التشابك الكمي يكشف سر ما يحدث داخل بروتونات المادة
تاريخ النشر: 8th, January 2025 GMT
في دراسة نُشرت في دورية "ريبورتس أون بروغرس إن فيزيكس"، كشف باحثون عن مفهوم جديد يعيد تشكيل فهمنا لبنية البروتونات، التي تعد أحد المكونات الرئيسية لنواة الذرة، التي يتركب منها كل شيء نعرفه في هذا العالم، والكون الواسع.
وقد وجد العلماء -بقيادة فريق من الفيزيائيين في مختبر بروكهافن الوطني وجامعة ستوني بروك بالولايات المتحدة الأميركية- أن الجسيمات الأساسية المكوّنة للبروتونات، التي تسمى الكواركات والغلونات، ليست مجرد وحدات منفصلة عن بعضها بعضا، بل تخضع لظاهرة تُعرف بالتشابك الكمّي.
والتشابك الكمّي ظاهرة فيزيائية تجعل الجسيمات مترابطة بشكل ما، بحيث تؤثر حالة أحدها على الآخر، حتى وإن كانا بعيدين عن بعضهما بعضا، بل وإن كان أحدهما في مجرتنا والآخر في مجرة أخرى، ويحدث هذا التأثير بشكل لحظي متزامن، مهما كانت المسافة كبيرة.
وحسب الدراسة، فقد استخدمت بيانات من تجارب تصادم الجسيمات عالية الطاقة لفحص كيفية تأثير التشابك الكمّي على توزيع الجسيمات الناتجة عن تصادم الإلكترونات مع البروتونات.
وفي حالة البروتونات، توصل الباحثون إلى أن الكواركات والغلونات داخل البروتون تتفاعل بطريقة معقدة تُشكّل ما يُعرف بـ"إنتروبيا التشابك"، التي تعرف بأنها طريقة لقياس مدى التشابك الكمي بين جزأين من نظام كمي.
إعلانفإذا كان لدينا جسيمان في حالة تشابك مثالي، فإن إنتروبيا التشابك ستكون عالية لأن كل جسيم يحتوي على معلومات عن الآخر، أما إذا كان الجسيمان غير متشابكين، فإنتروبيا التشابك تكون صفرًا، وما بين هاتين الحالتين هناك درجات عدة من قوة التشابك الكمي، ويقوم العلماء بقياس تلك القوة عبر قراءة حالات التشابك بين كم هائل من الكواركات والغلونات داخل الذرات.
ويقول الفيزيائي زودونمينغ تو، الباحث الفيزيائي بمعمل بروكهافن، وأحد المشاركين في الدراسة، في تصريح حصلت الجزيرة نت على نسخة منه: "قبل هذا العمل، لم يُجرَ أي تحليل للتشابك الكمّي داخل البروتون باستخدام بيانات التصادمات عالية الطاقة. والآن، نرى البروتون كمنظومة ديناميكية معقدة، وليس مجرد تجمع للكواركات والغلونات".
وعند تصادم الإلكترونات مع البروتونات، تنتج جسيمات من فئة الهدرونات. وقد أظهرت الدراسة أن توزيع تلك الهدرونات يعتمد بشكل كبير على إنتروبيا التشابك داخل البروتون. فكلما زاد التشابك بين الكواركات والغلونات، زادت الفوضى في توزيع الجسيمات الناتجة.
ويعد هذا الاكتشاف خطوة كبيرة نحو فهم التفاعلات التي تُبقي الكواركات والغلونات محبوسة داخل البروتونات، الذي كان أحد الأسئلة المحورية في الفيزياء النووية.
ومن المتوقع أن تفتح هذه النتائج الباب أمام تجارب مستقبلية في مرفق تصادم الإلكترون-أيون المزمع إنشاؤه في مختبر بروكهافن، وستسلط تجاربه على تأثير التشابك الكمّي على الخصائص النووية للبروتونات عندما تكون جزءًا من نواة أكبر، وهو ما يُشكّل خطوة جديدة للبشرية نحو فهم أعمق للكون ومكوناته.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
ماذا يحدث في جامعاتنا؟!
ماذا يحدث في جامعاتنا؟!
د. #أمل_نصير
ينظر إلى #الجامعات في جميع أنحاء العالم على أنها مراكز تنوير، ومنابر للحريات وبناء شخصية الطلبة والعاملين فيها التي تؤهلهم ليصبحوا قيادات للمجتمع في مستقبل أيامهم، لاسيما أن غالبية الذين يرتادونها هم من خيرة الخيرة؛ وبالتالي من حقهم أن يشاركوا في أي حوار هدفه الإصلاح، ووضع اليد على أي خلل قد يحدث في مسيرة جامعاتهم، والمساهمة في إبقاء البوصلة موجهة نحو نجاح الجامعة، انسجامًا مع سياسات التحديث، وإشراك طلبة الجامعات في الأحزاب…، ويتوقع من إدارات الجامعات الاستماع إلى مجتمع الجامعة، ومحاورتهم طالما أنهم لا يخالفون الدستور، للوصول معهم إلى حلول منطقية فيها مصلحة الجامعة، والعاملين فيها، ومصلحة الطلبة الذين يدرسون على مقاعدها.
كانت غالبية جامعاتنا لسنوات طويلة تحلق عاليًا محققة نجاحات متتالية، إلى أن قيض الله لها إدارات عاثت فيها فسادًا؛ ولا أعمم هنا البتة، ومن لم يشارك في نهبها أُقصي عن الإدارة، فحمد الله أنه دخل نظيفًا، وخرج أكثر نظافة. هذا النهب المالي أدى إلى تراجعها، إضافة إلى ظروف أخرى بعضها كان خارجًا عن إرادة هذه الإدارات، وبعضها بسبب سياسات خاطئة يدفع العاملون فيها اليوم ثمنها وهو غير مسؤول عنها.
نتج عن الأزمات المالية والإدارية والأكاديمية حراك رافض لما تعاني منه بعض الجامعات، فالأزمة المالية الخانقة فيها تضخمت –حسب تقرير ديوان المحاسبة- لعدم قيام الجامعة بتطوير وتحسين أدوات تحصيل الذمم المالية المدينة والمستحقة لها مما أدى الى تراكم هذه الذمم، واللجوء الى الاقتراض، فأين إدارة الجامعة ومجلس الأمناء من أداء دورهم في هذا ، وبدلا من ذلك –مثلا- ضاعفوا عدد نواب الرئيس، واستعانوا بقيادات عليا من خارج الجامعة، وكأن الجامعة تعيش في ترف مالي أو كأنها جامعة ناشئة لا يوجد فيها خبرات تضاهي أكبر الجامعات متجاهلين الكلفة المالية العالية لذلك في ظل مديونية ضخمة، وترى إدارة الجامعة منشغلة بأمور ثانوية، فهل يعقل – مثلاً – أن تنشغل الجامعة بالتصنيفات والجودة وتتجاهل تراجع البنية التحتية المتهالكة للجامعة وهي إحدى الشروط المهمة للجودة، إذ أصبح عدد من المباني القديمة غير مناسبة للتعليم، وما تم فيها من تصليح ما هو سوى ترقيع لا يليق بالجامعات، أما برد جلمود وغير جلمود، فالحديث عنه يطول لا سيما في المحاضرات المسائية…، أما عن التكريمات فلا شك أن بعضها مستحق، ولكن بعضها الآخر ترك مجتمع الجامعة يضرب كفًا بكف. ألم تسمعوا أن أهل الجامعة أدرى بشعابها؟ ولا أحد يعرف سببًا لهذه التكريمات سوى ما يُسمع عن صداقات، وعلاقات اجتماعية، ومصالح شخصية، فالجامعات تعرف وقع خطوات رجالها ونسائها الذين مشوا على أرضها المباركة، وخدموها لعشرات السنين.
زاد من تعقيد الأمور، وأدى إلى الدعوة إلى مزيد من التصعيد ما تتعرض له الجامعات اليوم من سياسات تكميم الأفواه، والتهديد بالعقوبات التأديبية، ناسين أن الجامعات تدار بالفكر لا بالتهديد؛ رحم الله عمر بن الخطاب إذ قال: “أيها الناس من رأى منكم في اعوجاجًا فليقومه”، فقام له رجل وقال: “والله لو رأينا فيك اعوجاجًا لقومناه بسيوفنا”، فقال عمر: “الحمد لله الذي جعل في هذه الأمة من يقوم اعوجاج عمر بسيفه”.
وسواء صحت نسبة القول لعمر رضي الله عنه أم لا، فإنه يعكس حاجة الأمم إلى التنبيه إلى الاعوجاج (مواضع الخلل)، وضرورة تقويمها (بدون سيوف) للصالح العام، فهل يعقل أن يصل الأمر بإصدار تعميم يهدد أساتذة الجامعات، وإدارييها بالعقوبات التأديبية بدلاً من الحوار معهم، والاستماع لآرائهم، والاستفادة من خبراتهم، فهم أولًا وأخيرًا ممن يهمهم رفعة الجامعة، وسمعتها، وديمومة مسيرتها.
إن مجالس الجامعات التي أشار لها كتاب التهديد ليست معصومة، وإلا فلماذا لا تُحترم كثير من قرارات مجالس الأقسام وهي الأساس؟ وقد تتدخل بعض المجالس بما ليس هو من صلاحياتها. رحم الله الدكتور محمد حمدان، عملت معه 4 سنوات في مجلس أمناء جامعة حكومية مع 3 رؤساء لها، وكان يردد دائمًا أن مجلس الأمناء له صلاحيات معروفة لا يجوز تجاوزها، ولا يجوز له التدخل في غيرها، علمًا بأن غالبية أعضاء المجلس كانوا من أصحاب المعالي المخضرمين.
والأمر الآخر هو سياسة فرق تسد بين العاملين في الجامعة، وانضمام بعض المواقع الإخبارية إلى مع أو ضد الحراك، ونشر بيانات بدون أسماء كاتبيها، والأخطر من ذلك كله انقسام الجسم الطلابي حول الحراك عن طريق بيانات نراها على مواقع التواصل الاجتماعي، بعضها يهدد، وبعضها يردد عبارات مبهمة… مما لا يبشر بالخير أبدًا.
بات على الجهات المعنية أن تتنبه إلى أن ما يحدث في الجامعات ليس من مصلحة أحد، وأن عليها أن تقوم بدورها في إيجاد الحلول بدلاً من ترك الجامعات نهبًا للفوضى. ومن يروج للحراك بانه حراك مالي فحسب، فإنه مخطئ، فحراك الجامعات حراك كرام لا حراك جياع.