مؤمن الجندي يكتب: بالونة مزدوجة
تاريخ النشر: 8th, January 2025 GMT
الكلمات ليست مجرد أصوات تنبعث من الحناجر، بل هي مفاتيح تُفتح بها أبواب القلوب، أو تُغلق بها.. والتصرفات ليست مجرد حركات عابرة في مسرح الحياة، بل هي رسائل مشفّرة تعبّر عن باطن النفوس ومكنون العقول! غير أن الإشكالية الكبرى تكمن حين تتعارض الكلمة مع نيتها، والموقف مع جوهره، لتصبح أداة للغموض والازدواجية، حاملةً معنيين متناقضين، أحدهما يعلن وآخر يضمر.
حين يكون الشخص في موضع مسؤولية، فإن لكل كلمة ينطقها، ولكل قرار يتّخذه، أصداءً تتجاوز ذاته، وتمتد إلى حياة الآخرين، هنا تكمن خطورة الازدواجية؛ أن يبتسم في وجه الجمهور وهو يخطط لإثارة عاصفة خلف الستار، أن يدّعي الحكمة وهو صانع الأزمات، أن يتحدث عن الخير وهو يعبّد الطريق للمكائد، أو حتى عكس كل ذلك.
إن المسؤولية لا تقتصر على اتخاذ القرار، بل تتعدى ذلك إلى التفكير العميق في أبعاده وتبعاته! فالقرار كلمة، والكلمة موقف، والموقف حياة.. فإن كان الشخص المسؤول غير قادر على التفكير الرشيد، فعليه أن يستعين بمن يُحسن ذلك! وإن عزعليه وجود من يعينه، فليصمت وليبتعد عن صُنع الإثارة من وقت لآخر.
إمام عاشور، لاعب الأهلي، بطل أزمة جديدة من أزماته "التريند"، ألقت بظلالها على المشهد الرياضي بعد احتفاله المثير للجدل بهدفه في مرمى سموحة، وضع اللاعب بالونة على فمه ونفخها احتفالًا، وهو تصرف بسيط في ظاهره، إلا أنه أثار موجة عارمة من الانتقادات بسبب لون البالونة الأبيض، الذي اعتبرته جماهير عديدة إيحاءً بنادي الزمالك، النادي السابق للاعب! هذه العاصفة النقدية أخذت منحى أوسع على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انقسمت الآراء بين من رأى في الأمر استفزازًا مقصودًا، ومن اعتبره تصرفًا عفويًا لا يحمل أي دلالات.
شوائب المعاني المزدوجةرغم توضيح إمام عاشور لاحقًا بأنه لم يكن يقصد أي إساءة أو إشارة، فهو مجرد احتفال اتفق عليه مع طفلته، إلا أن الموقف يكشف أهمية تحلي اللاعبين بالوعي والمسؤولية في أفعالهم، خصوصًا في بيئة مشحونة بالعواطف كالرياضة المصرية! الاحتفال بالأهداف حق مشروع، لكنه يجب أن يبقى في إطار الروح الرياضية، بعيدًا عن التأويلات التي قد تفتح أبواب الجدل.
على عاشور أن يدرك أن كونه لاعبًا في نادٍ كبير مثل الأهلي يضعه تحت المجهر، وعليه أن يحرص مستقبلًا على تصرفاته لتجنب أي مواقف تحمل معنيين قد تثير غضب الجماهير وتُلهب الخلافات، فإذا ما أراد الإنسان المسؤول أن يكون مصدر إلهام وإصلاح، فعليه أن يوازن بين قوله وفعله، وأن يُخلص كلماته وتصرفاته من شوائب المعاني المزدوجة.
في النهاية، إن المسؤولية ليست ترفًا أو خيارًا، بل هي واجب يستدعي عمق التفكير ونقاء النية! فإن كنت شخصًا مسؤولًا ولم تستطع التفكير بوضوح، فلا عيب في أن تستعين بمن يساعدك.. أما إذا اخترت الطريق السهل للعب بالكلمات وصُنع الأزمات، فاعلم أنّك تترك خلفك إرثًا من الخراب قد يُلاحقك حتى بعد غيابك.
الكلمة سلاح، والموقف حياة، والصمت حكمة.. اختر بحكمة، لتُصان الكلمة ويُحفظ الموقف، ويسود السلام.
للتواصل مع الكاتب الصحفي مؤمن الجندي اضغط هنا
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: امام عاشور بالونة إمام عاشور احتفال البالونة الأهلي وسموحة أزمة إمام عاشور مؤمن الجندی
إقرأ أيضاً:
كوبا وثائق فوتوغرافية.. سفر ضوئي يكشف واقع حياة الناس وثقافة المكان
"العُمانية": تعكس أعمال معرض الصور الضوئية "كوبا وثائق فوتوغرافية" للمصورين الضوئيين العُمانيين: معالي السيد إبراهيم بن سعيد البوسعيدي محافظ مسندم، وأحمد بن سالم البوسعيدي وخميس بن أحمد الريامي، ببيت الزبير، التوثيق البصري الذي يمثل الحياة بكافة تفاصيلها لهذه الدولة الواقعة في البحر الكاريبي في قارة أمريكا الشمالية.
يضم المعرض الذي سيستمر حتى 30 من يناير الجاري، 55 صورة ضوئية، فهو يشكل سفرًا ضوئيًّا يكشف واقع حياة الناس وثقافة المكان، بالإضافة إلى تفاصيل تحكي حياة الكوبين بين الشوارع والمباني والطرقات، والطبيعة، فالصور تنقل حياة الناس وحياتهم وبساطة العيش وحب الحياة.
لقد عمل المصورون على إظهار تفاصيل مهمة من العادات والتقاليد الكوبية التي تمثل حياة الشارع في الأسواق والمقاهي والممرات، مع صور تظهر الوجوه بتفاصيلها المنفردة وبالألوان الزاهية التي تعبر عن طبيعة الحياة في هذه الجزيرة التي تتميز بشواطئها المتميزة، ومناخها الاستوائي، وجمالها الطبيعي.
الزائر للمعرض سيجد رحلة فنية تمتزج فيها الثقافات وتتلاقى العوالم، فهو يقدم مدنًا تنبض بالحياة، وتتحدث التفاصيل بلغة الجمال، فعدسات المصورين رصدت مشاهد لا تنسى خلال مشاركتهم في الملتقى الدولي الخامس للمصورين في هافانا عام 2015.
المعرض ليس مجرد توثيق لحظات عابرة، بل هو دعوة للتأمل في جوهر الحياة الكوبية، بما تحمله من تنوع ثقافي وروح إنسانية نابضة. وفي هذا المعرض سعى المصورون العمانيون إلى إيجاد حوار بصري يجمع بين الشرق والغرب، مُعبِّرين عن جماليات غير مرئية تُجسد قوة الصورة الضوئية كوسيلة لنقل المشاعر والقصص.
بين الأبيض والأسود الذي يعكس بساطة الزمن وحنينه، والألوان التي تجسد الحياة في شوارع كوبا المفعمة بالحركة، ثمة رؤية فنية عميقة. فقد ركزت الصور على وجوه البشر كنافذة للروح، وعلى تفاصيل الحياة اليومية التي تروي قصصًا لا حصر لها. كل صورة في هذا المعرض تحمل طابعًا مختلفًا، وكأنها فصل من رواية بصرية تسرد تجربة إنسانية عالمية.
وفق رؤية المصورين في هذا المعرض أوضحوا أنه ليس مجرد حدث ثقافي، بل هو جسر يربط التجربة العمانية بتجارب عالمية، ويُثري مسيرة الفن البصري المحلي، وفرصة للمصورين العمانيين لاستلهام طرق جديدة للتعبير، وللجمهور العماني لاكتشاف زوايا مختلفة من الجمال الإنساني.
تكمن قيمة هذا المعرض في قدرته على جلب تجارب من خارج الحدود، ليصبح العمل الفني شهادة حية على عمق الإنسانية وجمال تنوعها. هذه التجارب تُغني الفهم الثقافي، وتجعل من التصوير الضوئي وسيلة للتواصل تتجاوز الكلمات والحدود.
إن تداخل الألوان في شوارع كوبا وطرقاتها التي تقرّب زائرها لاكتشافها م قرب، جعلت عدسات المصورين الثلاثة تقترب من الحياة اليومية الفريدة. فهناك العادات والتقاليد والموسيقى التي تحولت ظواهر أكثر من كونها محلية لتسافر إلى العالمية، ما يعكس قدرة الشعب الكوبي على الحفاظ على التراث والهوية والاعتناء بالثقافة كما أن تلك المفردات هي وسائل ذاتية للتعبير عن الآمال والأحلام.
صور المعرض المتعددة تقود الزائر لاكتشاف عيون الناس المليئة بالشغف، والحياة، والحكايات اليومية عن الواقع المعاش، حيث النوافذ التي تكشف عن طموح كوبي اُفتخر بثقافته، على الرغم من التعدد الذي تفرزه الصور الضوئية فيما يتعلق ملامح الوجوه وهو ما يعكس الثراء الإنساني للمجتمع الكوبي.
في كلمة لبيت الزبير حول المعرض الضوئي، أوضحت أن المصورين جابوا بكاميراتهم وأرواحهم أزقة كوبا النابضة بالحياة، ليحضروا حكاياتها في صور تنبض بالجمال والتفرد، وأن هذا المعرض ليس مجرد انعكاس لمهارة المصورين الثلاثة فحسب، بل هو شهادة على قدرة العدسة العمانية على السفر بعيدًا، واستكشاف الثقافات المختلفة، وتقديمها بعيون تنبض بالإبداع والإنسانية. فكل صورة في المعرض ليست مجرد مشهد جامد، بل هي نافذة تفتح على عالم مليء بالألوان والتفاصيل، عالم يروي قصص البشر، ويحتفي بالاختلافات التي تجعل هذا الكون غنيًا وفريدًا.
الزائر للمعرض سيقف كثيرا من خلال الصور مع الروابط الإنسانية التي تفرز العادات والتقاليد وهي تقتنص اللحظات المتنوعة في حياتهم. إنها مساحة الثقافة في صور شتى حيث امتزاج الألوان بالعواطف والأصوات التي توجد تجربة ضوئية غنية.