عبد الله علي إبراهيم

(عادت لجنة تفكيك تمكين نظام يونيو 1989 إلى واجهة الأنباء بعد الترويج الرقيع لحديث المقدم عبد الله سليمان، الذي خدم في اللجنة، عن فسادها. وجاء الترويج وأنا أحرر كتابي عنها بعنوان "لجنة تفكيك التمكين: لم ينجح أحد". وتجد أدناه مقالاً منه).
تواترت مؤخراً كتابات تطلب من لجنة إزالة التمكين أن تتوقف قليلاً لجرد الحساب لتأمين ما حصدت إلى يومنا وحسن تدبير عملها المنتظر.

وهي كتابات صدرت عن حرص عظيم على إداء اللجنة في صلاحياتها الدستورية المعروفة. وقد عرفت عن صديق أم بدة وعمر عشاري، ممن تفضلا بهذه الكتابات، ومن تجربة شخصية، أن من زينة عقلهما الحق والقسط معاً. وقد أزعجني من اللجنة واقعة خشيت منها أنها ربما صارت عرضة لفقدان البوصلة. فوجدتها تدخلت أخيراً في نزاع عمالي في جامعة المغتربين مما يقع في اختصاص مكتب العمل.
لا تزال اللجنة عندي تعمل بالدفع الأساسي حتى بعد أن نضب، أو كاد، دفق ثورية البرجوازية الصغيرة. فاستهولت هذه الفئة التفكيك الذي نبحتنا به سدى لعقود ثلاثة. وأخذت تمشي في ظل حائط "ودوهم المحكمة. القضاء" من فرط لين ركبها حيال هجمة الثورة المضادة. ولاد الحنتة. وراحت تهرف ب"مفوضية الفساد" تستر بها مؤخرتها الثورية. وهذه شنشنة أعرفها عن هذه الفئة الاجتماعية. أعرفها كجوع بطني. ترمي على عاتقك بالأثقال وتنملص في أول لفة. وتتفرج في متاعبك مما سماه عبد الله الطيب ب"كيد الأفندية".
رغبت أن لو تحسبت اللجنة لما بعد نضوب ثورية الأفندية. وددت لو جعلت من مؤتمرها الصحفي ثقافة عن سبل "تكوين النفس"، وهي عبارتنا في كسب المال ومراكمته، من موقع السلطان في الإنقاذ. وهو تكوين استباحت به المال العام بلا وازع. فانتظرت منها أن تكون مؤتمراتها حسنة الإعداد لتكون مقرراً دراسياً في علم "وظائف أعضاء" جسد الإنقاذ. فما تزال اللجنة وكثير من الناس تنظر للإنقاذ كنظام فاسد. وحاربته المعارضة طويلاً على زعم فساده. وهو أقبح من هذا بكثير. فيقع الفساد حتى في نظم محروسة بنظم مالية وإجرائية تتربص بالفاسدين وتوقعهم في حبائلها. وكنت أقرأ أمس عن رأسمالي أمريكي هو بوب بروكمان، ذي الباع الطويل في صناعة السوفت وير، عمل السبعة وذمتها فساداً. ويكفي أن مصلحة الضرائب غرمته ملياري دولار جزاء وفاقاً. هذا فساد. وهو كالكذب حبله قصير في الغالب. أما الإنقاذ فدولة عطلت النظم المالية والمحاسبية بالكلية في مثل "التجنيب" ليُكون الحاكم وبطانته أنفسهم كما يحلو لهم. فليست الإنقاذ فاسدة فساد بوب بروكمان. إنها حالة رُفعت فيها الصحف وكسرت الأقلام لتثرى بطانة الحكم مثنى وثلاث ورباع وإلخ.
وهو نظام مدروس في أفريقيا من حولنا لم يقع لنا دون سائر العالمين من "الكيزان ديل" الذين لا نعرف بعد من أين جاؤوا. ولا نريد أن نعرف. وللنظام مسميات مثل "دولة اللصوص" (kleptocracy)، أو الأبوية الجديدة (neo patrimonialism)، أو السوق السياسي. والقاسم المشترك الأعظم فيها استباحة المال لتثرى الصفوة الحاكمة منه. ومتى علمنا طبيعة النظام وفرنا على أنفسنا حجاج القائلين بعرضهم للقضاء لينظر في صحة ملكيتهم في حين أنها ملكية ناجمة عن نشاط غير شرعي مثل غسيل الأموال. ومناط التحقق في مثل هذا المال حتى في بلاد ديمقراطية كأمريكا وغيرها هو النيابة العامة وأجهزة الأمن بسلطات واسعة في حجز المال ومصادرته كما كتبت هنا مراراً.
ولا بد لي في سياق حدثننا عن "تكوين النفس" أو رسملتها من وقفة عند الحزب الشيوعي لو لايزال مهتماِ بدراسة التكوين الطبقي لمجتمعنا. وسبق لي أخذه بالشدة لخذلانه لجنة الإزالة. فلا يخلو بيان من بياناته الباكرة عن وجوب تفكيك النظام. بل كان يستبطئ التفكيك بغير إشارة، ولو عابرة، لعمل اللجنة ناهيك عن تقييم ما تقوم به واقعاً وتقويمه. وانتهي الحزب الآن إلى الدعوة لقيام مفوضية لمكافحة الفساد بغير تعيين منزلتها من لجنة إزالة التمكين. وسبقت بالقول إن الفساد كما رأينا ليس مصابنا في الإنقاذ. فمصابنا فيها "الترسمل" من المال العام بلا وازع. ولو أحسن الحزب إلى ماركسيته لعرف أن هذا ديدن الطبقة البرجوازية الصغيرة في أفريقيا. فيتم تحولها إلى برجوازية بحيازتها "سلطة للساق". وأمام أعيننا. والقول الشائع المتمزح إنهم جاؤوا بشنط حديد وسكنوا الشاهقات تعبير واحد في استنكار التربح من شوكة الحكم. وهذا الترسمل باب من أبواب "التراكم البدائي" الفظ لرأس المال كما نوه بذلك ماركس.
وليست هذه مرة البرجوازية الصغيرة الأولى للرسملة من المال العام. فحاولت ذلك بدرجة أقل في دولة مايو حتى قال الزين كو عن دولتهم "الغنا غنا والما غنا يركب هنا" مع حركة بالأصبع. وشكل النظامان، مايو والإنقاذ، إساءة مرة للحس السوداني بالمساواتية "egalitarianism" فثار الشعب عليهما. بل سبق إلى ذلك حتى نظام عبود. فنشأت فيه طبقة أفندية ثرية من باطن الدولة سماها الحزب الشيوعي ب"البرجوازية البيروقراطية" في تقرير مؤتمره الرابع (١٩٦٧). واقترنت هذه النظم جميعها بأمرين. أولهما الاعتداء على مال بيوت الإرث كما حدث لآل المهدي والميرغني، وقمع الرأسمالية الوطنية سياسياً بمصادرة موجودها كما حصل لشركات عثمان صالح وتجارة محمد أحمد عباس وعثمان محد خير أوماك وكثير غيرهم. والأمر الثاني هو قيامها على ديكتاتورية متمكنة لكي تثري صفوة الحكم وأضانها باردة.
إني معجب بجهارة أعضاء اللجنة في الدفاع عن اختصاصها الثوري الفريد. فباختصاصها نريد للمرة الأولى توطين "المساءلة" كعقيدة سياسية وتقوى اجتماعية. فلم نستكمل هذه المساءلة في كل المرات الماضية التي قبضنا فيها الديكتاتوريين بسروال ناصل ـ فأذكر اسقاط البرلمان في ١٩٦٥ بقيادة جبهة الميثاق الإسلامي لمطلب للنائب العام بمحاسبة أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة. ولم أكن بالبلد لأعرف ملابسات محاكمة مجلس قيادة انقلاب مايو ١٩٦٩. ولكن أعرف أن الإنقاذ أطلقت سرح السجين منهم، وأعادت نميري للبلاد معززاً، وشيعته رسمياً. وسمت أكاديمية عسكرية ما باسمة. وأذكر بياناً أصدرته خلال حملتي الانتخابية الموءودة استنكرت فيها هذا الدس اللئيم على ثورة ١٩٨٥.
يروج بعضنا أننا لم نخلق للديمقراطية: وين نحن من الغرب، فينا عقل بدوي، فينا قبائلية وفينا وفينا والله يطلع ميتينا. وقيل ما الديمقراطية يا عبد الله؟ قال ال accountability قالها ثلاثاً. لم يولد بها أي شعب. وهي ما نتعلمه نقع ونقوم. وإزالة التمكين هي الدرس الأول من دروسها.

ibrahima@missouri.edu

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: عبد الله

إقرأ أيضاً:

الشرياني ينضم إلى لجنة التخطيط في اللجنة الأولمبية

 
دبي (الاتحاد)

أخبار ذات صلة 106 مشاركين يخوضون «تحدي باها أبوظبي» النصر ينتظر المتأهل من الرفاع والقادسية في نصف «نهائي الخليجية»


أعلنت اللجنة الأولمبية الوطنية انضمام أحمد علي الشرياني، الأمين العام لاتحاد الرياضات البحرية، عضواً في لجنة التخطيط.
ويأتي التعيين في إطار جهود اللجنة لتعزيز حضور الإمارات في البطولات الرياضية الدولية، بما في ذلك الألعاب الأولمبية، بما يتماشى مع مستهدفات استراتيجية الرياضة الوطنية 2031.
وتهدف الاستراتيجية الوطنية للرياضة 2031 إلى تحقيق تطلعات طموحة، من خلال تطوير الرياضيين المحترفين عبر برامج تدريبية متقدمة، واكتشاف المواهب الشابة، لتمكين الجيل القادم من الرياضيين، كما تسعى الاستراتيجية إلى رفع نسبة المشاركة المجتمعية في الأنشطة الرياضية إلى 71% بحلول عام 2031، إلى جانب تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص، لضمان استدامة تمويل وتطوير البنية التحتية الرياضية في الدولة.
وعبّر أحمد علي الشرياني، عن اعتزازه بهذا التعيين الذي وصفه بفرصة لدعم التنافسية العالمية للرياضة الإماراتية، مؤكداً أهمية التعاون بين مختلف القطاعات الحكومية والخاصة، وضرورة تبني حلول رياضية مبتكرة ومستدامة تسهم في تحقيق إنجازات نوعية ترفع من مستوى الرياضة الإماراتية في المحافل الدولية الكبرى.
وتواصل اللجنة الأولمبية الوطنية جهودها لتطوير المنظومة الرياضية في الإمارات، عبر خطط واستراتيجيات شاملة تهدف إلى بناء جيل جديد من الأبطال الرياضيين القادرين على تحقيق نجاحات تضع الإمارات في مصاف الدول الرائدة في الرياضة العالمية.

مقالات مشابهة

  • دوام الحال من المحال
  • الأشتر: اللجنة الاستشارية نسخة أخرى لـ «لجنة فبراير» إبان المؤتمر العام
  • "وفد بني سويف " يرد علي تصريحات ترامب
  • لجنة الشباب والرياضة ناقشت خطة العمل لعام 2025
  • مجلس إدارة اللجنة الأولمبية يقر تجميد عضوية اتحاد القدم
  • رئيس «القومي للمرأة» تناقش خطة عمل لجنة رصد الأعمال الرمضانية
  • الشرياني ينضم إلى لجنة التخطيط في اللجنة الأولمبية
  • رجال المال والاعمال بدنقلا يجددون دعمهم للقوات المسلحة
  • لجنة استشارية جديدة في ليبيا برعاية أممية.. ما مهامها وفرص نجاحها؟
  • لجنة الإنقاذ الدولية لـ«الاتحاد»: القيود الإسرائيلية تعرقل الإمدادات الحيوية إلى غزة