موقع 24:
2025-03-11@00:08:41 GMT

سوريا... والهستيريا

تاريخ النشر: 8th, January 2025 GMT

سوريا... والهستيريا

منذ فرار بشار الأسد هناك حالةٌ هستيريةٌ حيال سوريا، سواء مع أو ضد. فهناك مشاعر إعجاب تتحسس من الملاحظة والنقد، مثلما هناك هستيرية في النقد، والتصيد، والتصعيد، وبلغت حداً ملفتاً من الانحدار.

يحدث كل ذلك رغم أن اليوم يصادف مرور شهر على فرار الأسد من دمشق إلى موسكو، ووصول الإدارة السورية الجديدة للحكم.

صحيح أن أسبوعاً يعد وقتاً طويلاً في السياسة، لكن ما نحن بصدده مختلف تماماً.
كنت، وما زلت، على قناعة بأن لا تشابه في الحالات السياسية في منطقتنا، ومنذ «الربيع العربي»، حيث سقوط الأنظمة، ورحيل من رحل من الرؤساء، إلا في بعض الأخطاء المتكررة من التوقيت، وجدية التحرك، لكن لا يوجد «كتالوج» موحد للمنطقة.
سوريا بحد ذاتها حالة مختلفة، من جدية ثورتها إلى عمق معاناتها، وحجم الدمار المؤسسي فيها بسبب فساد الأسد، الأب والابن، ثم ما لحق بها من دمار وخراب، وتدمير ممنهج للنسيج الاجتماعي طوال أربعة عشر عاماً مضت بسبب التدخل الإيراني.
اليوم هناك هستيريا مطالبات، وانتقادات، وتأجيج وتضليل ممنهج، بل وطعن بالإدارة الجديدة، وكذلك هناك احتفاء هو أقرب للحلم حول سوريا الجديدة، ونظامها الحالي، الذي سيكون، والحقيقة أن لا هذا مطلوب، ولا ذاك، بل مزيد من العقلانية والوعي، والتواضع.
المطلوب اليوم هو دعم سوريا، والالتفاف حولها، والقول علناً إن الجميع سيلتزم بالأفعال وليس الأقوال. ويجب ألا نغر في قصة «الأقليات»، فالأهم هو الوطن والمواطنة، والمؤسسات الضامنة لذلك.
الأهم اليوم هو أن سوريا بيد أهلها، ويجب أن يقبل الجميع بما يقبله السوريون لأنفسهم، ودون أوهام العودة الإيرانية، أو تأجيج الأوضاع، فمن مصلحة المنطقة، والمجتمع الدولي، أن تكون سوريا مستقرة وناجحة.
من مصلحة الجميع أن تكون سوريا شريكاً، وليس وكر مؤامرات ومطامع إقليمية، وأيدولوجية. ولا يمكن مطالبة «البعض» للسوريين بإنجاز ما لم ينجزوه هم أنفسهم في دولهم، والأمثلة كثيرة. مثلاً، لا تكن نتاج محاصصات طائفية، وميليشيات، وتحاضر السوريين. هذا غير مقبول.
كما لا يمكن مطالبة أحمد الشرع الآن بضرورة إنجاز كل شيء بنفس اللحظة، وهو ما لم ينفذه الأسد طوال حكمه، بل وكان هناك من يبرر له رغم كل جرائمه. اليوم علينا المشاركة والدعم لتأكد أن عربة الإصلاح والاستقرار قد انطلقت، وذلك أجدى، وأرقى، من الهجوم غير المبرر، وغير المقبول.
في القصة السورية لا يوجد أبيض وأسود، ولا يوجد هذا أصلاً في السياسة، لكن علينا تذكر أن أي شيء غير بشار الأسد هو أمر جيد، كنظام أو فرد، ويقيني أن سوريا أفضل بكثير بعد فرار الأسد، وسقوط نظامه الإجرامي.
المطلوب اليوم هو دعم سوريا، والتواصل معها عربياً بشكل مكثف، وتذكر أن النظام الجديد، وأياً كان، أمامه تحديات حقيقية بسبب ما خلفه الأسد الأب والابن، وبسبب ظروف المنطقة. ولذا الواجب اليوم هو أن تسود لغة العقل، وبلا اندفاع «حالم»، ولا انكفاء خاطئ.
هذه هي لحظة دعم سوريا «المفيدة» لأهلها، واستقرار وازدهار المنطقة.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب خليجي 26 إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية سقوط الأسد الیوم هو

إقرأ أيضاً:

قلق الأقليات في سوريا يتحول إلى رعب

قبل بضعة أعوام، وفي الفترة التي بلغت فيها الحرب الأهلية في سوريا ذروتها على الأرض، انتشرت وثيقة ما يسمى بـ“نداء العلويين” للمندوب السامي الفرنسي في فترة الانتداب الفرنسي لسوريا ولبنان خلال ثلاثينات القرن الماضي. كان الوضع على الأرض غيره الآن. الدولة السورية قبل بضعة أعوام، أو دولة بشار الأسد، كانت قد بدأت باستعادة قوتها بعد تدخلات جوية حاسمة من روسيا وانتشار وتسليح أرضييْن من إيران. نتائج الحرب كانت تبدو محسومة لصالح نظام الأسد، وأن ما بقي هو مسألة وقت. بقيت الأمور تراوح مكانها نسبياً، وعلى عادة الأسد في عدم إدراكه لعامل الوقت وترك الأمور دون حسم، تصرف النظام على أساس أن الحرب شيء مركون يمكن العودة إليه وحسمه ساعة يشاء. الوقت، كما صرنا نعرف الآن، كان ضد الأسد، وجاءت عوامل إقليمية إضافية لتغير معطيات الأزمة بشكل مذهل. ينبه الأطباء في العادة إلى التأثيرات الجانبية للأدوية، ويحذرون من بعضها، وعلى المريض أن ينتبه. مريضنا السوري لم ينتبه إلى خطورة الأعراض الجانبية، وشهدنا انهيار النظام على نحو يصعب تصديقه.
المقاتل العلوي المحسوب على نظام الأسد، والذي كان يفترض أن يربح الحرب، خسرها. الرئيس بشار الأسد وأفراد عائلته لاجئون الآن في موسكو. وبعد أسابيع من الهدوء النسبي، تقف سوريا على أعتاب مرحلة مختلفة من الصراع الأهلي. وبعد أن كان توزيع وثيقة “نداء العلويين” قبل أعوام غريباً، باعتبار أنه يشير إلى ضعف العلويين، يبدو النداء اليوم واقع حال خطيراً يجسد أن العلويين ضعفاء بالفعل وأنهم إنما كانوا يحتمون بهيكل الدولة السورية ضمن كيان أفرزته مرحلة تكوين الدول في ما بعد الحرب العالمية الأولى.
كان البيان أشبه بدعوة إلى انضواء أقليات بلاد الشام في هيكل يحميها. كان شيوخ الطائفة العلوية إنما يعبرون عن قلق تاريخي تناقلوه اجتماعياً وعبروا عنه سياسياً. قلق الأقليات هذا بقي حاضراً بين العلويين حتى وهم يربحون الحرب ويسيطرون على الدولة السورية ولديهم من يدعمهم على مستوى دولة مهمة مثل روسيا أو دولة إقليمية كبرى مثل إيران. ما نعرفه تاريخياً أن المندوب السامي الفرنسي عمل عكس ما طلبه شيوخ العلويين ولم يترك مجالا لتحول “سنجق اللاذقية” إلى دولة “جبل العلويين”. سوريا الكبرى الواقعة تحت الانتداب الفرنسي هي الضامن الأفضل من وجهة نظر الفرنسيين. واعتبر الفرنسيون أن الإجراء الوحيد الذي ينبغي اتخاذه هو منح لبنان الاستقلال، وأن ما تبقى من الأرض يكفي لإقامة دولة قابلة للحياة، قادرة على حماية الأقليات فيها، وأن تتمكن من امتصاص قلق هذه الأقليات.
لم تتمكن الدولة العربية السورية التي ورثت دولة الانتداب من امتصاص قلق الأقليات. وبدخول عوامل كثيرة في المنطقة، والأهم منها على وجه الخصوص عامل الإسلام السياسي، تغيرت سوريا القومية العلمانية إلى مشروع سياسي قلق خصوصاً لو أخذنا بعين الاعتبار أن سوريا أصبحت ساحة صراع واضحة بين “الإمبراطوريتين” القديمتين فارس (إيران) والدولة العثمانية (تركيا). بيان مشايخ العلويين كان ينظر بعيداً في المستقبل إلى درجة تبعث على الحيرة في قدرة المشايخ على استقراء أن الأمور لا تتغير، بل إن كل ما يحدث هو أنها تهدأ لتعود وتنفجر ثانية. العلويون بدعوتهم إلى استقلال دولة “جبل العلويين”، إنما كانوا يريدون أن ينقذوا أحفادهم وأحفاد “أعدائهم” ممن تتكوم جثامينهم اليوم في أحراش غرب سوريا، مقتولة أو مقتولة ومحروقة بالمئات في مشهد أوهم البعض نفسه بأنه لن يحدث.
قلق الأقليات الذي كان يفوح من البيان الذي يعود إلى قرن من الزمن الآن تقريباً هو تشخيص بأن الوضع السياسي والاجتماعي والطائفي في سوريا لم يكن ناضجاً بما يكفي لترْك الأقليات تتعايش مع بعضها البعض، على أمل الوصول إلى لحظة هدوء إنسانية تجنبنا المشاهد المريعة التي يتم توزيعها اليوم عبر المنصات الاجتماعية.
لعل المندوب السامي الفرنسي آنذاك ارتأى ألّا يؤسس دولة جبل العلويين لأنه بذلك سيخلق دولة سورية عربية سنية من دون امتداد على الساحل، وأن ساحل سوريا اليوم الذي يمتد من جنوب تركيا إلى مقتربات الحافة الشمالية من لبنان يمكن أن يتعايش مع الكتل البشرية والحياة الاقتصادية في مناطق تاريخية معروفة بانفتاحها وتسامحها مثل دمشق وحلب وحمص. ما حدث أن المشروع ازداد تعقيداً ووصلنا إلى مرحلة مخيفة من القتل الوحشي وتصفية الحسابات بدعوات طائفية وأقلوية.
كان لافتاً البيان المشترك الذي أصدرته الكنائس السورية لبطاركة الروم الأرثوذكس والسريان الأرثوذكس والروم الكاثوليك، وما قاله الأكراد عن دعوتهم السلطة الجديدة إلى التحرك لمنع ما يحدث من قتل، وأن نسترجع ما سمعناه من الدروز خلال الأسابيع الماضية. المسيحيون والأكراد والدروز لديهم قدرات تاريخية استثنائية في التقاط إشارات الخطر القادمة التي ستداهم المنطقة. هؤلاء صنفوا دائما كأقليات، ومع الحس الأقلوي، يأتي الاستشعار. وقبل مئة عام تقريباً كان العلويون “أقلية” لهذا كان لديهم ما يكفي من المبررات الاجتماعية والسياسية لكتابة البيان وتوجيهه إلى المندوب السامي الفرنسي. لكن إحساسهم كأقلية تآكل بعد استيلاء حزب البعث على السلطة في سوريا، واستحواذ الرئيس حافظ الأسد ومن بعده ابنه بشار على السلطة بواجهة سياسية قومية عروبية طوّعت إلى حد كبير البلاد لتخدم سلطة العائلة العلوية. نسي العلويون أنهم أقلية، وها هم يدفعون ثمناً غالياً لذلك.
ثمة صدمة كبرى مما يحدث الآن. انتشرت الصور الكاريكاتيرية للرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع وهو يجلس إلى جوار الرئيس السوري السابق بشار الأسد ويحاول “الغش” وهما يؤديان امتحاناً واحداً. الشرع كان ينسخ طرق الأسد. وأخطر ما صدر عنه هو اعتباره عمليات قتل المدنيين بالمئات على أساس طائفي أو على الهوية أمراً متوقعاً. إلى هذا المستوى تصل الاستهانة في بلادنا بالأرواح. لا نريد أن نوجه أصابع اللوم، لكن من الواضح أن التعامل مع الموت في منطقتنا يتم كفقرة حياتية عادية. وأمام تصريحات الشرع ينعقد لسانك ولا تستطيع الرد. وإذا كنت محظوظاً، فإنك تستدعي ما يقوله رجل دين مسيحي أو شيخ قبلي كردي أو زعيم درزي واعٍ، لتحاول أن تذكّر الشرع ومن معه بأن ما يحدث ليس قضاء وقدراً على الجميع أن ينساق إليه طائعاً.
إلى أي مدى يستطيع الشرع المتحسب لاضطرابات ما بعد الاستيلاء على السلطة أن يحتوي قلق الأقليات؟ من الصعب الرد على هذا التساؤل. لأن من أبرز الردود التي يتم الترويج لها عبر مؤسسات إعلامية قريبة من هيئة تحرير الشام والرئاسة الانتقالية أن الدولة ستضرب وتبطش. بعض الإجابات التي سمعناها كانت معدة مسبقاً ولم يلتفت من صاغها إلى القيام ببعض التحويرات كي لا تتطابق بين قائليها حتى وإن اختلفت المنابر.
هذا القلق الذي يسود الأقليات هو بالضبط ما تحتاجه إيران. إنها تصنع من مكونات الأقليات أغلبيتها الخاصة بأن تستقطب الخائفين وتقدم نفسها كحامٍ لهم. هناك كتلة بشرية شيعية معتبرة، مشكلتها بالطبع أن القائمين عليها إيرانيون وهذا ليس في صالح تحويلها إلى كتلة أغلبية. هذا ما يزيد الحيرة لدى من يدينون لها بالولاء خصوصاً مع إصرار عمائم هذه الكتلة على أنهم فرس. ضع جانباً الحديث عن أنهم من آل البيت فهذه تفاصيل من نوع آخر يعرف من يذهب إلى إيران أن البلد إنما يعتز بفارسيته، بل ويزداد اعتزازاً بتصنيف نفسه على أنه بدوره “أقلية”.
لم تنجح بالطبع تجربة الأقليات والتجانس في ما بينها في لبنان، إذا مارس حزب المستضعفين -أي حزب الله- غطرسته الخاصة ونسي وهو في ذروة الصراع أن عليه أن يكون جزءاً من نسيج اجتماعي يتحمل الآخر ويتقبله بعيداً عن لغة التخوين أو التخويف التي يدفع اليوم ثمنها غالياً.
ما يقال عن حزب الله يمكن أن يقال عن التشكيلة الواسعة من ائتلاف الأحزاب والميليشيات في العراق. حجم الأخطاء التي مورست باسم أو بحق الأقليات كبير جدا، إلى درجة أن من الصعب الإتيان بتوصيف مختلف، يتقدم أو يتأخر. هذه ميليشيا شيعية تتحرك لمئات الكيلومترات بين جنوب العراق وشماله لتبسط سيطرتها على قرية مسيحية بدعوى حمايتها من تخويف داعش، في حين أن الجميع يعلم ما هو الهدف الحقيقي.
ما نعيشه في سوريا في هذه اللحظات الاستثنائية هو مرحلة خطرة جداً تلخص الفوضى التي تعمّد الإسلام السياسي بوجهيه السني والشيعي، صنْعها وتوزيعها على المنطقة ليحولها من قلق الأقليات على وجودها -وهو قلق مشروع- إلى رعب من مصير مظلم كما ترويه لنا المشاهد القادمة من مناطق الساحل السوري.

مقالات مشابهة

  • بسبب منع دخول المساعدات.. لازاريني: هناك خطر في أن تشهد غزة أزمة مجاعة أخرى
  • السيد الرئيس أحمد الشرع في مقابلة مع وكالة رويترز: لا نريد أن تكون هناك قطيعة بين سوريا وروسيا، ولا نريد أن يكون التواجد الروسي في سوريا يسبب خطراً أو تهديداً لأي دولة في العالم، ونريد أن نحافظ على هذه العلاقات الاستراتيجية العميقة
  • السيد الرئيس أحمد الشرع في مقابلة مع وكالة رويترز: سوريا دولة قانون، والقانون سيأخذ مجراه على الجميع، ونحن بالأساس خرجنا في وجه هذا النظام وما وصلنا إلى دمشق إلا نصرة للناس المظلومين
  • سوريا والأخبار سابقة التجهيز.. هنا هُزم الشرع!
  • شاهد بالصورة والفيديو.. في موقف نال إشادة وإعجاب الجميع.. سيدة سودانية تنفعل على مواطنة خليجية بسبب استفزازها لعامل نظافة وتنال وسام “النخوة”
  • عقار : لا يوجد ما يمنع جلوسنا مع الدعــم السـريــع لكن بشرط
  • قلق الأقليات في سوريا يتحول إلى رعب
  • أحمد الشرع : هناك محاولات لجر سوريا إلى حرب أهلية
  • الشلف: الـ BRI تضبط قرابة 4 آلاف قرص مهلوس وتسترجع 238 مليون سنتيم
  • 12 جريحا على الأقل في إطلاق نار بحانة في تورنتو.. فرار المنفذ