يصعب التكهّن بمستقبل سوريا في اللحظة الراهنة، ليس فقط بالنسبة لصنّاع القرار في الإقليم والعالم، بل قبل ذلك، بالنسبة للسوريين، إذ إنهم غير متفقين على إجابة واحدة قاطعة عن مستقبل بلدهم، فمن الطبيعي أن يتفاءل البعض بالتغيير الحاصل، إذ يرون أن الأسوأ قد مرّ عليهم، وأن أي نظام سيحكمهم سيكون أفضل بكثير من نظام البعث، بعد أن تكشّفت لهم حقائق كثيرة عن المعتقلات التي كان يديرها الأمن، والمقابر الجماعية التي يضم بعضها بضعة آلاف من الجثث، التي لا يعرف أصحابها، والذين قتلوا بلا أي محاكمات.
إذاً، يمكن وضع عنوان عام وعريض، لكنه واقعي جداً، هو أن سوريا اليوم على مفترق طرق، لكن تحت هذا العنوان العريض، هناك تفاصيل كثيرة، ستحكم في نهاية المطاف الوجهة التي ستسلكها البلاد، والتي ستحدّد مستوى الاستقرار أو مستوى الفوضى فيها، فسوريا الخارجة من حكم البعث الذي استمرّ أزيد من خمسة عقود، عاشت السنوات الأخيرة في حالات انقسام عديدة، من حيث توزّع سلطات الأمر الواقع، أو من حيث الانقسام المجتمعي، أو حتى من حيث تباين الموارد، واختلاف الحلفاء.
الإدارة الجديدة للبلاد تحاول أن ترسل رسائل إيجابية على المستوى الإقليمي، لكن هذه النقطة بحدّ ذاتها تبدو مقلقة، فالإقليم منذ 2011 يعيش جملة من التناقضات بين دوله، ورؤى متباينة حول طبيعة نظام الأمن والاستقرار، واختلافاً في وزن اللاعبين وأدوارهم، كل ذلك يجعل من الصعب على من يحكم سوريا اليوم أن يكون بمنأى كامل عن التجاذبات الإقليمية، وبالتالي، فإن تحديد وجهة سوريا إقليمياً سيحدّد طبيعة الداعمين للنظام الجديد، أو المنكفئين عن دعمه.
هناك وجهة نظر معتبرة في الإقليم تقول إنه لا ينبغي منح الدولة، خصوصاً في منطقة مشتعلة كمنطقتنا، هوية عقائدية ما، فكيف إذا كانت هذه الدولة هي سوريا، المتنوعة قومياً ودينياً ومذهبياً وثقافياً، ومن المعروف أن الحكم الجديد في سوريا قد أتى من خلفية عقائدية ليست خافية على أحد، لكن تطبيع الدولة بهذه الخلفية، لن يكون صداه مقبولاً في المجتمع السوري، وكذلك في الإقليم، الذي عانى ولا يزال يعاني الاستثمار في الهويات العقائدية، التي تعدّ الوصفة المثالية للانقسام المجتمعي على أساس عقائدي، وقد تؤسس في أسوأ سيناريو لها لحرب أهلية أو تقسيم.
أيضاً، إذا كان لا بد من حصول تعافٍ اقتصادي ومعيشي في سوريا، فإن هذا التعافي يحتاج إلى دعم عربي كبير، وهذا الدعم كان موجوداً في النواحي الإغاثية والإنسانية في السنوات الأخيرة، لكن هذا الأمر يختلف عن الاستثمار الذي يمكن أن تقوم به الدول أو الشركات العربية، إذ لا يمكن أن يكون هناك دعم جدّي أو استثمارات كبيرة من دون نظام حكم مستقر، وبيئة أمنية مشجعة، وتشريعات تضمن العمل بحرية وكفاءة، وهذا المناخ له متطلبات عديدة، يحتاج تحقيقها إلى بوصلة واضحة وعمل كبير.
السوريون اليوم، وفي كامل الجغرافيا السورية، يعانون نقصاً كارثياً في الخدمات، خصوصاً في حوامل الطاقة، إذ إنه من غير المتوقع أن تبدأ عجلة الإنتاج الداخلي بالخروج من أزمتها من دون أن توجد حلول عاجلة وسريعة لنقص حوامل الطاقة، فمعظم مناحي الخدمات تقوم على توفر هذه الحوامل من نفط وغاز وكهرباء، وبالتالي فإن استمرار النقص الحالي سيدفع السوريين إلى التشاؤم بقدرة البلاد على تطوير دورة الإنتاج، لاستحداث فرص عمل جديدة، إذ تحتاج سوريا سنوياً إلى حوالي 300 ألف فرصة عمل، كما أن تعافي خسائر العملة الوطنية يحتاج إلى تصدير المنتجات، وهو أمر غير ممكن إذا عجزت الإدارة الجديدة عن توفير مستلزمات الإنتاج.
الملفّات الشائكة كثيرة، وكلّها تمتلك ذات الأهمية، مع فوارق في الدرجة، إذ إن التخلّص من فوضى السلاح مرهون بقدرة الإدارة الجديدة على بناء مؤسسات وطنية غير عقائدية، لا تستثني فئة من السوريين، وهذا الأمر قد يصطدم بوجود لون واحد في الفصائل العسكرية، التي تزعم الإدارة الجديدة حلّها، وضمّها إلى الجيش، وهو أمر لن يكون مطمئناً للسوريين، كما أن هيكلة أجهزة الأمن لها الأهمية ذاتها، فمأساة السوريين التاريخية منذ الانفصال عن الوحدة مع مصر، كانت في تغوّل الأجهزة الأمنية على الحياة العامة، وبالتالي، فإن المعايير والآليات التي سيعمل بها لهيكلة الأمن، ستحدد مدى رضا السوريين عنها.
مهمّات الإدارة الجديدة داخلياً وخارجياً كبيرة وصعبة، ويبدو من المبكر الحكم على مدى النجاح في مواجهة تلك التحديات، وتجاوز العقبات الكثيرة، لكن بالطبع لن تدوم حالة عدم اليقين لسنوات طويلة، فالسوريون اليوم لم يعودوا يمتلكون ما يخسرونه للانتظار طويلاً لترجمة الوعود إلى أفعال ووقائع ملموسة، وكذلك، دول الإقليم، فهي اليوم تدعم بحذر، وتراقب التطورات، وستتّخذ مواقفها بناءً عليها.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب خليجي 26 إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية سقوط الأسد الإدارة الجدیدة
إقرأ أيضاً:
القانونية النيابية:لجنة دولية استشارية ستحدد سعر إنتاج البرميل الواحد من النفط في الإقليم
آخر تحديث: 5 فبراير 2025 - 11:13 ص بغداد/ شبكة أخبار العراق- كشفت لجنة القانونية النيابية، الأربعاء، عن آلية اختيار اللجنة الاستشارية الدولية بشأن قضية نفط الإقليم، فيما أوضح أن تعديل قانون الموازنة سيحل الكثير من المشاكل بين بغداد وأربيل.وقال عضو اللجنة محمد عنوز للإعلام الرسمي، إن “مصادقة البرلمان على مقترح مشروع قانون تعديل الموازنة يؤشر إشارة واضحة بأن هناك معالجة موضوعية لقضية إنتاج النفط وتسليمه التي كانت عالقة بين المركز والإقليم”.وأضاف، أن “نص التعديل ينص على اختيار لجنة استشارية دولية بموافقة واختيار وزارة النفط الاتحادية ووزارة الثروات الطبيعية في إقليم كردستان خلال فترة محددة وإذا حصل خلاف بشأن الاختيار بين الطرفين سيكون على مجلس الوزراء اتخاذ إجراء واختيار الشركة التي تقوم بهذا الدور”، مشيرا إلى، أن “ذلك سيعتمد إحدى المؤشرات التي تجعلنا نطمئن بأنه الخلاف سوف لن يستمر ولن يطول”.وذكر، أن “اللجنة القانونية مستمرة في متابعة جميع القوانين والإجراءات التي تتعلق في البلاد في مختلف المناطق، وهذه مسؤولية وطنية عامة”، لافتا إلى، أن “استقرار العلاقة بين الإقليم والمركز مسؤولية الجميع والاستجابة لحاجات الإقليم ومقترحات المركز أيضا واجب وطني عام”.وأشار إلى، “إعطاء الفرصة للجنة الاستشارية للوصول إلى حل يؤمن حاجات الإقليم ويؤمن عدم وجود تمييز أو عدم مساواة بين الأطراف وهذا مبدأ دستوري”.