معتقل سوري سابق: كلمة ثمنها 100 ألف دولار أنقذتني من الإعدام
تاريخ النشر: 7th, January 2025 GMT
ممسكا بقرار إعدامه، يروي المعتقل السوري السابق مؤيد الحسن، ما عاناه في سجون نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد من تعذيب رهيب لمدة 11 عاما، كاد ينتهي بحكم إعدام نجا منه مقابل 100 ألف دولار.
يقيم الحسن (47 عاما) حاليا في ضاحية درعا جنوبي البلاد، لكن أصوله تنحدر من قرية أجديّة في مرتفعات الجولان السورية التي تحتل إسرائيل معظم مساحتها منذ حرب يونيو/ حزيران 1967.
هُجّر الحسن مع عائلته من مخيم النازحين في مدينة درعا إلى الضاحية جراء استهداف النظام السوري للمنطقة في الأشهر الأولى من الثورة المناهضة له التي انطلقت شرارتها في مارس/ آذار 2011.
وكالة الأناضول زارت الحسن في مكان نزوحه بالضاحية، واستمعت إلى شهادته رفقة شقيقه ثائر الذي روى هو الآخر جانبا من معاناة الأسرة، إثر غياب نجلها في سجون بشار الأسد (2000 ـ 2024).
بملامح تغلبها الحسرة على سنوات ضاعت، قال الحسن إن نظام الأسد اعتقله من المنطقة الصناعية بدرعا في 9 يوليو/ تموز 2011، وأطلق سراحه بعد نحو 11 عاما أمضى أكثر من نصفها بسجن صيدنايا سيئ السمعة.
وتفيد تقارير دولية بأن آلاف المعتقلين قُتلوا بشكل منظم وسري داخل سجن صيدنايا بريف دمشق، حيث نفذ النظام المخلوع آلاف الإعدامات دون محاكمات، بمعدل 50 حالة إعدام أسبوعيا بين عامي 2011 و2015 وحدهما.
إعلانومع سيطرة فصائل الثورة السورية على المدن، وهروب بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، فتحت السجون والمعتقلات والأفرع الأمنية وأفرج عن المعتقلين.
لكن عشرات الآلاف من المعتقلين مازالوا في عداد المفقودين، ومع اكتشاف مقابر جماعية في مدن عديدة، هناك مخاوف من أن يكونوا في عداد القتلى.
مع سقوط دمشق بيد المعارضة توافد مئات السوريين إلى سجن صيدنايا بحثاً عن ذويهم المعتقلين (الجزيرة) 17 يوما عاريايقول الحسن إنه في الساعات الأولى من اعتقاله تعرض لضرب مبرح أدى إلى كسور في يده وأسنانه، كما تعرض للصعق بالكهرباء في مناطق حساسة بجسمه.
وأوضح أن هذا الصعق سبب له مشكلات صحية، إذ بقي مدة طويلة يتبول دما ويعاني ألما وحرقة شديدين للغاية.
ليس هذا فحسب، بل أفاد بأنه ظل عاريا تماما برفقة زملاء له لمدة 17 يوما متواصلة، تعرض خلالها للضرب والإذلال.
وقال إن الاكتظاظ في الزنزانات كان أحد أساليب النظام البائد لتعذيب المعتقلين، حيث تعفّنت أجسادهم دون أدنى علاج، مما أدى لإصابتهم بالجرب الذي ظل مرافقا لهم طوال اعتقالهم.
ولفت إلى أنه على مدى سنوات اعتقاله الـ11 لم يستحم سوى 3 مرات فقط، وبشكل سريع جدا، الأمر الذي ساهم في تفشي الأمراض الجلد.
أما الطبيب الذي من المفترض أن يكون ملاك رحمة، فكان يسخر منهم ولا يصغي إليهم، ويعاملهم بأسلوب عسكري، وفق الحسن.
وبخصوص الطعام، قال إن أضخم وجبة قُدمت لأي من المعتقلين كانت ربع رغيف خبز و3 حبات زيتون وملعقة أرز، يضعها السجّان منتصف النهار، ثم يتوارى عن الأنظار 24 ساعة لحين تقديم وجبة تالية تفوق الأولى سوءا.
وأحيانا، حسب الحسن، كانوا يقدّمون لهم بيضة واحدة لثمانية أشخاص، ما جعل المعتقلين يأكلون قشور البيضة جراء الجوع الشديد.
سرد الحسن أسماء المعتقلات والسجون التي مر بها وتعرض فيها للتعذيب، فهو يحفظها كما يحفظ اسمه، إذ باتت تشكل له كوابيس ترافقه حيثما اتجه.
إعلانومن هذه المعتقلات والسجون؛ صيدنايا، وفرع أمن الدولة بدرعا، وفرع المخابرات 285 بكفر سوسة بدمشق، وفرع المخابرات العامة 248 بالعاصمة.
"كلمة واحدة أنقذتني من الإعدام"
خلال المقابلة الصحفية، أدخل حسن يده في جيبه، وأخرج ورقة وقال للصحفي الذي يحاوره "هذا قرار إعدامي موقع من النائب العسكري محمد كنجو حسن، بتهمة قيامي بأعمال إرهابية".
وردا على سؤال عن كيفية نجاته من حكم الإعدام، أجاب المعتقل السابق "إنه تدخل إلهي وجهد كبير جدا بذلته عائلتي وشقيقي ثائر للحيلولة دون ذلك."
وأوضح "دفعت عائلتي 100 ألف دولار لتخفيض الحكم من الإعدام إلى السجن المؤبد (31 سنة)، ثم دفعت 30 ألف دولار لإطلاق سراحي بأعجوبة".
ورقة قرار الإعدام وردت فيها التهمة كما يلي "القيام بأعمال إرهابية تفضي إلى قتل إنسان"، ووفق الحسن فإن المبلغ الذي دُفع كان مقابل تبديل كلمة واحدة في نص التهمة.
فقبل دفع المبلغ كان الفعل بصيغة الماضي "أفضت"، أي أن القتل حدث بالفعل، لكن تم تحويله إلى المضارع؛ "تُفضي"، وهو ما يعني أن القتل لم يحدث، وبهذه الحيلة تم تخفيف الحكم من الإعدام إلى السجن المؤبد، وفق الحسن.
بُعد ومعاناة
وفيما يتعلق بعائلته، قال الحسن إن لديه ولدين؛ محمد (24 عاما) وعدي ( 22 عاما) وابنتين في الـ18 و الـ13 من العمر.
وأوضح الحسن "لم أر ابني البكر منذ 11 عاما إلا من خلال الصور والفضاء الإلكتروني، لأني خرجت من السجن فيما كان هو قد هاجر إلى ألمانيا ولم ألتقِ به بعد."
وبنبرة صوت تحمل ألما، تابع "خرجت من السجن في 2 مايو/ أيار 2022 وكان وزني وقتها لا يتجاوز 36 كيلوغراما، وحتى اليوم ما زلت أرى كوابيس تتعلق بليالي التعذيب، حينما كانوا يثبتون أطرافنا ثم يضربوننا بحبال معدنية دون أدنى رحمة أو شفقة".
واستطرد" مكثت في الزنزانة (ب) 9 أشهر، وهي غرفة مخصصة للتعذيب، إذ يتفنن السجانون في مهنتهم القائمة على الشبح والتكسير والصعق بالكهرباء."
إعلانوقال الحسن "شهدتُ كثيرا من حالات الإعدام تحت الضرب المبرح أو الشنق، من بينهم أسماء ما زلت أحفظها حتى هذا اليوم جراء هول المشهد."
ومن بين تلك الأسماء وفق الحسن، عيسى أبو عمشة من الرستن في حمص، وطلال الجواسم من حماة، ومحمد بديوي من حمص.
وأكد الحسن أنه خلال وجوده في سجن صيدنايا جرى إعدام حسين هرموش شنقا، وهو من أوائل الضباط المنشقين عن جيش الأسد، الذي لا يزال مصيره مجهولا بعد اعتقاله من قبل النظام السابق في سبتمبر/ أيلول 2011.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات من الإعدام ألف دولار
إقرأ أيضاً:
محمد خلدون.. حفيد عبد القادر الجزائري الذي أعدمه نظام الأسد بصيدنايا
طبيب أسنان سوري من أصول جزائرية، وهو باحث أكاديمي في العلوم الشرعية الإسلامية وفقيه مالكي جامع للقراءات القرآنية العشر، وباحث ذو خبرة في الراجح بأخبار الرجال وأحوالهم وفي تحقيق الآثار والأنساب والتاريخ، وخصوصا أنساب آل البيت، وهو أيضا باحث متخصص في تاريخ جده الأمير عبد القادر الجزائري.
عرف عنه انتقاده لنظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، فمُنع من الخطابة والتدريس وحتى إقامة الدروس في منزله، واعتقل مرتين، قضت في الثانية محكمة عسكرية بإعدامه عام 2012.
المولد والنشأةولد أبو إدريس، واسمه الكامل محمد خلدون محمد مكي الحسني الجزائري، في دمشق في الثاني من يناير/كانون الثاني 1970. والده مكي الحسني عالم فيزيائي نووي ولغوي، ومن أوائل من حصلوا على دكتوراه في الفيزياء النووية في الوطن العربي، وأمين مجمع اللغة العربي في دمشق، وأمه هالة بن عبد الحميد بك المتولي العلمي، وله أخت وأخوان.
ويصل نسب الجزائري من طرف أبيه إلى عبد الباقي بن محمد السعيد الأخ الأكبر للأمير عبد القادر الجزائري، ومن طرف أمه إلى عبد المجيد ابن الأميرة كلثوم بنت الأمير عبد القادر الجزائري.
وحسب بعض المؤرخين، فإن عائلته تنتسب إلى الأدارسة الذين يمتد نسبهم إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وتحديدا إلى إدريس الأكبر بن عبد الله المحصن بن حسن المثنى بن حسن السبط بن علي بن أبي طالب، وأم إدريس فاطمة الزهراء بنت النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
زوجته بسمة بنت عماد الدين الرواسي المدني، وله 7 أبناء، من الأولاد عبد الله ومكي، ومن البنات فاطمة وصفية وزينب وميمونة وسمية.
من اليمين خلدون الحسني مع شيخ قراء الشام كريم راجح والكاتب أيمن أحمد ذو الغنى (مواقع التواصل) فكره وشخصيتهعرف عن الجزائري أنه شخصية دائمة البحث عن الحقيقة والدليل، وهذا ما ظهر في أبحاثه، مع التزامه بالمذاهب الأربعة دون تعصب لأي منها ولا لغيرها.
إعلاناهتم بدراسة الحديث الشريف، وكان يتجنب الخوض في علم الكلام أو الاهتمام بكتبه وأبحاثه على منهج الإمامين مالك بن أنس وسفيان الثوري في الامتناع عن الخوض في المسائل غير المكلّف بها أو التي تتعلق بذات الله تعالى.
وقال عنه الباحث السوري الأصولي في الفقه الشافعي مصطفى الخن إن "دماثته وحسن خلقه لم تقف حاجزا له عن الصدع بالحق.. ثم إن نشأته العلمية وتلقيه العلم عن أكابر العلماء واستشارته إياهم فيما يعترضه، مع ما وهبه الله من جرأة في الحق وغيرة على شرع الله وسنة نبيه، إضافة إلى أنه سليل بيت النبوة، وحفيد أمير المجاهدين الأمير عبد القادر الجزائري، كل ذلك جعله أهلا ليكون من النَّصَحَة لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم".
وقال عنه شيخ قرّاء الشام الأديب والفقيه اللغوي السوري محمد كريم راجح إنه "فقيه مالكي جيد، مطلع على كتب المالكية، ومستحضر للأحكام الفقهية فيها، ثم تفقَّه بعد ذلك وأطال النظر في مذهب الشافعي عليه رحمة الله، ثم له اطلاع جيد جدا على علم الحديث ورجاله وأسانيده، وهو جامع للقراءات العشر، ثم هو لا يكاد يقرأ المسألة إلا ويعود للأدلة، ذلك أنه مستمسك بالدليل، ولا يرى حكما إلا ودليله معه".
خلدون الجزائري في عيادته للأسنان بحي الميدان بدمشق (وسائل التواصل الاجتماعي) الدراسة والتكوين العلميبدأ الجزائري دراسة العلم الشرعي في وقت مبكر من عمره، فحفظ مختصر صحيح مسلم للمنذري وعمره آنذاك 14 عاما، وتتلمذ على عدد من العلماء والمشايخ في سوريا، أبرزهم عمه عبد الرحمن بن عبد المجيد الحسني، الذي تأثر به تأثرا شديدا وبقي ملازما له حتى وفاته، وتلقى منه علوم القرآن والفقه المالكي، وقرأ عليه القرآن بسنده إلى شيخ قرّاء الشام أحمد الحلواني ومحمد فايز الديرعطاني.
كما قرأ على عمه كتب الفقه المالكي (متنا وشرحا) وأجازه بها، وقرأ عليه كتاب الموطأ بإسناده للإمام مالك برواية يحيى بن يحيى الليثي، ثم برواية أبي مُصعَب الزهري. ثم قرر الجزائري التعمق في دراسة المذهب حتى أجازه عمه بالفتوى على المذهب المالكي.
واستطاع الجزائري جمع القراءات القرآنية العشر على يد الفقيه الحنفي محمود بن جمعة عبيد إمام جامع الروضة بأسانيده، وتلقى منه رواية حفص بوجوهها الـ21، وبسنده إلى الشيخ عبد العزيز عيون السود. وبقي الشاب ملازما الشيخ عبيد سنوات.
إعلانوإلى جانب الفقه المالكي، درس الفقه الشافعي على يد أبرز علمائه من أهل الشام، منهم صادق حبنّكة الذي لازمه 7 سنوات، ومصطفى البغا الذي لازمه 5 سنوات، ومحمد شقير.
وبرع الجزائري في دراسة علوم تفسير القرآن عن الشيخ محمد كريم راجح، من عام 1989 حتى اعتقاله، ودرس علوم الحديث ومصطلحه عند عبد القادر الأرناؤوط، وكان قريبا منه وحريصا على حضور خطبه لصلاة الجمعة في جامع المحمدي بحي المزة غربي دمشق.
وتلقى على يد الشيخ التونسي عبد المجيد بن سعد الأسود نزيل دمشق لسنوات عدة، وقرأ عليه المطولات والشروح، وكتبا في الفقه الشافعي وعلوم اللغة وقواعدها، وغيرها من الكتب في علوم الشريعة الأخرى.
وقرأ على والده بعضا من كتب الفيزياء والرياضيات والفلك، إضافة إلى بحوث أبيه ومؤلفاته في اللغة العربية، وحصل منه على إجازة عامَّة، وإجازات خاصة في كلّ ما قرأه عليه.
ودرس الجزائري طب الأسنان وجراحتها في جامعة دمشق وتخرج فيها حاصلا على شهادة الدكتوراه عام 1993.
أبرز المناصب والمسؤولياتمثّل الجزائري أسرة الأمير عبد القادر في مناسبات عدة، أبرزها احتفالية مؤسسة البابطين التي عُقدت في الجزائر العاصمة بين 31 أكتوبر/تشرين الأول والثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 2000، تحت عنوان "مؤتمر شعر أبي فراس الحمداني والأمير عبد القادر الجزائري".
وفي المؤتمر، قدّم بحثا في النقد الأدبي تناول فيه دراسة الدكتور وهب رومية بعنوان "اللغة والصورة في شعر الأمير عبد القادر الجزائري"، وحظي بإعجاب الأدباء والمتخصصين المشاركين في المؤتمر.
وفي مارس/آذار 2008، استضافته قناة "المستقلة" الفضائية في برنامج "ملفات مغاربية: سيرة الأمير عبد القادر الجزائري"، وشارك في 10 حلقات مع مجموعة من الباحثين والمتخصصين في تاريخ الجزائر.
وأسهمت مشاركته في توضيح حقائق تاريخية وعلمية عن الأمير عبد القادر وتصحيح كثير من المفاهيم، والرد على الشبهات المثارة حول سيرته.
المؤلفاتكتب الجزائري نحو 50 بحثا ورسالة علمية ركّز فيها على تحقيق المسائل المشكلة في معظم العلوم التي تلقاها، وكتبا منها:
"إلى أين أيها الحبيب الجفري"، وهو رد علمي على كتاب اليمني الحبيب علي الجفري "معالم السلوك للمرأة المسلمة". "البارق السَّني من حياة مكي الحسني" عن والده. "رجال من الأسرة الإدريسيّة الزكية والعِترَة الحسنيّة الشريفة". مخطوط عن جده الأمير عبد القادر الجزائري، فنّد فيه كثيرا من الشائعات الباطلة عنه. إعلان الاعتقال ثم الإعداماعتقل الجزائري للمرة الأولى أشهرا عدة من أمام منزله في دمشق يوم 26 أغسطس/آب 2008، وذكرت اللجنة السورية لحقوق الإنسان أن آراءه المضمنة في كتابه "إلى أين أيها الجفري" ربما كانت السبب وراء اعتقاله.
واعتقله النظام السوري السابق للمرة الثانية من أمام منزله بمشروع دمر بدمشق في السادس من يونيو/حزيران 2012، مع مصادرة سيارته، قبل أن تقتاده إلى مكان مجهول.
وناشدت عائلة الأمير عبد القادر الجزائري المقيمة في سوريا السلطات الجزائرية ورئيس البلاد آنذاك عبد العزيز بوتفليقة وجمعيات لحقوق الإنسان بالتدخل لإنقاذ حياة حفيد الجزائري.
وحاولت منظمات حقوقية سورية وجزائرية التدخل للمطالبة بالإفراج عنه، منها الحركة الحقوقية الجزائرية والرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، خاصة بعد حكم محكمة عسكرية سورية بإعدامه في أغسطس/آب 2012.
وعقب إسقاط نظام الأسد، وتمكن المعارضة من تحرير المساجين والحصول على أوراق ووثائق بعض أسماء المعدمين، تداول ناشطون خبر العثور على وثيقة من السجل المدني تذكر أن الجزائري كان معتقلا في سجن صيدنايا المركزي، وأن حكم الإعدام فيه طبق عام 2015.