التعليم والعصر الجديد
تاريخ النشر: 7th, January 2025 GMT
محمد بن أنور البلوشي
"أنا لست أروى الأمس يا أبي. أروى اليوم مُختلفة. لديها رؤية جديدة للحياة بمعانٍ مختلفة. دعها تكون مختلفة، وأريدك أن تراها كذلك يا أبي"، قالت إحدى الطالبات خلال نقاش حيوي في الفصل الدراسي في الكلية. كانت كلماتها مليئة بالإصرار والوعي الذاتي، تعكس هوية متطورة كانت تحتضنها بثقة.
لامست كلمات أروى أعماق الحاضرين في القاعة، وأشعلت نقاشًا حول النمو الشخصي، والطموحات المستقبلية، والقوة التحويلية للتعليم.
على الرغم مما يُقال عن هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا على جيل "زد"، إلا أنني أرى قصة أعمق. هذا الجيل يصوغ معاني جديدة للحياة ويعيد تعريف النظام العالمي بطرق مُبتكرة. العنصر الوحيد المفقود هو الفرصة. متى ما أُتيحت لهم المنصة المناسبة، فإنَّ لديهم القدرة على التفوق وإعادة تشكيل المعايير.
"ما هي المهارات التي يبحث عنها أصحاب العمل في الخريجين الجدد؟" سألتني إحدى الطالبات. وأضافت أخرى: "كيف أُعد نفسي لأكون جاهزة لسوق العمل؟"
توقفت للحظة قبل أن أجيب، مدركًا أهمية هذه الأسئلة. "اليوم، التوقعات في سوق العمل مرتفعة للغاية"، قلت. "أصحاب العمل يُعطون الأولوية لقدرتك على الأداء والتزامك. يبحثون عن أشخاص يمكنهم التعرف على المشكلات وحلها بشكل استباقي، حتى قبل أن تُدرك الشركة وجود هذه المشكلات. هذه العقلية الاستباقية هي المفتاح في بيئة العمل التنافسية اليوم".
واصلت قائلًا: "بناء شبكة علاقات قوية لا يقل أهمية. العلاقات لا تُعزز حياتك المهنية فحسب، بل تضيف قيمة للشركة التي تمثلها من خلال فتح أبواب للفرص والعقود الجديدة. علاوة على ذلك، فإنَّ الذكاء العاطفي والاجتماعي أصبح من المهارات التي لا غنى عنها. أصحاب العمل يقدرون المرشحين الذين يستطيعون إدارة العلاقات بتعاطف مع إظهار الوعي الاجتماعي والمرونة."
أثارت هذه النقاط المزيد من الأسئلة، مما أدى إلى نقاش ديناميكي وتبادل للأفكار. واحدة من اللحظات المؤثرة جاءت عندما تناولت جوهر التعلم في الفصل الدراسي: "التعليم الحقيقي لا يقتصر على استيعاب ما هو متوفر بسهولة، بل يتعلق بتطوير القدرة على خلق الفرص والحلول في أماكن تبدو مستحيلة."
يتماشى هذا المفهوم مع فلسفة باولو فريري في البيداغوجيا النقدية. فريري أكد أن التعليم يجب ألا يكون مجرد عملية نقل للمعرفة، بل ممارسة للتحرر. وكتب في كتابه "بيداغوجيا المقهورين": "يجب أن يبدأ التعليم بحل التناقض بين المعلم والطالب، من خلال التوفيق بين الطرفين بحيث يكون كلاهما في نفس الوقت معلمين وطلابًا."
لذلك، يجب أن تكون الفصول الدراسية أماكن تُشجَّع فيها الأسئلة، ويكون الحوار هو الأساس.
النقاشات مثل تلك التي أثارتها أروى ضرورية لسد الفجوة بين التعليم النظري والتحديات الواقعية التي سيواجهها الطلاب. من خلال تعزيز الفضول والتفكير النقدي، يمكن للمعلمين إعداد الطلاب ليس فقط للتعامل مع مجالاتهم، ولكن لتحويلها أيضًا.
سألت طالبة أخرى بتردد: "ماذا لو فشلت؟ ماذا لو لم يتحقق حلمي؟"
"إذا لم يتحقق الحلم"، أجبت، "عليك أن تعودي لإعادة النظر وتحليل رحلتك. ما الذي حدث؟ ولماذا؟ التعلم من الفشل لا يقل أهمية عن الاحتفال بالنجاح. التعليم هو بوصلتك؛ استخدميها لإعادة ضبط مسارك ورسم طريق جديد."
أكد جون ديوي، أحد أبرز مصلحي التعليم، على دور التعليم في إعداد الأفراد للنمو المستمر. وقال: "التعليم ليس إعدادًا للحياة؛ التعليم هو الحياة نفسها." تعزز هذه الفلسفة أهمية التعلم مدى الحياة والقدرة على التكيف، وهما مهارتان حاسمتان في عالم يتغير بسرعة.
مع تقدم النقاش، أدركت أن دوري يتجاوز الإجابة عن الأسئلة. كان يتعلق بتمكين الطلاب من التفكير النقدي والمستقل. وفي تأملاتي، شاركتهم فكرة شخصية: "يجب أن تكون الفصول الدراسية نموذجًا مصغرًا للعالم الخارجي. إذا فشلنا في مواجهة التحديات الواقعية هنا، فإننا نخسر الغاية الحقيقية للتعليم."
قالت إحدى الطالبات: "يبدو أن التعليم يدور حول إيجاد مكانك في العالم." أومأت بالموافقة، ثم أضفت: "كما أنه يدور حول تشكيل العالم ليعكس قيمك وطموحاتك."
مع نهاية الجلسة، تغيّر الجو في القاعة. لم يعد الطلاب مجرد متلقين للمعلومات، بل أصبحوا مشاركين نشطين في رحلتهم التعليمية. بدأوا في رؤية التعليم كطريق للتمكين واكتشاف الذات، وليس مجرد مجموعة من التعليمات.
كمربين، نحن نحمل مسؤولية رعاية هذا التحول. علينا أن نخلق مساحات يشعر فيها الطلاب بالأمان لطرح الأسئلة، والاستكشاف، والابتكار. عندما نحقق ذلك، ندرك الإمكانات الحقيقية للتعليم في تغيير الحياة وإلهام التغيير.
كلمات أروى في بداية النقاش ما زالت تتردد في ذهني: "أروى اليوم مختلفة." كلماتها تذكير بأن الهدف الأسمى للتعليم هو التحول، ليس فقط في المعرفة، بل في الهوية والرؤية والغاية. وعندما يتحقق هذا التحول، فإنه لا يغير الفرد فقط؛ بل يغير العالم بأسره.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
«النواب» يقر حق قيد العمالة لذوي الإعاقة والأقزام في قانون العمل الجديد
وافق مجلس النواب في جلسته البرلمانية المنعقدة برئاسة المستشار الدكتور حنفي جبالي على المواد المنظمة لحقوق العمال من ذوي الإعاقة والأقزام في مشروع قانون العمل الجديد.
ووافق المجلس على المادة 37 وأصلها 36 وتنص على: تلتزم المنشآت المشار إليها في المادة (35) من هذا القانون بإمساك سجل ورقي أو إلكتروني لقيد أسماء الأشخاص ذوي الإعاقة والاقزام الحاصلين على شهادات التأهيل أو بطـــاقـــة إثبــات الإعاقة والخدمات المتكاملة، بحسب الأحوال، الذين أُلحقوا بالعمل لديها، يشتمل على البيانات الواردة في شهادات التأهيل أو بطاقة إثبات الإعاقة والخدمات المتكاملة بحسب الأحوال، ويجب تقديم هذا السجل إلى الجهة الإدارية المختصة كلما طلب منها ذلك.
ويجب إخطار تلك الجهة ببيان يتضمن العدد الإجمالي للعاملين، وعدد الوظائف التي يشغلها الأشخاص ذوي الإعاقة والاقزام، والأجر الذي يتقاضاه كل منهم، وذلك وفقا للنموذج والموعد اللذين يصدر بتحديدهما قرار من الوزير المختص.
و وافق المجلس على نص المادة 38 وأصلها 37 من مشروع قانون العمل الجدي وتنص على: تلتزم جميع المنشآت الخاضعة لأحكام هذا القانون بموافاة الوزارة المختصة ورقيا أو الكترونيا بالبيانات أو المعلومات اللازمة لإنشاء أو تحديث قواعد بيانات العمالة، ونظام معلومات سوق العمل خلال ثلاثين يوما من تاريخ طلبها.
كما يجب على أصحاب الأعمال أو من يمثلونهم بذل العناية الواجبة للتعاون مع الجهة الإدارية المختصة لاستيفاء استمارات جمع البيانات أو المعلومات ورقياً أو الكترونياً.
وعلى الوزارة المختصة القيام بجمع البيانات اللازمة عن سوق العمل وإجراء الدراسات والأبحاث الميدانية منفردة أو بالتنسيق مع الجهات المختصة، وعليها أن تصدر تقارير دورية قطاعية أو جغرافية عن احتياجات سوق العمل الحالي والمستقبلي من المهن والمهارات، ورصد أية تغيرات تطرأ عليه.