويين العزل في شمال دارفور، بعد فشل هجماتها المتكررة على الفاشر، حيث حرقت خلالها أكثر من 40 قرية في الولاية".

وأوضح أن قوات الدعم السريع لا تعبأ بالإدانات اللفظية، أو القرارات الدولية غير المسنودة بإجراءات حاسمة لضمان تنفيذها، كما حدث مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2736 الصادر منذ قرابة ستة أشهر، الذي طالب قوات الدعم بفك الحصار عن مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور وعدم استهداف المدنيين. مبينا أنها ردت عليه بتصعيد قصفها للمدنيين ومعسكرات النازحين بالفاشر، على عكس ما طالبها به القرار.

وأكدت الخارجية السودانية، أن التصعيد الممنهج للمذابح والفظائع التي ترتكبها قوات الدعم السريع ضد المدنيين يهدف لاستدعاء التدخل العسكري الدولي في السودان، تحت ذريعة حماية المدنيين، بما يمكّن قوات الدعم السريع من تجنب الهزيمة العسكرية، والاحتفاظ بالمواقع التي تحتلها.

وطالبت الوزارة المجتمع الدولي بعدم الاستجابة لـ"الابتزاز الإرهابي" بطرح فكرة التدخل الدولي، مشيرة إلى أن المطلوب هو تصنيف قوات الدعم السريع جماعة إرهابية، وملاحقة قياداتها وعناصرها كمطلوبين للعدالة الدولية، واعتبار كل من يساعد أو يدعم قوات الدعم السريع أو يستضيف قياداتها والمتحدثين باسمها راعيا للإرهاب وشريكا في جرائمها.

مقالات مشابهة

  • “حكومة صنعاء” لهذا السبب أوقفنا استيراد “الدقيق”
  • وزارة “الموارد البشرية” تُحدّث معايير العمالة المساندة
  • المصطلح في الثقافة السياسية السودانية
  • بلينكن: حميدتي ارتكب فظائع ممنهجة ضد الشعب السوداني
  • الصافي: عقوبات «واشنطن» ضد «حميدتي» تعيق السلام في السودان
  • العقوبات الأمريكية على رأس المليشيا حميدتي (مؤشر توافق ام صفقة)
  • عقوبات أميركية تستهدف قوات “الدعم السريع” السودانية وشركة بالإمارات مرتبطة بها
  • واشنطن تفرض عقوبات على حميدتي قائد قوات الدعم السريع السودانية
  • التعايشي يفجر مفاجأة : حميدتي حيٌ يُرزق ويرد على مقترح “تقدم” تشكيل حكومة منفى