السعادة هى فن نصنعه بأيدينا، وكذلك التعاسة، قد يعترض كثيرون على مقولتي، مما يجعلني أطرح سؤالا يبدو تقليدي لكنه مهم كوجود الإنسانية جمعاء، "هل يصنع الإنسان حياته وقدره "، نعم يصنع الإنسان حياته وقدره، وأستثني بالطبع من هذا موعد ميلاده وموته، أما رزقه فهو مرتبط بسعيه، وقد لا يأتيه رزقه المالي قدر سعيه مما يغضب له الإنسان ويشعره بعدم عدالة السماء" والعياذ بالله" ، ولكنه لا ينتبه إلى أنه يأخذ رزقه كاملا في باقي نعم الله عليه بها من ستر، صحة، أسرة طيبة، زوجة أو زوج صالح، أولاد، مركز إجتماعي أو علم نافع، وهكذا، وقد لا يدرك كثيرون أن رزق المال هو أدنى الأرزاق، وكم من أثرياء حرموا اشياء كثيرة منها الصحة مثلا مما افقدهم متعة المال، يصنع الإنسان حياته بإختياراته من خلال عقله الذي ميزه الله به عن سائر مخلوقاته، يختار طريق الخير والصلاح لنفسه ولغيره، أو طريق الشر، فقد هدانا الله النجدين لنختار، أما مسألة أننا مسيرون وكل ما نعيشه مقدر ومكتوب، فهو أمر يخلط به الناس مسألة أن المكتوب لا يعني أن الله كتب لنا طريقنا في الحياة بالقلم والمسطرة لنسير عليه مغمضي العينين، بل يعني أن الله يعلم وهو عالم الغيب، يعلم ما سيفعله كل مخلوق من مخلوقاته في حياته، وكيف سيتصرف في النعم التي أنعم عليه بها، وإلا لو كنا نسير وفق خطة مسبقة وضعها الله لنا، لما جعل هناك ثواب وعقاب وجنة ونار، وهي قضية قديمة حسمها الأئمة والشيوخ، لكنى أوردها هنا لزوم ما أريد قوله لنفسي أولا قبل أن اقوله لكم، أن الإنسان هو من يختار كيف يسير حياته، ليس فقط في الدراسة و العمل والتعامل مع البشر غيره لتحقيق مستقبل ناجح وتحدي صعوبات الحياة بإرادة قوية، بل هو من يختار كل تفاصيل حياته، حتى وقوعه في الحب هو إختيار مسبق له، لأن الإنسان يضع في اللاوعى إشتراطات للشخص الذي يمكن أن يحبه فتاة أحلام، فارس أحلام، فإذا صادف هذا الشخص تلاقى هواه النفسي مع الواقع، فوقع في الحب معتقدا أنه لم يختار وأن القدر إختار له هذا الحبيب بكل ما به من خير أو شر قد يتكشف فيما بعد.
ولأن الله سبحانه أورثنا الأرض بعد أن نفخ فينا من روحه، فلا يصح أن نهمل ونتغافل ونتكاسل، ونلقى بلائمة الفشل في حياتنا على ما كتبه الله لنا وأن هذا هو قدرنا، فهذه أكذوبة نعلق عليها تقاعسنا، فهناك ملايين النماذج في الحياة خلقها الله بعجز وإعاقات لكنها تحدت وحققت نجاحات سجلها التاريخ، وأسوق مثلين فقط، ستيفن وليام هوكينج اشهر عالم فيزياء ولد قعيدا ومعاقا، ولم يستسلم لعجزه، طه حسين لو استسلم لظروف بيته وفقدان بصرة لجعل حياته كلها عتمة وظلاما، ولم يصبح وزيرا ولا عميد الأدب العربي ولم يعرفه العالم، إذا عدم إشتراط الإنسان على الله إكتمال النعم ليسعى وينجح ويسعد في الحياة، هو الرضا الذي يمنح النجاح و السعادة، وإيلاف النعم أي إعتيادها يفقد الإنسان الشعور بها وبأهميتها، فيشعر بالضجر من حياته وعدم الرضا ويطلب المزيد من الله، ولا يتأدب حتى في طلبه من الله بل يطلبها ساخطا غاضبا منكرا كل ما وهبه الله من نعم أخرى، ويوقف كل رضاه وسعادته على ما غاب عنه.
هؤلاء البشر معتادي النعم منكروا فضلها، لو حرمهم الله من نعمة فقط مما إعتادوها كأن يفقد عينا او يدا، جزء من جسده، أو يصاب بمرض يجعله غير قادر حتى على تناول ساندويتش فول كان يزهده ويستنكر تكرار طعمه من قبل بسبب ضيق ذات اليد، عندها سيفيق من غفلته ويتنبه أن الله أسبغ عليه نعما لا تحصى، ومن معتادي النعم من يملأ حياته تشاؤما وبكاء ونواحا مما يلقى به في أتون الشيخوخة والمرض بسرعة بسبب عشقه للهم والغم وتضخيم المشاكل وتهويل الصغائر، ويمكن لشاب أن يصبح عجوزا لهذه الأسباب، فيما يمكن لعجوز ان يظل شابا في مظهره وصحته لتمسكه بالتفاؤل والطاقة الإيجابية والرضا بعطايا الله وحمده وشكره.
مؤمنة أنا بأن عاشق البهجة ستأتية السعادة من حيث لا يدري ولا يحتسب، ومعتنق الحزن سيأتيه الهم والغم من حيث لا يدري أيضا، من يضخم المشاكل ستتضخم، ومن يهون منها ويعمل ما عليه وترك الامر لله مدبر كل أمر ستهون المشاكل وتنفك العقد، مؤمنة ان العمر مجرد رقم في البطاقة، ويمكننا العيش بقلب طفل إذا ما فعلنا ما علينا وفوضنا امرنا لله ونشدنا الرضا وراحة البال ،إجمالا، عاشق الحزن سيحزنه الله، ومحب الفرحة سيرسل الله له الفرح وبصورة بسيطة كالمعجزات، من يتمارض سيمرضه الله لأنه انكر نعمة الصحة، ومن حارب مرضه بالإبتسام والرضا مع الأخذ بأسباب الشفاء سيشفيه الله أو على الأقل سيخفف عنه وطأة المرض، من عاش خائفا من الفقر فهو عبد للشيطان لأن الشيطان هو الذي يعد عباد الله بالفقر ويخوفهم منه، ومن عاش واثقا في غنى الله له بالحلال ولم يهرول للحرام لثقته أن الله سيستره في أحلك أوقاته، سيستره الله بالفعل ويرسل له الرزق الحلال من حيث لا يدرى أو على الأقل لن يدعه في ضائقة الحاجة والذل وسيفرجها عليه ويكفية بما رزقة بإسدال البركة، فمن صبر على الإبتلاء واعتقد إيمانا في قول الله تعالى:" وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ " ، سيرى الخير قادما من قلب ما اعتقد أنه شر، وسيرى النور قادم من حلكة الظلام.
إصنع من أحلامك فراشات واطلقها حولك لتحلق في دائرة من النور، وستجد أن أحلامك تتحقق باذن الله، وسيطوع الله لك كل طاقة الكون والخلق لتتحقق أحلامك مهما طال الإنتظار، فقط إفعل ما عليك من عمل وجهد وحركة في الحياة فليس للإنسان إلا ما سعى، ولا تهنوا ولا تحزنوا، ولا تراقبوا عدد السنين من أعماركم لأنها مجرد رقم .
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مجرد رقم الاخيرة الحب
إقرأ أيضاً:
عظة البابا تواضروس
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قدم قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية الشكر للرئيس عبدالفتاح السيسي لحضوره إلى كاتدرائية ميلاد المسيح وتهنئته للأقباط بعيد الميلاد المجيد، لافتا إلى أن حضوره سبب بهجة وفرح للجميع، مقدما الشكر لكل المسئولين على جهودهم وتعبهم في حفظ أمن واستقرار مصر، في عالم يسوده التوتر والحروب، وأنه علينا أن نكون واحدا وأن نتجنب كل ما يجرح هذه الوحدة وأن نحافظ على بلادنا العظيمة والغالية، وأن كل بلاد العالم في يد الله ولكن مصر في قلب الله، ونحن على الدوام نصلي من أجل كل انسان في مسئولية ليعطي الله سلام وبركة وأن يديم هذه المحبة والسلام على أرض بلادنا.
كما قدم قداسة البابا تواضروس الثاني الشكر في الكلمة التى ألقاها نيابة عنه نيافة الأنبا إرميا الأسقف العام رئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي - للمستشار عدلي منصور رئيس الجمهورية السابق لتلقيه اتصالا هاتفيا للتهنئة بالعيد، مقدما الشكر كذلك للدكتور مصطفي مدبولي رئيس مجلس الوزراء، ورئيسي مجلسي النواب والشيوخ لتهنئتهم بالعيد، وفضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر، وفضيلة الدكتور نظير عياد مفتى الجمهورية، والقيادات الدينية وبيت العائلة المصرية، وكافة الوزراء والمحافظين ورؤساء الهيئات القضائية، والمجالس القومية المتخصصة، والقيادات الأمنية، والدبلوماسيين وأعضاء مجلسي النواب والشيوخ، والشخصيات العامة والإعلاميين.
وقال قداسة البابا تواضروس في عظته خلال القداس الإلهي بكاتدرائية ميلاد المسيح بالعاصمة الإدارية الجديدة إن فرحتنا بعيد الميلاد تزداد بزيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي وتقديم التهنئة للجميع، وفي هذا المشهد الرائع تتجلي وحدة الشعب المصري وتماسكه الدائم.
وقدم البابا تواضروس التهنئة لكل الأقباط في كل مكان في العالم، لافتا إلى أن ميلاد السيد المسيح تكشف عن عدد من القلوب الباردة والقلوب الدافئة، والقلوب الباردة هي البعيدة عن الله وتحيا في الخطية، وتعلمنا الكنيسة قبل بدء الصوم الميلادي المقدس مثل الزارع الذي القاه السيد المسيح، وهو يحكي أن إنسان زارع خرج ليزرع وسقطت منه عدد من البذور علي عدة طرق تمثل القلوب الإنسانية، فسقطت على الطريق وعلى أرض حجرة فأثمر قليلا ثم ماتت الزرعة، والنوع الثالث من القلوب الباردة هي الأرض الشوكية التى تخنق أي زرع في مراحل نموه، فهكذا أيضا بعض قلوب البشر.
وتابع قائلا، إن القلوب الدافئة هي القلوب التى تحيا في الخوف، وهناك نوع آخر ينتظر المكافأة فقط، والأرض الثالثة وهى الأرض التى أعطت ثمارا كاملة وي التى تعمل بالحب، فالأولي تعمل بالخوف من كل شئ، والنوع الثاني الذي يعمل بالأجرة، اما النوع الثالث والأفضل فهو القلب الذي يعمل بالحب، ولأن الله يحبه فهو يحب الله ويحب الأخرين لأن كل إنسان هو خليقة الله، وإذا ارادنا أن نتتبع قصة الميلاد سنجد نوعيات تبرز نوعيات هذه القلوب الدافئة.
وأشار البابا تواضروس إلى أن أول صفة تجعل قلب الإنسان دافئ هو الإنسان الذي يحيا ببساطة، وأصبح عنصر الاستهلاك هو الحاكم في حياة الانسان، اما البساطة تجعل الإنسان قلبه دافئ، وهكذا الرعاة كانت قلوبهم دافئة معتمدين على الله في كل شئون حياتهم، فالحياة البسيطة تجعل روح الإنسان منطلقة، لافتا إلى أن النوع الثاني من أصحاب القلوب الدافئة هم الباحثين عن الحقيقة في عالم ممتلئ بالزيف، فلابد للإنسان أن يبحث عن الحقيقة وهكذا كان المجوس الذين كانوا يعملون في الفلك، وشاهدوا النجم الذي يشير إلى ميلاد ملك في أورشليم وذهبوا في رحلة طويلة إلى أن وقف النجم فوق قرية بيت لحم، وهناك شاهدوا الطفل يسوع مولودا، وقدموا هداياهم "هب ولبان ومر"، وهى لها رموز في حياة السيد المسيح.
وأوضح البابا تواضروس أنه اذا أراد الانسان أن يكون من أصحاب القلوب الدافئة عليه أن يعمل في صمت، وهناك أشخاص يبحثون عن الضوضاء، وينسون أن المديح يأتي من الله في السماء، ومثل هؤلاء الأشخاص الذين عملوا في صمت هو القديس يوسف النجار، ومعني اسمه "الذي يزيد بالنعمة"، مشيرا إلى أن نقاوة القلب تجعل الإنسان قلبه نقيا، فإذا كان قلب الإنسان نقيا من الشر والخطية فأنت من أصحاب القلوب الدافئة، ومثل هذه الشخصيات هي السيدة العذراء مريم والدة السيد المسيح، وكانت تتحلي بالقلب النقي، وأجابت الملاك بعبارة غاية في الاتضاع، وقدمت مثالا في النقاوة القلبية لذلك نسميها "فخر جنسنا" رجالا ونساء.
وذكر أن مشهد آخر لأصحاب القلوب الدافئة من سكان قرية بيت لحم، ووقت ولادة المسيح كان هناك تعداد سكاني، وكان زحام في القرية وعندما جاء القديس يوسف النجار والسيدة العذراء وساعة وضعها قد حانت لم يكن لهما مكان، ولكن صاحب مسكن في قرية بيت لحم لم يقل لهم لا، ولكن قال لهم لدى مزود وهو المكان الذي تأكل فيه الماشية، وهو يمثل قلب الانسان الذي يبحث عن حل، من السهل أن يقول لا، ولكن الأفضل والأعظم أن نبحث عن حلول، وأصبح "بيت لحم" من أشهر الأماكن في العالم، وكلمة بيت لحم تعني "بيت الخبز" او "بيت البركة"، فعندما تساعد الإنسان في حل مشاكله تكون من أصحاب القلوب الدافئة.
ونوه قداسة البابا تواضروس إلى أنه يحتاج إلى الحب والحكمة والرحمة والتى من خلالها يصبح الإنسان قلبه دافئا، ومن هنا يفرح قلب الله ويكون له نصيب في الملكوت.