لجريدة عمان:
2025-01-08@15:41:05 GMT

أزمة الديمقراطية هي في الواقع أزمة اليسار

تاريخ النشر: 7th, January 2025 GMT

ذهبت بلدان يوجد بها أكثر من نصف سكان العالم إلى صناديق الاقتراع في انتخابات العام الماضي. وكانت الرسالة الأساسية التي بعث بها الناخبون لحكوماتهم هي عدم الرضا والغضب من الوضع القائم. وبدا إحباطهم مركَّزا خصوصا على الطرف الذي ظل يُربَط تقليديا بالحكومة الكبيرة وهو اليسار. (يعرِّف قاموس ويبستر الأمريكي الحكومة الكبيرة بالحكومة التي تُعتبَر منتهكة لحقوق المواطنين الأفراد بسبب جهازها البيروقراطي الكبير وإجراءاتها التنظيمية وسياساتها التدَخُّلية- المترجم.

)

في أي مكان نظرتَ إليه تقريبا تجد اليسار قد بات حطاما. فمن بين بلدان الاتحاد الأوروبي (27 بلدا) هنالك قلة قليلة فقط هي التي تقود فيها أحزاب من يسار الوسط ائتلافاتِها الحكومية. وحزب يسار الوسط الأساسي في البرلمان الأوروبي (التحالف التقدمي للاشتراكيين الديمقراطيين- المترجم) لديه الآن 136 مقعدا من جملة 720 مقعدا. حتى في البلدان التي تمكنت من وقف صعود الشعبوية اليمينية مثل بولندا، يمين الوسط هو الذي يزدهر وليس اليسار. وبالطبع يوحي حجم فوز دونالد ترامب (حوالي 90 مقاطعة أمريكية تقريبا تحولت إلى اليمين) بأن الولايات المتحدة أصبحت جزءا من هذا الاتجاه.

أزمة الحكومة الديمقراطية إذن هي في الحقيقة أزمة الحكومة التقدمية. فالناس كما يبدو يشعرون بأنهم تفرض عليهم الضرائب والإجراءات التنظيمية ويلاحقون بالأوامر ويروَّعون بواسطة ساسة يسار الوسط لعقود. لكن النتائج سيئة وتزداد سوءا.

نيويورك حيث أقيم وفلوريدا التي كثيرا ما أزورها تقدمان مثالا مثيرا للمقارنة. فهما متقاربتان في عدد السكان (20 مليون نسمة في نيويورك و23 مليون في فلوريدا.) لكن موازنة ولاية نيويورك أكثر من ضعف موازنة فلوريدا (239 بليون دولار مقابل 116 بليون دولار تقريبا). ومدينة نيويورك التي تزيد قليلا عن ثلاثة أضعاف حجم مقاطعة ميامي- ديد لديها موازنة تبلغ 100 بليون دولار أو تقريبا حوالي 10 أضعاف موازنة ميامي- ديد.

زاد إنفاق مدينة نيويورك في الفترة من 2012 إلى 2019 بحوالي 40% أو أربعة أضعاف معدل التضخم. هل يشعر أي من سكان نيويورك بأنه حصل على خدمات أفضل بنسبة 40% خلال تلك الفترة؟

ما الذي يحصل عليه أهالي نيويورك مقابل هذه المبالغ الضخمة التي تُجمع بواسطة أعلى معدلات ضريبية في الولايات المتحدة؟ (إذا كنت ميسور الحال في مدينة نيويورك فأنت تسدد ضريبة دخل تقارب ما تدفعه في لندن أو باريس أو برلين دون أن تحصل على تعليم عالٍ مجاني أو رعاية صحية بلا مقابل). ومعدل الفقر في نيويورك أعلى منه في فلوريدا. كما لدى نيويورك معدل ملكية منازل أقل بقدر طفيف ومعدل تشرد أعلى كثيرا. وعلى الرغم من إنفاق ما يزيد عن الضعف على التعليم مقابل كل طالب إلا أن النتائج التعليمية لنيويورك (معدلات التخرج ودرجات امتحانات الصف الثامن) مماثلة تقريبا لنتائج فلوريدا.

من اليسير أن يُطَمئِن المرء نفسه باعتقاده أن هذه المعدلات العالية للضرائب والإيرادات الحكومية المتزايدة تضمن للحكومة التقدمية بعض مكوِّناتها بالغة الأهمية (يقصد الكاتب بذلك تمكينها من تمويل برامج الرعاية الاجتماعية والتعليم والصحة والبنية الأساسية وغيرها من سياسات المساواة والعدالة الاجتماعية التي ينادي بها التقدميون- المترجم). لكن هذه الأموال، ببساطة، كثيرا ما تكون ثَمَنا للهدر وسوء الإدارة. فتكلفة المرحلة الأولى من تشييد مترو الأنفاق «سيكند آفينو» والتي بلغت 2.5 بليون دولار لكل ميل كانت أعلى بحوالي ثمانية أضعاف إلى 12 ضعف تكلفة عَيِّنة من مشروعات مماثلة في أماكن مثل إيطاليا والسويد وباريس وبرلين.

إلى ذلك، يذهب جزء كبير من الإيرادات الضريبية للمدينة والولاية إلى تمويل رواتب التقاعد. في مدينة إلينوي يذهب أكثر من 8% من الموازنة إلى رواتب التقاعد. أما في مدينة نيويورك فتخصص لرواتب تقاعد وفوائد العاملين الحكوميين 22% من الموازنة. لقد ظلت الوعود برواتب تقاعد سخية وسيلة ميسورة لشراء أصوات كتلة ناخبين حاسمة في أهميتها. فتكلفتها لن تظهر في الموازنات إلا بعد سنوات لاحقا.

المدن الكبيرة في الولايات المتحدة محاضن للنمو والحيوية والطاقة. ذلك هو السبب في تسليط الضوء عليها وعلى حوكمتها. وما شهده الناس مؤخرا هو انفلات الليبرالية. كانت السرقة متفشية في مدن كاليفورنيا لسنوات بسبب ضعف القانون الذي يعاقب على سرقة السلع في المتاجر. كما لا يحاسَب المشردون في نيويورك (بعضهم مدمنو مخدرات أو مرضى نفسيون) على مضايقة وتهديد المارة في الشوارع والأنفاق. والرجل الذي اتهم مؤخرا بمحاولة القتل بدفع رجل أمام قطار أنفاق سبق اعتقاله عدة مرات.

المقياس الحاسم بالطبع هو الكيفية التي يصوت بها الناس بأقدامهم. ظلت نيويورك لسنوات تفقد سكانا يرحلون منها إلى ولايات أخرى كفلوريدا. ونفس الحكاية يمكن أن تُحكى، باختلافات طفيفة، عن كاليفورنيا وتكساس.

الولايات الحمراء الكبيرة تنمو أساسا على حساب الولايات الزرقاء الكبيرة (الولايات الحمراء هي التي يصوت ناخبوها للجمهوريين والزرقاء للديمقراطيين- المترجم.) ويمكن ترجمة ذلك سياسيا إلى المزيد من التمثيل للجمهوريين في الكونجرس والمزيد من الأصوات الانتخابية.

هنالك الآن مساعٍ مثيرة من أشخاص مثل إيلون ماسك وفيفيك راماسواني للجمع بين المحافظة الثقافية والقومية الاقتصادية من جهة وبين الإصلاح الجذري للحكومة. يمكن أن يشكل ذلك «أيديولوجيا» جذابة لناخبين عديدين شعروا بالإحباط من حكومة لا يبدو أن أي شيء فيها يمضي على ما يرام.

على الجانب الآخر، إذا لم يتعلم الديمقراطيون بعض الدروس الصعبة من ضعف الحوكمة في العديد من المدن والولايات الزرقاء سيُنظر إليهم باعتبارهم مدافعين عن النخب الثقافية وايدولوجيا اليقظة (ووك) والحكومة المتضخمة وغير الكفؤة. وقد تكون تلك هي الوصفة (التي تجعل من الديمقراطيين) أقلية دائمة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: مدینة نیویورک بلیون دولار

إقرأ أيضاً:

توسعة مطار جيجل لاستقبال الطائرات الكبيرة قريبا

أكد وزير النقل، السعيد سعيود، أن الانطلاق في توسعة مطار فرحات عباس في جيجل، أضحت أمرا ضروريا لاستقبال الطائرات الكبيرة، وستباشر هذه العملية في القريب العاجل.

وأشار الوزير، في تصريحات صُحفية على هامش زيارته لمطار فرحات عباس في جيجل، إلى أن سنة 2025 ستعرف نقلة نوعية في مجال النقل الجوي.

واستمع الوزير، إلى عرض حول واقع قطاع النقل بالولاية بمختلف أنماطه على مستوى القاعة الشرفية للمطار.

كما عاين الوزير مختلف مرافق المطار من الإستقبال وشبابيك التسجيل والتوجيه والمراقبة. ومنطقة معالجة وتحويل الأمتعة، ومختلف إجراءات العبور، ومركز إدارة العمليات. وهذا من أجل الوقوف على ظروف استقبال الرحلات الداخلية والدولية.

أين دعا الوزير، إلى ضرورة التنسيق بين مختلف المتدخلين من القائمين على تسيير هذه المنشأة، شركة النقل الجوي، مصالح الجمارك الجزائرية، والأمن الوطني.

وذلك من أجل إضفاء مرونة أكثر وتبسيط الإجراءات وتقديم خدمات نوعية ذات جودة عالية. ترقى إلى تطلعات المسافرين، مع مراعاة السلامة والأمن.

كما أمر الوزير، بكراء المحلات المتواجدة بالمطار وفتحها كفضاءات خدماتية حسب متطلبات المسافرين.

وإستمع إلى مطالب المنتخبين والمتمثلة في إضافة خطوط جديدة نحو حاسي مسعود، وهران، تمنراست. بالإضافة إلى خط دولي نحو باريس (فرنسا)، فأكد الوزير أنه سيتم دراسة الانشغالات المطروحة.

إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور

مقالات مشابهة

  • فلوريدا: محارب سابق في البحرية يلاحق شبكة "سي إن إن" بتهمة تشويه سمعته
  • بيان لسفيرة الولايات المتحدة: الطرفان المتحاربان يتحملان مسؤولية أعمال العنف والمعاناة التي تشهدها السودان ويفتقران إلى الشرعية لحكم السودان
  • جثتان عند عجلات الطائرة .. حادثة غريبة في فلوريدا | تفاصيل الواقعة وأسبابها
  • حدث في فلوريدا.. جثتان عند فتحة عجلات الطائرة
  • أسعار النفط تنخفض قليلا عن أعلى مستوى تقريبا في 3 أشهر
  • توسعة مطار جيجل لاستقبال الطائرات الكبيرة قريبا
  • توسعة مطار جيجل لإستقبال الطائرات الكبيرة قريبا
  • اليسار السوداني بين التشظي ورهانات المستقبل
  • مستشار الرئيس للصحة: الأنفلونزا الموسمية العادية بها تحورات كل عام تقريبا