علي جمعة: المنهج الذي بيننا وبين الخلق مبني على العفو والصفح
تاريخ النشر: 8th, January 2025 GMT
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن هناك منهجا ينبغي أن نتبعه في علاقتنا مع الخلق، هذا المنهج مبني على العفو والصفح. قال الله تعالى: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، وقال سبحانه: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ}.
وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التاوصل الإجتماعي فيسبوك، إنه أمرٌ في غاية الصعوبة، يحتاج إلى صبرٍ وتجرُّع مرارة. كيف تعفو عمن آذاك؟ وكيف تتجاوز عن مَن اعتدى عليك؟ وكيف تغفر لمن شتمك أو سبَّك بلا مبرر؟ وكيف يكون ذلك إذا كنت على الحق، وهو على الباطل؟.
روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي ﷺ: "هل أتى عليك يومٌ كان أشدَّ من يوم أحد؟ فقال ﷺ : " لقد لقيت من قومك ، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة ، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال ، فلم يجبني إلى ما أردت ، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي ، فرفعت رأسي ، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني ، فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام ، فناداني فقال : إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردُّوا عليك ، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمر بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال ، وسلم عليّ. ثم قال : يا محمد ، إن الله قد سمع قول قومك لك ، وأنا ملك الجبال ، وقد بعثني ربك إليك لتامرني بأمرك ، إن شئت أطبق عليهم الأخشبين (جبلَي مكة). فقال النبي ﷺ: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء الطفيل بن عمرو إلى النبي ﷺ فقال: إن دوسًا قد هلكت؛ عصت وأبت، فادعُ الله عليهم. فقال ﷺ: اللهم اهدِ دوسًا وائتِ بهم."
وعن جابر رضي الله عنه قال: "قالوا: يا رسول الله، أحرقتنا نبال ثقيف، فادعُ الله عليهم. فقال ﷺ: اللهم اهدِ ثقيفًا."
مما سبق يتضح لنا أن الإسلام يدعو إلى خلق العفو والصفح، وليس إلى الانتقام أو حب إنزال العقاب بالآخرين. فقد كان النبي ﷺ رحمةً للعالمين، يدعو لهم بالهداية. والدعاء لمن ظلمك مقامٌ عالٍ وخلقٌ رفيع، لأنه يتجاوز حدود العفو والسماح إلى الرغبة في الخير لهم ولكل الناس.
هذه هي أخلاق النبي الكريم ﷺ، وهذا هو المنهج الذي ينبغي أن نسير عليه في تعاملنا مع الناس. وإن كان ذلك عظيمًا وشاقًا، فإنه واجب، لأنه يضعنا في نزاع مع أنفسنا. ومع ذلك، فإن الأمر لله ولرسوله، وكلام الله ورسوله أمانة في أعناقنا.
فاجعلوا العلاقة التي بينكم وبين الخلق مبناها الصفح، والعفو، والمغفرة، والرحمة؛ لأننا نحب أن يعفو الله عنا، ويغفر لنا، ويوفقنا، ويجعلنا في محل نظره سبحانه وتعالى.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: علي جمعة العفو الصفح المزيد
إقرأ أيضاً:
الدكتور علي جمعة: النظر لموضع السجود ليس حقيقة الخشوع
أكد الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أن مفهوم الخشوع في الصلاة قد شُوّه عند البعض، مشيرًا إلى أن التركيز على بعض الظواهر الشكلية مثل النظر إلى موضع السجود لا يمثل حقيقة الخشوع التي بيّنها علماء الإسلام.
وقال عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتي الديار المصرية الأسبق، خلال بودكاست "مع نور الدين"،اليوم الخميس: "قضية الخشوع عند البعض أصبحت مسألة مضحكة جدًا، يتصورون أن النظر إلى موضع السجود هو جوهر الخشوع، في حين أن الخشوع كما فهمه العلماء هو استحضار القلب، يُكتب للرجل من صلاته ما عقل منها، والحقيقة أن استحضار القلب لله في الخضوع والسجود هو المعنى الأصيل للخشوع."
وأضاف: "ورد عن السلف أن النظر إلى موضع السجود من الأدوات المعينة على الخشوع، لكن هذه تُعتبر علامات لا حقائق.. المشكلة تكمن في أن البعض جعل العلامة هي نفسها الحقيقة، وهذا خطأ في الفهم."
وأشار إلى توسع بعض الفقهاء في ذكر العلامات المساعدة على الخشوع، موضحًا: "قالوا إذا كنت واقفًا فلتنظر إلى موضع السجود، وإن كنت راكعًا فانظر إلى إبهام قدمك، وإذا كنت ساجدًا فانظر إلى أرنبة الأنف، وأثناء التشهد إلى طرف السبابة، كل هذه تغيرات في الموضع، لكنها تبقى علامات لا أكثر."
وتابع: "شبهتُ هذا بمن يراقب الشمس ويقول: زالت عن كبد السماء، إذن فقد أديت صلاة الظهر، لا، زوال الشمس علامة على دخول الوقت، وليس هو الصلاة نفسها، الصلاة التي فرضها الله تحتاج إلى وضوء وستر للعورة واستقبال للقبلة وأداء فعلي، فكيف ننزّل العلامة منزلة الحقيقة؟ هذا ليس منطقًا عقليًا، بل هو وهم."
وفي سياق متصل، تحدث الدكتور علي جمعة عن مفهوم الحب، منتقدًا بعض الفهم السطحي له، قائلًا: "الحب معروف، وهو ميل القلب، وليس وضع اليدين بهذا الشكل أو ذاك في الصلاة، هذه الأمور لها أجر وثواب، لكن لا تُعبّر عن حقيقة الحب."
وأوضح: "الآية الكريمة التي تقول: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي)، تدل على حب الله، لا حب الرسول صلى الله عليه وسلم، فالاتباع في هذه الآية دليل حب لله، وليس مجرد مشاعر عاطفية تجاه النبي."
وتابع: “العلاقة مع النبي الكريم يجب أن تقوم على حب صادق نابع من القلب، حب يجعله أحب إلينا من أولادنا وآبائنا وأنفسنا.. كما قال صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب: (حتى من نفسك يا عمر).. فالحب الحقيقي هو ما يدفع الإنسان لاتباع النبي في كل شيء، لا الاكتفاء بمظاهر شكلية لا تُعبّر عن جوهر العلاقة.”