لماذا تبدو فرص تركيا بحل المعضلة الكردية أكبر اليوم؟
تاريخ النشر: 8th, January 2025 GMT
مع دعوة الزعيم القومي دولت بهتشلي، الزعيمَ التاريخي لحزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان لإعلان حل التنظيم ووقف عملياته، وإبداء الأخير استعداده للعب دور إيجابي و"إلقاء الخطاب اللازم"، تبدو تركيا على أعتاب مسار سياسي جديد لحل نهائي للمسألة الكردية، وبفرص أفضل بكثير من التجربة السابقة.
عملية التسويةفي السنوات الأولى لوصوله للسلطة، وتحديدًا في 2005، أعلن رئيس الوزراء التركي في حينها رجب طيب أردوغان وفي معقل الأكراد مدينة ديار بكر لأول مرة عن وجود "مشكلة كردية" في البلاد واعدًا بحلها.
وبعد عدة حزم من الإصلاحات الديمقراطية المتعلقة بحق استخدام لغات أخرى غير التركية (المستهدف الرئيس اللغة الكردية) في التعليم والإعلام والتقاضي، وغير ذلك، إضافة لزيادة عقوبات جرائم التمييز والكراهية على أسس عرقية ودينية، والمشاريع التنموية لمناطق الجنوب والجنوب الشرقي ذات الأغلبية الكردية، بدأت الحكومة التركية مسارًا سياسيًا أسمته "عملية التسوية" مع العمال الكردستانيّ؛ لإلقاء سلاحه ووقف العمليات الإرهابية التي بدأها عام 1984 وكلّفت البلاد أكثر من 40 ألف ضحية، فضلًا عن مئات مليارات الدولارات.
في 2009، تم الكشف عن مسار تفاوضي بين جهاز الاستخبارات التركي، وحزب العمال الكردستاني، وهو ما عرّض رئيس الجهاز لاحقًا (وزير الخارجية الحالي) هاكان فيدان لمساءلة قانونية دبرتها جماعة كولن التي كانت بدأت صراعًا مع أردوغان والعدالة والتنمية على السلطة.
إعلانفي "عيد النوروز" عام 2013، أطلق عبدالله أوجلان نداءه الشهير من سجن إيمرالي حيث يمضي عقوبة بالسجن المؤبد، لإلقاء مسلحي العمال الكردستاني السلاح ومغادرتهم الأراضي التركية، وهو النداء الذي كرره بعد عامين في مارس/ آذار 2015.
أعلن حينها عن ورقة سياسية من عشر مواد بين الحكومة التركية، وحزب الشعوب الديمقراطي، الذي كان ينظر له كواجهة سياسية للكردستاني وكان لاعبًا رئيسًا في المسار السياسي. بيد أن الكردستاني، وبعد تباطئِه في إخراج مسلحيه من تركيا، استأنف عملياته في يوليو/ تموز 2015 تأثرًا بالعوامل الخارجية، وخصوصًا التطورات في سوريا، حيث كانت وحدات حماية الشعب قد أعلنت إدارات ذاتية في شمال سوريا، وبذلك انهارت عملية التسوية.
أخطاء الماضيمنذ 2015، سارت الكثير من المياه تحت الجسر. عادت عمليات الكردستاني، وكافحته السلطات التركية بحرب مدن في مناطق الأغلبية الكردية التي أعلن فيها إدارات ذاتية، ثم بدأت سلسلة عمليات في العراق تحت اسم "المخلب"، وفي شمال سوريا أولها عملية "درع الفرات" في 2016؛ بهدف تقويض إمكانية تأسيس كيان سياسي مقرب منه هناك، وما زالت تلوح بعملية جديدة في شرق الفرات.
اليوم، وتركيا على أعتاب مسار سياسي متوقع لم تعلن كامل تفاصيله، ثمة عملية تقييم غير رسمية للمسار السابق وأخطائه التي قد تكون ساهمت في انهياره وفشله. في مقدمة ذلك أن المسار تبنته وعملت عليه الحكومة ومؤسسات الدولة بشكل شبه منفرد، فلم يكن هناك دور بارز للبرلمان والأحزاب السياسية الأخرى.
فالقوميون معروفون بموقفهم الحاد من المسألة، وبالتالي من مسار التسوية السابق، ونأى حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة بنفسه عن تأييد العملية. بل ظهرت بعض التباينات في الموقف بين الحكومة وأردوغان بخصوص "وثيقة البنود العشرة" في حينه.
كما أن جماعة كولن عملت على استغلال عملية تسوية لتصفية حسابات مع أردوغان والعدالة والتنمية، وكانت محاولة التحقيق مع هاكان فيدان في 2012 أولى محطات المواجهة، التي انتهت بالمحاولة الانقلابية الدموية في 2016.
إعلانوأخيرًا، كانت الظروف الإقليمية غير مؤاتية، حيث إن الحضور والنفوذ اللذين حصل عليهما حزب الاتحاد الديمقراطي، الامتداد السوري للكردستاني، وأذرعه العسكرية شجعا الأخير على ترك مسار التسوية والعودة للعمليات العسكرية في تركيا، مؤملًا نفسه بإمكانية تحقيق الأمر نفس على الأراضي التركية، وهو ما فشل لاحقًا.
فرص أفضلفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، دعا حليف أردوغان ورئيس حزب الحركة القومية دولت بهتشلي إلى مسار لإنهاء مشكلة الإرهاب في البلاد، بحيث يلقي أوجلان خطابًا تحت قبة البرلمان التركي أمام الكتلة البرلمانية لحزب ديمقراطية ومساواة الشعوب (خليفة الشعوب الديمقراطي) يعلن فيه عن حل التنظيم، ووقف العمليات، فيما فهم أنه إرهاصة لمسار سياسي جديد، قدم أوجلان تجاهه رسائل إيجابية حتى اللحظة.
على مدى سنوات طويلة نفى المسؤولون الأتراك إمكانية إطلاق عملية تسوية جديدة على نفس النمط مع العمال الكردستاني، مؤكدين على ضرورة تقويض قدرات المنظمة الانفصالية قبل أي حديث سياسي، ومعولين على سياسة الحرب الاستباقية وتجفيف المنابع في الخارج.
اليوم، ورغم الإصرار على عدم تسمية الأمر بـ "عملية تسوية"، حيث أطلق عليها بهتشلي اسم "مشروع تركيا بلا إرهاب"، ورغم غياب برنامج واضح ومفصل، فإن عين المراقب تلحظ مسارًا سياسيًا ما زال في بداياته، وأنه يحمل فرص نجاح أكبر بشكل ملحوظ من عملية التسوية السابقة، لعدة أسباب:
أول هذه الأسباب أن تركيا اليوم أقوى داخليًا وأكثر نفوذًا خارجيًا، وأفضل وضعًا أمام الإدارة الأميركية الجديدة، ولا سيما بعد سقوط النظام في سوريا، فضلًا عن نجاحها في مكافحة الكردستاني في كل من العراق وسوريا، والذي نتج عنه تراجع ملحوظ في وتيرة العمليات الإرهابية، وكذلك في أعداد المنضمّين للمنظمة، وارتفاع عدد المغادرين لها وتسليم أنفسهم للسلطات التركية.
إعلانيضاف لذلك، ثانيًا، تغير الأوضاع الإقليمية بشكل جذري، حيث يبدو العراق اليوم بشقّيه؛ الحكومة المركزية وإقليم كردستان العراق أكثر تفهمًا لمقتضيات أمن تركيا القومي وأكثر تعاونًا معها، بما في ذلك تصنيف العمال الكردستاني كمنظمة محظورة.
وفي سوريا، تواجه قوات سوريا الديمقراطية "قسد" تحديات وجودية بعد سقوط النظام وتشكيل إدارة جديدة للبلاد تشارك تركيا الخط الأحمر المتعلق بوحدة الأراضي السورية ورفض مشاريع التقسيم، فضلًا عن قلقها من رؤية ترامب لوجود قوات بلاده في سوريا، وسيطرة "الجيش الوطني السوري" المقرب من تركيا على كل من تل رفعت ومنبج، وتأكيد أنقرة على أنه "لا وجود للمنظمات الإرهابية في سوريا الجديدة".
وثالثًا، لم يعد مسوّغ مكافحة تنظيم الدولة بنفس حضوره السابق، حيث لدى دمشق وأنقرة حجج قوية لإقناع واشنطن بأن الحكومة السورية الجديدة قادرة على تولي هذا الملف بالتعاون مع تركيا، وكذلك العشائر العربية في "الجزيرة السورية"، بما يدحض فكرة الحاجة لقوات "قسد" والاستمرار في دعم منظمات ما دون الدولة في ظل وجود نواة لحكومة مركزية.
وأخيرًا، يبدو العامل الداخلي أفضل بكثير اليوم في دعم المسار الجديد المفترض. فالدعوة الأولى أتت من أكثر المتشددين "صقورية" في المسألة الكردية وهو بهتشلي، وهو ما يريح الحكومة إلى حد كبير. كما أن الشعب الجمهوري أعلن على لسان رئيسه أوزغور أوزال عن عدم معارضته للمسار، فضلًا عن دعم أحزاب معارضة أخرى، باستثناء حزب الجيد القومي المنشق عن الحركة القومية لأسباب مفهومة.
كما أن هناك حرصًا على دور بارز وأساسي للبرلمان التركي في المسار الجديد، حيث كانت الزيارة الأولى للوفد الذي زار أوجلان في سجنه لرئيس البرلمان نعمان كورتولموش في إشارة رمزية واضحة، كما كانت زيارته الثانية لبهتشلي صاحب النداء الأول.
إعلانفي المقلب الآخر، صدرت إشارات إيجابية حتى اللحظة من أوجلان نفسه، ومن حزب ديمقراطية ومساواة الشعوب، ومن الرئيس السابق لحزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرطاش وهو شخصية قوية ومؤثرة وذات ثقل رمزي كبير. حتى قيادات العمال الكردستاني العسكرية في جبال قنديل في العراق، والتي كانت لمحت لمعارضتها في البداية، صدر عنها ما يفهم أنه دعم مشروط للمسار، حيث تحدثت عن ضرورة "دعم موقف أوجلان" من خلال زيادة الضغط على أنقرة بعمليات جديدة، وهو أمر إشكالي وقد يشكل عائقًا لكن قد يفهم منه الرضوخ لواقعية المسار المنتظر وضرورة التفاعل معه، فضلًا عن عدم السيطرة على كامل قرار الكردستاني وصعوبة تحجيم أوجلان وتحييده.
في الخلاصة، ثمة عوامل داخلية وخارجية عديدة تعزز من فرص نجاح المسار السياسي الجديد لحل المسألة الكردية في تركيا. وإذ تبدو الحكومة اليوم غير مستعجلة للإعلان عن جدول أعمال معلن، بل تتورع عن تسمية تحيل على فكرة "التفاوض" مع الكردستاني، إلا أن المسار يعبر عن نفسه من خلال خطوات وتصريحات ثابتة وواضحة ومباشرة.
يبقى أن نقول إن التقييم الحقيقي والدقيق لفرص نجاح المسار وبالتالي تخلص أنقرة تمامًا ونهائيًا من خطر الإرهاب، بتأثيراته وكلفه البشرية والاقتصادية والأمنية والإستراتيجية، سيعتمد على عدة عوامل في مقدمتها تفاصيل المسار السياسي المنتظر، وكذلك التطورات الإقليمية وفي مقدمتها سوريا، وتحديدًا الموقف الأميركي من "قسد" والتعامل مع تركيا في الملفات الخلافية الأساسية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات العمال الکردستانی عملیة التسویة فی سوریا فضل ا عن سیاسی ا مسار ا
إقرأ أيضاً:
تحذير إسرائيلي من “محور جديد” في سوريا بقيادة أردوغان.. “تركيا على حدودنا”
#سواليف
حذر عقيد في #جيش_الاحتلال الإسرائيلي من تنامي #النفوذ_التركي في #سوريا، معتبرا أن أنقرة تعمل على إنشاء محور جديد بالتعاون مع #قطر ليحل محل ما وصفه بـ”المحور الإيراني” بالمنطقة، مشيرا إلى أن ذلك يشكل تهديدا مباشرا لدولة الاحتلال.
وقال العقيد احتياط في جيش الاحتلال الإسرائيلي، عميت ياجور، في مقال نشره بصحيفة “معاريف” العبرية، إن “الرئيس السوري الجديد #أحمد_الشرع يزور #تركيا ويلتقي مع #أردوغان، وكان على جدول الأعمال إقامة #قواعد_عسكرية تركية في سوريا وتدريب الجيش السوري وحماية الأجواء السورية، وهو ما قد يعني الحماية من إسرائيل”.
وأضاف ياجور أن “إسرائيل منشغلة بقضايا مثل رهائن غزة والتطبيع مع السعودية، في حين يتشكل تهديد جديد على حدودها الشمالية، وهو أردوغانستان – أي سوريا كدولة تابعة لتركيا بالكامل”، حسب زعمه.
وأشار ياجور إلى أن النفوذ الإيراني في سوريا قد تراجع، لكن ذلك لم يترك فراغا، بل تم ملؤه بمحور جديد يقوده ما وصفه بمحور “الإخوان المسلمين المتطرف” عبر تركيا وقطر، معتبرا أن تركيا “تريد إعادة إحياء الحلم العثماني عبر إنشاء منطقة نفوذ إقليمية تمتد من سوريا وحتى البحر المتوسط”.
وأضاف الكاتب الإسرائيلي أن “قطر ستكون الممول الرئيسي، بينما تركيا ستوفر الأيدي العاملة والمشاريع والمساعدات العسكرية، ما يجعل سوريا تابعة بالكامل لأنقرة”، موضحا أن ذلك “يحرم إسرائيل من حرية الحركة العسكرية في الشمال، ويضعها أمام احتكاك مباشر مع جيش عضو في الناتو”.
ولفت إلى أن “أنقرة بدأت بالفعل في التفاوض مع سوريا حول ترسيم الحدود البحرية في البحر المتوسط، مما قد يمكن الدولتين من توسيع نفوذهما في البحث عن الطاقة”، محذرا من أن “تركيا قد تصبح جارة فعلية لإسرائيل، ما سيؤثر على توازن القوى الإقليمي”.
وزعم ياجور أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “يرى سوريا محافظة جديدة ضمن تركيا الكبرى”، مشيرا إلى أن “تركيا لن تكتفي بالجانب العسكري، بل ستستخدم الأدوات المدنية والاقتصادية لكسب الشرعية الدولية”.
ودعا الكاتب الاحتلال الإسرائيلي إلى إثارة هذا الملف بقوة أمام إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، موضحا أن “إعادة إعمار سوريا أمر محتوم، ومن الضروري أن تشمل خطة مارشال إقليمية بقيادة دول معتدلة مثل السعودية، لمنع تركيا من الاستحواذ على النفوذ هناك”.
وختم ياجور بالتحذير من أن “عدم تحرك إسرائيل الآن قد يضطرها لمواجهة تحد عسكري تفرضه تركيا في البحر المتوسط، وربما على الحدود مع سوريا”، معتبرا أن “الأمر في أيدينا، ويجب أن نتحدث بقوة ووضوح مع كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية الجديدة وأوروبا”.