سارية الرفاعي.. شيخ سوري ذاق مرارة التهجير مرتين ومنع من الخطابة وتوفي بالمهجر
تاريخ النشر: 7th, January 2025 GMT
سارية الرفاعي داعية سوري، وعضو رابطة علماء الشام والمجلس الإسلامي السوري، ولد في دمشق التي بدأ فيها مسيرته الدعوية قبل أن يغادرها عام 1980 بعد ملاحقته من النظام السوري، عاد إليها مرة أخرى ثم اضطر للمغادرة ثانية إثر دعمه الثورة السورية منذ اندلاعها عام 2011، وتوفي في المهجر أوائل عام 2025.
المولد والنشأةولد سارية عبد الكريم الرفاعي في دمشق عام 1948، لعائلة علمية مرموقة، فهو الابن البكر للعلامة الراحل عبد الكريم الرفاعي أحد أبرز علماء دمشق، ومؤسس جماعة زيد بن ثابت، وعُرِفَ بعلمه ودعوته ونشاطه في عمل الخير في العاصمة السورية.
ونشأ الرفاعي في كنف أبيه، وكان لهذه النشأة الأثر الأكبر في همة الشيخ سارية في نشر الدعوة والأعمال الخيرية في المجتمع.
وهو شقيق رئيس المجلس الإسلامي السوري الشيخ أسامة الرفاعي.
تخرَّج الرفاعي في معهد الجمعية الغراء، ودرس فيها كل المراحل حتى نال الشهادة الثانوية منها عام 1966، ثم سافر إلى مصر والتحق بالأزهر الشريف، وتخرَّج في كلية أصول الدين عام 1971، ثم حصل على درجة الماجستير في التفسير عام 1974.
تتلمذ سنوات عند المفتي الأسبق للجمهورية العربية السورية الشيخ أبي اليسر عابدين، وأخذ عنه العربية والفقه الحنفي. وأثناء دراسته في مصر تلقى العلم عن بعض شيوخها، منهم الشيخ عبد الحليم محمود والشيخ محمد محمود حجازي والشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف، وفق موقع "رابطة علماء دمشق".
ودرس على علماء بارزين في الشام أمثال محمد كريم راجح وعبد الرزاق الحمصي ومحمد صالح الفرفور وعبد الرحمن حبنكة وسعيد الطنطاوي.
إعلان التجربة الدعويةعقب عودته إلى دمشق، بدأ الرفاعي مسيرته في مجال الدعوة الإسلامية، وعمل على تعزيز النشاط الدعوي والاجتماعي، وتولّى إمامة مسجد زيد بن ثابت في المدينة بعد وفاة والده. وإلى جانب عمله الدعوي، شارك في كثير من المشروعات الخيرية والاجتماعية التي تهدف إلى خدمة الفقراء والمحتاجين.
عام 1973 عُيّن الرفاعي مدرسا في دائرة الإفتاء العام، ثم عرض عليه النظام السوري السابق تولي منصب مفتي دمشق ووزارة الأوقاف في سوريا، إلا أنه اعتذر عن قبول المنصب.
اضطر الشيخ الرفاعي إلى مغادرة سوريا عام 1980 نتيجة للمضايقات الأمنية التي تعرض لها من نظام الرئيس الراحل حافظ الأسد، والتي شملت مختلف الحركات الإسلامية. وبقي في المهجر حتى عام 1993، حين عاد إلى دمشق بعد انتهاء فترة المطاردة الأمنية.
وبعد عودته تسلم من جديد إمامة جامع زيد بن ثابت، ونشط مع تلاميذه، وبعد عام واحد أسس فرع الإناث التابع لمعهد الفرقان.
وفي عام 2003 أسس مشروعه الخيري الأبرز في سوريا، وهو جمعية "حفظ النعمة"، التي انطلقت بفكرة جمع الطعام المتبقي من المطاعم بعد انتهاء عملها وتوزيعه على المحتاجين.
وتطور المشروع مع مرور الوقت ليشمل مجالات إغاثية أوسع، وأنشأت الجمعية مكاتب للإغاثة العامة، وقدمت في عام 2009 إفطار رمضان للآلاف من الصائمين في باحات المسجد الأموي بدمشق
وأسس عددا من المشاريع الأخرى البارزة مثل "مشروع الكسوة" لجمع الملابس المستعملة والجديدة وتوزيعها على المحتاجين، ومشروع "الدواء" ومشروع "الأثاث" دعما للشباب المقبلين على الزواج، ومشروع لكفالة الأيتام ودعمهم ماديا ومعنويا، واستطاع رعاية أكثر من 30 ألف يتيم في دمشق وريفيها فقط.
ومن المشاريع الأخرى، تأسيسه لمكتب التحقيق والتأليف الذي قاد عملية إعداد منهج للدورات الصيفية في المساجد لمستويات مختلفة.
إعلانوأطلق الرفاعي قناة "الدعوة" الفضائية عام 2008، لكن وبعد أشهر معدودة، أغلقها النظام السوري السابق، وأمر بمصادر كل ما فيها.
وفي إطار اهتمامه بنشر وتعليم القرآن الكريم، أسس "مركز زيد بن ثابت" لخدمة الأنشطة القرآنية، استمرارا لنهج والده الشيخ عبد الكريم الرفاعي في دعم النهضة القرآنية بدمشق.
وإلى جانب ذلك، كان الشيخ ناشطا في العمل الإسلامي، وشارك في عدد من المؤتمرات الإسلامية الدولية، كما كان عضوا في المجلس الإسلامي السوري ورابطة علماء الشام.
التحق الشيخ الرفاعي بالثورة السورية منذ اليوم الأول لانطلاقها عام 2011 وكان من أوائل داعميها، وأبرز الأصوات المعارضة لنظام بشار الأسد.
وكان من أول المنتقدين للمجزرة التي ارتكبتها قوات نظام الأسد في محافظة حماة في أغسطس/آب 2011، في بداية شهر رمضان، إذ خطب الشيخ سارية الرفاعي بعد صلاة الفجر في الناس، مهددا بتصعيد الاحتجاجات إن لم يتوقف النظام عن جرائمه بحق الشعب السوري.
وقال الشيخ سارية حينئذ "ما كنت أظن أن يصل الإجرام إلى هذا الحد من جيشنا، الجيش العربي السوري الذي عرفناه مدافعا عن الشعب، أن يصوب بنادقه إلى الشعب، وفي شهر كريم، وفي بداية شهر عظيم سماه النبي عليه الصلاة والسلام بشهر المواساة".
وفي اليوم ذاته، أصدر عدد من علماء الشام -يتقدمهم سارية الرفاعي وشقيقه أسامة الرفاعي- بيانا يندد باقتحام جيش النظام مدينة حماة وبقمعه الاحتجاجات في مختلف المحافظات السورية وسفكه دماء المئات من أبناء الشعب السوري، وحمّل البيان النظام المسؤولية الكاملة عن المآلات، وطالب بالإفراج الفوري عن جميع معتقلي الرأي.
استدعت أجهزة الأمن السورية كل الموقعين على البيان للتحقيق في أفرع المخابرات، فرفض الشيخ الذهاب، وطلب من الموقعين إخبار الضباط أنه وراء فكرة البيان، قبل أن يصلهم تحذير شديد اللهجة، ثم أمر بعزلهم عن الخطابة في جوامع دمشق.
إعلانوكان للشيخ دور كبير في تنظيم ودعم الإضراب الذي شهدته مدينة دمشق في 29 مايو/أيار 2012، والذي كان رد فعل على مجزرة الحولة، إلا أن مواقفه المعارضة ودعمه العلني للثورة عرّضاه للتهديدات والملاحقات الأمنية، مما اضطره إلى مغادرة سوريا مجددا عام 2012 رفقة عدد من العلماء المعارضين للنظام السوري.
وفي أثناء مسيرته العلمية، تنقل الرفاعي بين عواصم إسلامية عدة في رحلته الدعوية، قبل أن يستقر في مدينة إسطنبول التركية، وهناك أصيب بجلطة دماغية عام 2014، فشُّل طرفه الأيسر، وضاقت أسرته ماديا، فاضطرت للعمل في بيع الطعام تأمينا لمستلزمات العيش.
الوفاةتوفي الشيخ الرفاعي يوم الاثنين 7 يناير/كانون الثاني 2024 عن عمر ناهز 77 عاما في مدينة إسطنبول التركية، بعد معاناة استمرت نحو شهرين إثر إصابته بجلطة دماغية.
ونعته حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ووصفته بالمناصر لقضايا الأمة كافة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
وأضافت الحركة في بيانها "لقد نشأ الشيخ سارية في كنف والده العلّامة الشيخ عبد الكريم الرفاعي رحمه الله، وإلى جوار شقيقه الأكبر الشيخ أسامة، فكان لتلك النشأة أثرها في تأهيله لأن يكون عالما عاملا مميزا وضليعا في الدعوة والفقه والعمل الإسلامي، والعمل الاجتماعي والخيري".
ونعى الائتلاف الوطني السوري الداعية الرفاعي، في بيان، قال فيه "نتقدم بأحر التعازي لشقيق الراحل سماحة الشيخ أسامة الرفاعي مفتي الجمهورية العربية السورية، ولعائلة الراحل وأشقائه وذويه وطلابه ومحبيه، وعموم الشعب السوري، وندعو الله أن يرحمه ويغفر له".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات ساریة الرفاعی النظام السوری الشیخ ساریة الشیخ أسامة علماء الشام الرفاعی فی الشیخ عبد عدد من
إقرأ أيضاً:
«حماة التراث».. مكتبة حمزة قصفها الاحتلال الإسرائيلي مرتين فعاد صاحبها لبنائها من جديد
منزل مهدم وحجراته وصالته وأركانه حجارة متناثرة، حاله كحال أغلب بيوت مخيم جباليا شمال قطاع غزة، التى طالتها آلة الحرب والقتل والقصف الإسرائيلية، حتى أصبحت أثراً بعد عين، إلا أن الشاب الثلاثينى حمزة أبوتوهة، والذى يحمل شهادة الدكتوراه فى اللغة العربية ويدرِّسها بالجامعة الإسلامية فى غزة.
كان تفكيره وعيناه تنظران صوب شىء آخر بعيداً عن إعادة بناء مأواه من جديد بعد إعلان الهدنة والعودة إلى الديار، فى قلب المخيم المنكوب الذى لم تعد فيه بنايات قائمة على أعمدتها، وإذا وجدت فإنها ما تلبث أن تتهاوى على المارة بمجرد مرور سيارة بجانبها يقودها سائقها على سرعة متوسطة.
يرتدى «حمزة» صاحب الجسد النحيف والبدن المنحول حذاءه الأسود المهترئ الشاهد على المجازر والدماء والأشلاء والنزوح لأكثر من 11 مرة رفقة زوجته وأطفاله الثلاثة، إذ لم يستبدله منذ بداية العدوان على القطاع، بينما يرتدى بنطالاً وسترة باللون ذاته، يتجول بين الركام، يقلب نظره فى السوق التى بدأت تنتعش بالمنتجات المتنوعة والبضاعة بفعل إدخال المساعدات الإنسانية، ليتوقف فجأة عن السير، فقد وجد ضالته التى يبحث عنها منذ أن قصفت الطائرات الحربية منزله فى الثامن والعشرين من شهر أكتوبر عام 2023.
فى «سوق جباليا»، وبمجرد أن لمحت عينا «حمزة» قطعة قماش بالية وتتراص فوقها مجموعات مختلفة من الكتب التى غطاها رماد القنابل والصواريخ والردم، حتى هرول نحوها وانكب على ركبتيه يبحث فيها عن مراده وتحديداً كتب اللغة العربية والنحو والأدب، فمكتبته المنزلية التى كانت تعج بآلاف الكتب التى اشتراها من أماكن ومكتبات ودور نشر خارج فلسطين.
وعكف على جمعها عشرات السنين لم يعد لها أثر، يحكى الشاب الثلاثينى بينما تمتزج نبرة صوته بالسعادة تارة وبالحزن تارة أخرى: «مر عام كامل على تدمير البيت والمكتبة»، لا شىء يشبه ذلك الشاب الذى يتلذذ بأن يحمل على أكتافه عشرات الكيلوات من الورق، رغم كونه هزيل البنية، غير أنه إذا وصل إلى القاهرة، وأنفق فيها آلاف الدولارات فى سبيل جمع الكتب، كأن الله يعطيه من الطاقة ما يتوزع فى عشرة من الرجال غيره، «كان أول شىء أقوم به بمجرد العودة إلى المخيم هو التفكير والعمل على إعادة بناء المكتبة مرة أخرى».
يقول «حمزة» إنه مثل كل سنة يقضى شهره المفضل من الصيف حول جنبات الجامع الأزهر، حيث الشوارع -خصوصاً درب الأتراك- تعج بما لذ وطاب من المكتبات، عشرة كتب يشتريها من هذه المكتبة القديمة، وعشرة كتب من تلك الحديثة، وعشرون كتاباً يهديها له مؤلفوها مع كتابة إهداءاتهم له فى الجزء الفارغ من أول ورقة، ويواصل سرده فى الاستمتاع باقتناء الكتب - «حتى إذا اجتمعت لى حديقة غناء من تلك الطيبات من الكتب حَزَمتها فى حقائب السفر بدلاً من ملابسى، أحملها من القاهرة إلى حيث أسكن فى شمال غزة، لا شىء يعدل تلك الفرحة التى أعيشها حينما أعود من سفرى، فلا أنام قبل أن أضع كل كتاب فى مكانه، بعد أن أشمه وأقبله وأعطيه حقه من حواسى الخمس»، يقول «حمزة»، إنه لم يكن أمراً غريباً عليه أن يخصص نصف حقائب النزوح لدس الكتب داخلها وحملها معه حيث المجهول: «جلست فى ليلة نزوحى الأولى أفاضل بين الكتب التى سآخذها معى، كان شعوراً صعباً جداً أن أترك مكتبتى وحدها، كان وقع خبر قصفها وضياعها كالصاعقة على قلبى».