المهوِّنون من المناخ يقودوننا إلى الكارثة
تاريخ النشر: 19th, August 2023 GMT
في أكتوبر من عام 1940 جلس جورج أوروِل يكتب دعوة غاضبة إلى حمل السلاح. استهل مقالته، وعنوانها «الأسد ووحيد القرن»، بإحدى أشد الجمل إثارة في تاريخ المقالة الإنجليزية: «فيما أكتب هذه السطور، يحلق بعض البشر شديدي التحضر، محاولين قتلي».
أعدت قراءة المنشور الثوري في إجازة الأسبوع الماضي، ووجدته غاضبا وصادما اليوم بقدر ما كان غاضبا وصادما يوم تدفقت كلمات أوروِل اللاهبة قبل أكثر من 80 سنة.
كتب، قبل ستة أشهر لا أكثر من انسحاب دونكيرك، يقول: «كل قادر على قراءة الخريطة يعرف أننا معرضون لخطر مميت».
«لا أقول إننا مضروبون أو بحاجة إلى الضرب...لكننا في هذه اللحظة غارقون حتى آذاننا في الخطر، وما أغرقنا غير الحماقات التي لم نزل نقترفها والتي ستغرقنا حتى تجهز علينا لو لم نصلح أمورنا بسرعة».
ما تلك الحماقات؟ كتب أوروِل يقول إنه بات معروفا «بعد عام 1934 أن ألمانيا تتسلح من جديد. وبعد عام 1936 علم كل ذي عينين في رأسه أن الحرب آتية. وبعد ميونيخ لم يعد السؤال إلا عن ميعاد نشوب الحرب. في سبتمبر 1939 نشبت الحرب. بعد 8 أشهر تبين أن الجيش البريطاني ـ في ما يتعلق بالمعدات ـ لا يكاد يتجاوز مستواه في عام 1918».
كان معنا رماح وكان معهم بنادق (تومي).
كان ينتقد المهوِّنين نقدا لاذعا، أولئك الذين كانوا «لا نفع للتعليم معهم»، وليس الأشرار ممن أغمضوا أعينهم عن طبيعة الفاشية، «العاجزين تماما عن فهم العصر الذي يعيشون فيه والعدو الذي يحاربونه».
ليس عليكم إلا أن تستبدلوا بـ«طبيعة الفاشية» عبارة أخرى هي «طبيعة أزمة المناخ»، لتجدوا أن كلمات أوروِل لم يزل لها وقع اللكمات.
يبدو المهوِّنون بالمناخ اليوم ـ في السياسة والإعلام والإنترنت كله ـ عاجزين بالمثل عجزا تاما عن فهم الحقيقة الصارخة للعصر الذي نعيش فيه، وما يتطلبه الأمر للتخفيف من آثار درجات الحرارة المتزايدة، وهي الآثار القابلة تماما للاستشراف.
يعرف كل ذي عينين في رأسه أن هذه الآثار آتية. ومع ذلك تروننا غارقين حتى آذاننا في الخطر، ونحن بحق بحاجة إلى إصلاح أمورنا بسرعة.
لا يملك أوروِل إلا أن يذكِّر قراءه بأنه «صحافة بيفربروك ظلت، عاما بعد عام، تطمئن بعناوينها الضخمة القائلة بأن لا نشوب لحرب». استمر هذا الوعد الخادع من ديلي إكسبريس حتى 3 أسابيع قبل إعلان الحرب.
واليوم، بالمثل، يستقر قسم هائل من الآراء على إجماع بأننا ينبغي أن نهدأ جميعا بعض الشيء، لأن القادم مهما يكن لا يمكن أن يكون في مثل السوء الذي يصوره لنا المتعصبون ويريدون أن نصدقه.
يتطلب منا هذا النموذج من الحجج أن نسخر من أغلب أشكال الطاقة المتجددة باعتبارها دون مستوى المهمة، ومن المضخات الحرارية باعتبارها مزحة، ولا تدفعوني إلى الحديث عن السيارات الكهربائية. ويتطلب منا الاعتقاد بأن التقنيات غير المجربة سوف تهب لنجدتنا، وبأن الحاجة سوف تظل قائمة إلى البلاستيك والنفط حتى بعد الوصول إلى صافي الانبعاثات الصفري، ومن ثم لا يجب أبدا أن نتوقف عن الحفر. ويتطلب أن يعاقب الناخبون أي شخص يهدد بتخفيض مستوياتهم المعيشية، فلا يجب أن يقلل الساسة من التزامات قطعوها دونما حكمة على أنفسهم.
صافي انبعاثات صفري؟ مؤكد، لكن في الوقت المناسب، ففيم العجلة؟ لا يخدعنكم الذين نصبوا أنفسهم شهداء للتغير المناخي. وهل يمكن من فضلكم أن نتحدث عن الصين بدلا من ذلك؟ منكِرون للتغير المناخي؟ بالطبع لا، إنما نحن واقعيون.
ما ينقص هذه التصريحات ـ التي باتت الآن روتينية ـ هو أي شعور بطارئية الوضع، وأي شعور بالقناعة الحقيقية وأي اقتراحات إيجابية بديلة قابلة للتطبيق. والحيلة هي الظهور بمظهر من يتقبل العلم مع وضع المشكلة برمتها في الأرشيف ضمن فئة «صعب للغاية».
ألا يذكركم ذلك بانتقاد أوروِل للمهوِّنين في عام 1940 باعتبار أنهم «تعاملوا مع الفاشية تعامل جنرالات سلاح الفرسان عام 1914 مع المدافع الرشاشة ـ بأن تجاهلوها».
اليوم، لا يمكن أن نعجز عن فهم عواقب التأخير إلا بدفن رؤوسنا في الرمال. لقد أوضح العديد من الاقتصاديين والعلماء البارزين على مدى عقدين أو أكثر ثمن التقاعس من الناحيتين النقدية والبشرية.
سيظهر ذلك الثمن في الاستجابة للكوارث، والتعافي وإصلاح البنية الأساسية، وفي تكاليف الرعاية الصحية، وفي إعاقة الزراعة والغذاء، وفي الهجرة والصراع، وفي تكاليف التأمين، وفي اضطرابات التجارة العالمية، وفي ثقة المستثمر والأعمال، وفي تدمير الأنظمة البيئية، ومنها المياه. باختصار، سيؤثر تغير المناخ على كل جانب من جوانب حياة مليارات البشر تقريبا - ولا يزال اللامبالون والمتثائبون لامبالين ومتثائبين.
لقد سقط مهوِّنو الثلاثينات في النهاية من خلال الجدال النرويجي الشهير حول إدارة الحرب في مايو 1940. إذ انتقد لويد جورج «استرخاء وعدم كفاءة» الحكومة في الاستعداد لصراع كان يسهل توقعه. «هل سيقول لي أحد إنه راضٍ عما فعلناه بشأن الطائرات والدبابات والمدافع، وخاصة المدافع المضادة للطائرات؟»
وتوقف لويد جورج هنا، وساد صمت تام في المجلس.
«لا أحد يشعر بالرضا. العالم كله يعرف ذلك. وها نحن في أسوأ موقف استراتيجي وجد هذا البلد نفسه فيه على الإطلاق».
تلك كانت نهاية تشامبرلين و«رجال ميونيخ». وكانت إشارة الدخول بالنسبة لتشرشل، الذي وصفه مايكل فوت وصفا لا ينسى في كتاب «المذنبون» الذي نشر في قرابة الوقت الذي نشر فيه مقال أورويل، بأنه «درويش إعادة التسلح الراقص الذي تحدى وأثار الصخب ولم يصبر على التأخير» وقد ينفعنا اليوم درويش راقص.
لقد كان أوروِل مقتنعا ـ ومحقا في قناعته كما اتضح فيما بعد ـ بأن الشعب البريطاني كان مستعدا للتضحية في عام 1940: «سوف يعني ذلك عملا مضنيا ومرهقا، وشتاء باردا مضجرا، وطعاما سقيما، ونقصا في الترفيه، وقصفا مطولا. لا سبيل إلا خفض المستوى العام للمعيشة ... سيتعين على الطبقة العاملة أن تعاني معاناة مروعة. وسيعانونها، إلى أجل غير مسمى تقريبا، شريطة أن يعرفوا ما الذي يقاتلون من أجله ... لكنهم سيريدون دليلا ما على أن حياة أفضل تنتظرهم وتنتظر أبناءهم».اليوم، سوف يحتاج العالم بالمثل إلى قيادة عظيمة. فمن الآن (تشرشل)ـنا؟ آلن روسبريدجر محرر مجلة بروسبك حاليا ورئيس تحرير صحيفة الجارديان من عام 1995 إلى عام 2015.
عن مجلة بروسبكت
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: أورو ل
إقرأ أيضاً:
الجفاف الأسوأ في كينيا منذ 40 عاما.. الملايين دون طعام أو مياه
وصل الجفاف في كينيا إلى مستويات دراماتيكية، حيث تأثر ملايين الأشخاص بنقص المياه والغذاء وقد أصبحت هذه الظاهرة، التي كانت تتبع حتى سنوات قليلة مضت دورات موسمية يمكن التنبؤ بها، متكررة وشدة بشكل متزايد.
لقد أدت الأزمات المناخية الأخيرة إلى تفاقم الظروف المعيشية لسكان المناطق القاحلة وشبه القاحلة، الذين يعتمد بقاؤهم على الزراعة والثروة الحيوانية بشكل كبير.
وبحسب الأمم المتحدة، فإن الشعب الكيني يعيش في هذه المرحلة التاريخية أسوأ أزمة مياه منذ أربعين عاماً، ولا يتمتع ملايين الأشخاص بإمكانية الوصول المستقر إلى مصادر المياه الآمنة، وتجف الأنهار والبحيرات والخزانات المائية ببطء.
وفي المناطق الشمالية من كينيا، تضطر النساء والأطفال إلى قطع مسافات أكبر كل يوم لجمع المياه غير النظيفة من باطن الأرض، وهو ما قد يسبب العدوى والأمراض.
وفي مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP29) الذي عقد في باكو بأذربيجان هذا العام، أكدت كينيا على الحاجة إلى المزيد من الدعم المالي من البلدان المتقدمة لإيجاد حلول التكيف ومساعدة البلاد على التغلب على مثل هذا الوقت الصعب.
ومن بين النتائج الرئيسية للمؤتمر “ميثاق باكو لوحدة المناخ”، الذي يتضمن أهدافاً مالية جماعية جديدة لدعم البلدان المعرضة للخطر وخريطة طريق للتكيف مع المناخ العالمي.
ويهدف هذا الاتفاق إلى تعزيز قدرة جميع البلدان، مثل كينيا، على الصمود، وهي الأكثر تضرراً من تغير المناخ ــ بعضها أقل تصنيعاً، وبالتالي أقل البلدان انبعاثات للغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي.
تسلط نتائج مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ الضوء على التزام عالمي قوي بدعم الدول الأكثر ضعفا، لكن التحدي الرئيسي يبقى في تحويل الوعود إلى إجراءات ملموسة للتخفيف من آثار الجفاف وتغير المناخ على كينيا وغيرها من البلدان التي تعاني من مواقف مماثلة.
تجف أنهار كينيا بسرعة، ومن بين الأسباب الرئيسية لهذه الظاهرة انخفاض معدلات هطول الأمطار والاحتباس الحراري العالمي.
دفع الجفاف الشديد لبعض الناس لشراء الماء – في هذه الحالة مقابل خمسة سلسات كينية (0.04 دولار). ومع ذلك، يتم الحصول على المياه من باطن الأرض، وهي ليست نظيفة.
لأسباب عديدة، يضطر العديد من الناس إلى شرب المياه المستخرجة من باطن الأرض، وهي مياه غير نظيفة ما يلوث العدوى أو الأمراض. يحدد تقرير الأمم المتحدة للتنمية المستدامة في مجال المياه لعام 2023، مجالات المياه الجوفية في كل مكان، مما يجب على بعض المجتمعات المحلية أن تسعى إلى تحقيق قدر من التركيز على تحقيق ما كان عليه قبل عقد الزمان.
يوفر مركز الأدوية والمكملات الغذائية، كما يراقب صحة المرضى، التي أصبحت معرضة للخطر بسبب الجفاف الشديد الذي يشمل الجميع.
غالبًا ما يذهب الأطفال لجلب الماء مع أمهاتهم في المناطق التي تتشكل فيها برك المياه الراكدة وتتكاثر فيها البعوض الحامل لطفيلي الملاريا. يوفر الجفاف الشديد في كينيا ظروفًا مواتية للبعوض.
تجفف أنهار كينيا بسرعة، حيث يعد مطلوبا للمساعدة والاحتباس الحراري من بين ظهور هذه الظاهرة الرئيسية.