#حكومات_الأكشن والسيناريو المفقود
#شبلي_العجارمة
قيل أن صيادًا بعد أن أصاب طائرًا بأحد جناحيه ، التقط الصياد الطائر وأخذ يتفحصه وهو لا زال فيه بقية روحٍ ونتفةِ ألم، كان الصيادُ يقف على حافة جبلٍ ما ودم الطائر يتقاطر من بين أصابعه، وكانت الريح شديدة ، فذرفت عيناه من شدة الريح بعض الدموع ، فقال أحد الطيور : يا لطيبة قلب هذا الصياد ، انظروا كيف يذرف الدمع حزنًا وأسفًا على الطير ، فأجابته القبرة : لا تنظر لدموع عينه بل انظر لفعل يديه.
هكذا هم رؤوساء الحكومات ، يمتطون خيل عدسات الكاميرات في بداية كل رحلةٍ سياسيةٍ جديدة ، من نشوة الفرحة بالمنصب الذي لم يحلم به ذات يوم ، استعراض هوليودي بصبغة شعبوية لاستجلاب عواطف البسطاء،وضحالة فكر البعض الذي تغلب عليه العاطفة أكثر من الفكر المستنير ، ناهيك عن جوقة بعض الأقلام المتسولة والمتسببة ، والتي تنظر من ثقب الذات لا من شق الوطن المغلوب على أمره ،أو من رُقع ثوب الشعب القابض على صقيع واقعه المؤلم ،وسعير مستقبله المجهول .
شعار التعاطف البراق مع الجندي والمتقاعد والطبقة الوسطى والمسحوقة ؛ مجرد عناوين مرحلة لحمى الانتخابات ، وليست أكثر من فترة سخونة فنجان قهوة لدرجة غليانه وشربه في أي مقابلةٍ متلفزة لرئيس وزراء أو وزير مالية أو منظر رسمي لا أكثر ، باختصار الحديث ، سياسة البخار المرئي وغير الملموس ، والسراب الملون بالعطش والماء ، وحشد الخبز البايت والناشف كفزاعةٍ لطرد الجوع .
بماذا تعود الصور الملتقطة بعناية مصنوعة وببساطة وشعبويةٍ مصطنعتين؟ ، لأي مدىً ومساحة ترمم مراهم الكلام فحوى الشكوى والتذمر ! وما هي مدة مسكنات الألم الرخيصة التي نستفيق منها على وجع أكبر وجروح أبلغ ! ، سياسة الرفع للرواتب والأجور الضئيلة نسبيًا في توقيع الحكومة باليد اليمنى ، إذا ما قورنت بالسعار في رفع كل زنبركات العيش وسبل الحياة في يد الحكومة اليسرى الخفية ، ربما بتنا نخشى حتى فزاعة مصطلح رفع الدخول ، لقاء حمى إشعال النار في هشيم المواد الغذائية للحياة المتوسطة والكماليات المحصوةِ على فئة لا تبلغ ربع شريحة الشعب .
لماذا تنطق الصور عن جانب أقل من عادي لحياة أحد رؤساء الوزارات ،ويومياته الاعتيادية ؛ بينما تصمت ذات الرئيس عن الاستفهامات الكثيرة لنواب الشعب إن صح التعبير عن وظائف لمواطنين عاديين بأرقام فلكية مع ثناء الرئيس على تمنن هذا المستشار على قبوله الوظيفة ، ولماذا يغطرش الرابع عن عدم احترام رئيس ديوان المحاسبة المتمثل بعدم حضور جلسات مجلس النواب ؟.
أعرف أنني كبقية أبناء شعبي ، فنحن مجرد علامات تعجب واستفهام لا أكثر ، نعاني يتم الجواب وتأيم التفسيرات ، نحن مجرد أسطر من كلام لا تقوى على صمت قرارات الرابع الأكثر جورًا ، والأعتى ظلمًا ، تحت ذرائع ؛ الأمن والآمان وديمومة الاستقرار الجوسياسي الهش .
نحن الشعب الذي بات مجرد ذاكرة تجتر شعارات مراحل حكومات تجيء وترحل ، وتخلد آلامًا لا شفاء منها ولا برء لأوجاعها ، فصحاب عبارة لا تهاجر يا قتيبة لملم حقائبه وهاجر هو تاركًا لنا لعاعة الشعار البراق ، وصاحب مقولة الأيام الجميلة لم تأت بعد ، لكنه نسي أن يكتب لنا لن الناصبة وعطفها على لم الجازمة ، وها قد ذهب ونحن لم نر يومًا جميلًا بعد .
ستخلد لنا هذه الحكومة علكة من الكلام ، ونكتة سياسية جديدة ، لحظتها سنضطر غير مأسوفٍ علينا أن نضحك من جراحات خواصرنا حد النزف !
المصدر: سواليف
إقرأ أيضاً:
«لا»
الفكرة التى يطرحها اليوم الرئيس الأمريكى ترامب تحت غطاء «الحل الإنسانى» ليست جديدة، بل هى نسخة مكررة من مخططات التهجير التى تطرح بين الحين والآخر، تحت مسميات مختلفة، لكنها دائماً ما تصطدم بحقيقة واحدة: الشعوب لا تقتلع من أوطانها.
التاريخ ملىء بمحاولات تهجير الفلسطينيين، بدءاً من وعد بلفور (وعد من لا يملك لمن لا يستحق سنة ١٩١٧)، الذى وضع الأساس لاقتلاع شعب بأكمله، مروراً بنكبة 1948، ثم نكسة 1967 وما تبعها من سياسات ممنهجة لتفريغ الأرض من أهلها. واليوم، يعود المشهد من جديد، كأن العالم لم يتعلم شيئاً من دروس الماضى، وكأن الفلسطينيين مجرد أرقام يمكن محوها أو إعادة توزيعها على خرائط أخرى.
الطرح الذى نسمعه الآن ليس جديداً، فقد سبقته محاولة مشابهة مع اختلاف بعض التفاصيل طرحها الرئيس الإسرائيلى الأسبق وثعلب الموساد شيمون بيريز فى أواخر التسعينيات، عندما قال إنه يريد تحويل غزة إلى سنغافورة ثانية، صحيح أن ظاهر خطة بيريز لم يكن يتضمن تهجير سكان غزة وتحدث عن التطوير وتحسين المعيشة فقط، لكن وقتها خرجت تسريبات تقول إن ما لم يعلن هو أن بيريز سيلتفت فى خطوة ثانية لتفريغ غزة من أهلها بخطة ثانية لم تكشف وقتها.
هذا يعنى أن كل ما فعله ترامب أنه حوَّل المسمى من سنغافورة إلى الريفيرا.
وتوالت بعد ذلك محاولات متعددة لإقناع دول عربية باستيعاب اللاجئين، وتحويل القضية الفلسطينية إلى أزمة إنسانية بدلاً من الاعتراف بأنها قضية احتلال واستيطان. هذه السياسات لطالما فشلت، لأن الفلسطينى لم يكن يوماً مهاجراً يبحث عن وطن، بل هو صاحب أرض، يراد له أن يتحول إلى لاجئ دائم.
اليوم، يعاد تدوير نفس الفكرة: إخراج الفلسطينيين من أرضهم، وكأن الحل لمعاناتهم هو نقلهم إلى أماكن أخرى، وليس إنهاء الاحتلال الذى صنع هذه المعاناة. ويروج بعض الساسة فى أمريكا وإسرائيل لهذا الطرح كأن القضية الفلسطينية مجرد أزمة لاجئين، وليست قضية شعب وأرض وهوية. والأسوأ أنهم يتعاملون مع العالم العربى كأنه مساحة جغرافية فارغة، يمكن إعادة توزيع سكانها بقرارات تصدر من البيت الأبيض.
لكن الشعوب ليست أرقاماً تنقل من خريطة إلى أخرى، والتاريخ لا يمحى بقرارات فوقية. الفلسطينيون ليسوا غرباء فى أرضهم، ولم يأتوا إليها حتى يطلب منهم المغادرة. وإذا كانت هناك أزمة إنسانية فى غزة، فالمسئول الأول عنها هو الاحتلال الذى يمارس الحصار والعدوان، وليس الدول العربية التى يطلب منها الآن استقبال المهجرين كأنها مسئولة عن نتائج هذا العدوان.
ما يطرح اليوم ليس مجرد اقتراح سياسى، بل هو امتداد لنهج استعمارى قديم، يعود إلى عصور الاحتلال للشرق الأوسط وإفريقيا. هو نفس الخطاب الذى استخدمته القوى الكبرى عندما قررت أن تتعامل مع شعوب بأكملها كأنها قطع شطرنج، تفرض عليها قرارات لا تأخذ فى الاعتبار إرادتها أو حقوقها التاريخية. والأمر لا يقتصر على منطقتنا فقط، فحتى دول قريبة من الولايات المتحدة نفسها واجهت هذه السياسات ورفضت أن تكون ضحية لمخططات تفرض عليها من ترامب.
آخرها فرض ضرائب على السلع المكسيكية وتعاملت المكسيك بالمثل ما جعل ترامب يجمد قراره لمدة شهر.
ما فات الأمريكى إدراكه هو أن المنطقة العربية لم تعد ساحة لتنفيذ مخططات استعمارية عفا عليها الزمن، ولن تصبح عواصمها مجرد متلقٍّ للقرارات التى تصنع فى الخارج، أو هكذا أتمنى. ولم لا؟ فهناك دول مثل السعودية والإمارات وقطر، وقبلهم مصر والأردن، قالت «لا» صريحة لهذا المشروع الاستعمارى. وأتصور أن العرب اليوم فى اختبار حقيقى، وعليهم أن يصنعوا قرارهم بأنفسهم. لقد باتوا أكبر وأهم من أن يرضخوا لأى فكر استعمارى جديد، مهما حاول أن يتخفى تحت مسميات إنسانية زائفة.
هذه لحظة حاسمة، ليس فقط لرفض مشاريع التهجير والتوطين، بل أيضا لتأكيد أن العرب باتوا قوة لها كلمتها، وأن زمن الاكتفاء بالشجب والإدانة قد ولى. اليوم، المطلوب ليس مجرد رفض، بل إثبات أن العرب قادرون على فرض رؤيتهم، وحماية حقوقهم، والدفاع عن قضاياهم بأنفسهم، دون أن يملى عليهم أحد ما يجب أن يفعلوه.
لقد أثبتت التجارب السابقة أن الشعب الفلسطينى يرفض الرحيل، وأن الدول العربية لا يمكن أن تكون شريكاً فى أى مخطط يسعى إلى تفريغ الأرض من أهلها. واليوم، أكثر من أى وقت مضى، يجب أن ترتفع «لا» عربية موحدة، لا تساوم، لا تتردد، ولا تقبل أن تكون جزءاً من مخطط يراد به أن يصبح الحل الدائم على حساب الحقوق التاريخية لشعب لم ولن يتنازل عن أرضه.
وفى الوقت نفسه، يجب أن تكون هذه اللحظة فرصة لأن يفرض العرب كلمتهم، لا أن يتركوا غيرهم يحدد مصيرهم ومصير أشقائهم. أتمنى وأحلم أن يشارك العرب فى صناعة القرار العالمى، وألا نظل دائماً مجرد رد فعل لما يحدث، بل أن نكون الفعل.