الاقتصاد نيوز - متابعة

في خطوة تصعيدية، تخطط الصين لفرض قيود صارمة على تصدير التكنولوجيا المستخدمة في صناعة مواد البطاريات، حيث تسعى بكين إلى تعزيز قبضتها على سوق بطاريات الليثيوم التي تعتبر شرياناً حيوياً لصناعة المركبات الكهربائية والإلكترونيات المتقدمة.

واقترحت وزارة التجارة الصينية الأسبوع الماضي، فرض قيود جديدة على صادرات التكنولوجيا المستخدمة في صنع "كاثودات البطاريات"، وكذلك تلك المستخدمة في معالجة وتكرير الغاليوم والليثيوم، وهي العناصر الرئيسية التي تدخل في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية والأجهزة الإلكترونية.

كما يتعلق أحد القيود المقترحة ببطاريات فوسفات الحديد والليثيوم، التي تستخدم في العديد من نماذج السيارات الكهربائية بما في ذلك Tesla وBYD.

ولم يحدد إعلان وزارة التجارة الصينية متى قد تدخل القيود الجديدة حيز التنفيذ، ولكن حالياً يمكن للجمهور تقديم الملاحظات على هذه الاقتراحات وذلك حتى الأول من فبراير 2025، وفقاً لما نشرته وكالة الأنباء الصينية "شينخوا".

رسالة صينية حاسمة

التحرك الصيني الجديد الذي يأتي قبل أيام قليلة من استلام الرئيس المنتخب دونالد ترامب مقاليد الحكم، ليس مجرد إجراء عشوائي، بل رسالة واضحة بأن بكين مستعدة لاستخدام نفوذها على موارد حيوية في وقت تتعرض فيه لقمع أميركي غير مسبوق فيما يتعلق بالحصول على تكنولوجيا متطورة في صناعة أشباه الموصلات، إضافة إلى ما ينتظرها من تعريفات جمركية وقيود تجارية جديدة خلال ولاية ترامب.

وطوّرت الصين على مدار السنوات ابتكارات عديدة في معالجة المعادن الحيوية، ما مكّنها من الهيمنة على إنتاج البطاريات والمركبات الكهربائية على صعيد عالمي، حيث تعود هذه الهيمنة إلى حد كبير إلى قدراتها الواسعة في تكرير ومعالجة المعادن.

وبحسب تقرير نشرته "رويترز" ونقله موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أوضح رئيس قسم مواد البطاريات في شركة الاستشارات Benchmark Mineral Intelligence أن الخطط الصينية تهدف إلى تعزيز سيطرة البلاد على 70 في المئة من قدرات معالجة الليثيوم عالمياً، وتحويله إلى مواد لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية، مشيراً إلى أن الإجراء الصيني الجديد قد يضع عقبات أمام منتجي الليثيوم في الدول الغربية الذين يعتمدون على التكنولوجيا الصينية لإنتاج المواد الكيميائية اللازمة لليثيوم.

إرباك في أسواق الليثيوم

وتركت القيود الصينية المقترحة شركات البطاريات في الصين وبقية آسيا تكافح لفهم الآثار المحتملة للقرارات الجديدة، حيث تراجعت أسهم موردي الليثيوم والمواد في الصين بشكل جماعي، فوفقاً لتقرير أعدته "بلومبرغ" واطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، يقول بينغ شو، المحلل في بلومبرغ NEF، إن القيود المقترحة قد لا تؤثر على المشاريع التي تعمل حالياً أو التي هي قيد الإنشاء خارج الصين ولكنها قد تؤثر على بعض الاستثمارات المستقبلية، في حين اشار محللو Citigroup Inc إلى أن الاقتراحات الجديدة تهدف إلى الحفاظ على زعامة الصين في سلسلة توريد بطاريات فوسفات الحديد والليثيوم في المنتجات الراقية بدلاً من فرض قيود تصدير شاملة على هذه التكنولوجيا.

الصين والليثيوم المباشر

ويقول مهندس الاتصالات حسن الدسوقي، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن ضوابط التصدير الجديدة تغطي كل من الليثيوم، الغاليوم، ومركبات الكاثود التي تستخدم بشكل أساسي في صناعة البطاريات القابلة لإعادة الشحن، مثل بطاريات الليثيوم-أيون، وهي من أبرز الأنواع المستخدمة في السيارات الكهربائية، الهواتف الذكية، والأجهزة الإلكترونية الأخرى، مشيراً إلى أن القيود المقترحة تستهدف أيضاً التكنولوجيا المرتبطة بصنع المواد الكيميائية لليثيوم، بما في ذلك تقنية استخراج "الليثيوم المباشر" أو ما يُعرف بـ (Direct Lithium Extraction - DLE)، وهي طريقة ناشئة تتمتع فيها الصين بخبرة كبيرة.

ويشرح الدسوقي أن استخراج "الليثيوم المباشر" هي تقنية ناشئة تهدف إلى استخراج ومعالجة الليثيوم بسرعة أكبر من الموارد غير التقليدية مثل المحاليل الملحية الجوفية وبطريقة أكثر كفاءة، حيث أن هذه التقنية أصبحت محط اهتمام عالمي، كونها تسمح باستخراج الليثيوم من مصادر منخفضة التركيز، وهو ما لم يكن متاحاً من قبل، كاشفاً أن الصين تستثمر بكثافة في تطوير هذه التقنية، مستفيدة من خبرتها في معالجة المعادن وصناعة الكيماويات المتقدمة، وهو ما مكّنها من الحفاظ على موقعها الريادي في معالجة الليثيوم عالمياً.

أستراليا تنتج والصين تهيمن

وبحسب الدسوقي فإن أستراليا هي أكثر دولة إنتاجاً لليثيوم في العالم، إذ بلغ إنتاجها منه 86 ألف طن متري في عام 2023، في حين حلّت الصين في المرتبة الثالثة بإنتاجها لـ 33 ألف طن متري من الليثيوم، ولكن المفارقة تكمن في أن الصين وبسبب قدراتها الكبيرة على تكرير ومعالجة المواد الخام بسرعة كبيرة من خلال تقنيات حديثة، تمكنت من تجسيد هذا التقدم بالتفوق في صناعة بطاريات الليثيوم-آيون وبفارق كبير عن أقرب منافسيها، فالشركات الصينية تستحوذ على نحو 70 في المئة من القدرة الإنتاجية العالمية لهذه البطاريات، وهذا التفوق سيستمر لسنوات عديدة، فتوقعات Benchmark Mineral Intelligence  تشير إلى أن إنتاج الصين من البطاريات سيصل إلى سعة 6.268 غيغاواط/ساعة بحلول 2030، في حين أن المرتبة الثانية ستكون من نصيب أميركا بحجم إنتاج بسعة 1.260 غيغاواط/ساعة، ومن هنا يمكن فهم سبب تخطيط الصين لتقييد الوصول إلى تقنيات إنتاج وتعدين الليثيوم الخاصة بها والتي تمنحها تقدماً كبيراً في هذا المجال.

ويؤكد الدسوقي أن الصين ومن خلال القرارات الجديدة التي تخطط لتطبيقها، تستعرض قوتها وتستغل خبرتها الكبيرة في تقنية استخراج "الليثيوم المباشر" والكاثودات، لتعزيز سيطرتها على سلسلة التوريد العالمية للبطاريات، مما يشكل مصدر قلق للدول المنافسة، خصوصاً الولايات المتحدة وأوروبا.

مستقبل الصناعة 

من جهتها تقول الكاتبة الاقتصادية رنى سعرتي، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن القيود الصينية المقترحة على صادرات تكنولوجيا البطاريات، وفي حال تطبيقها تُهدد بإحداث اضطرابات كبيرة في سلاسل التوريد، فالتأثير السلبي سيكون محسوساً عالمياً، خصوصاً في ظل السباق المحموم لتحقيق أهداف الاستدامة والطاقة النظيفة، وفي الوقت نفسه، فإن القرار الصيني يبرز الحاجة الملحة للدول الأخرى لتطوير حلول بديلة تضمن استدامة إمدادات البطاريات وتقليل الاعتماد على الموردين المهيمنين مثل الصين، حيث أن الشركات المصنعة للبطاريات في الولايات المتحدة وأوروبا، تعتمد بشكل كبير على المواد والتقنيات الصينية، وقد تجد نفسها في المستقبل أمام تحديات في تأمين الإمدادات.

ارتفاع في التكاليف

وتؤكد سعرتي أن القيود الصينية وعند تطبيقها بشكل واسع، ستؤدي إلى ارتفاع أسعار المكونات الأساسية مثل الليثيوم والكاثودات، ما سينعكس على تكلفة إنتاج البطاريات، والشركات الصغيرة والمتوسطة في قطاع صناعة البطاريات، قد تكون الأكثر تضرراً مما يحصل، كون الأمر يهدد تنافسيتها في السوق، معتبراً أن الشركات العالمية قد تضطر إلى إعادة تقييم استراتيجياتها، بما في ذلك الاستثمار في تطوير مواردها المحلية أو البحث عن شركاء جدد في دول أخرى، مثل أستراليا أو دول أميركا اللاتينية الغنية بموارد الليثيوم، ومع ذلك، سيستغرق هذا التحول وقتاً طويلاً ولن يكون كافياً لتقليل الاعتماد على الصين في المستقبل القريب.

رسالة صينية حازمة لترامب 

وبحسب سعرتي فإن ما قامت به الصين هو رد فعل مباشر على القيود الأميركية السابقة، التي استهدفت تقنيات أشباه الموصلات، كما يعتبر رسالة للإدارة الأميركية الجديدة برئاسة ترامب، مفادها بأن بكين مستعدة لاستخدام جميع أوراقها الاقتصادية، في حال أراد الغرب تنفيذ اجراءات قاسية تعرقل مسار نمو الاقتصاد الصيني، حيث يبقى موضوع تطبيق هذه القيود على أرض الواقع، رهناً بالإجراءات التي سيتخذها ترامب ضد الصين.

المصدر: وكالة الإقتصاد نيوز

كلمات دلالية: كل الأخبار كل الأخبار آخر الأخـبـار السیارات الکهربائیة المستخدمة فی فی معالجة فی صناعة إلى أن

إقرأ أيضاً:

أسوشيتيد برس: التصعيد الاقتصادي بين الصين وأمريكا يعكس الطبيعة الاستفزازية الجديدة لسياسات واشنطن

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

ذكرت وكالة أنباء "أسوشيتيد برس" الأمريكية، اليوم الثلاثاء، أن تهديد الولايات المتحدة بتصعيد الرسوم الجمركية على الصين ورد الأخيرة على ذلك بنبرة أكثر استفزازًا يمثل خطأً مكررًا ويكشف مجددًا عن الطبيعة الاستفزازية الجديدة لسياسات واشنطن الاقتصادية.
وأوضحت الوكالة - في سياق تقرير - أن الصين أعلنت صباح اليوم أنها "ستُقاتل حتى النهاية" وستتخذ إجراءات مضادة ضد الولايات المتحدة لحماية مصالحها، وذلك بعد أن هدد الرئيس دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 50% على الواردات الصينية.
وأكدت وزارة التجارة في بكين أن فرض الولايات المتحدة ما يُسمى بـ "الرسوم الجمركية المتبادلة" على الصين "لا أساس له من الصحة، وهو ممارسة تنمر أحادية الجانب".
وفرضت الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، رسومًا جمركية انتقامية، وألمحت الوزارة - في أحدث بيان لها - إلى احتمال فرض المزيد من الرسوم، وأضافت الوزارة:" أن الإجراءات المضادة التي اتخذتها الصين تهدف إلى حماية سيادتها وأمنها ومصالحها التنموية والحفاظ على النظام التجاري الدولي الطبيعي. إنها إجراءات مشروعة تمامًا".
وأكدت "أسوشيتيد برس":" أن تهديد ترامب أمس الاثنين بفرض رسوم جمركية إضافية على الصين أثار مخاوف جديدة من أن مساعيه لإعادة التوازن إلى الاقتصاد العالمي قد تُفاقم حربًا تجارية مدمرة ماليًا وقد ازدادت أسواق الأسهم، من طوكيو إلى نيويورك، اضطرابًا مع تفاقم حرب الرسوم الجمركية".
وجاء تهديد ترامب بعد أن أعلنت الصين أنها سترد على الرسوم الجمركية الأمريكية التي أُعلن عنها الأسبوع الماضي.. وكتب ترامب على موقع "تروث سوشيال" الإخباري:" إذا لم تتراجع الصين عن زيادتها البالغة 34% على انتهاكاتها التجارية طويلة الأمد بحلول يوم غد 8 أبريل 2025، فستفرض الولايات المتحدة رسومًا جمركية إضافية على الصين بنسبة 50%، اعتبارًا من 9 أبريل.. بالإضافة إلى ذلك، سيتم إنهاء جميع المحادثات مع الصين بشأن اجتماعاتها المطلوبة معنا!".
وتابعت "أسوشيتيد برس" إذا طبّق ترامب تعريفاته الجمركية الجديدة على المنتجات الصينية، فستصل التعريفات الجمركية الأمريكية على السلع الصينية مجتمعةً إلى 104%. وستُضاف الضرائب الجديدة إلى تعريفات الـ 20% التي أُعلن عنها كعقاب على الاتجار بمخدر الفنتانيل وتعريفاته المنفصلة بنسبة 34% التي أُعلن عنها الأسبوع الماضي.. ولا يقتصر الأمر على أن يؤدي ذلك إلى زيادة الأسعار على المستهلكين الأمريكيين فحسب، بل قد يُحفّز الصين أيضًا على إغراق الدول الأخرى بسلع أرخص والسعي إلى علاقات أعمق مع شركائها التجاريين الآخرين، خاصة الاتحاد الأوروبي.
وأشارت الوكالة الأمريكية - في تقريرها - إلى أنه كثيرًا ما تفاخر ترامب بمكاسب سوق الأسهم خلال ولايته الأولى واعتُبر خطر الخسائر في وول ستريت بمثابة حاجز حماية محتمل للسياسات الاقتصادية المحفوفة بالمخاطر في ولايته الثانية.. لكن هذا لم يكن الحال، فقد وصف ترامب أيام المعاناة المالية بأنها ضرورية.. وقال:" لا أمانع في خوض غمارها لأنني أرى صورة جميلة في النهاية".
وظهر مسئولو ترامب مرارًا على شاشات التلفزيون لتبرير سياساته، غير أن أيًا من تفسيراتهم ساهم في تهدئة الأسواق، حسبما قالت الوكالة، وجاء التحسن الوحيد من تقرير كاذب أفاد بأن كبير المستشارين الاقتصاديين كيفن هاسيت صرّح بأن ترامب يدرس تعليق جميع الرسوم الجمركية باستثناء الصين.. وارتفعت أسعار الأسهم قبل أن ينفي البيت الأبيض صحة هذا التقرير، واصفًا إياه بـ"الأخبار الكاذبة".
وتُعدّ الصين من أهم الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، خاصةً في مجال السلع الاستهلاكية وستُحمّل الرسوم الجمركية - وهي في الأساس ضريبة على الواردات تدفعها الشركات الأمريكية - على المستهلك في نهاية المطاف.
من جهتها، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بأن الاتحاد الأوروبي سيركز على التجارة مع دول أخرى إلى جانب الولايات المتحدة، مشيرةً إلى وجود "فرص هائلة" في أماكن أخرى.
وبلغ إجمالي تجارة السلع الأمريكية مع الصين ما يُقدّر بنحو 582 مليار دولار في عام 2024، مما يجعلها أكبر متعامل في السلع مع الولايات المتحدة.. وتراوح العجز في تجارة السلع والخدمات مع الصين في عام 2024 بين 263 مليار دولار و295 مليار دولار.

مقالات مشابهة

  • السفينة الحربية الصينية التي أظهرت تخلف البحرية الأميركية
  • الصراع في الكونغو.. تهديدات جديدة للأمن الدولي والمخاطر الإنسانية المتزايدة
  • "سنحتوي تهديداتها".. وزير الدفاع الأميركي: لا نسعى للحرب مع الصين
  • ترامب يُعلن تعليق الرسوم الجمركية الجديدة لمدة 90 يوما ويرفعها على الصين لتصل إلى 125%
  • وزير الدفاع الأميركي يتعهد بـاستعادة قناة بنما من نفوذ الصين
  • الخارجية الصينية: تصريحات نائب الرئيس الأمريكي حول الصين تفتقر للمعرفة والاحترام
  • الباحث كريم زغيب: نحظى بدعم الرئيس ونعمل على أن تكون الجزائر رائدة في إنتاج بطاريات الليثيوم
  • أسوشيتيد برس: التصعيد الاقتصادي بين الصين وأمريكا يعكس الطبيعة الاستفزازية الجديدة لسياسات واشنطن
  • الصين توقف واردات الغاز المسال الأميركي لأطول فترة منذ 5 سنوات
  • ترامب: الصين التي تنهار أسواقها كسبت ما يكفي عبر استغلالنا