في زحمة الحروب والكوارث الطبيعية وغير الطبيعية عنى لنا ان نكتب هذا النص الذي بين ايديكم، آملين ان يحمل أفكارًا عميقة عن مفهوم الحب.
يمكن ان تعبروا مكتوبنا هذا استراحة من للقلوب التي اهلكتها تلك الكوارث..
مفهوم الحب: رحلة بين القلب والعقل:
واول ما نبدأ به هذا السؤال؟ وهو هل الحب فنّ تمارسه القلوب بحذر والعقول بحكمة، أم هو تلك المعادلة المستحيلة التي تتحدى كل قواعد المنطق؟ ربما نجد في هذا السؤال مفتاحًا لفهم هذا الشعور الذي يُربك كل التصنيفات، لأنه لا يخضع لقانون ثابت.
الحب بين الرجل والمرأة: عقل وعاطفة.
يُقال إن الرجل حين يحب، يخفي مشاعره كمن يحمي كنزًا ثمينًا، خشية أن يفقده. أما المرأة، فتعلن حبها بوضوح كمن يرسم دائرة أمان حول من تحب، لا لتفخر به فقط، بل لتؤكد أنه ملك قلبها وحدها. لكن هذه الصورة النمطية تختزل الحب في ثنائية مبسطة لا تعكس تعقيده.
في واقع الامر، يحمل كل من الرجل والمرأة مزيجًا من العقل والعاطفة، وكل منهما يعبّر عن حبه بطرائقه الخاصة. ورغم الاختلاف، يلتقيان في نقطة واحدة: حين يُصبح الحب ضرورة لا خيارًا، وحين تتجاوز العلاقة حدود الفردية لتصبح شراكة مبنية على التضحية والاحترام المتبادل.
التضحية: العمود الفقري للحب
ليس بالضرورة ان تكون التضحية في الحب مجرد تنازل، بل هي قرار واعٍ بتقديم جزء من الذات للآخر. قد يختار الرجل الصمت لأنه يرى فيه قوة، بينما تختار المرأة التعبير لأنها تؤمن بأن الحب صوت يجب أن يُسمع. في الحالتين، يلتقيان على جسر التفاهم الذي يجعل الحب رحلة يكسب فيها الطرفان معًا.
البدايات: متى يبدأ الحب؟
الحب الحقيقي لا يبدأ بنظرة عابرة أو كلمة عفوية كما تصوره الروايات. إنه ينمو في صمت، ويتشكل حين يدرك الإنسان أنه أمام شريك يشبهه ويكمله، شريك يجسد الأمان حين تهتز الأرض، والمسؤولية حين يشتد الحمل، والاحترام حين يُختبر الصبر.
الحب والثقافة: منظور اجتماعي
يتباين مفهوم الحب بين المجتمعات والثقافات. ففي بعض الثقافات، يُعتبر الحب شعورًا ساميًا يُحتفى به ويُمنح مساحة للتعبير عن ذاته بحرية. بينما نلاحظ انه في بعض المجتمعات، يُنظر إلى الحب كسرٍّ لا يجب الكشف عنه، مغلفًا بالخجل والصمت..ولكن الحب في جوهره ليس معادلة ثابتة. إنه حالة إنسانية شاملة تجمع بين العقل والعاطفة، بين الصمت والكلام، وبين الخوف والجرأة.
الاختلاف والوحدة:
قد يخفي الرجل حبه كمن يحمي كنزًا، بينما تعلن المرأة حبها كمن يحمي قلاعًا. لكن الحب ليس مجرد اختبار للإرادة، بل هو رحلة تُبنى على التضحية المشتركة والاحترام العميق.
ختامًا:
ختاماً علينا ان ندرك ان الحب هو تلك اللغة العظيمة التي يتحدثها القلب ويفهمها العقل. إن أعمق جوانبه تكمن في كونه حالة تتجاوز كل الفوارق الثقافية والجندرية، لأنه في النهاية، شعور إنساني يوحّد البشر.
سنواصل لاحقًا استكشاف أبعاد أخرى للحب، بما في ذلك أنواعه وتجلياته المختلفة، لنقدم رؤية شاملة لهذا الشعور العابر للزمن والثقافات ان استطعنا الي ذلك سبيلا..
عثمان يوسف خليل
المملكة المتحدة
osmanyousif1@icloud.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
الحب في زمن التوباكو (3)
مُزنة المسافر
جوليتا: كان شجارًا عاديًا، خشيتُ أن تتشاجر عمتي ماتيلدا مع دخان التوباكو مجددًا، علّها تكتشف يومًا أن ما يُصدره التبغ هو هواء ملوث، وأن حياتنا الحلوة قد تكون حلوة دون رماد، ودخان وغليون وعيون مطالبة بالمزيد.
لا يوجد من مزيد، نحن نرقص ونغني لشعب التوباكو ممن يقطنون المكان، يا لهم من سكان، إنهم يدخنون مثل عمتي، ويأتوننا مساءً ليسمعوا غنائي، وإدراكي للقوافي، والمغنى الأصلي.
تقول عمتي إن الفلكلور هو المطلوب، وخلق الحروف الجديدة يربك الجمهور والحضور.
وهل من حضور غير تلك الوجوه المكررة؟ يا إلهي، كم هي مُهدِرة للوقت، جاءوا للتسلية أكثر من الاستماع، وهم وسط مغنانا يشعرون بالضياع. تقول عمتي إن الضياع مطلوب هذه الأيام وسط القصائد الصعبة، وأن الموسيقى لا بُد أن تجد لحنًا سهلًا يسيرًا، وتبتعد عن تلك الألحان التي تأتي بالمتاعب.
وأي تعب يا عمتي، غير التعب الذي أشعرُ به، وأنا أنحتُ على خشبة المسرح خطوطًا عريضة تناسب أي لحن تبتغينه، وقد حرمتني عمتي ماتيلدا من الغناء خلف النافذة، وصارت تخبرني أن الجمهور سيضجر ويمل من صوتي حين يرى أنه صوتٌ يُسمع للعامة في الشارع، ويُسمع كذلك في المسارح.
ما العمل يا ترى؟ وهل من إنسان رأى مجد عمتي ماتيلدا حين ترددُ بأحبالها الصوتية أغنيةً شعبية، وتُلقي بقصائدي في الوحل، لم أشعر بعدها بالوجل منها بتاتًا، وصار انتقامي لعبثها بموهبتي، هو أن أتحدث مع النادل الذي يعزف البوق جيدًا، وطلبت منه أن يتبع رقصي، ورسمي للحركات على المسرح، ومن ثم أبدأ أنا في الغناء، وحينها فقط شعرت بالسناء، ورددت كلمات الحب والاشتياق، والشعور بالانسياق لأي نغمٍ كان.
أفاقها هتاف البوق من قيلولة قصيرة، وجاءت للمسرح وصرخت في وجه العازف، أليس هو بعارف أنها النجمة الوحيدة، وأنني لم ألمع بعد حتى يكون لي عازفٌ خاص.
غرقتْ هي في الغيرة، وغرقتُ أنا في كتابة كلمات جديدة، وصارت فجأة عديدة، وامتدت للسقف، مع حروف راقصة وعاصفة، كان هذا بدايتي ببساطة في النجومية.
وصارت كلماتي أقل عبثية، وصارت تنسجُ العجائبية، وأرى جمهورًا يُردد ما أقول، وصرتُ أصول وأجول في المسرح، وأبدعُ في الميلان، وكأنني لم أعد إنسانًا؛ بل بتُ شيئًا يتحرك كثيرًا، مثل غزالٍ جميل، لا يمكن له أن يضيع وسط غابة مُعتِمة؛ لأن الأنوار كانت تتبعني، وتترصد وجودي وتخترق فؤادي الذي ينادي في مُناه بالغناء والألحان.