لماذا استقال ترودو من الحزب الليبرالي الكندي؟
تاريخ النشر: 7th, January 2025 GMT
#سواليف
أعلن رئيس الحكومة الكندية #جاستن_ترودو استقالته أمس الاثنين من منصبه الذي يتولاه منذ 10 أعوام، موضحا أنه سيواصل تسيير الأعمال إلى أن يختار الحزب الليبرالي خليفة له، وذلك بتداعيات خسارة “رئيس الوزراء المحبوب” شعبيته.
وأتى قراره استجابة لضغوط شديدة. ففي ديسمبر/كانون الأول الماضي، تفاقمت #الأزمة_السياسية التي يمر بها ترودو، مع مطالبة أحزاب كندية معارضة رئيس الوزراء بالتنحي عن السلطة وإجراء #انتخابات مبكرة، وسحب أكثر من 50 من أصل 75 نائبا ليبراليا دعمهم له، فضلا عن استقالة نائبته كريستيا فريلاند احتجاجا على سياساته.
لكن الأزمة ليست مفاجئة، بل تراكمت على مدار السنوات الماضية، وأشعلها فوز الرئيس الأميركي المنتخب دونالد #ترامب بالانتخابات، الذي يعتبر ترودو “حاكم الولاية الأميركية الـ51”.
مقالات ذات صلة مشاهد لإجلاء جنديين إسرائيليين جريحين من غزة 2024/12/23
1- لماذا تراجعت شعبية ترودو؟
أظهرت استطلاعات الرأي الكندية الأسابيع الماضية تراجعا كبيرا في دعم الحزب الليبرالي بقيادة ترودو -الذي يتولى السلطة منذ 9 سنوات- مع تقدم حزب المحافظين بقيادة بيير بويليفر؛ ومع تراجع شعبية الحزب، انخفضت شعبية ترودو.
كما ساهمت فضيحة “وي تشاريتي” عام 2020 بإثارة الجدل حول شفافيته ونزاهته، إذ منح عقدا حكوميا للمؤسسة التي ترتبط بعلاقة مع عائلته.
وفقد كثير من الكنديين ثقتهم بترودو مع تزايد الوعود الانتخابية غير المحققة. إذ وعد رئيس الوزراء في بداية ولايته عام 2019 بتحسين الرعاية الصحية والتعليم، لكن ذلك لم يتحقق بالشكل المتوقع.
كذلك تعرضت حكومته لانتقادات متزايدة بشأن زيادة الإنفاق العام، مما أدى إلى تفاقم الديون، فضلا عن عدم توفير حلول لأزمتي الإسكان وارتفاع تكاليف المعيشة.
2- ما علاقة الاستقالة بجائحة كورونا؟
وأدت جائحة كورونا السنوات الماضية إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في كندا، التي وعد ترودو بتحسينها، ولم يشعر الكنديون بأن برامج الدعم التي أطلقتها الحكومة كافية لمعالجة الضرر الاقتصادي.
لذلك، اتهم الكنديون حكومة ترودو بسوء إدارة أزمة الجائحة. وعام 2022، انطلقت احتجاجات سائقي الشاحنات الذين تأثر عملهم بشدة بالقيود التي فرضتها الحكومة للحد من انتشار الفيروس، ورد مجلس العموم الكندي بإقرار قانون الطوارئ.
وأثار تفعيل قانون الطوارئ انقسام الكنديين، فبعضهم رأى ترودو بصورة “المستبد”، لا سيما أن القانون لم يفعل من قبل بحالة السلم سوى مرة واحدة عام 1970.
3- ما الانتقادات التي واجهها؟
كذلك، اتهم الكنديون رئيس الوزراء المستقيل بـ”الأنانية وتغليب مصلحته الشخصية على مصلحة الوطن”، في أعقاب الانتخابات المبكرة عام 2021 التي دعا إليها لتعزيز الأغلبية البرلمانية وإضعاف المعارضة، وهو ما لم يتكلل بالنجاح المأمول، إذ حصل على حكومة أقلية برلمانية.
وعام 2019، انتقد الكنديون ترودو لتدخله بالقضاء، بعد تدخله لتخفيف العقوبات عن شركة البناء “إس إن سي -لافالين” بالضغط على وزيرة العدل السابقة، وذلك ما نفاه رئيس الوزراء لاحقا.
4- ما دور الولايات المتحدة؟
رغم أن الولايات المتحدة لا تؤثر بشكل مباشر على كندا، فإن السياسات الاقتصادية الأميركية تترك ظلالها على أوتاوا، لا سيما مع ارتباط البلدين باتفاقيات التجارة.
ومع عودة ترامب إلى الرئاسة الأميركية، اتُهم ترودو بتبنّي “حيل سياسية مكلفة”، بدلا من مواجهة الرئيس الأميركي مباشرة، الذي يعتزم رفع الرسوم الجمركية على الواردات الكندية إلى 25%.
إعلان
وخلال نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول الماضيين، أجرت حكومته مفاوضات مضنية لتجنب حرب تجارية مع الولايات المتحدة، غير أن الاجتماعات، ومن بينها اجتماع ترودو مع ترامب في منتجع مارالاغو، لم تسفر عن نتائج ملموسة، مما زاد من الإحباط العام.
5- كيف أثرت الانتخابات المقبلة؟
ومع اقتراب موعد الانتخابات الفدرالية المقررة في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، يرى الحزب الليبرالي أن ترودو شكل عبئا عليه وقلل من فرصه بالفوز.
ويعتقد الليبراليون أن بقاء ترودو كان سيؤدي لتراجع الحزب أمام المحافظين. كما لن يتيح المجال لتحضير قائد جديد قبل المعركة الانتخابية أو تجديد صورة الحزب. وذلك ما دفع ترودو للقول في خطاب الاستقالة “هذا البلد يستحق خيارا حقيقيا في الانتخابات المقبلة، لقد أصبح واضحا لي أنه إذا كان علي أن أخوص معارك داخلية لا يمكنني أن أكون رئيسا للحكومة”.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف جاستن ترودو الأزمة السياسية انتخابات ترامب الحزب اللیبرالی رئیس الوزراء
إقرأ أيضاً:
لماذا لا يُقرّ حزب الله بالهزيمة؟
استعاد كثيرون في الآونة الأخيرة ما فعله آية الله الخميني، عام 1988، حين "تجرّع السمّ"، وهو التعبير الذي استخدمه وصفاً لقبوله قرار مجلس الأمن الرقم 598 لإنهاء الحرب مع العراق. فإيران، رغم الجموح الإيديولوجيّ المعهود فيها، تصرّفت يومذاك تصرّف دولة استنفدت قدراتها وطاقاتها على مدى ما يقرب من عقد. ذاك أنّها أحسّت، اقتصاديّاً وعسكريّاً ومعنويّاً سواء بسواء، أنّ طريق حربها باتت موصدة تماماً. وبينما كانت علاقتها مع الولايات المتّحدة تزداد توتّراً، تبعاً لاحتجاز موظّفي السفارة الأميركيّة بطهران، دافعةً بعض المراقبين إلى عدم استبعاد حرب ما، بدا أنّ العالم لن يعاقب بغداد على استخدام القوّات العراقيّة أسلحة دمار شامل.
والخمينيّ ليس من كارهي الحروب. وكانت تلك الحرب، التي بدأها صدّام حسين، قد وفّرت له تصليب نظامه الإسلاميّ الناشئ الذي تعصف به تناقضات كثيرة. مع ذلك، وحين رجحت كفّة الخسائر على كفّة المكاسب، كما راحت قاعدة النظام الشعبيّة تكتوي بتأثيرات الحرب فيما يتقلّص استعدادها للتحمّل، قرّر الموافقة على وقف النار، ولو رأى الأمر كريهاً مثل تجرّع السمّ.
طرف راديكاليّ آخر، ولو اختلف مضمون الراديكاليّتين ووجهتهما، سبق أن أقدمَ، قبل سبعين عاماً بالتمام، على تجرّع سمّ من نوع آخر.
فبعد أشهر قليلة على ثورة أكتوبر البلشفيّة في 1917، وقّعت روسيا و"القوى المركزيّة" بقيادة ألمانيا معاهدة برِست ليتوفسك التي أوقفت الحرب بين الطرفين. لكنّ المعاهدة كانت مؤلمة جدّاً للحكّام الجدد من البلاشفة: فهي قضت بتخلّي بلادهم عن كامل أراضيها في مناطق البلطيق، وأوكرانيا، وبولندا، تاركةً لألمانيا أن تُلحق الكثير من تلك الأراضي "الروسيّة" بها.
وفوق هذا تنازلت موسكو، في الجنوب الشرقي، عن أراضٍ للدولة العثمانيّة، حليفة ألمانيا في الحرب. أي أنّ اتّفاقيّة السلام بدت عقابيّة جدّاً للروس، أذلّتهم وحرمتهم مدناً صناعيّة ومساحات زراعيّة جبّارة، فضلاً عن انتزاع مناطق ذات كثافة سكانيّة مرتفعة منهم. أما حلفاء روسيا في الحرب العالميّة، بريطانيا، وفرنسا، والولايات المتّحدة، وإيطاليا، واليابان، فاعتبروا سلامها مع ألمانيا خيانة ونكثاً بتعهّد التحالف الروسيّ معهم، كما قطعه العهد القيصريّ، لمواجهة الألمان. وكانت للموقف هذا تبعات حربيّة واقتصاديّة مؤلمة، فتشدّدَ الحلفاء أولئك في دعمهم الجيش الأبيض خلال الحرب الأهليّة الدائرة، وفي سحب استثماراتهم الضخمة من روسيا. ووُجّهت للقيادة البلشفيّة اتّهامات شتّى بالتفريط والتخلّي الوطنيّين، وكانت الاتّهامات تصدر عن اليمين القوميّ كما عن اليسار الأشدّ راديكاليّة. وحتّى قادة الحزب الحاكم أنفسهم لم يكونوا مُجمعين على الاتّفاقيّة المذكورة، بحيث هدّد زعيمهم فلاديمير لينين بالاستقالة في حال رفضها.
والحال أنّ روسيا البلشفيّة أقدمت على توقيع برِست ليتوفسك لأسباب كثيرة يتصدّرها اثنان:
الأوّل، الهزائم العسكريّة ورفض الجنود الروس البقاء في الخنادق. وكان الحزب البلشفيّ قد قدّم نفسه، منذ 1914، حزب الانسحاب الفوريّ والمباشر من تلك الحرب الدائرة بين إمبرياليّين، وبدعايته هذه خاطب الجنودَ الذين انحازوا إليه وقاتل بعضهم في صفوفه.
أمّا السبب الثاني، وهو ربّما كان الأهمّ، فأن لينين ورفاقه كانوا يحملون مشروعاً يستدعي كامل التفرّغ له، هو بناء نظامهم الاشتراكيّ في روسيا، والذي يخدمه السلام ويوفّر له البيئة المطلوبة بقدر ما يؤذيه استمرار التورّط في الحرب.
وقد يقال بحق إن الدقّة تخون مقارنة تلك التجارب بما يحصل راهناً في لبنان، ما يجعلها مقارنة فضفاضة وقليلة النفع. مع هذا، يبقى مفيداً التذكير بالمناخين الذهنيّ والسياسيّ اللذين يحيطان بتقديم تنازلات تترجم واقع الهزيمة والإقرار به، سيّما حين يصدر الإقرار عن طرف راديكاليّ ينطق بوعي صراعيّ ما.
فحزب الله لم يصفْ موافقته على وقف إطلاق النار بـ "تجرّع السمّ"، بل جاءت أوصافه أقرب إلى الادّعاء بأنّه هو مَن يجرّع إسرائيل السمّ. وتزويرٌ كهذا يقول إنّ ثمّة علاقة غريبة بين الحزب وجمهوره، أساسها افتراض الحزب وجود تسليم أعمى وتفويض مطلق من جمهوره لن تليهما محاسبة أو مساءلة، وهذا علماً بأنّ النتائج الكارثيّة المُرّة على الجمهور كانت وتبقى صعبة الإخفاء أو التمويه. وإلى هذا، فإنّ الحزب لا يريد أن يبني شيئاً يستدعي الحرص عليه وتقديم التنازلات الكبرى من أجله. فهو، بطبيعة الحال، لا يملك دولة كدولة الخمينيّ، بل يتحكّم بدولة من دون أي مسؤوليّة عنها. لكنّه، إلى ذلك، لا يملك مشروعاً كمشروع لينين. ذاك أنّ الدولة التي يقاتل لأجلها، وينضبط بمصالحها، ليست دولته هو، بينما المشروع الوحيد الذي يحرص عليه هو السلاح للسلاح، أي السلاح بذاته والسلاح فحسب.
هكذا نراه يستمرّ في سياسة ورواية ترفضان أن تقرّا بالهزيمة، وأن تبنيا على إقرار كهذا موقفاً كالذي وقفه الخمينيّ حين تجرّع السمّ، أو لينين حين كلّف ليون تروتسكي التوقيع على برست ليتوفسك.