اليمنيون يغيرون مفاهيم الحرب سنة 2024
تاريخ النشر: 7th, January 2025 GMT
حسين مجدوبي .. كاتب مغربي
في ظل الحديث عن الأخبار والأحداث التي بصمت سنة 2024 وسيكون لها تأثير سنة 2025، هناك الأخبار ذات الطابع العسكري، لاسيما وأن الثلاث سنوات الأخيرة تميزت بحروب كبيرة مثل الحرب الروسية – الأوكرانية والحرب المتعددة الأطراف في الشرق الأوسط، وإن كانت مركزة في فلسطين المحتلة.
ووسط كل هذا، يبقى المنعطف الحقيقي في التطورات العسكرية هو ما يقوم به اليمنيون بضرب إسرائيل والتحكم في الملاحة البحرية في البحر الأحمر.
ونظرا لتراجع المنطق الدبلوماسي، وهشاشة القانون الدولي في العلاقات الدولية في الوقت الراهن، وتعويضها بشكل تدريجي بمنطق القوة العسكرية، سواء الردع العنيف، أو الحرب مباشرة، تذهب معظم الدراسات الاستراتيجية للتركيز على الجانب العسكري لسببين، الأول هو ارتفاع عدد الدول المصنعة للأسلحة، التي لم تعد تقتصر على الدول الكبرى الغربية وروسيا، وثانيا، ما تحدثه هذه الأسلحة من تغيير في مفهوم الحرب، وما يترتب عنها من تغييرات جيوسياسية.
وتابع العالم كيف أن حربا تجري في القارة الأوروبية وهي الحرب الروسية – الأوكرانية من ضمن أبرز الأسلحة المستعملة فيها طائرات مسيرة تنتجها كل من تركيا وإيران، وهذا يحدث لأول مرة منذ قرون، أن سلاحا من الجنوب يعتبر رئيسيا في حروب دول الشمال.
وعلاقة بالجانب العسكري لسنة 2024 وما يمكن أن يحمله خلال السنة الجارية والسنوات المقبلة، تناول المعهد الأمريكي للبحرية الحربية، وهو من أقدم مراكز الدراسات، في تقرير مفصل، العمليات العسكرية للحوثيين في اليمن، واعتبرتها من أبرز الأحداث السياسية – العسكرية للسنة التي ودعناها.
واستعرض التقرير كيف نجح الحوثيون في إشغال البنتاغون وقوى أوروبية عسكريا كل هذه المدة الزمنية بسبب استهداف سفن الملاحة الدولية، خاصة الغربية ثم السفن العسكرية. ومن الفقرات الواردة في التقرير «يمكن للحوثيين أن يحققوا الفوز بالجائزة الكبرى في عام 2024 بالنسبة للمشكلة الأكثر إلحاحاً للبحرية الحربية (الأمريكية). فقد فاجأ التنظيم المدعوم من إيران العالم الدولي بحلول نهاية عام 2023، لكنه أثبت نفسه كتهديد للشحن التجاري في عام 2024».
المنعطف الحقيقي في التطورات العسكرية هو ما يقوم به اليمنيون من ضرب إسرائيل والتحكم في الملاحة البحرية في البحر الأحمر
وبعيدا عن مضمون التقرير العسكري، لم يصدر أي تقرير اقتصادي دولي يقدم صورة حقيقية عن الخسائر المالية، التي تخلفها العمليات العسكرية للحوثيين في باب المندب والبحر الأحمر. ومن أجل تشكيل صورة، تكفي معرفة أن مصر خسرت ما بين 50% إلى 60% من إيرادات القناة خلال يناير/كانون الثاني وسبتمبر/أيلول من السنة الماضية، وهو ما يعادل ستة مليارات دولار.
وقد يكون المبلغ الإجمالي من الخسائر قد ارتفع إلى ثمانية مليارات دولار على الأقل مع نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن نصف الملاحة الدولية التي تمر من البحر الأحمر غيرت طريقها عبر جنوب إفريقيا، بما يعني ذلك ارتفاع تكاليف التأمين ومصاريف الطاقة والتأخر في تسليم البضائع، قد نكون أمام رقم لا يقل عن 30 مليار دولار سنويا. وعند استعراض ما قام به الحوثيون، سنتفاجأ كثيرا بالنتائج العسكرية غير المرتقبة، وهذه أبرزها:
في المقام الأول، فرض الحوثيون على إسرائيل حربا لم تكن تنتظرها، وهي على مستويين، الأول استهداف سفنها في البحر الأحمر وباب المندب، حيث لم تعد غالبية السفن الإسرائيلية تمر من قناة السويس، وهم بهذا يقومون بالدور الذي كان يجب أن تقوم به مصر من باب التضامن مع الفلسطينيين، أي منع السفن العسكرية التي تزود الكيان بالأسلحة من المرور، إذا استمر الحوثيون في هذا العمل، وإجبار سفن الكيان على الدوران عبر المتوسط، فهذا سيعني ضربة ليست بالهينة للاقتصاد الإسرائيلي.
في المقام الثاني، ترتب عن هذه العملية، تخصيص الدول الغربية عمليتين بحريتين وهما «حارس الرفاهية» بزعامة الولايات المتحدة، ثم «أسبيديس» بزعامة فرنسا وألمانيا.
ولم يسبق للغرب أن خصص سفنا حربية من حاملات طائرات ومدمرات وفرقاطات وطرادات منذ الحرب العالمية الثانية، كما يفعل الآن ضد الحوثيين.
وكان البنتاغون على لسان قائد القوات البحرية الأمريكية في الشرق الأوسط، الأدميرال براد كوبر، قد اعترف بأن العمليات في البحر الأحمر «أكبر معركة تخوضها البحرية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، سفننا الحربية منخرطة في القتال. وعندما أقول منخرطة في القتال، فهذا يعني أننا نطلق النار عليهم، وهم يطلقون النار علينا ونحن نرد عليهم».
ومن خلال تتبع خرائط المعهد الأمريكي للبحرية الذي ينشر بشكل دوري تمركز السفن الحربية لهذا البلد في العالم، يلاحظ أنه منذ طوفان الأقصى تمركزت نسبة كبيرة من سفن الأسطول الأمريكي في بحر العرب والبحر الأحمر على حساب التمركز في مناطق أخرى ومنها، منطقة المحيط الهادئ القريبة من الصين التي يعتبرها البنتاغون استراتيجية لوجوده أكثر من الشرق الأوسط. وجاء في التقرير «وللاستجابة للتهديد الجديد في الشرق الأوسط، اضطرت القوات البحرية إلى تعديل جداولها وعمليات نشر حاملات الطائرات، والانسحاب من الساحل الغربي».
في المقام الثالث، لا أحد يعرف كيف نجح الحوثيون، رغم الحصار المشدد في التوصل أو تركيب صواريخ باليستية وفرط صوتية، خاصة الأخيرة التي تحتاج إلى كفاءة كبيرة جدا في تركيبها واستعمالها. ثم كيف نجح الحوثيون في تحقيق سبق في الصواريخ فرط صوتية، قبل دول ذات باع كبير في تاريخ السلاح مثل بريطانيا وفرنسا.
وهذا النوع من الصواريخ هو الذي بدأ يفرض تصورا جديدا للحرب، يقوم على شن الحرب من مسافة بعيدة، وهي ميزة انفردت بها فقط الدول الكبرى خلال العقود الأخيرة، التي كانت تمتلك صواريخ عابرة للقارات ومقنبلات.
ويعتبر الكيان أول من يعاني من هذه الحرب التي أصبحت في مقدور الدول الصغيرة والحركات المسلحة، وهذا هو التطور الذي يجعل الحديث عن انتصار الكيان في الحرب الحالية نسبية لما يحمله له المستقبل من الناحية العسكرية.
شنت إسرائيل وبريطانيا والولايات المتحدة هجمات متكررة ضد الحوثيين، لكنها فشلت في تحييد التهديد، وتستمر الصواريخ اليمنية في استهداف إسرائيل والسفن الغربية التجارية والعسكرية منها. وهذا يبرز، كيف نجح الحوثيون المحاصرون من جيرانهم العرب، في تغيير مفهوم الحرب بصواريخ لا تكلف سوى القليل في مواجهة دول بميزانيات عسكرية تبلغ مئات المليارات من الدولارات.
مع التطور الحاصل في نوعية السلاح، خاصة الصواريخ والمسيرات التي لا تنتجها القوى الكبرى، بل دول جديدة، سنرى تصورات جديدة للحرب ستفرض واقعا جديدا في العلاقات الدولية. ويكفي أن المعهد الأمريكي للبحرية كتب في تقريره «يمكن للحوثيين أن يحققوا الفوز بالجائزة الكبرى في عام 2024 بالنسبة للمشكلة الأكثر إلحاحاً للبحرية الحربية (الأمريكية)».
*كاتب مغربي
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
كلمات دلالية: فی البحر الأحمر الشرق الأوسط
إقرأ أيضاً:
إنجازات نوعية بقطاع السياحة الساحلية خلال 2024
البلاد ــ الرياض
حققت الهيئة السعودية للبحر الأحمر إنجازات نوعية بقطاع السياحة الساحلية خلال العام 2024 أبرزها إصدار 28 رخصة لوكلاء ملاحيين سياحيين ومشغلي مراسي سياحية وشركات تأجير اليخوت ومشغلي سفن الكروز، أسهمت بتنظيم الأنشطة السياحية الساحلية، وأوجدت تجارب سياحية ممتعة للسياح، وبيئة استثمارية جاذبة، كما عززت الدور التكاملي للهيئة لتأهيل الكوادر الوطنية، وإرساء قواعد ومعايير نموذجية للبنية التحتية، بما يعكس تمسكها بالريادة والاستدامة في البحر الأحمر.
كما أصدرت الهيئة أول لائحة تنظيمية لليخوت السعودية تضع الأطر التنظيمية لليخوت في النطاق الجغرافي للمملكة في البحر الأحمر، وذلك بهدف تهيئة البنية التشريعية اللازمة، وتلبية الاحتياجات التنظيمية السياحية الساحلية، ومواصلة لدورها التشريعي والتنظيمي لهذا القطاع الواعد.
وتسارعًا في تحقيق مستهدفاتها، أصدرت الهيئة خلال 2024 عدد 8 رخص لوكلاء ملاحيين سياحيين، و9 رخص لمشغلي المراسي البحرية، و3 رخص لشركات تأجير اليخوت، ورخصة واحدة لبناء مرسى بحري سياحي، ورخصة مشغل سفن الرحلات السياحية الكروز، ورخصة مسار رحلة لسفن الرحلات السياحية الكروز، إضافة إلى 5 تراخيص فنية “سياحي ترفيهي”، وذلك بهدف إثراء الأنشطة الملاحية والبحرية السياحية في البحر الأحمر، وتطوير القطاع السياحي الساحلي.
وتلبيةً لمتطلبات البنية التحتية، أصدرت الهيئة أول أربعة أكواد في المملكة للارتقاء بجودة البنية التحتية للسياحة الساحلية، شملت كود تخطيط وتصميم المراسي البحرية السياحية، وكود تخطيط وتصميم محطات سفن الرحلات البحرية السياحية، وكود تشغيل المراسي البحرية السياحية، وكود تشغيل محطات سفن الرحلات البحرية السياحية.
وقامت الهيئة بتمثيل المملكة في أكثر من 25 معرضًا ومؤتمرًا وحدثًا إقليميًا ودوليًا بهدف جذب الاستثمار والترويج للسياحة الساحلية في البحر الأحمر، إلى جانب إنتاج 15 خريطة عالية الجودة بالتعاون مع الهيئة العامة للمساحة والمعلومات الجيومكانية، والجهات ذات العلاقة، كما أبرمت 16 اتفاقية ومذكرة تفاهم خلال 2024 مع جهات عدة، فضلًا عن تنفيذ أكثر من 120 زيارة امتثال على مواقع مشغلي المراسي البحرية السياحية والوكلاء الملاحيين السياحيين، لضمان التحقيق من حماية البيئة البحرية والارتقاء بتجربة السياح والمستثمرين.
وتوجت الهيئة شراكاتها المثمرة مع وزارة السياحة بتأهيل أكثر من 1000 من الكوادر الوطنية المتخصصة في قطاع السياحة الساحلية، ضمن إطار برنامج التميّز في السياحة الساحلية الذي يهدف إلى تجهيز الكفاءات البشرية في المنتجعات الفاخرة ووكالات السفر بالمهارات المهنية.