هل الحزن اعتراض على قضاء الله؟.. احذر فعله في هذه الحالة
تاريخ النشر: 8th, January 2025 GMT
لعل ما يطرح السؤال عن هل الحزن اعتراض على قضاء الله سبحانه وتعالى؟، يعد من أهم المسائل التي تحير الكثيرين ويقفون عندها كثيرًا ، خاصة وأن الدنيا دار ابتلاء وبلاء ومن ثم الحزن فيها أمر لا مفر منه ، وحيث إن الاعتراض على قضاء الله تعالى هو من الأمور المهلكة التي ينبغي تجنبها، من هنا ينبغي معرفة هل الحزن اعتراض على قضاء الله سبحانه وتعالى؟.
قال الدكتور محمود الأبيدي، من علماء وزارة الأوقاف، إن هناك فرقًا كبيرًا بين الحزن والتشاؤم، مشيرًا إلى أن الحزن أمر طبيعي لكن التشاؤم منهي عنه .
وأوضح " الأبيدي " في إجابته عن سؤال: هل الحزن اعتراض على قضاء الله سبحانه وتعالى؟، أن الإسلام لا ينكر الحزن الطبيعي الذي يشعر به الإنسان في المصائب والأوقات الصعبة، ولكنه ينهي عن التشاؤم الذي يؤثر سلبًا على حياة الفرد.
وأضاف أن النبي صلى الله عليه وسلم، رغم كونه خير البشر، شعر بالحزن الشديد على فقدان ابنه إبراهيم، وقال في ذلك الموقف العظيم: 'إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون'.
وأفاد بأن هذا الحزن كان طبيعيًا وكان يعبر عن مشاعر إنسانية، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم محبًا لابنه وكان في فراقه حزن كبير، ولكن لم يصاحبه التشاؤم، منوهًا بأن الحزن في حد ذاته أمر طبيعي ومقبول.
وتابع: ولكن الفرق بين الحزن والتشاؤم أن الحزن هو مشاعر مؤقتة تنبع من الفقد أو الخسارة، أما التشاؤم فهو النظرة السلبية المستمرة للأحداث والتوقعات السيئة في المستقبل.
واستند لما جاء في الحديث النبوي الشريف، النبي صلى الله عليه وسلم وضح أن الحزن جزء من الرحمة وليس من التشاؤم)، مبينًا أن التشاؤم في الإسلام منهي عنه، كما جاء في الحديث الشريف: 'تفاؤلوا بالخير تجدوه'.
وأشار إلى أن الإيمان بالله سبحانه وتعالى يعزز من قدرتنا على التعامل مع المصائب والتحديات بإيجابية، حيث نتعلم أن الفقد ليس نهاية الحياة، بل هو جزء من تقدير الله عز وجل."
علامات الرضا بقضاء اللهونبه الدكتور علي جمعة ، مفتي الجمهورية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إلى أن هناك علامات على كون المسلم راضيًا بأمر وقضاء الله، وهي المرحلة الأولى: هي مرحلة يسلم فيها بأمر الله، ويقاوم نفسه من الاعتراض، ومن الحزن؛ فهو يحزن لكنه يمنع نفسه من أن يعترض على أمر الله، وهو أيضا يبكي ليل نهار على فقدان الولد مثلا، لكنه ساكن القلب إلى حكمة الله تعالى.
واستطرد : والمرحلة الثانية: لا يحزن، فلو مات له ابنٌ أو أصابته مصيبة فإنه يكون ساكن مبتسم لا يبكي، والسبب اليقين في لطف الله وحكمته، والمرحلة الثالثة: يبكي، لأنه يستحضر في نفسه أن الله قد أفقده هذا العزيز لديه الآن من أجل أن يبكي، فهو لا يبكي حزناً إنما هو يبكي لله، وهذا هو الذي كان عليه مقام النبوة وأكابر الأولياء.
ولفت إلى أنه لما فقد النبيُّ -صلى الله عليه وسلم - ابنَه إبراهيمَ بكى ، وفي حديث آخر عَنْ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ : أَرْسَلَتْ بِنْتُ النَّبِيِ - -صلى الله عليه وسلم - - إِلَيْهِ أَنَّ ابْنًا لي قُبِضَ فَأْتِنَا. فَأَرْسَلَ يَقْرَأُ السَّلاَمَ وَيَقُولُ : « إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى ، وَكُلُّ شيء عِنْدَ اللَّهِ بِأَجَلٍ مُسَمًّى ، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ ». فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيْهِ لَيَأْتِيَنَّهَا ، فَقَامَ وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرِجَالٌ فَرُفِعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - الصَّبِىُّ وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ -تضطرب- فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ. فَقَالَ سَعْدٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا ؟ قَالَ : « هَذَا رَحْمَةٌ يَجْعَلُهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ ».
ونوه بأن سيدنا النبي -صلى الله عليه وسلم - يبكي ؛ ولكنه يبكي لأن الله قد قدر لمن أصيب بمصيبة أن يبكي، مشددًا : «فالأول يبكي حزنًا، والثاني يسكن رضًا، والثالث يبكي مرة ثانية قهرًا تحت سلطان الله سبحانه وتعالى، واستجابة لمقتضى ما أجراه الحق في هذا الوقت المخصوص من أحوال، وكأن الله أرادني الآن أن أحزن فأنا أحزن لذلك. وهو المقام الأتم للسيد الأجل -صلى الله عليه وسلم -».
فيما يقول الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضى الله تعالى عنه : أسباب القبض ثلاثة : ذنب أحدثته ، أو دنيا ذهبت عنك ، أو شخص يؤذيك في نفسك أو عرضك . فإن كنت أذنبت فاستغفر ، وإن كنت ذهبت عنك الدنيا فارجع إلى ربك ، وإن كنت ظُلمت فاصبر واحتمل ؛ هذا دواؤك ، وإن لم يطلعك الله تعالى على سبب القبض فاسكن تحت جريان الأقدار فإنها سحابة سائرة .
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الرضا بقضاء الله المزيد الله سبحانه وتعالى صلى الله علیه وسلم الله تعالى أن الحزن إلى أن
إقرأ أيضاً:
غدًا تلتقى الأحبة
جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم وقال: «يا رسول الله ادعُ الله لى أن أدخل الجنة، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: وماذا أعددت لها؟ فقال: يا رسول الله ما أعددت لها كثير صيام، ولا كثير صلاة، ولكنى أحب الله ورسوله، فقال النبى (صلى الله عليه وسلم): أنت مع من أحببت».
ولعلنا نلحظ فى هذا الحديث عدداً من الأمور منها: أولاً: اختيار ذلك الصحابى لنوعية من يكونون أهلاً لتوقيره ومحبته، فليس هناك أفضل من النبى (صلى الله عليه وسلم) كى يكون أهلاً لهذا التقدير وتلك المحبة. ثانياً: انعكاس تلك المحبة على الفعل والسلوك، فليس من المستساغ أن يزعم إنسان المحبة لله ورسوله، ثم يبارزهما بالمعصية والمخالفة. ثالثاً: الثمرات الهانئة المترتبة على المحبة الصادقة، وقد بُشر هذا الصحابى بتلك الثمرة حينما قال النبى - صلى الله عليه وسلم- مخاطباً إياه «أنت مع من أحببت» أى أن هذا الرجل بصدقه فى محبته لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وانعكاس تلك المحبة على أفعاله وسلوكه إنما هو رفيق للنبى (صلى الله عليه وسلم) فى الجنة، وأنعِم بذلك من صحبة ورفقة. رابعاً: أن للمحبة ثمراتها، وللعاطفة الصادقة قطوفها، ومن ثم اعتبرها الإسلام وجعلها سبباً فى سكنى الإنسان أعالى الجنان. ومن ثم يعتبر الإسلام أن محبة النبى (صلى الله عليه وسلم) فرض واجب على كل مسلم، به يفضل الإنسان ويؤثر محبة رسوله الكريم على ذاته ونفسه وولده، والناس أجمعين.
يقول النبى (صلى الله عليه وسلم) «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ماله وولده ونفسه، فقال عمر: والله يا رسول الله إنك لأحب إلى من مالى وولدى إلا نفسى، فقال النبى (صلى الله عليه وسلم): لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ماله وولده ونفسه، فقال عمر: والله يا رسول الله إنك لأحب إلى من مالى وولدى ونفسى، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: الآن يا عمر».. وينظر الإسلام إلى هذا النوع من المحبة للنبى - صلى الله عليه وسلم - على أنه طريق موصل إلى محبة الله سبحانه وتعالى ومرضاته، وسبب فى مغفرة ذنوب الإنسان وسيئاته، يقول الحق سبحانه وتعالى «قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» آل عمران 31. ولا يعنى ذلك أن الإسلام قد أهمل حاجة الإنسان الفطرية إلى محبة نفسه وذاته ودعاه إلى إهمال هذا الجانب. كلا بل إن من الأمور المعتبرة فى الإسلام والمؤكدة فى تشريعاته أن محبة الإنسان لنفسه وذاته هى من صميم الدين وذروة سنامه، فالإنسان كائن مركب من نفس وعقل وجسد، ومن الإسلام بل من الضرورات الخمس التى يأثم الإنسان على تركها؛ التفريط فى أحد هذه الجوانب الثلاثة، ولهذا جُرم على الإنسان أن يتعاطى ما يضر بجسده أو يفتك بنفسه، أو يُذهب بعقله، بل إن الحدود الشرعية قننت فى الإسلام لمن تعرض بأذى أو ضرر لأحد هذه الجوانب الثلاثة (الجسد، النفس، والعقل) وهذا من علامات احترام الإسلام لذات الإنسان وحثه على محبتها والاهتمام بها، أضف إلى ذلك أن للمحبة والعاطفة مظاهر متعددة، وصوراً شتى فى الحياة تعود فى مجملها إلى محبة الإنسان لربه سبحانه وتعالى، ومحبة الإنسان لنبيه (صلى الله عليه وسلم). فمحبة الإنسان لذاته مرجعها إلى أن الإنسان بنيان الله، وملعون من هدم بنيان الله. ويلحق بذلك محبة الإنسان لوطنه وهى مظهر من مظاهر الانتماء للأرض التى نبت فيها الإنسان، فيرتبط معها بعاطفة جياشة من الحب والولاء تجعل من فروض الأعيان عليه أن يدافع عن حياضها إذا ما داهمها عدو، أو أصابها ما يضر بمجتمعها، ويعبر النبى (صلى الله عليه وسلم)، عن هذه المحبة وهذا الانتماء والولاء بقوله مخاطباً جدران مكة لدى الهجرة «والله إنك لأحب بلاد الله إلى الله وإنك لأحب بلاد الله إلى نفسى، ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت». ويمتد الحب فى مفهوم الإسلام ليمثل علاقة وارتباطاً بين الإنسان وجميع أجناس الوجود؛ فالمكان بما يحويه من جماد وحيوان له نصيب من عاطفة الإنسان وحبه فى مفهوم الإسلام، فالنبى (صلى الله عليه وسلم) قال فى حق (أُحد) وهو جبل أصم «أُحد جبل يحبنا ونحبه». بل إن هذه المحبة مع الجماد أخذت صورة فعلية فى حياة النبى الكريم، فجذع النخل الذى كان يعتليه النبى (صلى الله عليه وسلم) فى خطبة المسلمين ارتبط بعلاقة حب وعاطفة مع النبى لأجلها بكى عندما اتخذ عليه الصلاة والسلام منبراً غيره، ولم يسكن أنينه حتى ضمه النبى الكريم إلى صدره ودفنه بيده بجوار منبره، ومن ثم ورد عن النبى (صلى الله عليه وسلم) قوله: «إذا مات ابن آدم بكى عليه موضعان: موضع سجوده فى الأرض، وموضع صعود عمله الصالح إلى السماء»، فهذان الموضعان اللذان ورد ذكرهما فى الحديث قد ارتبطا بالحب مع الإنسان وعمله الصالح، حتى انفعلا لموته وأصابهما الحزن لفراقه. كذلك نجد عاطفة الحب فى الإسلام تشمل كل مسلم، بل كل إنسان فى الكون والوجود.
الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية