لجريدة عمان:
2025-02-08@16:47:41 GMT

المذاق الأول

تاريخ النشر: 7th, January 2025 GMT

هل حمل آدم من الجنّة ذكْرى يرويها لأبنائه وأحفاده الذين لم يرَوْها ووُعِدُوا بها؟ كيف تعامل آدمُ مع الأشياء، ملمَسَها، تذوُّقها، منظرها، مشهدها، وهو نازلٌ من علياء كونِ الاستجابةِ إلى دنْيا كونِ الطلب والسعيِ؟ هل بقي آدمُ يتذكَّرُ من الجنَّة أطايبها، وعَسلها وطيْرَها، وحورَها، وأنهارها الخلاّبة، واستكانةَ الفكر، وهجْعَةَ الضمير، وطيب هوائها واعتدال مزاجها، ونظام كوْنها، وتحقُّق الرغبات المستحيلة فـيها؟ لقد كان آدمُ الحكَّاء الأوَّل وقاصّ البدايات، فإن عاقبه اللّه عزَّ وجلّ بالذاكرة الحيَّة، المحتفظة بالأشياء، فحتمًا سيحوِّل ذكرياته فـي حياة الجنّة إلى حكايات يتجمّع حولها أبناؤه وأحفاده، يسمعون قصص العالم العلويّ، ويتمتّعون بوصْف مذاق الأشياء وحسن مشاهدها، ولكن بأيَّة لغة سيُسمعهم آدم حكاياته؟ وهو الذي ما زال يتلمَّسُ الأشياء، هل كان آدمُ يعرفُ لغةً ما؟ لسانُ آدم تنازعتْهُ الأهواءُ، وكُلٌّ يدَّعيه وينسبه إليه، الفراعنة اجتهدوا فـي ذلك، وعمل المسيحيّون على ردّ لغة آدم إلى أصلٍ هو العبريّة، وهو معتَقَد القدّيس أغسطينوس، وكذا العرب فقد عملوا على الإقرار بأنّ الكلام الأوَّل، واللّسان الأوَّل هو العربيَّة، وبغضِّ النظر عن هذا وذاك، وعن أوليَّة اللّغة التي أجراها آدم فـي التواصل مع حوّاء، وهما يتراويان حكايات الجنّة، وما كان فـيها، ويتعاتبان من أمْر الحيَّة التي أوقعتهما فـي الغلط، ويستعيدان شريط الذكريات، وفـي تواصلهما مع أبنائهما والعمل على تقريب صورة الجنّة التي فارقاها لهم، فإنّ الأكيد أنّ آدم تكلَّم بلغةٍ ما، وقصَّ بما علَّمه اللّه من قدرةٍ على تسمية الأشياء، فآدم يحمل فـي ذاكرته صورةً عاشها عن جنَّة الخلود، وعن العالم العلويّ، وله صلاتٌ بالملائكة وبالجن وبالشيطان، وهو حاملٌ فـي ذهنه عالمًا مختلفًا عن كوْن الأرْض، يدعوه إلى حكايته وإلى وَصْفه، والعمل على تمثيله لبشرٍ من ذرِّيته لا يحملون المرجعيَّة ذاتها ولا الصُوَر المتذَكَّرة نفسها.

آدم وحوَّاءُ، هما مخزن حكايات البدايات الأولى، وحَمَلة قصَّة البدْء، فلم يكن من اليسير على ثنائيِّ البدايات الأولى أن ينزلا إلى الأرض، وأن يعْمَلا على توفـيرِ حاجياتهما التي كانت تتحقّق بفعل «كُن»، أصبح الأكْل مدعاة إلى الجهدِ والبذْلِ والتدبُّر والاحتيال أحيانًا، ولولاَ أنَّ جبريل قد وهبهما بذْرةً من الجنّة، حبّات حنطة معدودات، زرعَاها وأجهدَا النفس والبدن فـي رعايتها وتحصيلها، لماتَا جُوعًا، وهما غير قادرين على الرعيِ كما الحيوان، وقد ذاقَا من أطايب الجنّة ما يُذهل العقول. انتقل آدم وحوَّاء من عالم النعيم والاسترخاء إلى عالم النكد والعمل، إلى عالم الفعل وردّ الفعل.

هل استطاعَ آدمُ وصاحبتُه أن ينسيَا عالم الخلود، فإن لم يكن، ولم يتمتَّعا بنعمة النسيان، فإنّ التذكُّر بابُ الحكاية، والمفارقة باعثة على الرواية، والحنين يدعو إلى تمثيل المُفارَق وإعادة إحيائه بأداة الحكاية. الحكايةُ كانت مع الإنسان الأوَّل، مع البدايات الأولى، مع آدم، أمَّا اللّسانُ فلا شأن لنا به، فليكن أعجميًّا أو سرياليًّا أو عبريًّا أو عربيًّا. حكايةُ الجنَّة الضّائعَة وعالم الملائكة وكون الخلود والبقاء سرا من أسرار آدم وحوّاء، وقصَّةٌ، كانَا أوَّل من أخرجها للوجود، حتَّى لا ينسيا مهدهما الأصليّ وكونَهما المرجع، لعلَّ حوّاء كانت تجلسُ فـي ظلمة اللّيل تُحاكي آدم تحت شجرة ما فـي أرض اللّه الواسعة، تصف له -استرجَاعًا- روْضَةً من رياض الجنَّة أو حوريَّةً حسناء سقط نصيفها وتمايلت على ضفافٍ أنهارٍ سائلةٍ، جاريةٍ. أبونا آدمُ هو مهد الحكاية الأولى ومرجع الاسترجاع القصصيّ، أمَّا هو ذاته فقد مثَّل حكايةَ مُعتَقَد تشابهت فـي روايتها الأديان السماويّة، وأجملتها وفصَّلتها حسب مقتضيات المقام الذي تُروَى فـيه. حكايات البدايات المتّصلة لدى كلّ الشعوب -تقريبًا- بالعامل الدينيّ، هي منبتٌ ثريٌّ غنيٌّ يدعو إلى التدبُّر فـي العقل الذي أنتجها وفصَّل سرْدها، آدم لم يكن حكّاءً فحسب، بل كان موضوع حكاية، أنجب من الأبناء ما اختُصِر فـي ثنائيّة الشرِّ والخير، فـي قابيل وهابيل، فـي قيام الحكاية على تنازع القُوّتين الدائمتين، هو التنازع الأوّل حدوثًا وقصصًا فـي كون الأرضِ، البدايةُ حكايةٌ تتأثّث بامرأةٍ هي دومًا عُنصرُ العطالة، وعلّة الشرّ، حوّاء فـي الذهنيَّة القصصيّة الدينيّة هي مدخل الشيطان، وهي وسواس آدم، وأخت هابيل هي سبب التنازع وعلّة التقاتل.

رواياتُ قتل قابيل يُمكن أن تُفتِّح شهيَّة سرد، فعمليَّة القتل وفقًا لابن كثير مختلف فـيها، وقيل: إنَّه إنما قتلَه بصخرة رماها على رأسِه وهو نائمٌ فشدخته. وقيل: بل خنقَه خنقًا شديدًا وعضًّا كما تفعلُ السِّباعُ فمات. نزول آدمُ، ورأسه يُناطح السماء ورجلاه فـي الأرض بسبب مديد طوله، إلى أنّ اختصره اللّه إلى ستّين ذراعًا، رواياتُ تحصيل الملبس والمأكل، والتفاعل مع عالم الأرض، كلّها نوى لحكاياتٍ ممكنة، تنتظرُ من يتناولها من عرب الروائيين. البدايات -كما النهايات- عوالم سرديّة استبق الذهن الشعبيّ الحكّاء تلقُّفها قبل علماء الرواية والحكاية وصاغها فـي حكايات شعبيّة فُرِضَت على الذهن العالم فرْضًا، وسادت وأثرت تراث البشريّة. فهل تُخلق روايةٌ يومًا ما فـي عالم العرب تُحسن استعادة آدم فـي اكتشافه للأشياء الأولى، فـي البدايات، فـي استرجاعه قصّة الجنّة، فـي التعبير عن منظوره للعالم العلوي وللعالم السفليّ؟ هل يُوجِد روائيّ يُعيد لآدم أنفه فـي اكتشاف الروائح فـي صدمة المشاهد الأرضيّة بعد مفارقة أصل الأشياء ومنبع الروائح ومنبت المشاهد، المرأة المثاليّة غاية الجمال، والطبيعة الفضلى ذات الوجه المعجز، والمأكل والمشرب، بعد مفارقة عالم بلا حكايات، بلا صراع، بلا تنازع، بلا بحث عن القوت وعن الملبس، ونزوله عالم الحكاية، حيث لكلّ فعل قصّة، تحصيل اللّباس قصّة، البحث عن الأكل قصّة؟ عالم القصّة متعبٌ هو الأرض.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: عالم ا الجن ة

إقرأ أيضاً:

ما هي منطقة الشفق بمياه المحيطات؟.. أسرار في عالم الظلام

الغوص على أعماق ضحلة في مياه المحيطات يعتبر مغامرة مميتة بنسب عالية، وذلك لانعدام وصول ضوء الشمس على مسافة معينة وهي التي تُعرف حينها بمنطقة الشفق أو المنطقة المظلمة، وهنا يصعب على الإنسان رؤية يديه كمثال دقيق لوظف الظلام الدامس.

متى ينعدم ضوء الشمس بالمياه؟ 

قد ينتقل ضوء الشمس الداخل إلى الماء لمسافة تصل لحوالي 1000 متر بأعماق المحيط في ظل الظروف المناسبة، ولكن نادرًا ما يكون هناك أي ضوء بعد بلوغ الـ200 متر، حيث تتراوح منطقة الشفق ما بين 200 إلى 1000 متر تحت الماء. 

وبشكل علمي تنقسم أعماق المحيطات إلى ثلاث مناطق بناء على طول العمق ومستوى الضوء، فقبل بلوغ الـ200 متر، يُطلق على هذا الجزء الأكبر من المحيط اسم المنطقة المضيئة أو منطقة ضوء الشمس، والتي تحتوي على الغالبية العظمى من مصائد الأسماك التجارية وهي موطن للعديد من الثدييات البحرية والسلاحف البحرية المحمية، ولا ينفذ إلى ما هو أبعد من هذا العمق إلا كمية صغيرة من الضوء، بحسب موقع «oceanservice».

المناطق المظلمة تحت الماء 

أما داخل المنطقة بين 200 و1000 متر، المعروفة بالمظلمة أو الشفق، تتبدد شدة الضوء بسرعة مع زيادة العمق، حيث تصبح عملية البناء الضوئي غير ممكنة.

وفيما بعد تنقسم المنطقة غير المضيئة في المحيطات إلى منطقة الأعماق أو التي تُعرف بمنطقة منتصف الليل بين 1000 و4000 أمتار، ومن ثم الهاوية وتقع بين 4000 و6000 متر، ومنطقة الهادوبلاجيك أو منطقة الهادال 6000 متر وأعمق من ذلك، وهناك توجد حياة غامضة مليئة بالحيوانات البحرية التي لم يتم اكتشافها بعد، حيث تشكل لغزًا كبيرًا للعلماء.

ويعتبر خندق ماريانا هو أعمق منطقة تم اكتشافها من قبل العلماء على الإطلاق في مياه المحيط الهادي، والذي يصل عمقه إلى 10935 مترًا ما يعادل 35876 قدمًا، مما يجعله أعمق من ارتفاع جبل إيفرست.

 

مقالات مشابهة

  • بشرى سارة | موعد صرف مرتبات شهر فبراير 2025.. إيه الحكاية؟
  • 7 حكايات كوميدية.. إيمي سمير غانم وحسن الرداد في عقبال عندكوا برمضان 2025
  • ديب سيك.. يهز عالم الذكاء الاصطناعي
  • ما هي منطقة الشفق بمياه المحيطات؟.. أسرار في عالم الظلام
  • رعب وإثارة من عصور مختلفة في البرومو التشويقي لـ "المداح: أسطورة العهد"
  • مسلسلات رمضان 2025.. مصير حمادة هلال بـ «المداح 5»
  • مسلسلات خليجية رمضان 2025| حكايات الحارات السعودية في "شارع الأعشي"
  • العباس حميد عن فيلم الفارس والأميرة: هنيدي قالنا الجن مش هيتكلم إلا مصري
  • إبراهيم عيسى: "لا أمريكا ولا إسرائيل ولا الجن الأزرق يقدر يفرض على مصر كلمة"
  • الحكاية مش بس سينما يفتتح مهرجان الإسماعيلية