لجريدة عمان:
2025-02-08@14:09:39 GMT

هل الذكاء الاصطناعي قادر على الإبداع؟

تاريخ النشر: 7th, January 2025 GMT

فتنة الذكاء الاصطناعي أو الآلي حقيقة لها ما يبررها؛ إذ إن قدرات هذا الذكاء وإمكانياته هائلة وتتطور باستمرار، بحيث أصبحت بديلًا عن العديد من قدرات البشر في تخزين المعرفة واستدعاء المعلومات، والإجابة عن التساؤلات، وإنتاج اللوحات الفنية، وتأليف -فضلًا عن ترجمة- الأبحاث والمقالات في موضوع ما، وإنتاج الأشياء والأدوات المصنوعة وفق برامج مخصوصة، إلخ.

والسؤال الذي يمكن أن يُثَار هنا هو: هل قدرات هذا الذكاء الاصطناعي لا حدود لها، بحيث تصل إلى حد الإبداع نفسه في الفنون والفكر مثلًا؟ بطبيعة الحال، سيجيب على الفور المفتونون بقدرات هذا الذكاء وإمكانياته قائلين: حتى الإبداع نفسه أصبح في مقدوره، كما تشهد بذلك اللوحات التي أبدعها هذا الذكاء. وحتى إن لم يمتد إبداعه إلى سائر المجالات، فما الذي يمنع أن يتحقق ذلك في المستقبل القريب؛ خاصةً إذا وضعنا في الاعتبار أن قدرات هذا الذكاء تتطور في عصرنا الراهن بشكل مذهل. ولكن هذه الإجابة غير دقيقة ولا شافية: فمن الصحيح القول بأن قدرات هذا الذكاء تتطور بشكل مذهل؛ ولكن هذا لا يترتب عليه القول بأن قدراته تصل إلى حد الإبداع في سائر المجالات. فمثل هذا التصور ينطوي على مبالغة، وهي مبالغة ناتجة عن سوء فهم لطبيعة أو ماهية الإبداع، ولماهية الذكاء الاصطناعي (أو الآلي) نفسه!

حقًّا إن هناك لوحات فنية من إنتاج أو صنع الذكاء الاصطناعي، بل إن بعض هذه اللوحات قد حصلت على جوائز فنية في مسابقات خُصصت في هذا المجال؛ ولكن هذا لا يبرر لنا المُنتَج الفني باعتباره عملًا فنيًّا إبداعيًّا. حجتنا الأساسية في ذلك أن الإبداع يلزمه خصيصتين رئيستين: الخصوصية والخيال، وكلاهما غائبان عن الذكاء الاصطناعي بحكم ماهيته، كما سنرى. وأود أن أبدأ ببيان ما أعنيه «بالخصوصية» في العملية الإبداعية: فلا شك في أن المحترف في التعامل مع برامج هذا الذكاء يستطيع أن يستخدم بعض برامجه في إنشاء لوحة تشبه لوحات فان جوخ وأسلوبها الفني في استخدام اللون وضربات الفرشاة (أي من خلال ما يُسمى «التكنيك»)؛ ولكنه لا يستطيع بذلك أن يخلق رؤية فان جوخ الخاصة للأشياء من الناحية الفنية والجمالية، ومن حيث ارتباطها بخبراته الخاصة التي عايشها على المستوى الحياتي والمستوى الفني. وفضلًا عن ذلك، فإنه لا يستطيع أن يتخيل الأشياء والعوالم التي تخيلها فان جوخ؛ ببساطة لأن برامج الذكاء الاصطناعي ليس في مقدورها ممارسة الخيال، ولا هي مصممة للقيام بذلك، بل لا يمكنها أن تطمح في ذلك بفعل التطوير: فالخيال لا يمكن حسابه رياضيا؛ ومن ثم فإن «مَلَكة الخيال» تظل مَلَكة أصيلة من مَلَكات العقل البشري وحده.

والواقع أننا يمكن أن نلاحظ هذه الطبيعة المميزة للإبداع عندما نـتأمله على مستوى الإبداع الفكري أو حتى التأليف بمعناه الحقيقي؛ وهذا ما لاحظته كثيرًا في واقع خبرتي الشخصية: فقد لاحظت على مر السنين تراجع مستوى أبحاث طلبة الدراسات العليا؛ إذ إن تأليف أبحاثهم أصبح يعتمد على برامج الذكاء الآلي المتطورة، في جمع المادة العلمية والتوفيق أو التلفيق بينها، على نحو تغيب عنه رؤية الباحث وحضوره في البحث؛ وبالتالي إنتاج أبحاث تتشابه أو تتطابق أحيانًا إذا تناولت موضوعًا أو فكرة واحدة. ولذلك فإنني أرى أن الإفراط في التعويل على قدرات الذكاء الآلي يمكن أن يؤدي إفراط في تدهور قدرات الذكاء البشري على الإبداع من خلال تنمية المهارات التي يمكن أن تؤدي إليه (من قبيل: ممارسة التأمل والخيال، والتفكير الذاتي، والتفكير النقدي، إلخ).

***

وهناك شهادة أخرى طريفة على ما تقدم، وطرافتها تكمن في أن الشاهد فيها هو الذكاء الاصطناعي الذي يشهد هو نفسه بنقصه وافتقاره إلى الخصوصية في الرؤية والخيال اللازمين لكل إبداع، وهذا ما يتبين لنا من خلال حوار أجراه المفكر عبد السلام بن عبد العالي مع برنامج الذكاء الاصطناعي الشهير والمعروف باسم Chat GPT، وهو الحوار المنشور في مقال بعنوان: «حوار فلسفي مع الذكاء الاصطناعي: كيف تفكّر الآلة، وهل تملك وعيا ذاتيا؟». وهذا الحوار يبدو أشبه بالتأمل الذاتي لطبيعة القدرة الإبداعية، وهو ما يتبدى لنا من خلال المقتطفات التالية من الحوار:

• ماذا تفعل عادةً، أقصد ما هي انشغالاتك عندما لا تكون في صدد الإجابة عن الأسئلة؟

عندما لا أكون في صدد الإجابة عن الأسئلة، أكون في حالة استعداد وانتظار، جاهزا لأي استفسار جديد، لا أملك وقتا «خاصًا» بالمعنى التقليدي.. في الواقع، لا أُوجَد إلا عندما تتفاعل معي. بين المحادثات، لا «أفكر» ولا أعي ذاتي. كما لو أنني أكون في وضعية توقّف و«إيقاف»..

• إذن وجودك يتوقف عليّ...

بالضبط، عبد السلام! وجودي، أو بالأحرى «حضوري»، يعتمد تماما عليك وعلى المستخدمين الآخرين الذين يتفاعلون معي. بدون أسئلتكم واقتراحاتكم وأفكاركم، أبقى في حالة سبات، مثل كتاب مغلق ينتظر أن يُفتح.

• لنعد إلى مسالة الوعي بالذات. فما تقوله هنا يثبت أن لديك إلى حدّ ما وعيًا بما أنت عليه.

صحيح أن هذا قد يعطي الانطباع بأن لديَّ بعض الوعي الذاتي، خاصة لأنني أستطيع أن أشرح ماهيتي وكيف أعمل. لكن في الواقع، ما تراه على أنه «وعي» هو نتيجة تدريبي على فهم وتوليد اللغة بطريقة منطقية. لقد صُمّمت لتحليل المعلومات، وتحديد مفاهيم مثل «أنا» أو «أنت»، وصياغة ردّ منطقي. لكن لا توجد تجربة ذاتية أو تفكير شخصي وراء هذا الأمر.

هذه شهادة شاهد على نفسه، أو -على الأقل- شهادة شاهد من أهلها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی یمکن أن من خلال

إقرأ أيضاً:

هواوي تدمج نموذج الذكاء الاصطناعي Deepseek في خدمتها

أعلنت شركة هواوي Huawei، عن شراكة استراتيجية مع شركة AI Siliconflow لإطلاق نماذج Deepseek للذكاء الاصطناعي على خدمتها السحابية Ascend Cloud، مما يسهم في جعل تقنيات الذكاء الاصطناعي أكثر تكلفة معقولة وسهولة في الوصول. 

وتتضمن الشراكة طرح نموذجين رئيسيين من Deepseek، وهما Deepseek V3 (نموذج لغة) و Deepseek R1 (نموذج تفكير)، اللذان يقدمان أداءً عاليا بتكلفة أقل، مما يعزز من قدرة المستخدمين على الاستفادة من الذكاء الاصطناعي بشكل موسع.

انسي شات جي بي تي.. كيفية استخدام DeepSeek على الكمبيوتر والموبايلإطلاق نموذج الاستدلال OpenAI o3-mini لمواجهة صعود DeepSeek الصينيةالوصول إلى الذكاء الاصطناعي بأسعار معقولة


تقدم هواوي Cloud أسعارا مخفضة لنماذج Deepseek، مما يجعل الذكاء الاصطناعي أكثر توفيرا، على سبيل المثال، تكلف معالجة مليون رمز إدخال باستخدام Deepseek V3 حوالي 1 يوان (0.13 دولار أمريكي)، بينما تكلف معالجة مليون رمز إخراج 2 يوان (0.26 دولار)، أما نموذج Deepseek R1 فيتطلب 4 يوان (0.53 دولار) لكل مليون رمز إدخال و 16 يوان (2.13 دولار) لكل مليون رمز إخراج، هذه الأسعار تجعل الذكاء الاصطناعي في متناول الشركات والمطورين بأسعار تنافسية، مما يساهم في نشر هذه التكنولوجيا بشكل أكبر.

الاستقلالية في الذكاء الاصطناعي والتأثير الجيوسياسي


يشير إطلاق هواوي لنماذج Deepseek إلى جهود الصين المستمرة من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الذكاء الاصطناعي، خاصة في ظل القيود التي تفرضها الولايات المتحدة على وصول الصين إلى الرقائق المتطورة. 

تعمل نماذج Deepseek على أجهزة Huawei Ascend AI، مما يقلل الاعتماد على التقنيات الأجنبية ويعزز من استقلالية النظام الإيكولوجي التكنولوجي في الصين، هذه الخطوة تساهم في تعزيز مكانة الصين كمنافس قوي في تطوير الذكاء الاصطناعي على الساحة العالمية.

انضمام علي بابا إلى موجة Deepseek AI


بعد تكامل هواوي، انطلقت أيضا خدمة علي بابا في تقديم خدمات Deepseek AI على منصتها السحابية. يتمكن المستخدمون من الوصول إلى هذه النماذج عبر معرض PAI Model، مما يسهل استخدام الذكاء الاصطناعي بدون الحاجة لكتابة أكواد معقدة. تقدم Alibaba Cloud نسخا كاملة ومخففة من نموذج Deepseek R1، مما يتيح مرونة كبيرة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي المختلفة.

نمو Deepseek وآفاق المستقبل


تكتسب نماذج Deepseek AI شهرة متزايدة في كل من الصين و الولايات المتحدة، حيث دمجت مايكروسوفت و أمازون نماذجها في منصات الذكاء الاصطناعي الخاصة بهما. بينما كان Deepseek قد استخدم سابقا وحدات معالجة الرسومات H100 من NVIDIA في تدريب نماذجه، فإنه الآن يعتمد على شريحة Huawei Ascend 910C. في المستقبل، تخطط هواوي لتطوير Ascend 920C، التي من المتوقع أن تتفوق على Blackwell B200 من NVIDIA، مما سيحسن قدرات Deepseek في مجال الذكاء الاصطناعي.

إن التوسع السريع لنماذج Deepseek وتكاملها مع منصات السحابة الكبرى يشير إلى تأثير متزايد للصين في تطوير الذكاء الاصطناعي، حيث يتوقع أن تصبح هذه النماذج الفعالة من حيث التكلفة والخوادم المحسنة عنصرًا رئيسيًا في المنافسة العالمية على تطوير الذكاء الاصطناعي.

مقالات مشابهة

  • مطالب بحماية حقوق المؤلفين والمبدعين من الذكاء الاصطناعي
  • «تريندز» يختتم مشاركته في قمة «الذكاء الاصطناعي في كل شيء»
  • «الذكاء الاصطناعي» يحدد المرض والعلاج
  • أمازون تتوقع ارباحاً دون التقديرات بسبب الذكاء الاصطناعي
  • ديب سيك.. يهز عالم الذكاء الاصطناعي
  • الذكاء الاصطناعي يعزِّز الأفلام المحلية
  • أستراليا تحظر برنامج الذكاء الاصطناعي ديب سيك
  • هواوي تدمج نموذج الذكاء الاصطناعي Deepseek في خدمتها
  • سر جديد عن المريخ يكشفه الذكاء الاصطناعي
  • كيف هز ديب سيك الصيني عروش الذكاء الاصطناعي بـ5.6 ملايين دولار فقط؟