قالت الكاتبة والباحثة السياسية التونسية سمية الغنوشي، إن زيارة وزيري خارجية ألمانيا وفرنسا إلى سوريا، لم تكن أكثر من صلف واستعلاء أوروبي، دون أن تملك الدولتان والدروس الأخلاقية لتقديمها للسوريين.

وأضافت في مقال بموقع "ميدل إيست آي"، أن ألمانيا لم تأت لتدافع عن حقوق الإكراد، بل لتعزيز كيان انفصالي يستخدم ضد دمشق، أما فرنسا، التي تتباهى بتعالي العلمانية على الأديان، فجاءت وكأنها حاملة للصليب إلى الشرق الأوسط.



وفيما يلي النص الكامل للمقال:


سوريا ما بعد الأسد: باريس وبرلين ليستا في موقع تقديم دروس أخلاقية لدمشق

مذ حطت الطائرة التي تقل وزيرة الخارجية الألمانية ونظيرها الفرنسي بمدرج مطار دمشق احتدم الجدل حول مسائل شكلية، من قبيل امتناع الشرع عن مصافحة المسؤولة الألمانية وامتناعها هي عن ارتداء بدلة أو حتى سترة، كما درجت الأعراف الديبلوماسية.. لكن الزيارة تحمل رسائل أبعد من يد الشرع وهيئة برويبرك، المشفرة منها وغير المشفرة.

بعثت الوزيرة الألمانية برسالتين واضحتين، لا تحتاجان الى تأويل وتنقيب، تعبران عن توجهات برلين ومن خلفها الاتحاد الأوروبي، فقدوم وزيري خارجية ألمانيا وفرنسا سويا في حد ذاته مفاده أن أوروبا الاقتصادية ( برلين) والسياسية (باريس) بصدد الانخراط في الملف السوري .

الرسالة الأولى هي أن برلين معنية أساسا بما أسمته الدفاع عن الأكراد، وأنها لن تقدم أموالا للهياكل الاسلامية الجديدة. ترجمة ذلك العملية والبسيطة: أولا، نحن مع حماية كيان كردي انفصالي جنوب شرق سوريا وتزويده بالمال والسلاح يمكن أن نستخدمه ضد دمشق وأنقرة في أي وقت من الأوقات. هذا هو الموقف الرسمي لبرلين وأغلب العواصم الأوروبية فيما يعرف بالملف الكردي، الذي يُتناول بخلفية الانفصال وإنهاك المركز، لا الدفاع عن مبدأ العدالة والمواطنة وحماية الحقوق الثقافية واللغوية للأكراد في مجتمع أغلبي ناطق بالعربية.

ثانيا، نحن ضد أي توجهات إسلامية في سوريا في الثقافة والمجتمع والسياسة، وضد م "الإسلام السياسي"، كيفما كان شكله ولونه، توافقيا معتدلا كان، أو جذريا متطرفا. مواقف لا تعبر عن توجهات فردية أو مزاج شخصي لوزيرة الخارجية المتنطعة، بل تعكس العقل المؤسساتي الألماني في التعاطي مع منطقة الشرق الأوسط. الألمان عبروا مرارا وتكرارا عن رفضهم التعاون أو التواصل مع تعبيرات الإسلام السياسي في المنطقة، مراهنين على قوى ليبرالية علمانية لا وجود بها على أرض الواقع.

أما زميلها وزير الخارجية الفرنسي،  جان نويل بارو، فقد استغل حضوره في دمشق ليجلس مع مطارنة الطائفة المسيحية الأرثودوكس ويعبر لهم عن حرص باريس على دعم الأقلية المسيحية.



هكذا تحولت فرنسا اللائكية جدا، التي تتبنى نظرية الجمهورية المتعالية على الانتمائات الدينية والاثنية ولا تعترف بغير مفهوم المواطنة المجردة، فجأة الى حاملة للصليب، مدافعة عن سائر طوائف المسيحية. هكذا تتبخر القيم الجمهورية في الشرق الأوسط، ولا ترى باريس إلا حفنة متناثرة من الأديان والطوائف والأعراق. مفارقة عجيبة ليست بالجديدة، ففي القرن التاسع عشر حين كانت الجمهورية تخوض حربا لا هوادة فيها ضد الكنيسة الكاثوليكية في عقر دارها وتتهمها بالتخلف والظلامية وتحد من سطوتها على المدارس والحياة السياسية والعامة، كانت الجيوش النابليونية تسير في الشرق، في مصر وبلاد الشام رافعة راية الدفاع عن المسيح وحماية الكنيسة. منطق مزدوج موغل في الانتهازية مازال يحكم السياسة الخارجية الفرنسية الى يوم الناس هذا.

كان من الطريف رؤية وجه الوزير الفرنسي يمتقع عندما رد مسيحي سرياني أرثوذكسي على تعهدات باريس بالوقوف مع مسيحيي الشام، قائلاً: "نحن لسنا بحاجة لحماية أجنبية. كل ما نريده هو أن نعيش كمواطنين سوريين متساوين، أحراراً من أي ظلم. نريد العدالة لنا ولجميع إخواننا السوريين".

الوضوح الأخلاقي لهذه الكلمات العفوية فكك في لحظات خطاب "فرق تسد" الاستعماري الفرنسي، الذي جهد الديبلوماسي الفرنسي لإخفائه بعناية بعبارات أخلاقية إنسانية زائفة.

وعودا على وزيرة الخارجية الألمانية التي عيّنت نفسها مرشدا ومعلما باستعلاء "آري" مفضوح، متناسية أنها قبل أسابيع قليلة قد انتصبت مبررة حرب الإبادة الجماعية التي ترتكبها اسرائيل، حتى حرق النساء والأطفال أحياء في خيامهم داخل المستشفيات، متغافلة عن بشاعة صورتها في عيون شعوب المنطقة، الذين يرون فيها شريكا كاملا في محرقة غزة.

أما باريس فليس لها من دروس أخلاقية تقدمها للسوريين وهي التي ارتكبت أفظع الجرائم في الجزائر وكل مستعمراتها السابقة، وتورطت في المشاركة بحرب إبادة جماعية في رواندا، ولا تنفك تدعم الدكتاتوريين والانقلابيين، من بن علي ومبارك إلى السيسي وحفتر.

لا أجد مبررا لهذا الصلف والاستعلاء الأوروبي، والحال أن أوروبا تحتاج الشرق الأوسط أكثر مما يحتاجها هو، في عالم بات أوسع بكثير من باريس أو برلين أو لندن، التي لا تعدو في ميزان القوى اليوم، لاعبا صغيرا أو متوسطا في أفضل الأحوال،  بين قوى أثقل بكثير. شيئا من الواقعية والتواضع من فضلك، أوروبا!
(ميدل إيست آي)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة عربية سوريا أوروبا سوريا المانيا أوروبا الغرب المزيد في سياسة سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشرق الأوسط

إقرأ أيضاً:

مصر تؤكد لأميركا رفضها تهجير الفلسطينيين من أرضهم

أكدت مصر، الثلاثاء، للولايات المتحدة، رفضها تهجير الفلسطينيين من أرضهم، مطالبة بضرورة وقف إطلاق النار في غزة، وإيصال المساعدات للقطاع.

وشدد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، خلال لقائه بنائبة المبعوث الأميركي للشرق الأوسط مورغان أورتاغس ومساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى بالإنابة تيم ليندركينغ، على هامش المشاركة في مؤتمر حوار الشرق الأوسط - أميركا" المنعقد فى أبوظبي، على أهمية استعادة الهدوء وتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار فى قطاع غزة وضمان تنفيذ مراحله الثلاث.

وأوضح المتحدث باسم الخارجية المصرية تميم خلاف، أن اللقاء شهد تبادلا للرؤى بشأن التطورات الأخيرة في قطاع غزة والضفة الغربية في ظل التصعيد الإسرائيلي الخطير في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

كما طالب عبد العاطي "بضرورة نفاذ المساعدات الإنسانية والطبية والإيوائية إلى غزة ورفع المعاناة عن الشعب الفلسطينى، مشددا على رفض مصر لتهجير الفلسطينين من أرضهم".

وتناول الوزير خطة إعادة إعمار غزة التى تم اعتمادها عربيا واسلاميا وتحظى بدعم من الاتحاد الاوروبى واليابان وفاعلين دوليين آخرين، منوها في هذا الخصوص إلي حرص مصر على عقد مؤتمر دولى لإعادة الاعمار في غزة بالتعاون مع الأمم المتحدة والحكومة الفلسطينية بمشاركة الفاعلين الدوليين.
ونوه عبد العاطي إلى ضرورة تحقيق تطلعات الشعب الفلسطينى المشروعة، معربا عن تطلع مصر إلى تعزيز التنسيق مع الإدارة الأميركية للعمل على تحقيق السلام العادل المنشود في الشرق الأوسط.

كما دعا إلى ضرورة إيجاد أفق سياسي يؤدي إلى تسوية نهائية للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وفقا لقرارات الشرعية الدولية، وبما يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو1967، وعاصمتها القدس الشرقية، بما يحقق الأمن والاستقرار لجميع شعوب المنطقة.

كما تطرق اللقاء الى تطورات الاوضاع فى الشرق الأوسط، حيث تم تبادل وجهات النظر بشأن التطورات فى لبنان وسوريا وليبيا والسودان واليمن، والتأكيد على ضرورة ضمان حرية الملاحة فى البحر الاحمر.

هذا و تناول اللقاء الشراكة الاستراتيجية المصرية-الأميركية التى تمتد لأكثر من أربعة عقود، وسبل تعزيز أطر التعاون الثنائي بين البلدين بما يحقق المصالح المشتركة والارتقاء بهذه الشراكة إلى فاق أرحب.

مقالات مشابهة

  • “أمن المطارات في الشرق الأوسط” ينطلق مايو المقبل في دبي
  • أمن المطارات في الشرق الأوسط ينطلق مايو المقبل في دبي
  • وزير الخارجية يبحث مع نظيره البريطاني تطورات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط
  • خاص.. الشرق الأوسط على شفا شهر غير مسبوق في حال فشل محادثات مسقط
  • خبير استراتيجي: زيارة ماكرون للعريش تمثل ميلادًا جديدًا للدور الفرنسي في الشرق الأوسط|فيديو
  • ماكرون يزور جرحى فلسطينيين في مستشفى العريش قرب قطاع غزة
  • وزير الخارجية المصري: حريصون على عقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار غزة
  • مصر تؤكد لأميركا رفضها تهجير الفلسطينيين من أرضهم
  • وزير الخارجية يؤكد أهمية استعادة الهدوء وتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة
  • وزير الخارجية يلتقي نائبة المبعوث الأمريكي على هامش مؤتمر "حوار الشرق الأوسط - أمريكا"