حرب السودان المنسية.. عندما يمتزج الألم مع الإيمان بالقضاء والقدر
تاريخ النشر: 8th, January 2025 GMT
نشرت صحيفة تايمز البريطانية تقريرا مطولا من داخل السودان لمراسلها أنتوني لويد يسلط الضوء على الصراع الدائر هناك بين الجيش وقوات الدعم السريع، وتأثيراته على المدنيين العزل.
وآثر المراسل أن يستهل تقريره بمشهد يوجز مأساة الحرب المنسية في تلك الدولة، حيث حضر مراسم دفن رجل وطفل في قبر واحد بمدينة أم درمان، التي تشكل هي وشقيقتيها الخرطوم والخرطوم بحري العاصمة المثلثة للسودان.
أما الرجل الذي تجمع حول جنازته المشيعون في مقابر أحمد شرفي، فيدعى محمد عبد السلام (37 عاما)، ويُلقب ببندق، وكان يمتهن حرفة البناء.
وكان بندق يعيش في حي الفتيحاب جنوب غربي أم درمان عندما سيطرت قوات الدعم السريع على المنطقة، واختفى دون أن يُعثر له على أثر، وقد ألقت تلك القوات القبض عليه للاشتباه في كونه متعاونا مع القوات المسلحة السودانية، وأودعته سجن سوبا في الخرطوم دون علم عائلته.
ولكن في نوفمبر/تشرين الثاني، تلقت شقيقته رانيا (40 عاما) مكالمة هاتفية من رجل أخبرها أنه وجد بندق ملقى على قارعة الطريق وتبدو عليه آثار الجوع والضرب، ويوشك على الموت.
هرعت رانيا، ومرت بنحو 38 نقطة تفتيش تابعة لقوات الدعم السريع لاستعادة شقيقها، وعندما عثرت عليه أخيرا، كان بندق غير قادر على الوقوف وكان هزيلا لدرجة أنه بالكاد يمكن التعرف عليه.
إعلانوقالت رانيا إن شقيقها لم يكن قادرا على المشي، فاضطرت لنقله على عربة يدوية إلى محطة حافلات ومن هناك إلى المنزل، وهناك وصف لها بندق كيف عاش سنة من الرعب في أسر قوات الدعم السريع، حيث كانت يتغذى على كوب من العدس يوميا، ويتعرض للضرب المتكرر، ويرى سجناء آخرين يموتون من الضرب أو الجوع.
وكلما حاولت أخته إطعامه كان يتقيأ، نظرا لمعاناته الشديدة من سوء التغذية، وربما من إصابات داخلية أيضا، واستمر وزنه في النقصان إلى أن توفي بعد 10 أيام من إنقاذه، بحسب الصحفي لويد.
على الهامشوتقول التايمز إن التعذيب والمرض علل غير مألوفة للموت في السودان، حيث الرصاص والقذائف والتجويع القسري والنهب والاغتصاب، كلها جزء من ترسانة الحرب.
وقد دفن آلاف القتلى في المقابر في جميع أنحاء البلاد منذ بدء الحرب في أبريل/نيسان 2023، ومات عدد كبير آخر بسبب سوء التغذية في الصحراء من دون تسجيلهم أو معرفة مصيرهم.
ومع ذلك، ورغم حجم وخطورة الصراع الذي يهدد حياة الملايين ويمكن أن يحول ثالث أكبر بلد في أفريقيا إلى "دولة فاشلة"، ظلت الحرب في السودان على هامش الاهتمام الدولي، حيث طغت عليها الصراعات في أوكرانيا والشرق الأوسط.
وفي أوساط الطواقم الطبية السودانية التي تكافح من أجل إنقاذ الأرواح، غالبا ما يصاحب الغضب شعور بأن العالم تخلى عنهم.
وتنقل الصحيفة عن الدكتور جمال الطيب محمد، مدير مستشفى النو في أم درمان -وهو أحد المرافق الطبية القليلة التي لا تزال تعمل في المدينة التي دمرتها الحرب- قوله بينما كان يقف في جناح يضم جرحى: "لا أعتقد أن المجتمع الدولي يهتم، ولا يعرف ما يحدث هنا".
وأضاف: "إنهم لا يعلمون مدى تأثير هذه الحرب على الفقراء والضعفاء الذين فقدوا مصادر رزقهم ووظائفهم وسبل عيشهم، كل شيء حولنا يتم تدميره".
إعلانووفقا للتايمز، فقد دمرت الحرب ما 60% و70% من المرافق الطبية في السودان، بالإضافة إلى معظم مصانع إنتاج الأدوية الرئيسية في البلاد، وتتعرض المرافق المتبقية لضغط شديد. فمستشفى النو -على سبيل المثال- يستقبل ما بين 500 و600 مريض يوميا، ولاحظ المراسل أن العديد من المرضى كانوا يتلقون العلاج وهم ممددون على الأرض.
وتساءل الدكتور محمد بمرارة قائلا: "أين منظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر؟ لم نرهم هنا أبدا، ربما طاروا إلى بورتسودان" المقر المؤقت للحكومة، مضيفا أنه باستثناء "منظمة أطباء بلا حدود، فإننا نشعر بأنه جرى التخلي عنا".
وبعد حديثه مع لويد، انتقل الطبيب ليعتني بطفلة في سرير قريب. وكانت غيثة، البالغة من العمر 6 سنوات، تنظف أسنانها صباح اليوم السابق في فناء منزل عائلتها في حي القماير بأم درمان، عندما سقطت قذيفة أطلقتها قوات الدعم السريع، وكان شقيقها محمد (9 سنوات) يلعب على دراجته بجانبها، فانفجرت القذيفة في رأسه وأردته قتيلا، وأصابتها هي في ذراعها.
ويقول لويد إن غيثة ترقد الآن عاجزة عن الكلام، وقد أصيبت بشظايا في ذراعها وساقها اليسرى، وتعتني بها جدتها التي قالت إن القذيفة "مزقت جسد ابننا أمامنا، ولم نستطع فعل شيء".
الحانوتي المشهورومن سخرية القدر، أن الحانوتي عابدين درمة (60 عاما) أصبح من أشهر الشخصيات في المدينة، حتى أن سائقي السيارات والمارة والأطفال يلوحون لتحيته ويتوقفون لمصافحته، بل إن هناك لوحة إعلانات عملاقة تحمل صورته مرتديا جلبابا أخضر الذي بات سمة مميزة له، ويرتدي عمامة باهتة اللون، كما ورد في التقرير.
ونقل لويد عن درمة القول: "في هذه الأيام، مع الحرب والمرض وضعف مناعة الكثير من الناس بسبب الإجهاد والجوع، ندفن من 15 إلى 20 شخصا في اليوم، وأحيانا 50 شخصا".
إعلانوقال المراسل إنه أثناء سيره في الشوارع المحطمة بالمدفعية حول مقر هيئة الإذاعة والتلفزيون، "أراني جنود القوات المسلحة السودانية العديد من المقابر المرتجلة، بعضها نبشتها الكلاب جزئيا، حيث دُفن قتلى من المدنيين".
وأكمل أنه "لم يكن من الواضح إذا ما كانوا قد لقوا حتفهم جراء نيران القذائف أو في زنازين قوات الدعم السريع، فقد كانت الملابس الملطخة بالدماء معلقة على الأشجار. وعلى أحد القبور، كان هناك صليب مصنوع من الأغصان وثوب امرأة ممزق يمثل مكان رقاد أحد القتلى المسيحيين"، وفق رواية مراسل التايمز البريطانية.
قدر مكتوبوأضاف لويد أن هناك عبارة باللغة العربية توقف عندها، وهي كلمة "مكتوب"، التي قال إنها توحي بأن يقع للمرء قدر مكتوب، وتعبر عن شعور سائد لدى السودانيين بأن ما يتعرضون له هو قضاء وقدر، مما يمنحهم إحساسا بالرضا والقبول، على مرارة الوضع.
وربما كان هذا النوع من القبول -برأي المراسل- مرتبطا فعلا بالإيمان، أو ربما كان نابعا من الضرورة، أي الوعي بأنه في غياب الأمل لم يكن هناك خيار آخر سوى التحمل في حرب كارثية لا نهاية متوقعة لها، خلفت 150 ألف قتيل و11 مليون نازح.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات ترجمات قوات الدعم السریع فی السودان
إقرأ أيضاً:
هل يمكن تحقيق تقرير المصير على أسنة رماح الدعم السريع ؟
بقلم: تاج السر عثمان
اشرنا في مقال سابق وفي. سياق تحالف الحركة الشعبية (الحلو) مع الدعم السريع بعد التوقيع على الميثاق التأسيسي و مما ورد فيه من شعاري العلمانية وتقرير المصير، انه لا يمكن تحقيق ذلك على اسنة رماح الدعم السريع، أو بالتحالف معه وهو المتورط منذ تأسيسه في جرائم الحرب والإبادة الجماعية ونهب ثروات البلاد من ذهب وغيرها وتهريبها لدول مثل الإمارات، فضلا عن انه خرج من رحم الحركة الإسلاموي، فهو ومليشيات الإسلامويين وجهان لعملة واحده،. فضلا عن انه لا يمكن تحقيق الديمقراطية وحرية الارادة كشرط لتحقيق تقرير المصير ، مما يعني في نهاية الأمر الانفصال، كما حدث بعد اتفاقية نيفاشا بانفصال جنوب السودان.
بالتالي من المستحيل تحقيق العلمانية ودولة المواطنة التي تسع الجميع، في ظل تصاعد الحرب والتحالف مع الدعم السريع الذي شارك في إجهاض ثورة ديسمبر بانقلاب اللجنة الأمنية في 11 أبريل 2019، ومجزرة فض اعتصام القيادة العامة والولايات مع الإسلامويين واللجنة الأمنية، وانقلاب ٢٥ أكتوبر 2021، الذي قوض الانتقال للحكم المدني و قاد للحرب الحالية، التي دمرت البلاد والعباد.
٢
أكدت التجربة ان العلمانية وحق تقرير المصير تتحقق في ظروف الديمقراطية بمفهومها الشامل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، لا في الحلول الجزئية وفي ظل النظام الشمولي الفاسد الذي لم يحل المسألة القومية، بل زادها تعقيداً. وأي حلول جزئية في إطار هيمنة الدعم السريع في الميثاق التأسيسي، مصيرها الفشل، أن لم تقد إلى تمزيق ما تبقى من الوطن.
بهذه المناسبة نعيد نشر موقف الحزب الشيوعي السوداني من شعاري الحكم الذاتي وتقرير المصير في ٢٩ أبريل، 2017
٣
بناء على التطورات الراهنة في الحركة الشعبية شمال،وظهور مطالبات بتقرير مصير جبال النوبة،بعث الحزب الشيوعي برسالة إلي قادة الحركة الشعبية استعرضت موقفه من شعاري الحكم الذاتي وتقرير المصير .فيما يلي نص الرسالة:
برز في أدبيات الحركة الشعبية في الآونة الأخيرة وبعد الصراع الذي دار داخلها شعارا الحكم الذاتي وتقرير المصير.
ونود هنا أن نجلو الشعارين من زاوية الماركسية وادبيات الحزب الشيوعي السوداني، وموقف الحزب من النظام الفاشي الراهن. إضافة للتجربة السودانية في ممارسة الحكم الذاتي وتقرير المصير.
الماركسية والمسألة القومية:
أشارت الماركسية إلى عموميات حول المسألة القومية، يمكن تلخيصها في الآتي:
القضاء على الإضطهاد القومي.
إن شعباً يضطهد شعباً لا يمكن ان يكون حراً.
أزيلوا إستغلال الإنسان للإنسان، تزيلوا إستغلال أمة لأمة.
حق تقرير المصير كحق ديمقراطي إنساني في ظروف الديمقراطية وحرية الإرادة. بما في ذلك حق الإنفصال وتكوين دولة مستقلة، إذا استحال العيش المشترك.
الإعتراف بالفوارق الثقافية، وحق كل قومية في إستخدام لغتها الخاصة في التعليم.
الديمقراطية الحقيقية كحقوق سياسية وإجتماعية وثقافية.
رفض إستغلال الدين في السياسة، وفصل الدين عن السياسة.
الدولة للجميع بغض النظر عن الدين أو اللغة أو العرق أو الفكر السياسي أو الفلسفي.
وإن هذه القضايا لا تخضع لمعيار الأغلبية والأقلية.
هذا بشكل عام، ولكن وفقاً للمنهج الماركسي، لابد من دراسة الواقع و التحليل الملموس للواقع الملموس، والاقتراب أكثر من واقع المسألة القومية في كل بلد، لمعرفة سماتها وخصوصياتها التي تأخذ في الاعتبار العوامل الخارجية والأسباب الاقتصادية في تشابكها مع العوامل السياسية والإثنية والدينية. والوصول لحل يؤكد الوحدة من خلال التنوع، والإعتراف بالفوارق الثقافية والتنوع الذي هو مصدر قوة واخصاب بدلاً من التفتت والتجزئة والإنفصال لأسباب دينية وعرقية تخدم مصالح القوى الإستعمارية في نهب موارد الشعوب.
تجربة الحزب الشيوعي:
عشية الإستقلال برزت مشكلة الجنوب، ودرس الحزب واقع المشكلة، ولم ينطلق من الشعارات الماركسية العامة، بل أخذ في الإعتبار الظروف التي كانت سائدة يومئذ التي اتسمت بالمخطط الإستعماري لفصل الجنوب وتمزيق وحدة السودان وبعد مؤتمر جوبا 1947م الذي انحاز لوحدة السودان مع وضع الإعتبار لشكل خاص للحكم في الجنوب.
طرح الحزب عام 1954م (بيان الجبهة المعادية للإستعمار) شعار الحكم الذاتي الإقليمي للجنوب في إطار السودان الموحد.
وأكد على ضرورة التنمية المتوازنة بين الشمال والجنوب وكل أقاليم السودان.
حق الجنوبيين في تطوير لغاتهم وثقافاتهم الخاصة في إطار الوحدة من خلال التنوع.
الأجر المتساوي للعمل المتساوي بين العمال في الشمال والجنوب.
إلغاء ضريبة (الدقنية) على الجنوبيين.
الإعتراف بالفوارق الثقافية بين الشمال والجنوب.
وأيضاً راعى الحزب يومئذ واقع الجنوب الذي كان ومازال يتميز بالتناحر القبلي، وعدم وجود مقومات الدولة الموحدة. وأن يكون الحكم الذاتي الإقليمي خطوة لتنمية الجنوب، وفي المستقبل في ظل النهوض الإقتصادي واندماج القبائل الجنوبية. وفي ظروف الديمقراطية وحرية الإرادة والتطور الوطني الديمقراطي وافقه الإشتراكي، يتم طرح تقرير المصير الذي يمكن أن يؤدي للوحدة الإختيارية والطوعية من خلال التنوع بعيداً عن الضغوط الإستعمارية.
بعد ان إزداد الوضع تعقيداً بعد إنقلاب الإنقاذ عام 1989م، طرح الحزب في بيانه عام 1994م شعار تقرير المصير كحق ديمقراطي إنساني، وأن يتم دعم خيار الوحدة الطوعية وتوفير المناخ الصحي الديمقراطي لممارسة حق تقرير المصير.
وجاء ميثاق أسمرا 1995م ليؤكد حق تقرير المصير في ظروف الديمقراطية وانهاء تسلط حكم الإنقاذ، وأن يتم دعم خيار الوحدة الطوعية.
التجربة السودانية في الحكم الذاتي وحق تقرير المصير:
تناول التقرير السياسي المجاز في المؤتمر العام السادس في فصل (المسألة القومية) بتفصيل هذه التجربة، ويمكن الرجوع إليه. دون الخوض في التفاصيل يمكن أن نشير إلى الآتي:
فشل تجربة الحكم الذاتي الإقليمي في الجنوب بعد بيان 9 يونيو 1969م وإتفاقية اديس أبابا 1973م، بسبب نظام نميري الديكتاتوري الشمولي وغياب الديمقراطية و تسلط حكم الفرد الذي خرق الاتفاقية. مما أعاد الحرب مرة أخرى في مايو 1983م، وزادها اشتعالاً بعد تطبيق قوانين سبتمبر 1983م، وبالتالي أكدت التجربة ان شعار الحكم الذاتي من شروطه الديمقراطية الشاملة في كل البلاد، باعتبارها الضمان لنجاحه وتحقيق المراد منه واستمراره وازدهاره.
دولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن الدين أو اللغة او العرق. وكان إعلان قوانين سبتمبر 1983م من الأسباب التي عمقت وأشعلت الحرب بشكل اعنف من السابق.
أكدت التجربة أنه بعد إسقاط نظام النميري، توصلت الحركة السياسية إلى حل سلمي ديمقراطي، بعد إتفاق الميرغني - قرنق، وكان من المفترض أن يعقد الإجتماع التمهيدي للمؤتمر الدستوري في سبتمبر 1989م، لكن انقلاب الاسلاميين قطع الطريق أمام ذلك الحل لتضاربه مع طبيعة الإسلام السياسي والنظرة الأحادية و الإقصائية١ والتي لا تعترف بالتنوع.
وبالتالي أكدت التجربة أن الديمقراطية هي المفتاح لنجاح الحكم الذاتي والحل السلمي الديمقراطي للمسألة القومية، مع التنمية المتوازنة وإقرار دولة المواطنة التي تسع الجميع بغض النظر عن الدين أو اللغة أو العرق.
وكذلك ضرورة مواجهة المخطط الإستعماري لتمزيق وحدة السودان واضعافه من أجل السيطرة على موارده ونهب ثرواته، والذي يخدمه نظام الأسلامويين بإعتبارهم مخلب القط من خلال سياساتهم وممارساتهم ونهجهم الأيديولوجي المتعصب عنصرياً ودينياً والذي يخدم هدف المخطط الإستعماري.
تجربة الإتفاقيات الجزئية وحق تقرير المصير بعد إنقلاب الإنقاذ
بعد إنقلاب الإنقاذ إزدادت المسألة القومية عمقاً واتساعاً بسبب السياسات القمعية والحربية والإقصائية، واتسع نطاق الحرب ليشمل دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق والشرق. ونتجت عنها مآسي وابادة جماعية ونزوح.
نتيجة لضغوط دولية تم توقيع اتفاقيات جزيئة مثل: اتفاقية نيفاشا وابوجا والشرق، ونافع - عقار، ولكن النظام وبسبب نهجه القمعي والشمولي خرق تلك الاتفاقيات ولم ينفذها، والتغاضي عن السير في طريق التحول الديمقراطي والوحدة الجاذبة كما جاء في الاتفاقية والدستور، مما ادى إلى أن يقود شعار تقرير المصير إلى انفصال جنوب السودان. وما نتج عنه من مآسي التي يعيشها الجنوب الآن من حروب قبلية طاحنة ومجاعات وفساد وأوبئة. وكان السبب الجوهري وراء ذلك غياب الديمقراطية ايضاً في دولة الجنوب الجديدة والسلطة الإتحادية الشمولية مما جدد المسألة القومية في الوطن الجديد. مما أكد صحة ما طرحه الحزب ان الإنفصال ليس الحل للمشكلة بل المعالجة في إطار السودان الموحد وتكامل أقاليمه وانسانه على طريق نهضة الوطن وسؤدد الجميع.
وكذلك فشلت الاتفاقيات الجزيئة الأخرى والتي تحولت لمناصب ولم تحل قضايا المناطق في التنمية والتعليم والصحة والخدمات، مما أدى إلى إندلاع الحرب مرة أخرى بشكل أعنف من الماضي.
مرة أخرى أكدت التجربة أن الحلول الجزئية وحق تقرير المصير في ظل النظام الشمولي الفاسد لم يحل المسألة القومية، بل زادها تعقيداً. وأي حلول جزئية في إطار هذا النظام مصيرها الفشل أن لم تقد إلى تمزيق ما تبقى من الوطن.
الخلاصة والاستنتاجات:
أكدت التجربة السودانية:
الوحدة والتنوع والإندماج والإنصهار القومي والثقافي والإثني في السودان نتاج تطور تاريخي منذ الممالك السودانية القديمة.
الحل لا يكمن في الإنفصال وتمزيق أوصال البلاد كما أكدت تجربة انفصال الجنوب. ولكن الحل يكمن في التكامل والتطور المتوازن والحكم الذاتي في ظروف الديمقراطية والعدالة وتوزيع الثروة والوحدة من خلال التنوع، وعلى اساس المساواة الحقيقية بين كل الأعراق والإثنيات ونبذ فكرة المواطن من الدرجة الثانية.
الدولة المدنية الديمقراطية التي تسع الجميع هي الضمان ضد التشرذم والتعصب والإنفصال التي تكرسه الدولة الدينية.
إسقاط النظام القمئ الفاسد الراهن هو المفتاح للحل العادل والشامل. على اساس الديمقراطية والتنمية المتوازنة ودولة المواطنة والحل الشامل للمسألة القومية والمؤتمر الدستوري الذي يشارك فيه كل أهل السودان.
alsirbabo@yahoo.co.uk