المصطلح في الثقافة السياسية السودانية
تاريخ النشر: 8th, January 2025 GMT
زين العابدين صالح عبد الرحمن
عندما جئت إلي القاهرة في 7 أكتوبر 2024م، أي بعد غياب امتد إلي سنة و نصف من بداية الحرب في 15 إبريل 2023م، في تلك الفترة قد كنت وصلت القاهرة قبل بداية الحرب أريد الصوم فيها، ثم أنتقل في العشرة الأواخر للخرطوم لحضور عيد الفطر المبارك، و لكن الحرب اقعدتني شهرين في القاهرة..
هناك البعض الذين يستغلون المناسبات الاجتماعية لإدارة حوار بالقدر الذي يسمح به المكان، و هي فرصة أن يلتقي الشخص بالعديد من القيادات السياسية، و من خلالها تتم عملية الإرتباط بمواعيد لإجراء حوار أو طرح أسئلة تبحث لها عن إجابات.. أما طرح القضايا السياسية كل قوى سياسية تدير شأنها بعين عن الآخرين و داخل غرف مغلقة تماما، و الأغلبية تتلقى المعلومات من الإعلام أو من الوسائط الاجتماعية داخل القروبات المختلفة.. مقرنة القاهرة اليوم بفترة النضال التي كانت تقودها القيادات السياسية زمن " التجمع الوطني الديمقراطية" مختلفة تماما، ن ناحية النشاط السياسي و تعدد منابره و حتى في الطرح السياسي..
في فترة الثلاث أسابيع الأولى من زيارتي للقاهرة، كنت مشغولا بطباعة الكتب التي ساعدني فيها كثيرا الصحافي محمد شيخ الحسين، و أيضا الأستاذ الدكتور خالد عثمان رئيس تحرير جريدة المهاجر التي تصدر في أستراليا و صاحب دار التبلدي للنشر، حيث قام بالتصميم للكتب و تصميم غلافاتها.. و استلمتها الكتب بعد الطباعة دار المصورات للطباعة و النشر.. بعد الأنتهاء من الطباعة و التوزيع.. تفرغت للزيارات و تلبيت الدعوات الاجتماعية.. في لقاء سياسي على دعوة للغداء مع بعض قيادات و ناشطين سياسيين من مختلف التيارات الفكرية،، كنت استمع لمعرفة رؤى الآخرين حول الحرب و الآراء المطروحة بهدف إيجاد حل سياسي، أو ما هو المطلوب بعد الإنتهاء من الحرب إذا كان بانتصار الجيش أو عبر أي منبر للتفاوض، ملاحظتي الأولى أن الأغلبية تستخدم مصطلحات هي لا تعرف مضامينها.. معلوم أي مصطلح سياسي له نشأة هي التي تحدد هويته و انتمائه، و أي مصطلح له حمولات سياسية يحددها مكان الأنتماء و أيضا له أدوات خاصة هي التي تحقق مكانته في الواقع.. البعض يجهل لذلك و يعتقد أن ترديد المصطلحات هو نفسه يعطي المستخدم هوية سياسية مطلوبة للتمييز.. العديد من التنظيمات السياسية تدفع بالمصطلحات التي تريد انتشارها لهؤلاء.. و عندما تسأل الشخص ما هو المقصود من المصطلح الذي يردده يغضب اعتقادا أن السؤال الهدف منه الاستفزاز و ليس المعرفة، و عندما تشرح له أن القصد بالفعل أن يستخدم المصطلح وفقا لحمولاته السياسية التي انتج لها من موطن النشأة الفكرية، يعتقد ذلك جدلا غير معني به..
القضية الأخرى.. عندما تختلف مع شخص في أطروحته و تبين جوانب ضعفها لا يتردد أن يصاحب ذلك بقولة " هذه تخدم الكيزان و الفلول" عندما تقول له كيف؟ لا تجد عنده إجابة..! هو حامل اسفار مثل قول الله " كالحمار يحمل أسفارأً" لآن بعض القوى السياسي في حاجة للذين يرددون الشعارات دون فهمها.. قلت في الحوار للبعض الذين سألوني ما هو موقفك من الكيزان و الفلول؟ قلت أن الكيزان و الفلول جزء من الأزمة مثل بقيت القوى السياسية الأخرى.. و حتى الكيزات و الفلول يعلمون أن مشروع الجبهة الإسلامية القومية السياسي قد سقط و لم يعد مفيدا لذلك لابد من المراجعة. و بدأ البعض في تقديم هذه المراجعات من خلال تنظيمات جديدة مثل "حركة المستقبل للإصلاح و التنمية... الحركة الوطنية للبناء و التنمية.. الإصلاح الآن .. المؤتمر الشعبي أصبح كتلتين و غيرها من التنظيمات التي تفرعت منها، مما يدل أنهم يجرون مراجعات فكرية.. أما الذين يرددون " الكيزان و الفلول" هم الذين يخلقون لهم هالة أكبر من الحجم الطبيعي في المجتمع.. فالنظرة الموضوعية للقضايا بعيدا عن الحساسيات الزائدة هي الطريق إلي الإصلاح، و الخروج من عنق الزجاجة..
أن واحدة من أهم إشكالية العمل السياسي هو غياب دور الطبقة الوسطى في المجتمع، و التي تأثرت بحالة التدهور الاقتصادي في البلاد، لذلك غاب دورها الاستناري في المجتمع.. و أيضا حالة الجمود التي اصابت قوى اليسار بشقيها الماركسي و القومي، حيث أصبحت قوى سياسية مراقبة و لست لها فاعلية منظورة في الصراع الدائر ألآن.. باعتبار أن الحراك السياسي للتيارات الفكرية في المجتمع هو الذي يخلق وعيا سياسيا جديدا، لكن حالة الجمود الفكري هي التي تتسبب في تعميق الأزمة أكثر.. فالنظر للأزمة من جوانب المختلفة مسألة ضرورية تسمح للعقل أن يشتغل بصورة إيجابية، أما محاولة الوقوف في محطة واحدة لكي تجعل الشخص يردد صباحا و مساء " الكيزان و الفلول" دلالة على غياب العقل و الفكر في العملية السياسية، و لا تقود إلي الموضوعية في الحوار الذي يأمل أن يفضي إلي توافق وطني.. إذا كانت النخب السياسية و المثقف تسلك سلوك العامة تكون دلالة على ضعف المنتوج للثقافة الديمقراطية.. نسأل الله حسن البصيرة
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الکیزان و الفلول فی المجتمع
إقرأ أيضاً:
رمضان يخفف من قساوة التحديات التي يواجهها رواد الأعمال السودانيون
لم يجد رجل الأعمال مشعل محمود محمد مناصا من مغادرة الخرطوم بحري بعد اندلاع الحرب في السودان منتصف أبريل/نيسان 2023، متوجها إلى إثيوبيا.
كان مشعل يعمل في الخرطوم بالاتجار بقطع غيار آليات الورش، ونجح في تحقيق أرباح جيدة، وظل يعمل في هذا المجال حتى اندلاع الحرب، حيث خسر معارضه التجارية ومنزله وسياراته.
يقول مشعل لـ"الجزيرة نت" إنه خسر كل شيء، حيث سُرقت جميع محلاته ومعرضه في مدينة بحري (شمالي العاصمة)، مما دفعه إلى المغادرة في مايو/أيار 2023.
وبعد وصوله إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا برفقة أسرته، فكر على الفور في العودة إلى مجاله السابق، لكنه واجه واقعا تجاريا مختلفا تماما عن السودان من حيث رأس المال والإجراءات.
وبعد تفكير، يقول مشعل إنه اتخذ قرار افتتاح مطعم لإعداد الوجبات السودانية، خاصة أن الفترة تلك شهدت وصول أعداد كبيرة من السودانيين إلى إثيوبيا لاستكمال إجراءات السفر إلى دول أخرى.
وخلال شهر رمضان من العام الماضي، كان مطعم مشعل يلبي طلبات مواطني بلاده على الإفطار والعشاء بأطباق سودانية ذائعة الصيت، لاقت رواجا كبيرا، خاصة مع تقديم المشروبات الرمضانية السودانية المعروفة، ومنها "الحلومر".
إعلانويوضح مشعل لـ"الجزيرة نت" أن طبيعة العمل كانت في البداية صعبة للغاية في ظل الحاجة إلى تحضيرات متواصلة من دون توقف أو إجازات، حيث كان لزوجته الدور الأكبر في إدارة العمل وتحريكه بشكل رئيسي، ولذلك قرر تسمية المطعم بـ"البيت السوداني"، لأن زوجته تعدّ الطعام كما تفعل في المنزل.
وبالعودة إلى بداية العمل، يرى مشعل أنه كان مزدهرا، حيث كان عدد السودانيين كبيرا، لكنه تراجع حاليا مع تناقص الأعداد وتراجع أرقام العابرين إلى دول أخرى. ومع ذلك، يقول رجل الأعمال الشاب إن الأمور لا تزال تسير على ما يرام، إذ يستعد خلال شهر رمضان الحالي بتحضيرات نوعية، كما يسعى إلى جذب الإثيوبيين وغيرهم لتجربة الطعام السوداني.
ويقول رجل الأعمال خالد بيرم، الذي يشغل أيضا منصب أمين مكتب الشؤون الخارجية للغرفة التجارية بمحلية عطبرة بولاية نهر النيل شمال السودان، إن رمضان هو شهر الخير والبركة، وينعكس كرمه على الجميع.
ويؤكد لـ"الجزيرة نت" أن الحركة التجارية في الشهر الفضيل تُعرف بـ"الموسم"، حيث تزدهر بشكل ملحوظ ويتعاظم الطلب على سلع ومنتجات مختلفة.
ويضيف: "الأعمال والتجارة بشكل عام في السودان خلال الشهر الفضيل تكون في حالة انتعاش ونمو، وتبدأ دائما قبل حلول شهر رمضان بـ10 أيام تقريبا، أو حتى اليوم الذي يسبق بدايته، حيث تشهد الأسواق حركة مكثفة ونشطة".
ويوضح أنه عندما يتعلق الأمر بالمواد الغذائية، فإن الناس يكونون على استعداد لشرائها، وغالبا ما ترتفع أسعارها.
أما فيما يتعلق بالغرفة التجارية في عطبرة، فيشير بيرم إلى أن التجار يقومون بتجهيز سلال للصائمين، تحتوي على المواد الغذائية الأساسية للصائم، كما يقوم بعض التجار بإخراج سلال إضافية لرمضان من أموالهم الخاصة.
إعلانويؤكد بيرم أن هناك حركة واسعة للأموال والتجارة والبضائع، وهذا يزيد الأرباح والدخل، مشيرا إلى أنه كلما زاد الدخل، زاد الإنفاق على الفئات الضعيفة من خلال الصدقات والإكراميات والسلال الغذائية وزكاة الفطر والتبرعات.
ويستطرد قائلا: "اسم رمضان كريم لم يأتِ من العدم، الله يوفّر احتياجات الناس، وهناك حالة من السعادة بين الجميع، بما في ذلك التجار ورجال الأعمال".
صعوبات جمةلمجموعة "أبو الفاضل بلازا" في السودان صيت خاص، خصوصا عند حلول شهر رمضان المبارك، إذ يُعتبر الموسم الذي ينتظره آلاف السودانيين للاستفادة من التخفيضات وشراء المستلزمات المنزلية، حيث تتميز المجموعة بالاستيراد الراقي والأسعار المناسبة.
لكن الحرب ألقت بظلالها القاتمة على المجموعة في كل فروعها المنتشرة في مدن الخرطوم الثلاث (الخرطوم، وأم درمان، والخرطوم بحري)، كما يقول هاشم أبو الفاضل لـ"الجزيرة نت"، حيث خسرت الشركة بضائعها بالكامل إما بالاحتراق أو السرقة أو النهب والتخريب، ولم يتمكنوا من إنقاذ أي شيء باستثناء البضائع التي كانت تحت التخليص الجمركي بالميناء.
ويروي هاشم لـ"الجزيرة نت" سلسلة معاناة صعبة عاشها رواد الأعمال في القطاع الخاص السوداني، بسبب الحرب التي اندلعت فجأة من دون أن يتمكن أصحاب الشركات، خاصة وسط العاصمة الخرطوم، من تدارك الأمر وإنقاذ ما يمكن من رأس المال.
ويشير إلى أن 90% من أصحاب الأعمال عادوا إلى نقطة الصفر، وفقدوا كل شيء تقريبا، ليصبح القطاع الخاص أكبر المتضررين من الحرب المستمرة منذ نحو عامين.
ومع ذلك، يقول هاشم إنهم حاولوا النهوض مجددا والعودة إلى العمل، ورفضوا الخروج بما تبقى من رأس المال إلى خارج البلاد، فقرروا افتتاح فروع جديدة للمجموعة في بورتسودان والعودة للعمل في أم درمان بعد تحسن الأوضاع الأمنية جزئيا.
إعلانلكنه يشكو من تعامل السلطات الحكومية، مشيرا إلى أنها تفرض رسوم جمارك وغيرها من الجبايات بأرقام فلكية، لا تراعي الخسائر الفادحة التي تكبدها القطاع الخاص، ولا تضع في اعتبارها حرص رجال الأعمال على المساهمة في إعادة الإعمار.
ويشبه هاشم أوضاعهم الحالية بمن يمشي على النار، لكنه رغم ذلك يؤكد أنهم حريصون على مواصلة العمل وتجاوز الصعاب الحالية.
خسائر كبيرةوإزاء الأوضاع الاقتصادية في السودان، يقول الخبير في الشؤون الاقتصادية عبد العظيم المهل للجزيرة نت إن القطاع الخاص السوداني خسر الكثير في هذه الحرب قدرت في القطاعين الصناعي والخدمي في الخرطوم بـ90%، وفي ولاية الجزيرة تصل نسبة الخسائر إلى 88% ، أما في ولايات دارفور عدا الفاشر فتقدر الخسائر بـ80% في القطاعين.
ويشير إلى أن تقديرات جملة خسائر القطاع الخاص في كل القطاعات بحوالي 130 مليار دولار 90% منها لا تخضع للتأمين.
ويرى أن القطاع الخاص بحاجة لوقت كي يعود للعمل لكنه يتوقع عودته بنحو أسرع من القطاع العام.
ويأسف المهل لخروج بعض رواد الأعمال في القطاع الخاص من السودان والهجرة للخارج بينما نزح آخرون داخليا وهو ما قد يؤدي إلى تشتت الصناعة والخدمات بعيدا عن العاصمة.
ويرى المهل أن الفجوات تطال كل القطاعات التي ستبدأ من نقطة الصفر ويردف إذا تم ذلك فسوف ينهض الاقتصاد السوداني خلال نحو 3 أعوام، مؤكدا إمكانية التعافي والنهضة في حال وجدت السياسات المستقرة والإدارة الواعية والتكنولوجيا الحديثة في كل المجالات متبوعة بالقبضة الأمنية القوية والاستقرار السياسي.