لماذا الذكاء الاصطناعي العدو الأول للمرأة في العالم؟ قوانين دولية أولى خطوات معركة البقاء لمواجهة كوارثه على النساء
تاريخ النشر: 19th, August 2023 GMT
يبدو أن المرأة لديها قضية عالمية جديدة في السنوات المقبلة، ولكن في تلك المرة، العدو الأول لها الذكاء الاصطناعي، وذلك بعد أن كشفت العديد من التقارير العالمية، أن تلك التكنولوجيا الجديدة تسببت في فصل الملايين من النساء حول العالم، وبالطبع بنسب تفوق بكثير بالمقارنة بالرجال، وهي ظاهرة رصدتها العديد من الأبحاث والشركات المتخصصة في هذا المجال.
وكان البعد الآخر الذي يجعل الذكاء الاصطناعي عدوا كبيرا للمرأة، هو التوسع الكبير حول العالم، لصناعة مواد إباحية من صور ومقاطع فيديو، وذلك لأسباب مختلفة، سواء بحثا عن الماكسب الماية، بوضع شخصيات شهيرة بمقاطع فيديو، أو بهدف الابتزاز للنساء، وهي ظاهرة تعد عالميا، بعد أن تم رصدها في العديد من بلدان العالم، وذلك وفقا لتقارير عالمية رصدت تلك الأزمة.
وظائف النساء الأكثر تهديدا
وفي أحدث دراسة تم نشرها في شهر يوليو الماضي، توصلت شركة تحليلات الموارد البشرية "Revelio Labs"، إلى أن وظائف النساء هي الفئة الأكثر تهديداً بسبب التكنولوجيا الحديثة، مقارنة بالمهن التي يشغلها الرجال، وأكدت نتائج الدراسة أن السبب الرئيسي وراء ذلك، هو التحيز المجتمعي في توزيع الجنسين على المهن، وبالتالي تأثير الذكاء الاصطناعي سيكون متحيزا هو الآخر، ووفقا لما ذكرته وكالة "بلومبرغ" فإن الدراسة حددت الوظائف، التي من المرجح استبدالها، كجامعي الفواتير والحسابات، ومنظمي الرواتب والأمناء التنفيذيين والسكرتارية.
وعلى سبيل المثال يمكن لأداة ك ChatGPT البحث عن كميات كبيرة من النصوص ومراجعتها وتلخيصها بسرعة، وهي مهام تستغرق عادة من المساعدين الإداريين والقانونيين وقتا أطول لإنجازها، كما يمكن للذكاء الاصطناعي أتمتة عملية فرز السير الذاتية، وغيرها من المهام التي تتطلب المزيد من الأشخاص، وقد رجح خبراء أن ثورة الذكاء الاصطناعي، يمكنها القضاء على 300 مليون وظيفة بدوام كامل في العالم لكلا الجنسين، وعلى سبيل المثال صنف موقع "stylecraze" الوظائف التي تتولاها النساء في أميركا، وفي صدارتها التعليم، إذ بلغت نسبة النساء العاملات بالتعليم في الولايات المتحدة الأميركية 76 في المئة وهي نسبة أكبر مما كانت عليه منذ عقود، وذلك وفقًا لبيانات وزارة التعليم الأميركية، وهي من القطاعات التي سيكون للذكاء الاصطناعي دورا كبيرا به على حساب النساء، وهكذا في العديد من المجالات حول العالم.
وكذلك الحال في قطاع الموارد البشرية حيث يمثل النساء به 86%، وكذلك في مجال المحاسبة، رغم أنه يُنظر إلى المحاسبة على أنها مهنة يسيطر عليها الذكور، فقد تحولت المحاسبة على مر السنين لتصبح أكثر مساواة في أميركا، ويعود الأمر إلى عام 1983، عندما بدأت النساء في اكتساب مكانة في هذه المهنة، وهي أيضا من المهن التي بدأ الذكاء الاصطناعي السيطرة عليها.
النساء أبرز ضحايا المواد الإباحية المزيفة
ومن أكثر الأمور التي تشكل تهديد للمرأة، وأزمة مازال العالم حائرا أمامها، تنتشر مئات تطبيقات الصور التي تعرّي النساء رقمياً، وتساهم في آلاف الرسائل الجنسية الطابع التي تُستخدم فيها صور لفتيات ولّدهن الذكاء الاصطناعي، والصور التي خضعت للتلاعب بهدف "الابتزاز الجنسي"، حيث تزدهر المواد الإباحية المزيفة، فيما يعجز المشرّعون عن اللحاق بتطورها السريع، وقد تجاوز الانتشار السريع لمحتويات مماثلة مُعدَّلة عبر برامج الذكاء الاصطناعي، الجهود الأميركية والأوروبية لتنظيم هذا المجال التكنولوجي الجديد.
وبحسب تقرير نشرته مؤخرا وكالة فرانس برس، فإن أكثر استخدام الخوارزميات في العالم، يكون بهدف لتوليد محتوى إباحي من دون علم الأطراف المستهدفين الذين تُدَمَّر حياتهم أحياناً، لذلك وبحسب الخبراء، فإن النساء هنّ أولى ضحايا هذه الممارسات، وتقول الباحثة في جامعة بنسلفانيا صوفي مادوكس التي تتعقب الانتهاكات الجنسية المرتبطة بالصور، إن ظهور المواد الإباحية المفبركة عبر برامج الذكاء الاصطناعي يجعل استخدام صورة امرأة ما من دون موافقتها مسألة عادية، وتضيف كمجتمع، ما هي الفكرة التي نوصلها عن الموافقة عندما يكون من الممكن تجريد أي امرأة تقريباً من ملابسها؟".
96% من مقاطع الفيديو المزيفة تمت بدون علم أصحابها
وبالطبع أصبح الذكاء الاصطناعي مخاطرة كارثية على النساء، حيث أنه من شأن هذه الصور المزيّفة أن تدمّر سمعة الشخص المُستهدف من خلال استخدامها لتخويفه أو مضايقته، فيما تشكل مؤشراً إلى الخطر الذي تنطوي عليه المعلومات المضللة المُبتكرة بواسطة الذكاء الاصطناعي، وتشير دراسة أجرتها شركة "سينسيتي" الهولندية المتخصصة في الذكاء الاصطناعي عام 2019، إلى أن 96% من مقاطع الفيديو المزيفة عبر الإنترنت تضم مواد إباحية لم تحظ بموافقة المعنيين بها ومعظمهم من النساء، وهناك آلاف الشهادات التي تم نشرها عبر وسائل الإعلام الأميركية والأوروبية تدلي بها أكاديميات أو ناشطات صُدمن عندما رأين وجوههنّ في محتويات إباحية مزيفة.
وتقول المسؤولة عن الذكاء الاصطناعي لدى شركة "بلاك بيرد دوت ايه آي" روبرتا دوفيلد إن المخيلة الجنسية التي تعد مسألة شخصية وكانت سابقا ترتبط مباشرة بدماغ شخص ما حصرا، بات ينقلها مجال التكنولوجيا ومبتكرو المحتوى في العالم الفعلي، وتشير إلى أن سهولة إتاحة برامج الذكاء الاصطناعي وعدم خضوع هذه التكنولوجيا للمراقبة، فضلاً عن تزايد الاحترافية في المجال، ترسخ هذه التقنيات كأشكال جديدة من استغلال النساء وإضعافهن.
صناعة حرفية مربحة جدا
وقد أدى التقدم التكنولوجي إلى ظهور ما تطلق عليه روبرتا دوفيلد "صناعة حرفية مربحة جدا" لمواد إباحية يتم إنشاؤها عبر برامج الذكاء الاصطناعي، مع موافقة عدد كبير من الفاعلين على إنشاء محتوى مدفوع لشخص ما يختاره الزبون، وقد حذر مكتب التحقيقات الفدرالي خلال الشهر الفائت من عمليات الابتزاز التي تستند إلى صور جنسية ابتُكرت بواسطة الذكاء الاصطناعي وجرى نشرها عبر وسائل التواصل واستخدامها للحصول على أموال من الضحايا الذين قد يكونون أطفالاً، أو أسرهم، ويبدو أن التشريعات لا تلحق بالانتشار السريع لأدوات الذكاء الاصطناعي.
فيما يقول مدير عام ومؤسس شركة "سيرتس" المتخصصة في حماية الماركات دان بورسيل، إن القانون بحاجة إلى أن يتدارك تأخره، مضيفا أن هذه الأفعال ليست جانبا مظلما للانترنت حيت يتم ابتكار الصور ومشاركتها، بل مسألة نواجهها في أي مكان، داعيا إلى إقرار قوانين عالمية في هذا الشأن، ويقول إن الإنترنت مجال لا حدود له، وبالفعل في بريطانيا، يتم إعداد قانون لتجريم مشاركة المحتويات الإباحية واستغلالها، وقد سبق لأربع ولايات أميركية بينها كاليفورنيا وفيرجينيا، أن حظرت نشر مواد مماثلة، لكن غالباً ما يحجم الضحايا عن اللجوء إلى القضاء في حال كان صانعو المحتوى يعيشون خارج هذه الولايات.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: برامج الذکاء الاصطناعی فی العالم العدید من إلى أن
إقرأ أيضاً:
البشر يتبنون لغة الذكاء الاصطناعي دون أن يشعروا
في ظاهرة تبدو كأنها خرجت من قصص الخيال العلمي، كشفت دراسة حديثة أن البشر بدؤوا بالفعل تبني أسلوب لغوي يشبه إلى حد كبير أسلوب الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل تشات جي بي تي.
هذا التحول الصامت، الذي رصده باحثون في معهد "ماكس بلانك لتنمية الإنسان" في برلين، لم يقتصر على المفردات فحسب، بل امتد إلى بنية الجمل والنبرة العامة للحديث، مما يثير تساؤلات عميقة حول مستقبل اللغة والتنوع الثقافي في عصر هيمنة الآلة ومنطقها في التفكير.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"كل ما نريده هو السلام".. مجتمع مسالم وسط صراع أمهرة في إثيوبياlist 2 of 2سيرة أخرى لابن البيطار بين ضياع الأندلس وسقوط الخلافةend of list تسلل إلى حواراتنا اليوميةاعتمدت الدراسة، التي لم تنشر بعد في مجلة علمية وتتوفر حاليا كنسخة أولية على منصة (arXiv)، على تحليل دقيق لمجموعة ضخمة من البيانات اللغوية، شملت ما يقرب من 360 ألف مقطع فيديو من منصة يوتيوب الأكاديمية و771 ألف حلقة بودكاست. وقام الباحثون بمقارنة اللغة المستخدمة في الفترة التي سبقت إطلاق" تشات جي بي تي" في أواخر عام 2022 وما بعدها، وكانت النتائج لافتة.
لاحظ الفريق البحثي زيادة حادة في استخدام ما أطلقوا عليه "كلمات جي بي تي"، وهي مفردات يفضلها النموذج اللغوي، مثل "delve" (يتعمق)، "meticulous" (دقيق)، "realm" (عالم/مجال)، "boast" (يتباهى/يتميز)، و"comprehend" (يستوعب). هذه الكلمات، التي كانت نادرة نسبيا في الحوار اليومي العفوي، شهدت طفرة في الاستخدام. على سبيل المثال، ارتفع استخدام كلمة "delve" وحدها بنسبة 48% بعد ظهور تشات جي بي تي.
وللتأكد من هذه "البصمة اللغوية"، قام الباحثون باستخلاص المفردات التي يفضلها النموذج عبر جعله يعيد صياغة ملايين النصوص المتنوعة. ووجدوا أن استخدام هذه الكلمات في كلام البشر المنطوق ارتفع بنسبة قد تصل إلى أكثر من 50%، مما يؤكد أن التأثير لم يقتصر على النصوص المكتوبة، بل امتد إلى المحادثات اليومية.
تغير في الأسلوب والنبرةالمفاجأة الكبرى في الدراسة لم تكن في المفردات فحسب، بل في النبرة الأسلوبية العامة. لاحظ الباحثون أن المتحدثين بدؤوا يتبنون أسلوبا أكثر رسمية وتنظيما، وجملا أطول، وتسلسلا منطقيا يشبه إلى حد كبير المخرجات المنظمة للذكاء الاصطناعي، بعيدا عن الانفعالات العفوية والخصوصية اللغوية. هذه الظاهرة تعني أننا نشهد مرحلة غير مسبوقة: البشر يقلدون الآلات بطريقة واضحة.
إعلانيصف الباحثون ما يحدث بأنه "حلقة تغذية ثقافية مغلقة" (closed cultural feedback loop)؛ فاللغة التي نعلمها للآلة تتحول، بشكل غير واع، إلى اللغة التي نعيد نحن إنتاجها.
يقول ليفين برينكمان، أحد المشاركين في الدراسة: "من الطبيعي أن يقلد البشر بعضهم بعضا، لكننا الآن نقلد الآلات"، في مشهد يؤكد تحول الذكاء الاصطناعي إلى مرجعية ثقافية قادرة على التأثير في الواقع البشري.
تآكل التنوع اللغويرغم الطابع الطريف الذي قد تبدو عليه هذه الظاهرة، فإن الدراسة تحمل في طياتها تحذيرا جادا حول مستقبل التنوع الثقافي واللغوي. يلفت الباحثون الانتباه إلى أن اعتمادنا المفرط على أسلوب لغوي موحد، حتى لو بدا أنيقا ومنظما، قد يؤدي إلى تآكل الأصالة والتلقائية والخصوصية التي تميز التواصل الإنساني الحقيقي.
وفي هذا السياق، يحذر مور نعمان، الأستاذ في معهد "كورنيل تك"، من أن اللغة عندما تكتسب طابع الذكاء الاصطناعي قد تفقد الآخرين ثقتهم في تواصلنا، لأنهم قد يشعرون بأننا نسعى لتقليد الآلة أكثر من التعبير عن ذواتنا الحقيقية.
تشير الدراسة إلى أن ما بدأ كأداة للمساعدة في الكتابة والبحث قد تحول إلى ظاهرة ثقافية واجتماعية مرشحة للتوسع. فإذا كان الإنترنت قد أدخل على لغتنا اختصارات تقنية مثل "LOL"، فإن ما يحدث اليوم هو انعكاس مباشر لعلاقة أعمق وأكثر تعقيدا بين الإنسان والذكاء الاصطناعي.
وتؤكد هذه النتائج أن اللغة ليست مجرد كلمات، بل هي مرآة للسلطة الثقافية ومنبع للهوية. ومع تحول الذكاء الاصطناعي إلى جزء من هذه السلطة، فإن تبنينا لأسلوبه قد يعني أننا، وبشكل غير محسوس، نفقد جزءا من شخصيتنا وهويتنا اللغوية الفريدة في ساحة معركة هادئة تكتب فيها فصول جديدة من تاريخ التواصل البشري.