ووب على الطاحونة – لوحة من رسم إحدى شاعرات بربر
تاريخ النشر: 7th, January 2025 GMT
ووب على الطاحونة - لوحة من رسم إحدى شاعرات بربر
الشاعرة زينب بت العوض ود هارون
د. طبيب عبدالمنعم عبدالمحمود العربي
هذه قصة حقيقية جاءت "في لون مناحة" والسبب كان عطل الطاحونة الوحيدة في قرية نقزو ببربر. أعتقد كان ذلك قد حدث خلال أربعينيات القرن الماضي. تجلت هذه اللوحة في قصيدة لشاعرة من سيدات قرية طيبة المجاورة لقرية نقزو من الناحية الجنوبية ، حفظها الناس لطرفها وأيضاً لانها كانت تغنى في قعدات الأسرة ذات الصلة بالشاعرة والمنطقة نفسها.
الشعر الصادق من القلب العفوي عند نساء السودان قد عرف منذ عقود من الزمن الماضي البعيد والحاضر القريب. لكن لا نجد رصيدا كافيا عنه في المكتبات السودانية يوثق ويؤرخ لشاعرات كل منطقة من مناطق السودان سوى القليل مثل مهيرة بت عبود الشهيرة ، و شاعرة قصيدة " فرتيكة ام لبوس التي حسب توثيق قوقل يقال إنها "هي عائشة بنت جماع أخت ناصر ود جماع الذي استشهد في الحرب الحبشية أيام المهدية وترك ابنه علي الذي قيلت فيه القصيدة . و ثالثتهن رقية بت حبوبة شقيقة البطل المعروف عبدالقادر ود حبوبة . ولأن السودان القديم وحتى الحالي هو قطر كبير متعدد الثقافات والعادات والتقاليد الإثنية فإن ذلك يجعل فيه من الشعر الشعبي أنماطا من درر التعبير الفني الرائع الممتع لكنها للأسف تضيع لعدم الإهتمام بها في حينها أو توثيقها لاحقاً. فمعظم نساء السودان (بل أعتقد كلهن) شاعرات وكثيرات منهن يؤلفن الشعر يمجدن أطفالهن منذ نعومة المهد أو أشقاءهن "يا علي تكبر تشيل حملي ، كما ورد آنفاً ". وكل طفل عندما يكبر يجد أن والدته أو جدته قد تركن له بناءاً شامخاً من مشاعر فياضة تشع عبر نوافذها أنوار الأمنيات والدعوات الصادقة بالنجاح والسمو والفروسية وتقدم الصفوف قيادة وحكمة وكرماً وثراءً، كلها فيض بحر معينه لا ينضب. أذكر أثناء طفولتنا أننا حظينا بمشاهدة بعض الشاعرات المشهورات في أحياء المدينة جميلات رقيقات وهن في شيخوخة جداً كانت وقورة محترمة. حتى في أسرتنا الممتدة كانت هناك عدة حبوبات يقرضن الشعر الجميل. فالحب ورقة المشاعر بين الأقارب والأصدقاء والجيران كانت رابطاً متيناً يربطهم فتألف من ذلك نسيج إجتماعي فريد من نوعه بل جسد واحد إذا اشتكي منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. الشاعرة المرهفة المعنية هنا هي زينب بت العوض ود هارون التي سمعنا عنها الكثير في حياتنا وللأسف لم نعاصرها ولم نشاهدها، رحمها الله ، تدفقت عواطفها وشجونها نتيجة فقدان الأمل والحياة والطاحونة الوحيدة التي كانت تقوم بطحن ما يحتاجه سكان المنطقة من غلال الغذاء "أهمها الذرة والقمح وبعض الأحيان الشعير" قد صار فيها أمر الله نتيجة عطل صعب إصلاحه. النساء اللواتي كن في يسر يذهبن إليها ويعدن في زمن وجيز بالطحين إلى بيوتهن صار حزنهن كبير، فخراب الطاحونة وتعطلها من أداء العمل جاء فجأة مصيبة كارثية لم تكن في الحسبان، فصار عبء طحن الذرة اليدوي على ربات البيوت قدرا لا مفر منه ، وهو مجهود يدوي جداً شاق. إنه يعني عودة إلى الوراء ، غير مفضلة، إلى عصر "المُرْحٓاكٓة" التي كانت تستعمل قبل وصول ماكينات الديزل التي صارت تقوم بعملية طحن الغلال بكل سهولة وسرعة مع ضمان إتقان جودة النوعية.
الشاعرة زينب بت العوض في تفاعلها مع توقف الطاحونة إتخذت نهج بعض شعراء عصرها ذاك في نقزو وطيبة والقدواب. أشهرهم كان شيخ العوض أبو رزق الذي عاصرناه نحن وهو في ثمانينات عمره. كان رجلاً مهيباً "مقدماً، ٍقادرياً، يهابه الناس لأنه شديد الهجاء وشعره لا يحتاج الي صناعة وترتيب بل ينزل عليه ارتجالاً و كاملاً من قبل شيطان شعره "السليط" وتظلّ كلمات شعره عالقةً في ذاكرته يرددها في المناسبات إذا سأله الناس. لهذا السبب كان الناس يحرصون على إحترامه وملاطفته ورغم ذلك فهو رجل فكه وذكي وكان يقود من طيبة إلى مصلى العيد في القدواب زفة العيدين "الصغير والكبير" بطبول جمعيته وأشعار الحضرة القادرية . كان يترصد الذين يتزوجون في كل سنة جديدة وينتظر قدوم الخريف و من ثم فيضان النيل ويا ويل عرسان ذلك العام إذا لم تجود السماء بقطرة ماء أو لم يفض الماء من نهر النيل فيسقي الأراضي الزراعية.
هنا في هذه المناسبة التي أنا بصددها فقد قامت زينب بت العوض أولا بتقديم العزاء مخاطبة المجتمع والطاحونة بعينها رغم أنها كانت توجد في القرية المجاورة ، وأبدعت في إظهار الحزن على خراب الطاحونة التي كانت قريبة الوصول فوفرت لهن سهولة وسرعة طحن " ملوة" الذرة في وقت وجيز ، ثم تأسفت للعودة للوراء وإستعمال المرحاكة لطحن الذرة. ثانياً إعتبرت الشاعرة أن الذي حدث عبارة عن حظ عاثر نتيجة شؤم زيجات تلك السنة الكؤود . لذلك لم تترك العروسات بدون اللوم المباشر واصفة ريحتهن بأنها "شينة"، و تعني بذلك أن العطور التي تعطرن بها أيام زواجهن ليست من النوع الفاخر الفواح لذلك رائحتهن الحلوة المرتجاة لا أثر لها في الأجواء . أيضا تلوم الشاعرة حظها وحظ صديقاتها من نساء المنطقة وهي ترى الشماتة قد ظهرت على وجوه البعض من رجالهن فكانت تلك إضافة إلى خيبة أملهن في رجال لم يقدروا معاناتهن وهن السيدات اللواتي كن بسخاء وأريحية يقمن بإعداد الطعام لهم وضيوفهم. أيضاً رفعت شكواها إلي الكريم مولانا وإلي شيخ الحيران "النافع" وقتئذ المدعو "ود فلاتي" وشبهته في سرعة حضوره بالنجدة "قوياً كالثور العاتي"
القصة والقصيدة حقيقية ولا جدال أو شك فيها وإن إختلفت قليلا فيها بعض الكلمات ، ونحن إلي عهد قريب عايشنا شقيق الشاعرة وكان شيخاً لكنه كان جميلا قوياً في جسمه وذاكرته. هنا أضمن ما بقي محفوظاً عند القليلين من اقاربنا فى نقزو من أبيات رثاء الطاحونة للشاعرة زينب بنت العوض رحمة الله عليها ومغفرة تحفها في عليين - الأسماء الواردة فى الخطاب عدا إسم الشاعرة الأصلي قد أوردتها عفوية في مكان الأصل :
طاحونتنا يالحبيبة
جارة لينا قريبا
الملوة بينجريبا
في ساعة بنجيبا
طاحونتنا النافعانا
طاحنة لينا عشانا
بتشبع الجيعانة
بتدرج العطلانة
ووب على الطاحونة
الرجال شمتونا
والحجاج غدرونا
ووب على الطاحونة
سنة الراوي الصعيبا
حار علينا قصيدا
أريتكن عرايس الغمة
ريحتكن ما بتشما
بَحَرْكَنْ قاطع الجَمَّا
سنتكن ما فيها رطوبا
ولا حكاوي يتسلوبا
سنتكن جرَّيت قولا
من نقزو لى خورا
لا تسَّباً بحورا
ولا شالاً سيولا
ووب على الطاحونة
سنتكن يا حسونة
كرَّجتْ علينا سنونا
العربان بقت ممحونا
حليل القش في الشونة
البلد إتمشحل
الطاحونة بتترهل
يا مريومة ليه دي الهانة
سويتوا الكل طحانة
نسيبتك زعلانة
في يباس أطيانا
بينتلم نتباكا
للكريم نتشاكا
إتقلعت التاكا
النَصُبُ على المرحاكا
نقول يابا ود فلاتي
نقول يا التور العاتي
ود العبد مو خاتي
طالب الطحين مو آتي
الرجال شمتونا
والحجاج غدرونا
ووب على الطاحونة
ووب على الطاحونة
أسال نفسي " يا ترى ماذا ستكون قائلة تلك الشاعرة الجميلة رقيقة القلب والمشاعر لو حاضراً عاشت معنا أيام العمر الضائعة والحظ العاثر ودمار السودان (كله حقيقة أمام عينيها)، نتيجة هذه الحرب الجائرة وخاسرة بكل المعاني والمقاصد والمقاييس "؟. حرب داحس والغبراء . أعتقد أنها ستصاب بسكتة دماغية قاتلة
توضيح:
ود العبد : لعله صاحب الطاحونة
ود فلاتي: الرجل كان شيخا "وفكي" معروفا في زمانه
نقزو : إحدى حواضر مدينة بربر. سكانها من العبابدة الكرماء. تغني بجمال بناتها الشعراء والفنانون أشهرهم فنان نقزو عبدالصادق أونسة، وبابكر ود السافل (متين يا الله نتمنى يكون في نقزو مكسكنا)، ومثله كذلك سيد الجعلي رحمة الله عليهم، وحاضراً الفنان الأستاذ مجذوب أونسة وشقيقه الشاعر حسين ربنا يمتعهما بالصحة والعافية. نشكر الأخ مجذوب لحفظه ما بقي من مثل هذا التراث
aa76@me.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
بالفيديو.. الدكتور أحمد عمر هاشم يكشف عن عدد المرات التي شُق فيها صدر النبي
كتب-عمرو صالح:
أكد الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أن ميلاد النبي محمد ﷺ لم يكن حدثًا عاديًا، بل كان إيذانًا ببزوغ عهد جديد للإنسانية، عهد العدل والإيمان، وانتهاء عصور الظلم والطغيان.
وأشار هاشم خلال حلقة برنامج "بيوت النبي" المذاع على قناة "الناس" اليوم الأحد، إلى أن هذا الحدث العظيم جاء مصحوبًا بإرهاصات مبهرة تدل على عظمته، فقد اهتز إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرفة، وخمدت نار فارس التي لم تخمد منذ ألف عام، وجفت مياه بحيرة ساوة، كما جاء في الروايات الموثوقة.
وأوضح هاشم أن النبي ﷺ وُلِد يتيم الأب، فقد تُوفي والده وهو لا يزال جنينًا في بطن أمه، فتكفله الله برعايته، كما قال في كتابه الكريم: "ألم يجدك يتيمًا فآوى"، وكانت أمه السيدة آمنة بنت وهب ترى في حملها به ما لم تره أي امرأة، فلم تشعر بثقل الحمل أو تعبه، بل رأت رؤيا بأن هاتفًا يخبرها: "لقد حملتِ بسيد هذه الأمة ونبيها".
وأشار هاشم إلى أن النبي ﷺ عندما وُلِد، لم تكن هناك مرضعة ترغب في أخذه، لأن المراضع كنّ يفضلن الأطفال الذين لهم آباء قادرون على الإنفاق، إلا أن حليمة السعدية، بعد أن لم تجد غيره، قررت أخذه وقال لها زوجها: "خذيه، لعل الله يجعل فيه البركة"، ومنذ أن حملته معها، ظهرت البركة في حياتها، إذ تحركت دابتها بسرعة لم تعهدها من قبل، وامتلأ ضرع شاتها باللبن، وعاش النبي ﷺ في ديار بني سعد ينعم بالخير.
كما أشار هاشم إلى أن حادثة شق الصدر التي وقعت للنبي ﷺ أربع مرات كانت تطهيرًا إلهيًا وإعدادًا لحمل الرسالة، حيث نزل الملك، فشق صدره، واستخرج العلقة التي هي حظ الشيطان، وملأ قلبه حكمةً ورحمة، وكانت هذه الحادثة الأولى في صغره أثناء وجوده في بني سعد، ثم تكررت وهو في العاشرة من عمره، ثم عند نزول الوحي عليه، وأخيرًا في رحلة الإسراء والمعراج، ليكون مستعدًا للقاء ربه في السماوات العلى.
وأكد هاشم أن الله سبحانه وتعالى قد تكفل برعاية نبيه ﷺ منذ ولادته وحتى وفاته، وكان في كل لحظة من حياته مشمولًا بعناية الله، كما قال تعالى: "والضحى ما ودعك ربك وما قلى وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى".
وأضاف هاشم أن هذا اليوم العظيم كان بدايةً للرحمة التي أُرسِل بها النبي ﷺ للعالمين، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وليكون كما وصفه الله في كتابه العزيز: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".
اقرأ أيضًا:
"النقل" تدرس مد الخط الرابع لمترو الأنفاق حتى الحصري
رسميًا.. فرض 15% زيادة على الإيجارات القديمة لهذه الفئة
لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا
لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا
أحمد عمر هاشم هيئة كبار العلماء الأزهر الشريف برنامج بيوت النبيتابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
الأخبار المتعلقةإعلان
رمضانك مصراوي
المزيدهَلَّ هِلاَلُهُ
المزيدإعلان
بالفيديو.. الدكتور أحمد عمر هاشم يكشف عن عدد المرات التي شُق فيها صدر النبي
© 2021 جميع الحقوق محفوظة لدى
القاهرة - مصر
24 15 الرطوبة: 26% الرياح: شمال المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار bbc وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رمضانك مصراوي رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك