لجريدة عمان:
2024-12-16@09:28:13 GMT

السفر عبر الزمن... حقيقة أم خيال؟

تاريخ النشر: 19th, August 2023 GMT

كان مقالي في الأسبوع الماضي عن «الزمان السردية الفلسفية والعلمية»، ثم تلاقحت بعد هذا المقال الأفكار فيما يخص الزمان وتعقيداته الكثيرة؛ فقررتُ أن أكمل حديثي عن الزمان بتشعبات علمية جديدة يحوم حولها الجدل بين المؤيد وبين الرافض لها؛ إذ تطل علينا فرضيات العلم ونظرياته بما هو معقول وغير معقول؛ فالمعقول من هذه الفرضيات انسجم مع متطلبات العقل وأدواته المعرفية المتوفرة، وغير المعقول منه ما يزال حبيس «الاستحالة العقلية» نظرًا لغياب الأدوات المعرفية اللازمة التي لا يعني غيابها -بالضرورة- وجود استحالة لحقيقة هذه الفرضيات، ولا يعني كذلك الحقيقة المطلقة لإمكانية تحقق مثل هذه الفرضيات؛ فالفيصل هو التجربة، ولا تجربة دون تحقق الظروف العلمية وأدواتها الضرورية.

مثل هذه الفرضيات كثيرة منها فرضية السفر عبر الزمن وفرضية الأكوان «العوالم» المتوازية، وهاتان الفرضيتان -كما يمكن أن يرقيا إلى مستوى «النظريات» عند البعض- يكثر فيها الجدل الذي يتوزع بين الخيال العلمي وأحلامه وبين الطموح العلمي الجاد الذي لا يأبه بقواعد «المعقول» و«اللامعقول».

نأتي إلى فرضية السفر عبر الزمن التي صيغت لأجلها المحاولات الرياضية والفرضيات الفيزيائية بل وروايات الخيال العلمي التي تحوّل كثير منها إلى أفلام سينمائية تدغدغ عقول الطامحين والحالمين بعبور الزمان والتنقل عبر محطاته الزمانية من الماضي وحتى المستقبل عبر «آلة الزمن» التي تنقل الإنسان إلى أزمان غابرة أو مستقبلية. قبل البدء في مناقشة هذا النوع من الفرضيات العلمية؛ تستطرد التساؤلات الكثيرة مثل: أآفاق العلم مفتوحة بلا حدود وهوادة لتتجاوز كل قوانين العلم وتقتحم المعقول واللامعقول؟ أم هناك قوانين علمية -ما تزال مخفية- تسمح بعبور ما يُدرجه العلم -وفقا لقوانينه الحالية- في خانة المستحيل واللامعقول؛ فتتوافق مع أحلام الإنسان ورغباته «اللامعقولة»؟ توشك مقاربات العلم الحديثة إلى الاقتراب من وضع إجابات - وإن كانت غير حتمية - لمثل هذه التساؤلات كما سنرى في السطور القادمة.

تعدّ النظرية النسبية الخاصة من ضمن الاستدلالات العلمية «الفيزيائية» التي قادت البعض إلى تبنّي فرضية السفر عبر الزمن وذلك عبر بلوغ أو الاقتراب من سرعة الضوء (بحدود 300000 كيلومتر في الثانية)، ويرى العلم استحالة تحقيق الاقتراب من هذه السرعة بالنسبة لغير الضوء، ويمكن تبسيط فكرة السفر عبر الزمن وارتباطها بالنظرية النسبية عبر ما يُعرف بـ«مفارقة التوأم» التي تفترض لو أن هناك توأمين سافر أحدهما إلى الفضاء بسرعة تقترب من سرعة الضوء، وبَقِيَ التوأم الآخر على الأرض؛ فإن الزمن يتباين عند كلٍ منهما؛ فالمسافر بسرعة قريبة من سرعة الضوء يتباطأ لديه الزمن مقارنة بالذي على الأرض؛ وحينها عند عودة التوأم الأول -المسافر- إلى الأرض فإنه يعود بعمر أقل «أصغر» من توأمه الذي لم يسافر حسب المدة الزمنية بسبب تأثير «التمدد الزمني»؛ فالزمن عند التوأم الثاني -على الأرض- يتحرك وفق توقيته الاعتيادي، ولكنه يختلف عن الزمن الذي عند التوأم الأول الذي يكون الزمن لديه بطيئًا؛ ليعود إلى زمن مستقبلي بالنسبة إليه، وقد يكون من الصعب أن يجد من كان يعرفهم في زمانه السابق -قبل سفره-؛ ليجد جيلًا وبشرًا لا يعرفهم من قبل -في حال طالت مدة السفر-؛ إذ وفقا لفيزيائية نسبية الزمن يكاد زمنه يقترب من التوقف لشدة بطئه، بينما يتحرك الزمن بتوقيته المعتاد لمن هم على الأرض. لم يتمكن أحد -حتى اللحظة- من تطبيق تجربة مفارقة التوأم وإثباتها، ولكن أمكن لمقاربات تجريبية أخرى أن تثبت هذه المفارقة؛ فوضعت ساعة دقيقة جدا «ساعة السيزيوم الذرية» داخل طائرات وأقمار صناعية تتحرك بسرعات عالية، وأُثبِتَ وجود فروقات زمنية بينها وبين التي على الأرض وفقا للقياسات الزمنية المرصودة، وهذا يثبت صحة النظرية النسبية الخاصة أولا، ويقترب من الاستدلالات المؤيدة للسفر عبر الزمن، مع التنبيه أن الاستدلال هنا عبر النسبية الخاصة خاص بالسفر إلى المستقبل وليس الماضي، وللسفر إلى الزمن الماضي استدلالاته العلمية -الأخرى- الأكثر تعقيدا وتناقضا -كما سنرى في الفقرات القادمة-. فكرة السفر إلى المستقبل ملهمة لدى كثير من المهتمين والباحثين، إلا أنه يعتريها الكثير من الشكوك والتناقضات.

من الممكن تحقق السفر عبر الزمن وفقا للنسبية الخاصة -كما بينا مسبّقا- لكن عبر خط ذي اتجاه واحد إلى المستقبل، ولا سبيل -وفقا لهذه الرؤية الفيزيائية- الذهاب إلى خط خلفي «الماضي»؛ كون حدوث الاستحالة من الناحية الفيزيائية والعقلية لعدة أسباب منها تناقضات مثل «تناقض الجد» تقف عائقا أمام تحقق وجود فرضية السفر إلى الزمن الماضي، وكذلك الكثير من الأسئلة المطروحة مثل: إن صح إمكانية السفر إلى الماضي فلماذا لم يُرصد زائر من المستقبل بأي شكل من الأشكال؟ لا يكلّ العلم - رغم هذه التحديات والتناقضات الكثيرة- من السؤال والبحث؛ حيث حاول البعض عبر النظرية النسبية العامة إلى الاستدلال بفرضية السفر إلى الزمن الماضي -بجانب المستقبل- الذي يكون منها أن السفر عبر الزمن ممكن -نظريا- وفقا لمقترحات انبثق بعضها من النسبية العامة، منها ما يُعرف بـ«الثقوب الدودية» التي تحدث نتيجة تشوه النسيج الزمكاني -الذي يعكس فكرة الجاذبية وفقا للنسبية العامة- بفعل تأثير الكتلة، ويصفها بعض العلماء بأنها أنفاق تصل نقطتين بعضهما ببعض، وأن لكل نقطة من هاتين النقطتين زمانهما ومكانهما المختلف. تفقد هذه الفرضية برهانها التجريبي؛ فهناك عددٌ من التحديات المعقدة التي تعوق تحقق هذه الفرضية إضافة إلى وجود التناقضات الكثيرة. أحد التحديات -في حال القدرة على إنشاء الثقب الدودي- تتطلب وجود مادة -لم يحسم أمر ماهيتها- ذات كثافة سلبية يمكن بواسطتها التحكم في مسار الثقب الدودي. هناك كذلك تناقضات تخص قانون السببية مثل تناقض الجد؛ ففرضية قدرة الإنسان السفر إلى الماضي وتمكنه من قتل جده؛ ستمنع وجوده في الحاضر، وهذا ما يشكّل تناقضا صريحا لا يُقبل وفقا لقانون السبب والنتيجة «السببية»، إلا أن العلم يحاول أن يجد حلولا لهذه التحديات والتناقضات عبر قوانين الفيزياء الكوانتمية، وعبر فرضية العوالم أو الأكوان المتوازية بوجود خطوط زمنية بديلة، ومن ضمن الاقتراحات لمواجهة تناقض الجد ما يُعرف بـ«مبدأ الاتساق الذاتي» الذي افترضه العالم الروسي «إيجور نفيكوف»، الذي يقترح وجود قانون يمنع المسافر إلى الزمن الماضي من إحداث أي تغييرات داخل الزمن الماضي؛ مما يضمن منع حدوث أي تناقضات تخلّ بقانون السببية. تدخل كذلك فرضية «كتلة أو لبنة الكون» لتضع حلولها -غير المثبتة والمجرّبة- في تصور «أشبه بالخيال» لكون يحوي أزمانه الثلاثة في كتلة واحدة كما سبق شرحها في مقالي السابق الأسبوع المنصرم. تظل كل هذه المقترحات مجرد فرضيات تبحث لها عن دعم علمي رصين، ولا سبيل لتحققها فضلا عن إثباتها على الأقل حتى وقتنا الحاضر رغم أن العلم بتطوراته الهائلة يُنبىء بأن من الممكن -وليس الاستحالة المطلقة- تحقق ما هو معقول وغير معقول.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: إلى الزمن الماضی السفر إلى من الماضی على الأرض

إقرأ أيضاً:

لهذا السبب.. احذر من تناول بذور التفاح

وفقا لشرائع الأكل الصحي، يعد التفاح أحد أكثر المنتجات النباتية الصحية، لكن المتخصصين من الولايات المتحدة حذروا على صفحات وسائل الإعلام من أن هذه الفواكه، من بين أمور أخرى، تحتوي على مادة قاتلة.

 

ويوصي الأطباء بشدة بعدم مضغ وأكل حفر التفاح، وفقا لتقارير تايمز أوف إنديا ومن الناحية النظرية، في بعض الظروف، يمكن أن يؤدي استهلاك بذور التفاح إلى نتيجة قاتلة، كما يلاحظ الخبراء.

 

الأميغدالين موجود في بذور التفاح، وأوضح العلماء أن هذه المادة نفسها ليست خطيرة، ولكن في الجهاز الهضمي تحت تأثير إنزيم بيتا غلوكورونيداز الذي تنتجه البكتيريا المعوية الطبيعية، فإنها تتحلل مع إطلاق حمض الهيدروسيانيك - وهو سم شديد السمية.

 

وفقا لهم، لن يعاني الجسم من ابتلاع واحد أو اثنين من بذور التفاح عن طريق الخطأ ولكن مع زيادة جرعة الأميغدالين، قد تحدث أعراض غير سارة - مرارة في الفم، والتهاب الحلق، واللعاب، والشعور بالضغط في الصدر، والدوخة. 

 

أعراض التسمم الحاد 

ويصاحب التسمم الحاد بالفعل مظاهر خطيرة حقا على الصحة ضيق التنفس، والألم في اليدين والقدمين، وبطء القلب، والتشنجات، والضعف الحاد، ونقص الأكسجين في الأنسجة ممكنة وأشار الخبراء إلى أن هذا يمكن أن يضر بالقلب والدماغ.

 

في وقت سابق، قدم علماء من جامعة غرب أستراليا أدلة على أن الاستهلاك اليومي للتفاح هو الطريقة الأكثر فعالية المتاحة لإطالة العمر.

مقالات مشابهة

  • معرض جدة للكتاب يمد الجسور بين خيال المؤلفين ومبدعي الصورة
  • وفقاً للتحركات التركية: هل يعتبر البرهان من نصيب الأسد؟
  • "رانيا محمود ياسين تُشيد بفيلم الهنا اللي فيه: عودة قوية لأفلام الزمن الجميل ببهجة وطاقة إيجابية"
  • مراسلة الجزيرة بموسكو تكشف عن الفندق الذي نزل به الأسد والأموال التي بحوزته
  • فيلم التسامح.. سباق مع الزمن من أجل إصلاح أخطاء الماضي
  • لهذا السبب.. احذر من تناول بذور التفاح
  • شلقم: سيول الدم لم تتوقف في منطقتنا العربية منذ 70 عاماً
  • 9 أبراج تسافر إلى الغد وتعيش في المستقبل بعقلها.. خيال واسع وأفكار عبقرية
  • مأساة ثقافية تتحدى الزمن.. آثار بلاد ما بين النهرين تحت أنقاض حرب العراق
  • تأثير زراعة الأعضاء على الشخصية والذاكرة.. حقيقة أم خيال؟