من حيث الزمان والمكان وجغرافية المنطقة وطبيعتها الأمنية، عسكريا واستيطانيا، بدا هجوم مقاومين فلسطينيين على حافلة إسرائيلية في قرية الفندق شرقي قلقيلية، أو ما سماها الاحتلال "عملية مستوطنة كدوميم"، اختراقا كبيرا في المعادلة الأمنية التي يفرضها الجيش الإسرائيلي بشمال الضفة الغربية وبشكل أكثر تشديدا في تلك المنطقة التي تعج بالمستوطنات.

عند التاسعة من صباح أمس الاثنين، هاجم 3 مقاومين فلسطينيين، بينهم اثنان معروفان لدى جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) حسب تصريح الاحتلال، حافلة ومركبات تقل إسرائيليين عند مدخل قرية الفندق وفي موقعين منفصلين على الشارع العام (شارع 55) الواصل بين مدينتي نابلس وقلقيلية.

وأسفرت العملية التي نُفذت قرب مستوطنة كدوميم (نسبة لقرية كفر قدوم المجاورة)، عن مقتل 3 إسرائيليين وجرح 7 آخرين بينهم إصابات خطرة.

خريطة فلسطين ويظهر فيها موقع مستوطنة كدوميم (الجزيرة) استنفار إسرائيلي

بعد دقائق من وقوع العملية، سارعت قوات الاحتلال إلى تطويق المنطقة وشرعت بملاحقة المنفذين برا وجوا، ونصبت عشرات الحواجز المتحركة، كما أغلقت الحواجز الثابتة المحيطة بالمكان، وخاصة المنطقة الشرقية لقلقيلية.

كما أغلقت كل الحواجز المؤدية إلى نابلس وشددت من إجراءاتها العسكرية عليها، مما أدى لتعطل حركة آلاف الفلسطينيين ومنع تنقلهم بين مدنهم وقراهم، واحتجاز الكثير منهم وخاصة طلبة الجامعات.

وسارع المستوطنون لمهاجمة الفلسطينيين، فنصبوا الكمائن على الطرقات العامة واعتدوا على مركبات المواطنين ورشقوها بالحجارة. كما هاجموا القرى الفلسطينية شرقي قلقيلية وجنوبي نابلس واعتدوا على سكانها وأحرقوا ممتلكاتهم، وحشدوا لتجمعات عند مفارق الطرقات، وأطلقوا مسيرات من المستوطنات القريبة نحو مكان العملية.

Voir cette publication sur Instagram

Une publication partagée par الجزيرة (@aljazeera)

وتدفق إلى موقع العملية قيادات جيش الاحتلال والمستوطنون لا سيما يوسي دغان، رئيس مجلس مستوطنات شمال الضفة، الذين توعدوها بمزيد من الإجراءات العسكرية، وحرضوا على السلطة الفلسطينية.

إعلان

وعلى منصة إكس، كتب وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش الذي يسكن في مستوطنة "كدوميم" قرب مكان العملية "الإرهاب في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) والإرهاب من غزة وإيران هو نفسه ويجب هزيمته، من يثق بالسلطة الفلسطينية للحفاظ على سلامة مواطني إسرائيل يستيقظ بقتل سكان يهودا، الفندق ونابلس وجنين يجب أن تظهر مثل جباليا حتى لا يصبح كفار سابا مثل كفار عزة".

أما دغان فقال لوسائل إعلام إسرائيلية من مكان العملية "لو كانت الحواجز مغلقة وهناك فحص لمن يخرج من نابلس، لم تقع العملية"، وطالب الحكومة والجيش الإسرائيليين "ببدء مصادرة السلاح ومحاربة أبو مازن الذي يسمح بمثل هذه الأحداث، نحن نطالب بالأمن".

بينما قال يسرائيل كاتس وزير الدفاع الإسرائيلي "من يتبع طريق حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة ويرعى قتل وإلحاق الأذى باليهود سيدفع أثمانا باهظة، ولن نقبل واقع غزة في يهودا والسامرة".

تأثير كبير

و "عملية مستوطنة كدوميم" الفدائية ليست الأولى التي ينفذها الفلسطينيون، لكنها تميزت بتأثيرها الكبير وآلية الإعداد والتنفيذ والنجاح بالانسحاب من الموقع المعروف بحصانته الأمنية وربطه للمستوطنات وخاصة "كرني شمرون" و"كدوميم".

يعزو الباحث بالشأن الإسرائيلي ياسر مناع، "نجاح العملية" لعوامل كثيرة أهمها أن المنطقة -وبحكم استخدامها من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي- تشهد احتكاكا مباشرا دائما بينهما، مما يجعلها مسرحا مفتوحا لأي هجوم مباغت، وأن الطبيعة الجغرافية المفتوحة والتداخل السكاني يعطيان أهمية إستراتيجية لهذه المنطقة.

كما أن المنفذين، ووفقا لتقارير إعلامية إسرائيلية، نجحوا بالوصول للمكان بسرية تامة مما يعكس تخطيطا دقيقا، ويبرز قصورا استخباريا رغم الإجراءات الأمنية المشددة في المنطقة، ويؤكد محدودية القدرة الإسرائيلية على مراقبة جميع التحركات في ظل تعقيدات الوضع الميداني.

إعلان

ويرى مناع أن توقيت العملية كذلك يفرض تحديا مباشرا للإجراءات الأمنية الإسرائيلية، إذ وقعت في ذروة أمنية واسعة النطاق تشمل نصب حواجز وشن حملات اعتقال واقتحامات، وأن تنفيذها يعني فشل كل تلك الإجراءات التي ربما زادت من دافعية تنفيذ مثل هذه العمليات.

وتوقع أن تتعدى ردود الفعل الإسرائيلية الإجراءات العقابية من إغلاق الطرق والعزل بين المدن والقرى، إلى تكثيف حملات الاعتقال وتصعيد المطاردات و"خاصة للمنفذين ومن يدعمهم".

إرباك وفشل

بدوره، يرى المحلل السياسي سليمان بشارات، أن العملية شكلت تحديا كبيرا للمنظومة الأمنية والاستخبارية المعقدة للمنطقة، سواء بما تشهده من رقابة رقمية واستطلاعية أو بالوجود الفعلي للجيش الإسرائيلي عبر حواجزه العسكرية ودورياته المتواصلة.

كما أظهرت تحديا للبيئة الجغرافية، حيث إن نحو 20 مستوطنة وبؤرة استيطانية تنتشر بين مدينتي نابلس وقلقيلية، إضافة إلى تأثيراتها ونتائجها المباشرة وما ستحدثه من نتائج في البعد الإسرائيلي الداخلي.

وتدل المواقف المتسارعة للقيادات الإسرائيلية من كافة المستويات -حسب بشارات- على حجم وطبيعة الإرباك الذي أصاب هذه المنظومة، لا سيما وأن الضفة الغربية تعد هدفا دائما للاحتلال وعملياته العسكرية والأمنية المتواصلة من حملات "كاسر الأمواج"، و"جز العشب"، و"البيت"، و"الحديقة"، و"كلها أفشلتها هذه العملية".

ولن تذهب إسرائيل بإجراءاتها العقابية، كما يقول بشارات للجزيرة نت، إلى أكثر مما تقوم به الآن من اعتقالات وهدم وقتل وإغلاق، و"هو ما يؤكد أنها فقدت قدرتها على التهديد والردع، وتحولت إلى معادلة التعاطي والتعامل بردود الأفعال عما يجري من عمليات مقاومة بالضفة الغربية".

ووفقا له، ستحمّل إسرائيل السلطة الفلسطينية المسؤولية المباشرة عن هذه العملية رغم أنها وقعت في مناطق سيطرتها الكاملة، وقد أبلغت -حسب القناة 14- السلطة أنها ستستأنف نشاطاتها في جنين وستصعد من عمليات الاعتقال واستهداف الأشخاص والمؤسسات، وستطلق العنان للمستوطنين ليتمادوا أكثر.

إعلان

وذهب خبراء آخرون إلى أن فشل الاحتلال بالتصدي لعملية مستوطنة كدوميم سيقود للمزيد من العمليات وأن "كفاح الفلسطيني ونضاله سيتصاعد أكثر ما لم يقبل الإسرائيليون بتسوية مع الفلسطينيين ويخفضوا من قمعهم لهم".

وقُتل 48 إسرائيليا وأصيب أكثر من 380 آخرين، حسب "مركز معلومات فلسطين" (معطى) عبر مئات عمليات المقاومة النوعية والشعبية بالضفة الغربية خلال عام 2024.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات مستوطنة کدومیم الضفة الغربیة

إقرأ أيضاً:

“أشجار السدر” بنجران.. ارتباط وثيق بذاكرة الإنسان والمكان

المناطق_واس

تحتل “أشجار السدر” مكانة بارزة في حياة الإنسان وهوية المكان بمنطقة نجران، ضاربة بجذورها أعماق التاريخ، وتمنح المشاهد سرديات الخضرة والجمال والصمود، متجاوزة كونها مصدرًا للأكسجين أو مأوى للكائنات الحية، ومصدرًا للغذاء والعلاج والصناعة، بل تمتد لتشمل الجوانب الثقافية والاجتماعية التي ارتبطت بذاكرة السكان المحليين قديمًا وحديثًا.

وتشكل “أشجار السدر” بمنطقة نجران مصدرًا بيئيًا يسهم في تنقية الهواء، ويعزز الغطاء النباتي ويكافح التصحر، ويقلل التلوث، ويعزز حضورها جودة الحياة، وبهيبتها معلمًا بيئيًا لتعلم البقاء والصمود، وتحتضن كذلك مساحات ظلالها الوارفة أماكن الفرح والاجتماع والشعر والتعلم قديمًا، ويقصدها محبو الطبيعة والتنزه والتأمل، فهي الذاكرة الممتدة والصورة الحية التي لا تمحى من الوجدان الإنساني.

أخبار قد تهمك مكافحة المخدرات تقبض على شخصين بمنطقة نجران لترويجهما مادة الإمفيتامين المخدر 8 أبريل 2025 - 11:31 صباحًا “الأرصاد” ينبّه من أمطار ورياح نشطة على منطقة نجران 5 أبريل 2025 - 3:34 مساءً

وأوضح لـ”واس” مدير فرع المركز الوطني للغطاء النباتي ومكافحة التصحر بمنطقة نجران ماجد آل سالم أن شجرة السدر من الأشجار المعمرة دائمة الخضرة ذات التفرعات الكبيرة ويصل ظلالها لأكثر من 15 مترًا، وتزهر مرتين في السنة خلال فصلي الصيف والشتاء، وثمارها ذات مذاق حلو، وتنتشر في المنطقة بالمواقع الجبلية والأودية والقرى، حيث تتميز الأشجار التي بالأودية والقرى بأن تكون أوراقها دائرية وكبيرة، أما الجبلية تكون ورقتها صغيرة ومدببة، ونموها أبطأ من سدر الوادي.

وأشار إلى أن أشجار السدر تنتشر في مدينة نجران ومحافظات ثار، وحبونا، وبدر الجنوب، وتُعد من أفضل الأشجار لمكافحة التصحر وتعزيز الغطاء النباتي، وذلك لكبر حجمها وطول عمرها، الذي يصل لمئات السنين، وكذلك لفوائدها الغذائية والصحية والصناعية للإنسان، وتتخذها الحيوانات والطيور مأوى، ومصدرًا للغذاء، وتعتبر ملاذًا طبيعيًا لعشاق الرحلات البرية والمتنزهين لقضاء أوقات من الاسترخاء والترفيه تحت ظلالها الوارف.

وأكد آل سالم حرص المركز الوطني للغطاء النباتي ومكافحة التصحر على الإكثار من زراعة أشجار السدر بالمنطقة لملائمتها للبيئة المحلية، فتم زراعة أكثر من 100 ألف شتلة سدر في مواقع مختلف بمدينة نجران ومحافظاتها الشمالية، خلال الأربع سنوات الماضية، وكذلك زراعة 60 ألف شتلة سدر خلال العام الماضي، في المدينة الجامعية، والمتنزهات الطبيعية، كما وقع المركز خلال العام الجاري مذكرات تفاهم مع جامعة نجران، وشركة أسمنت نجران، والتعليم، والهلال الأحمر، والحرس الوطني، تهدف إلى زراعة 250 ألف شتلة خلال العام الجاري.

ولفت النظر إلى أهمية المحافظة على أشجار السدر المعمرة من الاحتطاب والقطع، التي تكثر في أودية “الجزم” بمحافظة ثار، و”موعاه” بمركز هداده، وفي وادي “عرقان”، و”ذي حباب”، والعديد من المواقع بمدينة نجران، التي يصل أعمار بعضها لمئات السنين، مبينًا أن المركز يقوم حاليًا على مشروع يستهدف إنشاء حواجز خرسانية لعدد من الأشجار الواقعة في الأودية لحمايتها، وكذلك حصر أعداد “أشجار السدر” وتقدير أعمارها، بالإضافة إلى وضع لوحات ارشادية تحوي معلومات عن الشجرة وتاريخها الزمني.

بدوره تحدث رئيس جمعية نجران الخضراء رفعان آل عامر عن جهود الجمعية في تعزيز الغطاء النباتي ومكافحة التصحر بالمنطقة واستزراع الأشجار التي تلائم البيئة المحلية ومنها أشجار السدر، التي تٌعد من أفضل الأشجار الشوكية، وذلك لتأقلمها مع البيئة المحلية وسرعة نموها، وقلة استهلاكها للمياه، مشيرًا إلى أن الجمعية ضمن جهودها قامت باستزراع أكثر من 45 ألف شجرة سدر، خلال السنتين الماضيتين، على الطريق الرئيسي لـ “نجران- الرياض”، وفي المتنزهات الوطنية، كما تعمل على زراعة أكثر من 15 ألف شجرة سدر خلال عام 2025.

وأشار آل عامر إلى أهمية شجرة السدر في المورث الشعبي للمملكة بما فيها منطقة نجران، التي ارتبطت البيئة المحلية بها ارتباطًا وثيقًا كونها من أهم الأشجار الشوكية لما تتمتع به من خواص بيئية استفاد منها الإنسان قديمًا في بناء أسقف البيوت الطينية القديمة، وصناعة الأواني المنزلية، وأيضًا في الزراعة وحرث الأراضي، ونقل المياه، والعلاج والتجميل القديم المستخلص من ثمارها وأوراقها مثل الحناء.

من جانبه أفاد المواطن أحمد محسن اليامي في العقد الثامن من عمره أن شجرة السدر التي تجاور بيتهم الطيني القديم تعد من الرموز الطبيعية التراثية بالقرية، ويقدر عمرها بأكثر من 120 عامًا، لتشكل رمزًا بيئيًا يمثل الصمود والسلام، مرتبطة بالمكان والإنسان، وحالها حال الكثير من “أشجار السدر” أو ما يسمى محلياً بـ ” العلب”، التي تحمل أسماء الأشخاص، ويستدل على الأماكن من خلالها، وتشكل جزءًا من تاريخ وهوية المكان، والموروث الشعبي للمنطقة، موضحًا أن من أشهر السدر المعمرة بالمنطقة “سدرة موقع الأخدود الأثري”، حيث كانت ومازالت مقصدًا للزوار للتعرف على معالم الموقع الأثري.

مقالات مشابهة

  • تقرير: أكثر 100 موظف في ميتا خدموا في الجيش الإسرائيلي
  • “أشجار السدر” بنجران.. ارتباط وثيق بذاكرة الإنسان والمكان
  • محللون إسرائيليون: نتنياهو يعود خالي الوفاض بعد لقائه ترامب
  • التحديات الأمنية في منطقة الساحل.. إجراءات حاسمة لمواجهة الهجمات الإرهابية والمتمردين
  • انتقادات شديدة داخل المؤسسة الأمنية الصهيونية: عملية “عز وسيف” في غزة لا تحقّق أهدافها
  • استشهاد فلسطينية حاولت تنفيذ عملية طعن قرب مستوطنة أرئيل
  • بالفيديو: شهيدة برصاص الاحتلال قرب سلفيت بزعم تنفيذ عملية طعن
  • البدء في تنفيذ عملية انتخاب نقابة «الشؤون الاجتماعية»
  • القاهرة الإخبارية: أكثر من 40 شهيدا جراء التصعيد الإسرائيلي في غزة
  • القاهرة الإخبارية: أكثر من 40 شهيدًا جراء التصعيد الإسرائيلي في غزة