من جبل الشيخ.. حرب تخطط لها إسرائيل ضدّ لبنان لتحرمه من أهم عنصر للحياة
تاريخ النشر: 7th, January 2025 GMT
لم يكن تأثّر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس حين أعلن عن أعلى قمة في جبل الشيخ أن المنطقة عادت إلى الحضن الإسرائيلي بعد 51 بلحظة تاريخية من عَدم، لا بل هو تأثّر له أبعاده العسكرية والأمنية وحتى الحياتيه الوجودية، تتلخّص بالسيطرة على أهم نقطة عسكرية تكشف سوريا والاردن ولبنان بالاضافة إلى جنوب تركيا، مع السيطرة على أهم منبع للمياه.
ومنذ مؤتمر "بال" عام 1897، وضعت الحركة الصهيونية نصب عينيها مصادر المياه في لبنان وسوريا كركيزة لإقامة دولة يهودية قادرة على البقاء اقتصاديًا وزراعيًا. فقد طالبت المنظمة الصهيونية خلال مؤتمر فرساي عام 1919 بضمّ نهر الليطاني، إضافةً إلى ينابيع جبل الشيخ، إلى حدود "فلسطين المستقبلية". هذه المطالب لم تكن مجرد أفكار عابرة، بل جزء من استراتيجية طويلة الأمد لتعزيز الموارد المائية الإسرائيلية.
جبل الشيخ.. من رمزية دينية إلى عمق استراتيجي
جبل الشيخ، الواقع على الحدود اللبنانية-السورية، لم يكن مجرد جبل ذو رمزية دينية، بل تحوّل إلى مركز استراتيجي لتطلعات إسرائيل التوسعية. قممه، مثل قمة ملحاثا وقمم الفوار والنشبة، أصبحت مواقع عسكرية إسرائيلية متقدمة، تستخدم للتجسس والمراقبة، فضلاً عن التحكم في تدفق المياه من ينابيع الجبل نحو نهر الأردن. إسرائيل لا تتوقف عند الاحتلال العسكري؛ بل تضيف إلى ذلك إجراءات مثل تسييج المناطق، زرع الألغام، وتعزيز التحصينات العسكرية لضمان إحكام قبضتها على الموارد المائية.
تشير الإحصاءات إلى أن الشرق الأوسط يعاني من شحّ مائي كبير، حيث لا يمتلك سوى 1% من مخزون المياه العالمي. وفي ظل اعتماد إسرائيل على مصادر مياه تتدفق من خارج حدودها، مثل نهر الحاصباني-الوزاني ونهر الليطاني، يصبح مفهوم "معركة المياه" محورًا رئيسيًا لاستراتيجيتها الإقليمية.
في هذا السياق، تقول الباحثة السياسية رانيا حتّي إنّ "لتوسيع الحدود بالنسبة لإسرائيل في موقع مزارع شبعا، بُعداً جيو- استراتيجياً والهدف الأساسي من ذلك على المستوى العسكري والأمني، هو منع تواصل الجيشين السوري واللبناني او أية قوة مسلحة بما فيها حزب الله ، من خلال "اللسان" الذي يفصل الحدود اللبنانية – الفلسطينية – السورية، كما تعتبر إسرائيل إحتلالها لمزارع شبعا بما فيها ملحاثا وجبل الشيخ يشكّل لها حصناً منيعاً ويؤمن لها تكافؤاً جغرافياً واستراتيجياً حيث أن الارتفاع يتراوح هناك بين 400 و2600م".
البعد الديني: عنصر أساس
وتلفت حتّي خلال حديث مع "لبنان24" إلى أنّ إسرائيل لعبت ولا تزال تلعب على التصورات الثقافية – الدينية، من خلال نشر تأثيرها على يهود الشتات في مختلف أجزاء العالم، و حثّهم على المجيء الى المنطقة واستيطانهم فيها . وإذا استعرضنا لمحة تاريخية عن الكيان الإسرائيلي، نرى بأن جغرافية المنطقة تشكّل هاجساً وجودياً له، بما فيها قمم مزارع شبعا وتلالها. فلقد تميزت نشأة الكيان الإسرائيلي بإستراتيجية تاريخية ودينية كونها قامت على وعد توراتي أسطوري للنبيّ "إبراهيم" وهنا تجدر الإشارة بأنه يوجد في إحدى مزارع شبعا وهي مزرعة "المشهد" مقام النبي "إبراهيم" الذي يُعرف لدى أبناء المنطقة بـ "مشهد الطير" أو "مقام الخليل إبراهيم" القريب من مزرعة رمثا.
وتضيف حتّي قائلة:" من ضمن التصورات، أطلقت القيادة الإسرائيلية مصطلح "الحدود الآمنة" الذي يشير بحسب مسار غور الأردن ومجرى نهر الاردن إلى الحدود الآمنة لإسرائيل من الجهة الشرقية، كما سيشكل بالنسبة لها التسوية السياسية التي تضمن لها بقاءها وديمومتها، وعليه، مما لاشكّ فيه، بأنّ الفكرة الميتولوجية كانت سبباً أساسياً وحافزاً في إقامة دولة إسرائيل، كما أن كل تلك الأحداث التي تلتها والتي تحصل اليوم في جغرافية "الفرات" مرتبطة بالجيوبوليتيك الديني لدولة إسرائيل من النيل إلى الفرات، حيث تكرّس هذا المفهوم مع "الحاخام فيشمان" في خطاب ألقاه أمام لجنة التحقيق الخاصة بالأمم المتحدة عام 1947.. إنّ مخطط إسرائيل القضم الممنهج للأراضي العربية بما فيها مزارع شبعا، يعود إلى مؤتمر "بال" 1897 المشهور وإهتمامها بجبل الشيخ بالتحديد لما فيه من رمزية دينية ميتولوجية، وقد سبق المخطط التوسعي هذا المؤتمر بـ 36 سنة حيث كان الهدف هو تنفيذ الحلم الصهيوني بإنشاء إمبراطورية بني صهيون التي ستحكم العالم بشتى الوسائل، والفترة الزمنية التي حددت لها قدرها مئة عام".
ومن العامل الديني إلى معظلة المياه، ترى الباحثة السياسية رانيا حتّي أن "المياه في منطقة الشرق الأوسط من أكثر الموارد ندرة في العالم، حيث تحتوي على ما يعادل 1% فقط من إجمالي مخزون المياه على كوكب الأرض. وبالنسبة لإسرائيل، التي تعاني من خلل كبير في ميزانها المائي السنوي يتجاوز مليار متر مكعب، تصبح المياه مسألة وجودية تُحدد بقاءها واستمرارها في المنطقة. فمنذ عام 1861، كانت الأطماع الإسرائيلية في المياه واضحة، حيث أرسلت المنظمة الصهيونية العالمية بعثة لدراسة الموارد المائية في فلسطين والأراضي المجاورة. انتهت هذه الدراسة بتوصيات تشير إلى أن مصادر المياه المهمة، مثل نهر الليطاني، ونبع جبل الشيخ، ونهر الأردن، يجب أن تكون جزءاً من الدولة العبرية المستقبلية. وقد تعززت هذه المطالب في عام 1919 عندما بدأ حاييم وايزمن، الذي خلف هرتزل في قيادة الحركة الصهيونية، يراسل الحكومة البريطانية بشأن ضم مياه الليطاني إلى فلسطين، حيث اعتبر أن إقامة "وطن قومي لليهود" يتطلب مصادر مائية مستدامة لتلبية احتياجاتها الزراعية والصناعية".
ومع مرور الوقت، تفاقم الوضع المائي لإسرائيل. ففي عام 1985، سجلت بحيرة طبريا أدنى مستوى لها منذ قرن، مما استدعى إعلان حالة الطوارئ بسبب استنزاف مخزون المياه الاستراتيجي. من هنا، بدأت إسرائيل في التركيز على السيطرة على مياه الجنوب اللبناني، وتحديداً نهر الليطاني، الذي يعد مصدراً غنياً للمياه. في هذا السياق، تقول حتّي أنه "يبرز التقرير الذي أرسله القنصل الفرنسي في القدس، غاستون موغراس، إلى الحكومة الفرنسية، ليكشف عن الأطماع الإسرائيلية بمياه جنوب لبنان، بما في ذلك نهر الليطاني، التي قد توفر لها طاقة هيدروليكية مهمة لمشاريعها المستقبلية. هذا التقرير يعكس التوجه الإسرائيلي المستمر لاستغلال مصادر المياه في لبنان وسوريا لتعزيز قوتها الاقتصادية والجغرافية"، مؤكدة أنّ "المياه أصبحت مسألة حياة أو موت بالنسبة لإسرائيل، وتدرك تماماً أن أي نقص في هذه الموارد قد يهدد استمراريتها في المنطقة. من هنا تأتي أهمية احتلالها لمناطق غنية بالمياه مثل مزارع شبعا وقمم جبل الشيخ، التي تحتوي على أكبر خزانات المياه في منطقة الشرق الأوسط".
وعلى الرغم من اعتبار الدول الأوروبية أن التوسع الإسرائيلي الأخير هو بمثابة "احتلال" واضح، فإنّ المتابعين يجزمون أن إسرائيل لن تتوقف فقط عند أمر التقدم وتوسيع الاستيطان بناء على الأسباب الدينية والاقتصادية والامنية والحياتية، لا بل أنّ الحسم العسكري ضدّ أي هجوم محتمل من قبل أعداء إسرائيل ستكون عملية صدّه أكثر سهولة طالما أن المنطقة باتت مكشوفة أمامها، خاصة وأنّ التقارير تفيد بأنّ بناء واحد من أكبر الرادارات في الشرق الأوسط على قمة جبل الشيخ أقرب من أي وقت مضى.
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: الموارد المائیة نهر اللیطانی الشرق الأوسط مزارع شبعا جبل الشیخ المیاه فی بما فیها الذی ی بما فی
إقرأ أيضاً:
إسرائيل تهدد بـ«غزة ثانية» في الضفة الغربية بعد عملية «كدوميم »
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
هدد مسؤولون إسرائيليون بتصعيد الأوضاع في الضفة الغربية إلى مستوى قد يشابه "غزة ثانية"، وذلك بعد الهجوم الذي شنته مجموعة من المقاومين الفلسطينيين على مركبات إسرائيلية قرب مستوطنة كدوميم شمال الضفة الغربية.
الهجوم أسفر عن مقتل ثلاثة إسرائيليين وإصابة 8 آخرين، وهو ما دفع سلطات الاحتلال الإسرائيلية إلى اتخاذ إجراءات صارمة لملاحقة منفذي الهجوم وتكثيف الهجمات الانتقامية في المنطقة، حيث استنفر جيش الاحتلال قواته بشكل واسع بعد الهجوم، وبدأ عملية ملاحقة كبيرة في شمال الضفة الغربية، وقام بتطويق العديد من المدن الفلسطينية في المنطقة.
كما أُعلن تحويل مدن شمال الضفة إلى مناطق عسكرية مغلقة، مع نصب عشرات الحواجز الأمنية على الطرق وشنت مجموعة من المستوطنين هجمات على عدة قرى وبلدات فلسطينية في الضفة الغربية، مما أسفر عن أضرار في الممتلكات.
من جانبها نددت وزارة الخارجية الفلسطينية، بالاعتداءات التي ينفذها المستوطنون وبالتصريحات التي أدلى بها مسؤولون إسرائيليون بشأن تدمير المدن والبلدات الفلسطينية وفرض عقوبات إضافية في الضفة الغربية المحتلة.
وأعربت الوزارة في بيان عن إدانتها "للتصريحات التحريضية التي صدرت عن عدد من المسؤولين الإسرائيليين حول فرض مزيد من العقوبات الجماعية على المواطنين الفلسطينيين، وتدمير المناطق السكنية في الضفة الغربية كما يحدث في قطاع غزة".
وأضافت الوزارة: "كما نستنكر بشدة اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين باستخدام القوة، بما في ذلك إحراق سيارات وممتلكات الفلسطينيين، وتفلتهم المستمر من أي محاسبة تحت حماية جيش الاحتلال ووزراء إسرائيليين متطرفين".
ووصف البيان تلك التصريحات والهجمات بأنها "تسهم في تأجيج الوضع، وتزيد من تصعيد العنف والصراع بشكل متعمد".
وأكدت وزارة الخارجية الفلسطينية أن "الحل السياسي هو السبيل الوحيد لإعادة الهدوء وتحقيق السلام"، داعيةً إلى "تدخل دولي حقيقي لوقف حرب الإبادة والتهجير، واتخاذ خطوات ملموسة نحو تنفيذ خيار حل الدولتين (فلسطينية وإسرائيلية)، وحماية الشعب الفلسطيني، بالإضافة إلى التحرك الجاد لوقف مخططات الاحتلال في الاستيلاء على الأراضي وضم الضفة الغربية".
وفي أعقاب ذلك، صرح وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش قائلاً: "يجب أن تصبح بلدات مثل بندق ونابلس وجنين مثل جباليا، حتى لا تتحول كفار سابا إلى كفار غزة".
وطالب سموتريتش بتحويل شمال الضفة الغربية إلى "غزة ثانية"، مشيراً إلى أن مفهوم الأمن الإسرائيلي يجب أن يتغير ويشمل هزيمة ما أسماه "الإرهاب" في الضفة الغربية وغزة وإيران، مشيراً إلى أن "التهديدات" التي تشكلها هذه المناطق يجب أن يتم القضاء عليها. التصريحات التي أطلقها سموتريتش تثير القلق بين الفلسطينيين والمراقبين الدوليين بشأن التصعيد المحتمل في المنطقة.
رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلية بنيامين نتنياهو توعد بالوصول إلى منفذي العملية وكل من ساعدهم، وأكد أنه سيتم اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لملاحقتهم. وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أعلن بدوره عن اتخاذه قراراً باستخدام القوة المفرطة ضد الأماكن التي قد تقود إليها التحقيقات المتعلقة بالهجوم، مشدداً على أن الرد سيكون قاسياً ومباشراً. هذه التصريحات تأتي في وقت حساس، حيث يرى البعض أن إسرائيل قد تدفع باتجاه تصعيد أكبر في المنطقة كجزء من استراتيجيتها الأمنية.
كما دعا عدد من المسؤولين الإسرائيليين إلى شن حرب شاملة على المنطقة. وطالب رئيس ما يسمى المجلس الإقليمي في شمال الضفة، يوسي داجان، حكومة الاحتلال الإسرائيلية بالتحرك الفوري وبدء الحرب، مؤكداً أن المستوطنينن الإسرائيليين في المنطقة يحتاجون إلى الأمن بسرعة.
هذه الدعوات لشن عملية عسكرية واسعة النطاق قد تؤدي إلى تحول الضفة الغربية إلى ساحة مواجهة مفتوحة بين قوات الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية.
الهجوم الذي وقع قرب قرية الفندق استهدف مركبات إسرائيلية كانت تسير على الطريق الرئيسية "55"، الذي يعد شرياناً رئيسياً يستخدمه الفلسطينيون والإسرائيليون على حد سواء.
الهجوم أسفر عن مقتل ثلاثة إسرائيليين؛ اثنان من النساء في الستينات من العمر كانتا في إحدى السيارات، ورجل في الأربعينات من عمره كان في السيارة الثانية.
كما أصيب ثمانية آخرون كانوا على متن حافلة كانت تسير في المنطقة، بمن فيهم السائق الذي أصيب بجروح خطيرة.