إن العادة التي اتخذها حزب المحافظين، وهي إلقاء اللوم على الآخرين لتبرير إخفاقاتهم، لطالما خدمتهم بشكل جيد، لكنها قد تكون على وشك النفاد.

إن محاولة ريشي سوناك الفاشلة الأخيرة تصعيد حملة «أوقفوا القوارب» لا يمكن فصلها عن الوضع الخطر الذي تمر به بريطانيا، ففي التاريخ الديمقراطي البريطاني، لم ترأس أي حكومة مثل هذه الفترة من الانحدار القومي، فليس من المتوقع أن يكون المواطن البريطاني العادي في عام 2026 أفضل حالا مما كان عليه في عام 2008، كما أن الخُمس الأفقر من المواطنين في بريطانيا أكثر فقرا من نظرائهم الفرنسيين والألمان بنسبة 20٪.

يستمر ضعف النمو الاقتصادي، وتتباطأ مستويات الإنتاجية في البلاد بشكل غير مسبوق، ووصلت قوائم الانتظار في المستشفيات إلى مستويات قياسية، وأزمات الإسكان المتعددة تؤثر على معايير المعيشة والأمن لدينا، والبنية التحتية المخصخصة، من القطارات المتهالكة إلى تسرب أنابيب المياه، تقدم خدمة لا تتوقعها إلا من بلد أفقر بكثير من بريطانيا وبأسعار مرتفعة يشوبها الغش. المراكز الاجتماعية التي نلجأ إليها عند الشعور بالعزلة تمحى تدريجيا من الخريطة، بداية من المكتبات التي أغلق منها حوالي 800 مكتبة بداية من عام 2010 حتى الآن، إلى النوادي الليلية التي اختفى ثلثها في السنوات الثلاث الماضية وحدها، وأصبحت مراكز المدن صحاري من المحلات المغلقة، ومواقع لمحلات بيع البضاعة الرخيصة بأقل من جنيه إسترليني واحد، ومحلات لبيع الحلويات الأمريكية.

في ظل هذه الظروف، ربما يكون مفهوما أن رئيس الوزراء المحافظ اليائس سيصل إلى زر أحمر كبير يسمى «الهجرة»، فبعد التسبب في ظاهرة زيادة عدد اللاجئين الذين يصلون في قوارب صغيرة من خلال تعقيد الطرق الآمنة والقانونية لدخول بريطانيا، يعتقد حزب المحافظين أن مشهد المهاجر الأجنبي الأشعث الأغبر الذي يصل الشواطئ البريطانية سيحول الغضب العام بعيدًا عن أزمات البلاد المتراكمة، وهذا هو السبب الأكبر في وصولنا إلى مثل هذه الفوضى الخطرة.

سعى حزب المحافظين، طوال فترة توليه السلطة، إلى إلقاء اللوم على المهاجرين بشكل مباشر في المشكلات التي تسببها سياسة الحكومة. عندما كان ديفيد كاميرون رئيسا للوزراء، كان يقول بأن الهجرة كانت «استنزافا مستمرا» للخدمات العامة، بينما قامت وزيرة الداخلية، تيريزا ماي، بتشكيل مسيرتها السياسية حول جعل المهاجرين كبش فداء، وادعت أنها لا تستطيع ترحيل «مهاجر غير شرعي» لأنه يمتلك قطة، وبأن الوافدين الجدد «سببوا ضغوطا على الخدمات العامة، مثل المدارس، مما أدى إلى إرهاق البنية التحتية، وخاصة الإسكان». ونظرا لتقليص الحكومة للخدمات العامة، بما في ذلك إيقاف تقديم معونة لكل تلميذ في المدارس، والفشل في بناء المساكن، كان ملف المهاجرين هو الدرع البشري الذي يلجأ إليه حزب المحافظين.

نجح حزب المحافظين في تأجيج المشاعر الشعبية ضد ذلك المهاجر الذي يُلقى باللوم عليه في استنزاف الخدمات العامة، مما جعل ملف الهجرة أولوية قصوى بالنسبة لـ 44٪ من الناخبين بحلول عام 2015. وبقيامه بذلك، فقد ضمن المحافظون فوزهم في استفتاء عام 2016 بمغادرة الاتحاد الأوروبي، وهو أمر لم يحقق شيئًا سوى زيادة معدلات خفض النمو وانخفاض مستويات المعيشة، وجعل 63٪ من البريطانيين يستنتجون أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان فشلا أكثر من كونه نجاحا، بينما قال 12٪ فقط من البريطانيين عكس ذلك. هناك حقيقة سياسية بديهية تؤكدها هذه اللحظة التاريخية وهي أنّ السياسيين الذين يسعون إلى إلقاء اللوم على الأجانب والأقليات في التسبب بمشاكل المجتمع هم في الحقيقة من يشكلون الخطر الأكبر على الأمة.

إن هذه الحقيقة التاريخية المأساوية كانت واضحة بشكل كبير للغاية خلال حقبة الثلاثينات في ألمانيا، وبلغت ذروتها عند ارتكاب الإبادة الجماعية، ولكن ليس هناك داعٍ للوصول إلى هذا الحد المتطرف من إلحاق الأذى. وكان صعود دونالد ترامب إلى السلطة، جزئيًا، بسبب شيطنته للمسلمين، إلا أنه لا توجد أقلية في الولايات المتحدة تمثل أي نوع من التهديد للديمقراطية كما تفعل الحركة اليمينية المتطرفة التي أثارها ترامب. وانظر إلى انحدار كل من المجر وبولندا نحو الاستبداد، بقيادة الأحزاب السياسية التي أسست الدعم الشعبي لها من خلال شيطنة المهاجرين بشكل أساسي. لا ينبغي أن توجه المخاوف القائمة على الحقائق والمنطق إلى المهاجرين والأقليات، ولكن إلى السياسيين الذين يسعون للوصول إلى السلطة من خلال إلقاء اللوم على الأجانب في تبرير العلل والمشاكل التي تسببوا في حدوثها.

هناك أسباب تدعونا للتشكيك في نجاح حملة سوناك غير الأخلاقيّة، منها تحسن المواقف تجاه الهجرة، فقد اعتبر 9٪ فقط من الناخبين أن تقليص عدد المهاجرين هي أولوية قصوى، ومنها أن أزمات البلاد أصبحت كارثية للغاية بحيث لا يمكن إلقاء اللوم في حدوثها على طرف آخر غير الحزب الحاكم، وهنا يجب القول إنه في الوقت الذي نشهد فيه تراجع بريطانيا إلى وضع دولة فقيرة بها عدد قليل من الأثرياء، يجب علينا أن نستنتج قطعا أن قيام حزب المحافظين بوضع المهاجرين كبش فداء كان له دور محوري في الانحدار الاجتماعي والاقتصادي لأمتنا.

لسنوات عديدة، كان جزء كبير من الناخبين مقتنعين بالادعاءات القائلة بأن المهاجرين كانوا مسؤولين حقا عن ارتفاع قوائم انتظار خدمات الصحة الوطنية، وعن الخلل في المدارس المحلية، وعن غياب الإسكان ميسور التكلفة، وعن جميع أنواع المشاكل الاجتماعية الأخرى. وقد أدى ذلك إلى صرف النظر عن الأسباب الحقيقية، وترك المرض دون علاج، وهنا أتساءل: هل سنتعلم أخيرا أن أولئك الذين يشيطنون إخوتنا في الإنسانية من أراض أجنبية هم من يشكلون أكبر خطر علينا، وليس أولئك الذين يتدفقون إلى شواطئنا لكي يثروا مجتمعنا وثقافتنا وحياتنا.

أوين جونز كاتب عمود في صحيفة الغارديان.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: حزب المحافظین

إقرأ أيضاً:

ترامب يصَعد لهجته ضد المهاجرين ويصف هاريس بـ”المعاقة ذهنيا”

أدلى الرئيس الأمريكي السابق ومرشح الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة المقبلة ، أمس السبت، بواحد من أشد الخطابات التي هاجم فيها المهاجرين، كما صعَد من إهاناته لمنافسته مرشحة الحزب الديمقراطي كاملا هاريس.
وفي ولاية ويسكونسن المتأرجحة وصف ترامب هاريس، التي زارت الحدود الأمريكية المكسيكية يوم الجمعة للمرة الأولى منذ إطلاق حملتها الرئاسية لعام 2024، بأنها “متخلفة عقليا” و “معاقة ذهنيا”، بحسب “رويترز”.
وأُحيط المرشح الجمهوري للرئاسة بملصقات لصور مهاجرين في الولايات المتحدة بشكل غير قانوني تم القبض عليهم بتهم القتل وجرائم عنف أخرى، ولافتات كُتب عليها “إنهاء جرائم المهاجرين” و”اطردوا غير الشرعيين الآن”.
وكرس ترامب خطابه بشكل غير عادي بالكامل تقريبا للحديث عن المهاجرين غير الشرعيين، ووصفهم بأنهم “وحوش” و “قتلة بدم بارد” و “حيوانات دنيئة”.
وحمّل الرئيس السابق منافسته هاريس والرئيس الديمقراطي جو بايدن مسؤولية السماح للمهاجرين غير الشرعيين بدخول الولايات المتحدة، متهما بعض المهاجرين بالرغبة في “الاغتصاب، والسلب، والسرقة، والنهب، وقتل شعب الولايات المتحدة”.
ووفقا لبيانات حكومية، ألقت السلطات القبض على حوالي سبعة ملايين مهاجر أثناء عبورهم حدود الولايات المتحدة مع المكسيك بشكل غير قانوني خلال إدارة بايدن، وهو رقم قياسي مرتفع أثار انتقادات لهاريس وبايدن من قبل ترامب وزملائه الجمهوريين.
وخلال زيارتها للحدود يوم الجمعة، حددت هاريس خططها لإصلاح “نظام الهجرة المعيب”، بينما اتهمت ترامب “بتأجيج نيران الخوف والانقسام” بشأن تأثير المهاجرين على الحياة الأمريكية، كما دعت إلى فرض قيود أكثر صرامة على اللجوء.

إرم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • أبرز الفنانين الذين تناولوا نصر 6 أكتوبر (تقرير)
  • انخفاض تدفق المهاجرين لإيطاليا بنسبة 59.7 % في 2024
  • مصطفى تمبور: الذين يرددون شعار لا للحرب هم من أشعلوها بتخطيطهم وتدبيرهم
  • مآسي المهاجرين في تونس تكشف عن فشل اتفاقيات الهجرة مع أوروبا
  • ترامب يصعد لهجته ضد المهاجرين وينتقد هاريس
  • ترامب يصف هاريس بـالمعاقة ذهنيا ويصعّد لهجته ضد المهاجرين
  • ترامب يصف هاريس بـمعاقة ذهنيا ويصعّد لهجته ضد المهاجرين
  • ترامب يصَعد لهجته ضد المهاجرين ويصف هاريس بـ”المعاقة ذهنيا”
  • ترامب يوجه إهانة لمنافسته هاريس ويصعّد ضد المهاجرين
  • إذاعة جيش الاحتلال: تراجع أعداد المهاجرين اليهود إلى إسرائيل بنسبة 50%