7 يناير، 2025

بغداد/المسلة: رغم أن العراق يعد من أبرز الدول المنتجة والمصدرة للنفط عالميًا، فإن الواقع الاجتماعي والاقتصادي في البلاد يظهر تناقضًا صارخًا بين الإمكانات الهائلة ومستويات الفقر المتزايدة.

و هذا التناقض يثير تساؤلات حول أوجه القصور في إدارة الموارد، والآليات التي تحول دون ترجمة الإيرادات النفطية إلى رفاهية ملموسة للمواطنين.

الفقر المتعدد الأبعاد: أكثر من مجرد أرقام

لم يعد قياس الفقر مقتصرًا على الدخل الفردي؛ بل باتت شدة الحرمان في متطلبات الحياة اليومية مقياسًا أكثر دقة. يشمل هذا الحرمان قطاعات مثل التعليم، الصحة، والخدمات المعيشية.

و في العراق، تشكل نسبة الفقراء 23.4% من السكان وفق إحصاءات العام الماضي، مقارنة بـ22% في عام 2000، مما يعني تضاعف عدد الفقراء من خمسة ملايين إلى عشرة ملايين شخص خلال العقدين الماضيين.

لكن هذه الأرقام لا تعكس الصورة الكاملة. ففي المناطق الجنوبية مثل المثنى والديوانية، تتجاوز نسبة الفقر 50%، بينما تنخفض إلى 5% فقط في السليمانية. هذه الفجوة تبرز التفاوت الإقليمي في توزيع الموارد والخدمات، مما يفاقم الشعور بالحرمان في بعض المحافظات.

أسباب تفاقم الفقر: فساد مالي وأزمات بنيوية

كان العراق في السابق يعاني من الفقر بسبب الحصار الاقتصادي وضعف الأنشطة الاقتصادية. أما الآن، فإن الفساد المالي والإداري يعد السبب الأساسي، حيث تُهدر إيرادات النفط على مشاريع غير فعالة أو تتسرب إلى جيوب الفاسدين. ورغم أن الإيرادات النفطية تضاعفت خمس مرات منذ عام 2000، فإن النظام الاقتصادي الريعي وعدم التنويع الاقتصادي زادا من اعتماد الدولة والمجتمع على النفط، دون تطوير القطاعات الأخرى كالصناعة والزراعة.

و في قطاع التعليم، 3.2 ملايين طفل عراقي في سن الدراسة خارج المدارس، نتيجة للضائقة المالية ونقص البنية التحتية. أما في قطاع الصحة، فبينما يعاني البعض سوء التغذية، ترتفع معدلات هدر الطعام نتيجة العادات الاستهلاكية. هذه المفارقة تعكس ضعف التخطيط وضعف الرقابة على الموارد.

و الخدمات الكهربائية تمثل أزمة مزمنة في بلد يمتلك خامس أكبر احتياطي نفطي في العالم. رغم دعم الدولة لأسعار الطاقة، فإن المواطنين يضطرون للاعتماد على مصادر خاصة باهظة الثمن بسبب الانقطاعات المتكررة. هذه الفجوة بين العرض الحكومي والطلب الفعلي تثقل كاهل الأسر الفقيرة.

و للحد من الفقر، يعتمد العراق على أدوات مثل الصندوق الاجتماعي للتنمية، الرعاية الاجتماعية، والحصة التموينية.

لكن هذه الأدوات تواجه تحديات كبيرة، مثل ضعف التمويل، الفساد، وعدم القدرة على الوصول إلى جميع المستحقين.

و يمكن للعراق الاستفادة من تجارب دولية ناجحة، كالتجربة الصينية التي ركزت على خلق فرص عمل من خلال استغلال النمو الاقتصادي، أو تجربة دول أخرى اعتمدت على تحسين الخدمات الأساسية.

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

المصدر: المسلة

إقرأ أيضاً:

تظاهرات السليمانية إلى ذروتها: نواب العراق يتضامنون مع المعتصمين والمطالب تتصاعد

7 فبراير، 2025

بغداد/المسلة: في ظل تصاعد التوترات في إقليم كردستان، برزت أزمة الرواتب المتأخرة كعامل رئيسي يؤجج الاحتجاجات التي باتت تأخذ طابعاً غير مسبوق.

وارتداء الأكفان من قبل المعلمين والموظفين المضربين عن الطعام ليس مجرد خطوة احتجاجية، بل هو تعبير عن اليأس من تكرار المأساة الاقتصادية التي يعانون منها.

الاعتصامات التي شهدتها مدينة السليمانية جذبت أنظار الشارع العراقي، خاصة مع وصول عدد من النواب إلى خيام المحتجين للتضامن معهم، في خطوة تعكس عمق الأزمة واستمرارها.

النائب يوسف الكلابي، من أمام تلك الخيام، أكد أن الحكومة الاتحادية والبرلمان ماضون في حل الإشكاليات العالقة مع الإقليم، لكن المتظاهرين لا يثقون كثيراً بالوعود الرسمية، حيث يرون أن الأزمة أصبحت مزمنة.

المطالب الأربعة التي وجهها المعتصمون إلى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني تعكس جوهر المشكلة، حيث يدعون إلى احترام كرامة الفرد في الإقليم، وتوطين الرواتب في المصارف الاتحادية، واستئناف الترفيعات، إضافة إلى وضع آلية واضحة لمعالجة مسألة الرواتب المدخرة.

و كشف هذه المطالب عن فقدان الثقة في إدارة الملف المالي داخل الإقليم، وسط اتهامات بتسييس الرواتب وإدارتها بطرق غير شفافة.

في المقابل، صوت مجلس النواب العراقي على التعديل الأول لقانون الموازنة، في خطوة قد تمهد لحلول جزئية، لكنها لم تحظَ بترحيب واسع في الإقليم، حيث يرى المعتصمون أن الحلول يجب أن تكون أكثر جذرية، ولا تقتصر على إجراءات ترقيعية.

الاحتجاجات في السليمانية ليست الأولى من نوعها، لكنها هذه المرة تبدو أكثر إصراراً، مع تصاعد الأزمة المالية والسياسية. فإقليم كردستان يواجه تحديات معقدة، بدءاً من تعثر المفاوضات مع الحكومة الاتحادية حول حصته من الموازنة، وصولاً إلى غياب رؤية واضحة لحل أزمة الرواتب المتكررة. وبينما يستمر الإضراب عن الطعام، يبقى السؤال الأهم: هل ستستجيب بغداد وأربيل لمطالب المحتجين، أم أن الأزمة ستأخذ منحى أكثر خطورة في قادم الأيام؟

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

مقالات مشابهة

  • عقوبات واشنطن على طهران تُشعل إنذار الكهرباء في بغداد
  • تظاهرات السليمانية إلى ذروتها: نواب العراق يتضامنون مع المعتصمين والمطالب تتصاعد
  • الشيخ الخزعلي بين مآثره السياسية وأدواره الأمنية
  • في مرمى النيران: هل تتحول العقوبات على إيران إلى كارثة كهربائية؟
  • التدخين في العراق.. العملة الصعبة تحترق بالدخان.. مليونا دولار يوميًا  
  • مستشار حكومي: حجم الاستثمارات في العراق يصل إلى نحو 60 مليار دولار
  • العراق يدعو للوقوف بحزم ضد أي محاولات لتهجير الفلسطينيين
  • قائد الناتو: بعثتنا بالعراق غير عسكرية وبدعوة من الحكومة للمساعدة بالتدريب
  • بين التجربة الخليجية والتردد العراقي.. أبن حلم الصندوق السيادي؟
  • بعد تصريحات ترامب: صنبور الغاز يغلق و العراق نحو أزمة طاقة خانقة!