الرجل النموذج وتعلّقه بالقرية . . !
تاريخ النشر: 7th, January 2025 GMT
#الرجل_النموذج وتعلّقه بالقرية . . !
#موسى_العدوان
الرجل النموذج في عنوان هذا المقال، أقصد به الرئيس أنور السادات – رحمه الله – عندما كان طفلا ثم شابا، وقبل أن يصبح رئيسا لجمهورية مصر العربية في وقت لاحق. وسأركز في حديثي هنا على النواحي الإنسانية واعتزازه بالقرية مسقط رأسه، بعيدا عن النواحي السياسية ونتائجها التي حدثت فيما بعد.
إنها قصة رجل عصامي مكافح، بدأ حياته مع الفقر منذ الطفولة، وعمل في أبسط وأصعب المهن – لا مجال لذكرها هنا – إلى أن تولى أعلى منصب في الدولة. وهي قصة جديرة بالقراءة والتمعن، لما فيها من دروس وعبر، أوردها في مذكراته بعنوان : ” البحث عن الذات “.
مقالات ذات صلةولد السادات في عام 1918 من عائلة فقيرة، في إحدى قرى مصر تدعى ميت أبو الكوم، وأتم علومه الابتدائية في القرية، ثم انتقل لاحقا لدراسة الثانوية والجامعية في القاهرة. يقول السادات في مطلع كتابه ما يلي وأقتبس بشيء من التصرف :
” العسل وصل . . يعلن المنادي في أزقة وساحات القرية . . وتهرع جدتي وأنا أسير خلفها صبي أسمر اللون ضئيل الجسم حافي القدمين يرتدي جلبابا تحته قميص أبيض من البفتة . . لا تفارق عينيه زلعة العسل الأسود . . ذلك الكنز الذي استطعنا الحصول عليه أخيرا. كم كان شهيا عندما نخلطه باللبن الرايب . . !
وبعد شروق الشمس كنت أسير مع عشرات الصبية والفتية والرجال، أصحاب الدواب والبهائم في موكب خروج الفلاحين، للعمل وسط خضرة لا يحدها البصر، وبسطة الأرض التي تبدو وكأنها لا أرض بعدها. كل شيء كان يسعدني في ميت أبو الكوم، قريتي الوديعة القابعة بين أحضان دلتا النيل.
هذا العمل الجماعي مع الغير ومن أجل الغير، دون أن أنتظر منه ربحا أو فائدة لي، جعلني أشعر أني لا أنتمي إلى أسرتي الصغيرة في دارنا أو أسرتي الكبيرة في قريتنا . . بل إلى شيء أكبر وأهم هو الأرض. وفي رحلة العودة مع الغروب والدخان ينبعث من البيوت مؤذنا بعشاء شهي ينتهي بعده اليوم في القرية . . والهدوء يخيم على الجميع والسلام يعمر قلوبنا . . كنت أتأمل الشجر والزرع، وأحس برباط خفي من الحب والصداقة، يربطني بكل ما حولي.
كانت حياتي بهجة تتلوها بهجة . . فكل يوم يأتي بشيء جديد . . موسم الزرع . . موسم الري . . الحصاد . . موسم حصاد القمح . . وموسم حصاد القطن . . الذي يأتي دائما مع البلح. وعندما كنت آخذ البهائم إلى الترعة لتشرب . . أو أجلس على النورج لدرس القمح . . وأشترك مع الصبية في جمع القطن، وكيف كنت أغترف القطن وأضعه في عبي ثم أهرع إلى بائعة البلح وأعطيه لها فتعطيني ما يقابله من البلح. لقد كانت حياتي بالقرية اكتشافات تعقبها اكتشافات وكأنها ساقية تدور على بحر كل ما به دائما جديد . . . . .
في المدرسة الثانوية تفتحت عيناي لأول مرة، على أهل المدينة وعرفت معنى الطبقة والفوارق . . ففي المدرسة. كان معي ابن وزير الحربية وابن وكيل وزارة المعارف . . وكان كل منهما يتنقل إلى المدرسة ويعود منها إلى البيت، في سيارة فاخرة ( كونبيل ) كما كنا نسميها في القرية . . منظر مبهر للغاية، ولكنه لم يترك في نفسي أي أثر للغيرة أو الحقد . . وطبعا زملائي في الفصل كانت ملابسهم أفضل من ملابسي بكثير، ولكن هذا لم يصبني بأي عقدة.
كان لي أصدقاء من أولاد الذوات، يعيشون في بيوت فخمة لم أرها من قبل، ولكني لا اذكر أنني تطلعت إليهم إطلاقا، ففي البلد عندنا دار وبهائم والجميع يعرفون أنني ابن الأفندي. وقبل كل شيء عندنا الأرض التي أنتمي إليها . . صلبة . . لا تزول . . تماما مثل قيم أهل القرية التي لا يعرفها أهل المدينة.
إن أفضلهم في نظرهم هم أغناهم مالا وأكثرهم حسبا ونسبا . . أما نحن في القرية فلا نعير هذه الأشياء أي اهتمام . . الرجل الذي على خلق . . عندنا له قيمة عليا في ذاته، رغم ما يكون عليه من فقر مدقع . . وفي القرية شيء اسمه العيب . . وينتمي بعضنا إلى بعض بالتآخي والتعاون والحب. أما هم في المدينة، فينتمون إلى مالهم وسلطانهم وبيوتهم الكبيرة الفاخرة، وكلها عرض زائل فاقد القيمة “. انتهى الاقتباس.
* * *
التعليق :
كان الرئيس السادات عليه رحمة الله ( اتفقنا أو اختلفنا معه ) متعلقا بالأرض، ومستمتعا بطبيعة العيش في القرية، وكثيرا ما سمعناه يردد في خطاباته عبارة ” أخلاق أهل القرية “، التي تدل على الأمانة والشرف وتقديس الأرض.
عاش في بداية حياته على الكفاف، لا يجد النقود لشراء ما يحتاجه من غذاء وملابس، ورغم مشاهدته لزملائه أبناء الذوات في المدرسة الثانوية، بما هم عليه من رغد العيش، والسكن في القصور الفخمة، والتنقل بسيارات فارهة، إلا أن ذلك لم يؤثر في نفسيته، وبقي دائم الحنين والتطلع إلى قريته والافتخار بها.
هذا هو النموذج الحقيقي للإنسان، بطبعه وصفاته الشخصية بعيدا عن دهاليز السياسة، الذي جسّده السادات في بواكير عمره لحب الوطن، والذي يبدأ بحب القرية أولا ثم يتسع لاحقا، ليشمل الوطن بأكمله، مع الحفاظ على التقاليد العريقة، والبعيدة عن تلك المستوردة من الخارج، بما تؤديه من انحلال في الأخلاق، وتفكيك للأسرة، وتفريط بالأوطان . . !
التاريخ : 7 / 1 / 2025
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: فی القریة
إقرأ أيضاً:
مؤسسة "هانس زايدل" الألمانية تشيد بجهود مُبادرة القرية الخضراء في شما بالمنوفية
زار وفد من وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، ومؤسسة "هانس زايدل" الألمانية، قرية "شما" في محافظة المنوفية، لتفقد سير العمل في القرية الحاصلة على شهادة "ترشيد" للمجتمعات الريفية الخضراء، ضمن مبادرة "القرية الخضراء" في إطار المشروع القومي لتطوير الريف المصري "حياة كريمة".
وخلال الزيارة، تفقد الوفد عددًا من مشروعات مبادرة "حياة كريمة"، والتي أهلت القرية للحصول على شهادة "ترشيد"، منها ممشى القرية، ومركز الشباب، ومجمع الخدمات الحكومية، ومدرسة الشهيد سامح طاحون الابتدائية، ومركز طب الأسرة، ومحطة المياه فائقة الترشيح، وتبطين وتأهيل الترع، فضلًا عن أنظمة الإنارة بالطاقة الشمسية، وورش الأعمال والحرف اليدوية، حيث تشتهر القرية بورش الصدف والأرابيسك وصناعة الفخار والسجاد.
أكدت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، أن رؤية مصر 2030، تولي أهمية كبيرة لتحقيق الاستدامة البيئية، باعتبارها الركيزة الأساسية للوصول إلى التنمية الشاملة والمتوازنة، من خلال دمج البعد البيئي في الخطط التنموية، وزيادة نسبة الاستثمارات الخضراء من جملة الاستثمارات العامة، لتحقيق نمو اقتصادي أخضر ومُستدام، بما يتسق مع أهداف التنمية المستدامة الأممية، مشيرةً إلى أن الوزارة تعمل من خلال مجموعة من البرامج والمبادرات لدعم جهود العمل المناخي والتحول نحو الاقتصاد الأخضر، منها المنصة الوطنية للمشروعات الخضراء برنامج «نُوَفِّي»، ومبادرة "القرية الخضراء" ومبادرة "المشروعات الخضراء الذكية".
من جانبه، أشاد وفد مؤسسة "هانس زايدل" الألمانية، الذي ضم توماس شاما، مدير المؤسسة في مصر، ولوسندا الخوشت، ناردين نعيم، منسقي مشروعات بالمؤسسة، بالجهود التي تبذلها وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي في مبادرة "القرية الخضراء"، التي تهدف إلى تأهيل قري "حياة كريمة" لتتوافق مع المعايير البيئية العالمية، مشددًا على أهمية الاستغلال الأمثل للفرص البيئية الموجودة في هذه القرى.
شارك في الزيارة الدكتور صلاح الحجار، رئيس الجمعية المصرية للأبنية الخضراء، وأميرة حسام، معاون وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي لشئون التنمية المستدامة، وأحمد رضا منسق مبادرة "القرية الخضراء".
جدير بالذكر، أن 3 قرى أخرى حصلت على شهادة "ترشيد" للمجتمعات الريفية الخضراء، هي (فارس في محافظة أسوان 2022، نهطاي في محافظة الغربية: 2023، اللواء صبيح في محافظة الوادي الجديد: 2024).