نشر موقع " فورميكي" تقريرًا سلّط فيه الضوء على دور روسيا والصين وإيران في استخدام الحرب الهجينة؛ حيث أصبح التضليل المعلوماتي عنصراً محورياً في استراتيجياتها الجيوسياسية والعسكرية، وتقوم الدول باستغلال الأدوات الرقمية لتعزيز نفوذها وزعزعة الاستقرار في الغرب.

وقال الموقع، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن أجهزة الاستخبارات والأمن في روسيا والصين وإيران تمتلك أقسامًا متخصصة ووحدات مكرسة للهجوم في المجال المعلوماتي؛ بدءًا من مصانع الترويج الروسية (التلاعب بالمعلومات)، ووصولًا إلى مفهوم "تقارب وسائل الإعلام" (الدمج التدريجي بين الدعاية الداخلية والخارجية) الذي أقرته توجيهات الحزب الشيوعي الصيني.

وتظهر هذه المؤسسات بنية مؤسسية وعسكرية تعكس وجود خطة استراتيجية واضحة، وفق ما قالته ماتيا كانيغليا، كبير محللي الاستخبارات والسياسات في مؤشر التضليل العالمي.

وأوضح الموقع أن الصراع في أوكرانيا و التوترات الأخيرة في الشرق الأوسط، والتنافس الجيوسياسي على النفوذ في الجنوب العالمي، بجانب الأحداث الانتخابية في دول استراتيجية مثل رومانيا، تُظهر أن التمييز التقليدي بين الحرب التقليدية وعمليات التضليل الإعلامي أصبح متجاوزًا، حيث تتلاشى الحدود بين الصراع المادي والرقمي، وأصبحت المعلومات المضللة، التي تعد عنصرًا رئيسيًا في الحرب الهجينة، ليست جانبًا ثانويًا فحسب، بل أصبحت محورًا مركزيًا في الاستراتيجيات العسكرية والجيوسياسية.



ووفقا للموقع فخلف هذا النهج الذي يستخدم التلاعب بالمجال الرقمي وتحويل التضليل إلى سلاح صراع وأداة إستراتيجية لتعزيز السلطة وتوسيع النفوذ الجيوسياسي، يقف ثلاثة فاعلين رئيسيين: روسيا، الصين، وإيران. هذا المحور من القوى الاستبدادية، وعلى الرغم من الاختلافات في أهدافها الاستراتيجية – زعزعة الاستقرار بالنسبة لروسيا، السعي إلى الشرعية بالنسبة للصين، والمقاومة بالنسبة لإيران – يشترك في ثلاثة أهداف أساسية مشتركة: تفكيك النظام الديمقراطي الدولي، تحدي الهيمنة الغربية، والترويج لنماذج الحكم الاستبدادي.

ويتجسد هذا التقارب في رؤية مشتركة للمجال الرقمي كساحة معركة للقيام بعمليات هجينة تهدف إلى إضعاف الغرب؛ حيث تمتلك أجهزة الاستخبارات والأمن في روسيا والصين وإيران أقسامًا متخصصة ووحدات مكرسة للهجوم في المجال المعلوماتي، وهو ما يكشف عن بنية مؤسسية وعسكرية تشير بوضوح إلى وجود خطة استراتيجية مُحكمة.

وذكر الموقع أن هذا التقارب يزداد، فإذا نظرنا إلى السرديات المنتشرة والأساليب المستخدمة، فلم تتردد الصين وإيران في تضخيم السرديات الروسية التي تهدف إلى تصوير غزو أوكرانيا كرد فعل مشروع على التوسع الغربي، أو النظريات المتعلقة بوجود مختبرات بيولوجية أمريكية في أوكرانيا، ومن ناحية أخري تروج موسكو وطهران وبكين (رغم مواقفها الأكثر حذراً) لسرديات تتهم الولايات المتحدة وحلفائها ليس فقط بالمسؤولية المباشرة عن الصراع الحالي في الشرق الأوسط، بل أيضًا بانتهاج معايير مزدوجة مقارنة بالمواقف التي اتخذوها تجاه الصراع الأوكراني.

أما في الجنوب العالمي، وبدرجات قوة وإمكانات متفاوتة، تميل هذه الأطراف الثلاثة إلى تقديم أنفسهم كشركاء مثاليين لمواجهة العدوان الغربي وإقامة عالم متعدد الأقطاب حقًا، حيث يمكن للجنوب أن يطالب بمكانته الشرعية، متحررًا من إرث الاستعمار والاستعمار الجديد المستمر، وعلى المستوى التكتيكي، تُعد روسيا المحور الأساسي لهذا التحالف، حيث طورت نموذجًا تم تبنيه وتكييفه لاحقًا من قبل جمهورية الصين الشعبية، ومؤخرًا من قبل إيران.

وأكد الموقع أن الأبحاث الأخيرة تشير إلى تأكيد اتجاه متزايد نحو المزيد من التوافق بين موسكو وبكين وطهران في نهجها تجاه العمليات المعلوماتية، فأصبحت عمليات التضليل التي تقوم بها هذه الدول جزءًا لا يتجزأ من هجمات سيبرانية مُنظَّمة جيدًا، تُستخدم لنشر البرمجيات الخبيثة عبر التلاعب بمخاوف الناس وعواطفهم المُضخَّمة (على سبيل المثال من خلال "البرمجيات الخوفية"، وهي نوع خاص من طُعم التصيد الاحتيالي التي تستغل القلق ونقص المعلومات).

وعلي صعيد آخر تتزايد عمليات "الاختراق والتسريب" جنبًا إلى جنب مع التنسيق بين التكتيكات الهجينة (كما أظهر مثال "ساندورم"). كما يزداد استخدام الشركات الخاصة المؤجرة، وتجنيد المؤثرين، والاستغلال المنهجي لقنوات الاتصال الحكومية والدبلوماسية، وتوظيف ما يُعرف بـ"الإجراءات النشطة" واستهداف المجتمعات والجمهور المحدد بدقة. وتستغل عمليات التضليل الروسية، مثل نظيرتيها الصينية والإيرانية، بشكل متزايد الفرص المتاحة من خلال النقاشات العامة أو دورة الأخبار حول القضايا المثيرة للانقسام والاستقطاب في البلدان المستهدفة.

وأشار الموقع الي أن أجهزة الدول الثلاث تعمل على زيادة قدرتها على تنسيق عمليات مخصصة، وتكييفها مع السياقات الوطنية المختلفة. ومع ذلك، لا تزال هناك اختلافات واضحة، فالنهج الصيني في التعامل مع التضليل الإعلامي يعكس الثقافة الاستراتيجية للبلاد، وهو بالتالي أكثر حذرًا وأقل ظهورًا وأكثر تفاعلية وبرمجة. ورغم أن ظهور الذكاء الاصطناعي قد عزز قدرات الدول الثلاث، إلا أن الصين تظل في موقع أفضل لاستغلال الذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات الضخمة بشكل كامل لإنشاء سرديات تضليل وعمليات تأثير أكثر فعالية.

ومع الأخذ في الاعتبار الفروقات الضرورية، فيبدو أن موسكو وبكين وطهران قد أدركت أن كل صراع في عصرنا هو صراع رقمي، وبما أن الصراع الرقمي بطبيعته عالمي، فإن كل صراع، سواء كان عسكريًا أو سياسيًا، يتحول إلى صراع عالمي. ولا تعمل التقنيات الرقمية فقط على توسيع نطاق العمليات المعلوماتية، بل تحوّل كل مواجهة محلية إلى معركة عالمية للسرديات. تضمن منصات مثل إكس وفيسبوك وتيك توك وتلغرام، بحكم تعريفها وهيكلها غير المكترث بالحدود الجغرافية والسياسية، أن كل صراع يمكن أن يكون له تأثيرات متتالية تتجاوز حدوده المادية بكثير.

ولفت الموقع إلى أن إستراتيجيات التضليل ليست مجرد أدوات للتلاعب، بل هي وسائل حقيقية لإعادة تعريف التصورات والتوازنات العالمية، فلا تقتصر حملات التأثير على نشر الفوضى، بل تخلق سيناريوهات تزدهر فيها حالة انعدام الثقة، وتزداد الاستقطابات، وتتفاقم الاحتجاجات، ويصبح اتخاذ القرار في المؤسسات أكثر بطئًا وتعقيدًا. ولا تقتصر التأثيرات المزعزعة على مناطق الصراع فقط، بل تمتد إلى حكومات الدول المستهدفة، مما يقوض الثقة في المؤسسات ويجعل التعاون الدولي أكثر صعوبة.

وفي النهاية يختتم الموقع بالتأكيد على أن المواجهة بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية، تمر عبر التهديدات الهجينة الغامضة، وأن هذا التنسيق المتزايد في مجال التضليل بين موسكو وبكين وطهران لا يشكل فقط تهديدًا حتميًا في المشهد الجيوسياسي الحالي، لكنه يحدد خارطة التحالف الذي ينظر إلينا باعتبارنا العدو الذي يجب هزيمته، ويبدو أننا لم ندرك هذا الأمر.


المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية روسيا الصيني امريكا الصين روسيا ديمقراطية صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الصین وإیران

إقرأ أيضاً:

روسيا تشيد بـفهم ترامب وأوكرانيا تثني على دور أردوغان

قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اليوم السبت إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يبدو أنه يفهم ما يجري في أوكرانيا أكثر بكثير من أي زعيم أوروبي، في حين قال وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيغا إن بلاده تُولي أهمية بالغة لدور تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان في مساعي السلام.

وفي كلمة له -خلال منتدى أنطاليا الدبلوماسي في جنوبي تركيا- أكد لافروف أن ترامب يتفهم الحاجة إلى ما وصفه بمعالجة الأسباب الجذرية للصراع في أوكرانيا من أجل التوصل إلى حل.

كما قالت وزارة الخارجية الروسية اليوم السبت إن الوزير لافروف بحث الأوضاع في البحر الأسود والشرق الأوسط مع نظيره التركي هاكان فيدان، وإنهما ناقشا أيضا التعاون بين البلدين فيما يتعلق بالاقتصاد والطاقة.

من جهته، قال وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيغا اليوم السبت، إن بلاده تُولي أهمية بالغة لدور تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان في مساعي السلام.
وشدد سيبيغا -ضمن مشاركته في منتدى أنطاليا الدبلوماسي- على رغبة أوكرانيا في استمرار هذا الدور لتركيا، مؤكدا أن العلاقات بين البلدين تقوم على أساس الربح المتبادل.

وأشار الوزير الأوكراني إلى أن بلاده تسعى لتحقيق سلام "عادل وشامل ومستدام" في نهاية الحرب التي مع روسيا، موضحًا أن دعم الشركاء مثل تركيا ضروري لتحقيق هذا الهدف.

إعلان

كما أشاد في الوقت نفسه بدور أنقرة في "مبادرة حبوب البحر الأسود" التي ساهمت في دعم الاقتصاد الأوكراني من خلال استمرار تصدير المواد الغذائية.
وأشار إلى أن كلفة الحرب اليومية تبلغ نحو 220 مليون دولار، وأن إجمالي الخسائر في البنية التحتية بلغ حوالي 600 مليار دولار، وفقا للبنك الدولي.

وأضاف أن اقتصاد بلاده يُظهر مؤشرات إيجابية رغم ظروف الحرب، حيث يراوح النمو السنوي بين 3 و5%، كما زادت قدرات الصناعات الدفاعية إلى 6 أضعاف منذ بدء الحرب، مشيرًا إلى أن بلاده سترحب بمشاركة الشركات التركية في إعادة الإعمار المستقبلية.

ووصف سيبيغا منتدى أنطاليا الدبلوماسي بأنه منصة مهمة، مشيرا إلى أن الوفد الأوكراني أجرى لقاءات ثنائية خلال المنتدى، شملت اجتماعات مع وزراء خارجية 11 دولة أفريقية، ركزت على آثار الحرب الروسية الأوكرانية عالميًا.

الرئيس التركي أردوغان (يسار) خلال استقباله في أنقره نظيره الأوكراني زيلينسكي في فبراير الماضي (الفرنسية)

ميدانيا في  أوكرانيا، ذكرت السلطات في كييف أن 4  أشخاص على الأقل أصيبوا في 88 هجوما بطائرات روسية بدون طيار، الليلة الماضية وفي وقت مبكر من صباح اليوم، استهدف العاصمة كييف وخاركيف، ثانية كبرى مدن البلاد، ومناطق أخرى.
وأعلن سلاح الجو الأوكراني أنه تمكن من إسقاط 70 طائرة من أصل 88 طائرة، إما عبر الدفاعات الجوية أو من خلال التشويش الإلكتروني، وشملت مناطق أخرى تعرضت للقصف: أوديسا ودنيبروبيتروفسك، ودونيتسك.
وأعلنت الإدارة العسكرية في كييف عبر تطبيق تليغرام، استهداف العديد من المستودعات ومبنى سكنيّ وملعب رياضي.
وأعلن رئيس بلدية كييف، أن هناك 3 إصابات في العاصمة، حيث تم نقل أحد الضحايا إلى المستشفى، في حين نشبت عدة حرائق في كييف بعد الهجوم.

وقد ألحق حطام الطائرات المسيرة المتساقط أضرارا بالمستودعات والمباني السكنية في منطقة كييف.
وفي خاركيف، ضربت طائرات بدون طيار منشأة خاصة، مما أدى إلى إصابة شخص واحد.

إعلان

وأوّل أمس الخميس، أعلنت كل من روسيا وأوكرانيا  التصدي لهجمات متبادلة بالطائرات المسيرة، في حين دخلت الصين على خط الأزمة الأوكرانية بعد اتهام كييف لبكين بتجنيد صينيين يقاتلون إلى جانب القوات الروسية.

وأسفرت هجمات روسية على أوكرانيا ليل الخميس الماضي عن إصابة 12 شخصا بجروح في العاصمة كييف وفي منطقة ميكولايف الجنوبية، بحسب ما أفاد مسعفون ومسؤولون محليون.

كما نقلت وكالة الإعلام الروسية عن وزارة الدفاع قولها الخميس الماضي إن القوات الروسية سيطرت على قرية جورافكا الحدودية في منطقة سومي الأوكرانية.

وصعّدت موسكو وكييف ضرباتهما على الرغم من محاولات أميركية لجمع الطرفين على طاولة المحادثات بهدف إنهاء الحرب المستمرة منذ أكثر من 3 سنوات.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال في أواخر فبراير/شُباط الماضي إن المبادرة الدبلوماسية، التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوضع حد سريع للحرب في أوكرانيا عبر التفاوض، تتقاطع مع السياسة التي تنتهجها تركيا منذ 3 أعوام.

مقالات مشابهة

  • روسيا تحذر من التصعيد في أوكرانيا.. ما قصة صواريخ "تاوروس"؟
  • ترامب: حرب روسيا وأوكرانيا ليست حربي
  • الاتحاد الأوروبي: الطريقة الوحيدة لإنهاء الحرب في أوكرانيا استمرار الضغوط على روسيا
  • الاتحاد الأوروبي: لإنهاء الحرب في أوكرانيا يجب استمرار الضغط على روسيا
  • مسئولة أوروبية تدعو إلى الضغط على روسيا لإنهاء الحرب الأوكرانية
  • روسيا تشيد بـفهم ترامب وأوكرانيا تثني على دور أردوغان
  • التايمز: مبعوث ترامب يقترح إقامة "جدار برلين " لإنهاء الصراع الأوكراني الروسي
  • روسيا: ترامب يفهم صراع أوكرانيا أكثر من أي زعيم أوروبي
  • جامعة أفريقيا العالمية.. جسر السودان الذي مزقته الحرب
  • كاريكاتير.. حقيقة التضليل الأمريكي الصهيوني للراي العالمي