إبراهيم محمد الهمداني

لم تقتصرِ الأنشطةُ التجارية، لأربابِ المال اليهود، على المجالاتِ والأنشطة التقليدية المعروفة؛ فعلاوة على سيطرتهم -شبه الكاملة- على الحركة الاقتصادية، في معظم بلدان العالم، واحتكارهم تجارة أهم وأغلى السلع المختلفة، وتحكم قبضتهم المالية بعمليتَي الاستيراد والتصدير، فقد تفردوا -أَيْـضًا- بصناعة تجارة الإرهاب والإجرام، سواء في مجال صناعة وتصدير مختلف أنواع الأسلحة، أَو في مجال صناعة وتصدير الجماعات الوظيفية الإجرامية، واستثمارها كورقة رابحة، أما بشكل جماعي علني، بوصفهم مقاولي حروب، يقومون بحسم المعارك، ضد الجيوش النظامية المعادية، من خلال عملياتهم الهجومية الخاطفة والمباغتة، التي يستطيعون تنفيذها بكفاءة وسرعة عالية، وبأقل قدر من الخسائر المادية والبشرية، وأما بشكل فردي سري، بوصفهم قتلة مأجورين، يقدمون خدمات الاغتيالات والتصفيات الجسدية، وخدمات التخلص من المنافسين، والتجسس وكشف المتآمرين والأعداء، الذين يتربصون بالملك، وكبار رجالات النظام الحاكم، وحتى كبار الإقطاعيين والمُلَّاك والتجار، الراغبين في التخلص من أعدائهم أَو منافسيهم، بطريقة سرية جِـدًّا، يتعذر معها معرفة الفاعل، ناهيك عن إمْكَانية توجيه الاتّهام، لخصومهم المعروفين أَو المحتملين.


يمكن القول إن استثمارَ الجماعات الإجرامية، في مختلف ممالك أُورُوبا قديما، كان يدر على المرابي اليهودي أرباحًا طائلة، تجاوزت حجم العائدات المالية الهائلة، التي اكتظت بها خزائن المرابي اليهودي، لتصل إلى أعلى مستوى -يمكن بلوغه- من المكاسب السياسية والنفوذ السلطوي، ومقومات السيطرة على مراكز صناعة القرار في المملكة، وُصُـولًا إلى رأس الهرم السلطوي (الملك)، الذي تحول إلى دمية بين يدي المرابي اليهودي، نظرا لحاجته الملحة، إلى خدماته الإجرامية والاستخبارية، من ناحية، وارتهانًا لخطورة الأسرار المشتركة -بينهما- رجاء كتمانها، من ناحية ثانية، وبمقدار حاجة خزينة المملكة إلى المال اليهودي، لتجاوز أزماتها المالية، أَو تمويل حروبها، أَو لتغطية بذخ القصر، ونفقاته الشخصية، كانت حاجة الملك -شخصيًّا- إلى المرابي اليهودي، بوصفه كاتم الأسرار المخلص، والمستشار الأمين الناصح، وموضع ثقة الملك المطلقة، التي لم ينلها -فقط- مقابل خدماته الاعتيادية؛ أَو لأَنَّه أنقذ المملكة من الإفلاس بأمواله، أكثر من مرة، وإنما نالها بجدارة؛ لأَنَّه كان الحارس الأمين على العرش، وصمام أمان بقاء الملك على كرسي مملكته، وضمان استمرار حكمه، دون أدنى خوف، من عدوٍّ أَو متآمِرٍ أَو منافِسٍ، الذين أسقطهم المرابي اليهودي بصمت -عبر شبكاته التجسسية داخل القصر وخارجه- بعدما كشف أمرهم للملك، في سرية بالغة.
ونظرًا لهذا المستوى العالي، من التأمين السلطوي لعرش الملك، الذي عجزت عن بلوغه الأجهزة الأمنية الرسمية، بينما استطاع المرابي اليهودي تحقيقه، ليحقّقَ من خلاله وجوده وحضوره المركزي، ولم تكن حظوته لدى ملوك أُورُوبا في الغرب، أَو سلاطين الدولة العثمانية في الشرق، ووصولِه إلى منصب الوزير الأعظم أَو قطب الملك، مُجَـرّد مكرمة ملكية، أَو تسامح ديمقراطي حضاري، وإنما كانت نتاج فعل الضرورة، الذي فرضته طبيعة مهمته المعقَّدة، ودوره بالغ الخطورة، وقدرته العالية في توظيف خبثه ومكره ودسائسه، الموروثة عبر آلاف السنين، لتكريس معادلة حضوره السلطوي المركزي، القائمة على ضرورة تحقيق التوازن الدقيق بين طرفيها؛ العلني ممثلا في سلطة المال، التي تفرضها القروض الربوية، والسري ممثلا في هيمنة القوة (الإجرامية الاستخبارية)، التي جسدتها جماعات الإرهاب الوظيفية، بما امتلكته من قدرات ومؤهلات، الاختراق والسرية والتفاني، في تنفيذ المهام الأكثر وحشية وإجراما.
رُبَّما أمكن القولُ إن صناعةَ الجماعات الوظيفية الإرهابية السرية، كانت إحدى مهارات المرابي اليهودي، التي تكشفُ عن طبيعة العقلية السياسية اليهودية، في صناعة استراتيجية السيطرة على السلطة من خارجها، وجهود اليهودي المنبوذ اجتماعيًّا الهائلة -استنادًا إلى إرث تآمري، وتجارب إجرامية تراكمية، موغلة في القدم- لفرض تموضعه التسلطي الخفي، بوصفه ضرورة واحتياجًا لازمًا، في كُـلّ جوانب الحياة الاجتماعية، متغلغلا في جميع مفاصل الهرم السلطوي، على مرأى ومسمع الجميع، وبذلك المستوى من التواطؤ الضمني الجمعي، تم التغاضي عن صورة المرابي اليهودي خَاصَّة، وخبث وفساد ودونية اليهودي المنبوذ عامة، وحلت محلها صورة اليهودي (المعتدل)، في الوهم الجمعي، الذي استسلم لخداع الذات، لكي يتمكّن من ابتلاع قبح حضور المرابي اليهودي، في مجالس الأشراف والقادة، بعد إلباس انحطاطه، لبوس فضائل مصطنعة، على هيئة صديق وفي ناصح، حريص على مصلحة وأمن واستقرار المملكة والملك، وليس ذلك وحسب، بل نجح المرابي اليهودي المنبوذ، في انتزاع الاعتراف الرسمي والشعبي، بشرعية وجود ودور جماعته الوظيفية الإرهابية، وحصانتها المطلقة، رغم قبح طبيعتها الوحشية، ووجودها الإجرامي، ودورها الإرهابي، وانحطاط ممارساتها وسلوكياتها التآمرية التجسسية، وخطرها الوجودي اللامتناهي، على الشعب والملك معا، خَاصَّة نها لا تعترفُ للمجتمع بانتماء، ولا تدين للملك بولاء، حَيثُ ولاؤها وانتماؤها لراعيها اليهودي فقط.
ولذلك بقيت المجتمعاتُ في حالة ترقُّبٍ حَذِرٍ، وطالما لامست تلك الخطورة الشعور الجمعي، في مراحل تاريخية مختلفة، وكلما بلغ التهديد الوجودي اليهودي، مستويات إرهابية تسلطية متقدمة، انتفض الغضب والانتقام الشعبي، لإسقاط حظوة ومكانة اليهودي، صانع المال والإجرام، حَيثُ لا تعصمه حصانته الملكية، من ثأر الجماهير الشعبيّة الغاضبة، ولا تحميه جماعاته الإجرامية المتوحشة، وكانت الشعوب تقتص لنفسها وتثأر لكرامتها، التي بالغ المرابي اليهودي في امتهانها، وقد شهدت مختلف بلدان أُورُوبا، ثورات شعبيّة وأعمال عنف وتهجير قسري لليهود، جزاء جرائمهم ومجازرهم بحق الشعوب، كما لم يسلم المرابي اليهودي وجماعاته الوظيفية ومواطنيه، من انتقام وسطوة وغضب الملك نفسه، الذي يسارع إلى إسقاط المركز السلطوي اليهودي، قبل أن يصبح هو ضحيته، وفي كلا الموقفَينِ الرسمي والشعبي، من الحضور اليهودي، ما يؤكّـدُ حقيقة خطر الوجود اليهودي، على المجتمعات البشرية عامة، التي لم تسلم منها، عبر مراحلها التاريخية المتعاقبة، ولذلك لا غرابة إن تعرض اليهود، لعمليات التنكيل والقمع والتهجير، في معظم بلدان أُورُوبا، منذ منتصف القرن الحادي عشر الميلادي، فما ذلك إلا رد فعل طبيعي إزاء جرائمهم وفسادهم وإجرامهم اللامتناهي، وعنصريتهم وكراهيتهم الشديدة، لكُلٍّ من ليس يهوديًّا، بينما كان وضعُهم في البلدان الإسلامية، أفضلَ بكثير، رغم أدوارهم الخبيثة، واختراقهم المجتمع والسلطة على السواء، سواء في ظل الدولة العثمانية، أَو ما قبلها وما بعدها، حَيثُ تمكّنوا من أعلى مراكز القرار، وأداروا حكم البلاد والعباد سرًّا وعلانية، وعاثوا في المسلمين فسادًا، وحصلوا على ما لم يحلموا به، من الحَظوة والمكانة والحرية، ولعل موسى بن ميمون أوضح شاهد على ذلك.

المصدر: يمانيون

إقرأ أيضاً:

صواريخ اليمن تضرب العمق الصهيوني: معادلة جديدة تربك الاحتلال

يمانيون../
تصاعدت حالة الهلع في صفوف الصهاينة مع تزايد الهجمات اليمنية التي تستهدف منشآت حيوية في العمق الإسرائيلي، حيث يهرع المستوطنون يومياً إلى الملاجئ هرباً من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة.

آخر الهجمات اليمنية استهدفت محطة “أوروت رابين” للكهرباء بصاروخ فرط صوتي من طراز “فلسطين2″، في حين ضربت طائرة مسيرة هدفاً عسكرياً في يافا. وقد وصفت هذه العمليات بأنها جزء من معادلة “المطار بالمطار، ومحطة الكهرباء بمحطة الكهرباء”، التي فرضتها القوات اليمنية رداً على الغارات الإسرائيلية المستمرة على صنعاء والحديدة.

محطة أوروت رابين: ركيزة استراتيجية تحت النار
تقع محطة “أوروت رابين” على ساحل البحر الأبيض المتوسط في مدينة الخضيرة، وتعتبر من أكبر محطات توليد الكهرباء في الكيان الصهيوني، حيث توفر 23% من إجمالي الكهرباء. تعتمد المحطة بشكل أساسي على الفحم، وتستهلك يومياً 18,000 طن منه، مما يجعلها هدفاً استراتيجياً بالغ الأهمية.

من اليمن إلى العمق الإسرائيلي: تصعيد العمليات
الهجمات الأخيرة تأتي ضمن سلسلة من العمليات التي انطلقت منذ أكتوبر 2023، كرد مباشر على استهداف الاحتلال لمنشآت حيوية يمنية. القوات المسلحة اليمنية أكدت عزمها مواصلة هذه العمليات حتى تحقيق أهدافها، وعلى رأسها دعم غزة وكسر الحصار المفروض عليها.

رعب في الداخل وانكشاف الدفاعات
حالة الهلع اليومية في الكيان الصهيوني كشفت ضعف منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية أمام الصواريخ والطائرات اليمنية، ما أثار قلقاً واسعاً لدى المحللين الصهاينة، الذين وصفوا القوات اليمنية بأنها “تحدٍّ خطير يهدد البنية التحتية الحيوية”.

ردود فعل صهيونية وغارات مكثفة
في محاولة للرد، كثفت قوات الاحتلال غاراتها على مواقع يمنية، مستهدفة مطار صنعاء وقاعدة الديلمي الجوية، لكن هذه الغارات لم تثنِ اليمن عن مواصلة عملياتها. رئيس الوفد الوطني المفاوض، محمد عبد السلام، وصف هذه الغارات بأنها “جرائم صهيونية”، مؤكداً أن المعادلة الجديدة أصبحت واقعاً لن يتغير.

سيناريوهات التصعيد: نحو مواجهة إقليمية؟
مع استمرار التصعيد، تلوح في الأفق سيناريوهات مفتوحة قد تعيد تشكيل خارطة التوترات الإقليمية. “المطار بالمطار، ومحطة الكهرباء بمحطة الكهرباء” لم تعد مجرد شعار، بل معادلة استراتيجية ترسم واقعاً جديداً، يهدد الاحتلال بتحديات غير مسبوقة على عدة جبهات.

تقرير – ماجد الكحلاني

مقالات مشابهة

  • معهد “الأمن القومي” الإسرائيلي: إنشاء معادلة ردع ضد اليمنيين شبه مستحيل
  • معهد “الأمن القومي” الإسرائيلي: من المستحيل تقريبًا إنشاء معادلة ردع ضد اليمنيين
  • برلماني يستغرب من عدم ذكر المتورطين بقضايا الفساد ويكشف اسم المسئول السابق الذي يلاحقه القضاء
  • موازنة 2025..  معادلة تُعمّق أزمة العراق الاقتصادية
  • مغادرة الطائرة الإغاثية السعودية السابعة التي يسيّرها مركز الملك سلمان للإغاثة لمساعدة الشعب السوري
  • اليمن يفرض معادلة جديدة.. حرب بدون بنك أهداف
  • بالفيديو.. استمرار مداهمة الأوكار الإجرامية في مدينة الزاوية وتدميرها
  • "سوريا ستصبح تحت قيادتك دولة رائدة".. ماذا طلب نجل الحاخام اليهودي أبراهام حمرا من الشرع؟
  • صواريخ اليمن تضرب العمق الصهيوني: معادلة جديدة تربك الاحتلال