الحالمون بالعودة إلى العهد البائد
تاريخ النشر: 7th, January 2025 GMT
الغريب في أمر البلابسة أنهم يعيشون في حيز منفصل عن عالم الشهادة، يحلمون بعودة الأمور لما كانت عليه قبل الحرب، وهذا لعمري أمر مدهش، جميع حروب العالم زلزلت أرض ساكنيها وقلبتها رأساً على عقب، و(حربنا) ليست استثناء، ومن العجائب أن هؤلاء القوم البائسين علقوا أحلامهم على رقاب كتائب البراء بن مالك الداعشية، تلك المليشيا المنشدة للأهازيج والحاثة منتسبيها على البحث عن الجنان العلى، عن طريق العدوان وقتل الأبرياء والوحشية في التمثيل بجثث ضحايا الحرب، وبرغم الهزائم النكراء التي تكبدتها في مواجهة الأشاوس، إلّا أن المهووسين من جندها يعدون البلابسة بسرعة مقدمٍ الى المدن التي تركوها زحفاً تحت زخات الرصاص، لقد تحولت المدن الى هياكل واشكال تشبه مدينة هيروشيما بعد التعرض لضربة القنبلة النووية، كما قال الدكتور علي الحاج، وبعد كل هذا الواقع الخربان الذي لا يعلم أحد بمدى انقضاء أجل الأسباب التي أدت لتشكله، تجد الحالمين المعطونين داخل غرف التدفئة والمكتوين بزمهرير صحارى جزيرة العرب، يؤكدون لك أن جيشهم المهزوم على وشك القضاء على (عرب الشتات)، هذا مع العلم أنه وبعد عشرين شهراً انسدت عليه السبل المؤيدة لإحداث اختراق ينهي الحرب عبر منبر التفاوض، فتكبّر وتجبّر قادة المليشيات الاخوانية بتمزيقهم لكل الأوراق المقدمة بشأن وقف سيل الدماء، ومما هو مثير للشفقة أن المهزومين يملئون منصات الإعلام بالزعيق والتهليل والغناء، والتبشير بقرب نهاية من هم ما يزالون يضعون يدهم على أهم مقرّات ترسانات جيشهم المنهزم المنسحب، زد على ذلك وجود قيادة الجماعة المطرودة بالحدود الشرقية للبلاد، ومعلوم أن القائد المطرود من أرض معركته (القيادة العامة) هو قائد بلا شك مهزوم (ستة صفر).
إرهاصات حرب السودان ذاهبة نحو صناعة دولتين، احداها للبلابسة وحاضرتها بورتسودان، وأخرى للمعتدى عليهم وعاصمتها (العاصمة القومية)، فكيف للبلابسة الدخول لأرض الدولة التي يحكمها (عرب الشتات)؟ وكيف يحققون حلمهم بممارسة الرياضة بشارع النيل؟، والبلاد قد صارت تحت إدارة حكم لا يؤمن بالانتقام والتشفي، كما هو الحال بالنسبة لمافيا بورتسودان الحاكمة للناس بالإعدام لمجرد خلفياتهم الاجتماعية، سيضيع البلابسة وفلولهم بين حلم العودة ومرارة الواقع، فالحرب ليست نزهة كما تصوروها، وكلما طال أمدها يصبحون أكثر خسرانا وابتعاداً عن حلم الوصول، ومهما فعل الطيران الأجير الذي جلبته جوقة بورتسودان بالمدنيين، لن يقوى على إزاحة (الكابوس) من سطح الأرض، ومن اعظم الفخاخ التي وقعت فيها الجوقة إعلانها الحرب على (عرب الشتات)، دون أن تدري بأن هؤلاء الشتات أمة بحالها، والأمة لن تباد بسلاح الطيران الحربي، وإلّا لأباد صدام حسين الكرد ولأنهى انصار الرئيس الرواندي هابريامانا التوتسي، والوبال الواقع على رؤوس البورتسودانيين هو الكتل البشرية الضخمة القادمة لمناصرة الأشاوس الموصوفين بأنهم مجرد عرب شتات، فهذا المصطلح قد لعب دوراً للفت انتباه أمم كثيرة من حولنا ودفعها لكي لتشد رحلها الى ارض النيلين، مناصرة لآصرة الرحم المستهدفة بالاستئصال، وهذا الزخم الاجتماعي الكبير سيسهم في عدم تحقق حلم البلابسة، لقد حاول بعض النابهين من قيادة كيزان بورتسودان تدارك الموقف، بشق صف هذه الأمة (المزعجة) الى كردفانيين ودارفوريين، لكنهم كعادتهم أخفقوا إخفاقاً عظيما في قصم ظهر هذا المجتمع الأمة، الذي يدين بالولاء التلقائي لقائد الركب، وبدلاً من الانشقاق حدث الترابط والتكاتف الذي لم يسبق له مثيل بين مكونات المجتمعات المستهدفة بالطرد والقتل والإفناء.
لقد فرّط "الكرتيون" في الاستمساك بشعرة معاوية، التي كانت وعلى أقل تقدير قادرة على الحفاظ على أرواح الملايين من المدنيين والعسكريين، ماذا يضير المترفون حال بقوا داخل القاعة (المكيّفة) المخصصة للبت في بنود اتفاق الإطار المتعلق بهيكلة الجيش، لماذا اتبعوا الشيطان "الأكرت" الذي زيّن لهم حب الشهوات؟، لو فعلوا ذلك كانوا حافظوا على حياتهم وحياة الآخرين، فما أجمل الحوار بالكلمات، لكنه الصلف والغرور غير المسنود بواقع يعضده، الغرور الذي يشبه اغترار البلابسة بعودة عهد الظلام، ذلك العهد الذي ذهب أدراج الرياح، وغادر أرض السودان لجهة غير معلومة، وإلى غير رجعة، فحلم الجوعان قطعة من خبز، وفيما نرى ان البائسين هؤلاء لن يجدوا ما يسد رمقهم، وسيصطدمون بمصدات الواقع المرير في القريب العاجل، حين يتكسر حلمهم على رايات (الشتات) الصفراء المرتكزة على سارية كل بيت، فالبلابسة قلوبهم غلف، لا يرون ولا يسمعون إلّا من يدغدغ احلامهم الطفولية الساذجة، لذلك أطلق عليهم المستنيرون اسم (المعلوفون) الذين يمدون أعناقهم طويلة لالتهام أي حزمة علف يقدمها "الكرتيون" و"البراؤون"، فالبلوبسي يلتهم العلف دون أن يتذوقه، لذلك صدمته ستكون مؤكدة في مقبل الأيام، لأن أعلاف الختام ستكون مرّة مرارة الحنظل، فسيلفظها حال حدوث الصدمة، ومن لا يقيم وزناً لمن سبقونا بذات التجربة ويقتفي أثرهم مات ميتة الجهل، والذي هو مصير من أسلم رقبته للذين تلاعبوا بمقدرات الدولة لأكثر من ثلاثين سنة.
إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
السودان يرفع حالة القوة القاهرة عن نقل النفط إلى بورتسودان
أظهر خطاب اطلعت عليه وكالة رويترز، الاثنين، أن السودان رفع حالة القوة القاهرة التي فرضها لنحو عام على نقل النفط الخام من جنوب السودان إلى ميناء على البحر الأحمر بعد تحسن الظروف الأمنية.
وأعلنت الخرطوم حالة القوة القاهرة في مارس الماضي بعد أن توقف خط الأنابيب الرئيسي الذي ينقل النفط من جنوب السودان عبر السودان لتصديره بسبب مشاكل ناجمة عن الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
وفي خطاب أرسلته وزارة الطاقة والنفط السودانية بتاريخ الرابع من يناير إلى وزير الطاقة في جنوب السودان، قالت الخرطوم إنها رفعت حالة القوة القاهرة استنادا إلى ترتيبات أمنية جديدة توصلت إليها مع جوبا وشركة بشائر لخطوط الأنابيب (بابكو) السودانية، لضمان تدفق النفط بأمان.
وكتب وزير الطاقة والنفط السوداني محي الدين نعيم محمد سعيد إلى وزير النفط في جنوب السودان بوت كانج تشول قائلا "نرفع حالة القوة القاهرة".
وأكد مسؤول بوزارة الطاقة السودانية صحة الرسالة، وفقا لرويترز.
ويمتد خط أنابيب بترودار، الذي أنشأه تحالف يضم مؤسسة البترول الوطنية الصينية وسينوبك بالإضافة إلى بتروناس الماليزية، لأكثر من 1500 كيلومتر من حوض ملوط النفطي في ولاية أعالي النيل بجنوب السودان إلى بورتسودان على ساحل البحر الأحمر بالسودان.
وينقل خط أنابيب آخر النفط من ولاية الوحدة في جنوب السودان إلى بورتسودان.
وكانت جوبا تضخ نحو 150 ألف برميل من النفط الخام يوميا عبر السودان للتصدير، بموجب صيغة تم الاتفاق عليها عندما نال جنوب السودان استقلاله عن الخرطوم في 2011.
واندلعت حرب أهلية في السودان في أبريل 2023، وأدت الاشتباكات إلى موجات من العنف العرقي وأكبر أزمة نزوح داخلي في العالم.