موقع 24:
2025-01-08@08:14:12 GMT

سوريا على مفترق طرق

تاريخ النشر: 7th, January 2025 GMT

سوريا على مفترق طرق

يصعب التكهّن بمستقبل سوريا في اللحظة الراهنة، ليس فقط بالنسبة لصنّاع القرار في الإقليم والعالم، بل قبل ذلك، بالنسبة للسوريين، إذ إنهم غير متفقين على إجابة واحدة قاطعة عن مستقبل بلدهم، فمن الطبيعي أن يتفاءل البعض بالتغيير الحاصل، إذ يرون أن الأسوأ قد مرّ عليهم، وأن أي نظام سيحكمهم سيكون أفضل بكثير من نظام البعث، بعد أن تكشّفت لهم حقائق كثيرة عن المعتقلات التي كان يديرها الأمن، والمقابر الجماعية التي يضم بعضها بضعة آلاف من الجثث، التي لا يعرف أصحابها، والذين قتلوا بلا أي محاكمات.

وهناك قسم متفائل بحذر، يجد أنه من السابق لأوانه الحكم على مستقبل البلاد، ليس فقط السياسي، وإنما الاقتصادي والمعيشي والخدمي، وهناك فئة أفصحت عن تشاؤم شبه مطلق، نظراً للكمّ الهائل من التحدّيات التي تواجهها سوريا، دولة وشعباً.

إذاً، يمكن وضع عنوان عام وعريض، لكنه واقعي جداً، هو أن سوريا اليوم على مفترق طرق، لكن تحت هذا العنوان العريض، هناك تفاصيل كثيرة، ستحكم في نهاية المطاف الوجهة التي ستسلكها البلاد، والتي ستحدّد مستوى الاستقرار أو مستوى الفوضى فيها، فسوريا الخارجة من حكم البعث الذي استمرّ أزيد من خمسة عقود، عاشت السنوات الأخيرة في حالات انقسام عديدة، من حيث توزّع سلطات الأمر الواقع، أو من حيث الانقسام المجتمعي، أو حتى من حيث تباين الموارد، واختلاف الحلفاء.
الإدارة الجديدة للبلاد تحاول أن ترسل رسائل إيجابية على المستوى الإقليمي، لكن هذه النقطة بحدّ ذاتها تبدو مقلقة، فالإقليم منذ 2011 يعيش جملة من التناقضات بين دوله، ورؤى متباينة حول طبيعة نظام الأمن والاستقرار، واختلافاً في وزن اللاعبين وأدوارهم، كل ذلك يجعل من الصعب على من يحكم سوريا اليوم أن يكون بمنأى كامل عن التجاذبات الإقليمية، وبالتالي، فإن تحديد وجهة سوريا إقليمياً سيحدّد طبيعة الداعمين للنظام الجديد، أو المنكفئين عن دعمه.
هناك وجهة نظر معتبرة في الإقليم تقول إنه لا ينبغي منح الدولة، خصوصاً في منطقة مشتعلة كمنطقتنا، هوية عقائدية ما، فكيف إذا كانت هذه الدولة هي سوريا، المتنوعة قومياً ودينياً ومذهبياً وثقافياً، ومن المعروف أن الحكم الجديد في سوريا قد أتى من خلفية عقائدية ليست خافية على أحد، لكن تطبيع الدولة بهذه الخلفية، لن يكون صداه مقبولاً في المجتمع السوري، وكذلك في الإقليم، الذي عانى ولا يزال يعاني الاستثمار في الهويات العقائدية، التي تعدّ الوصفة المثالية للانقسام المجتمعي على أساس عقائدي، وقد تؤسس في أسوأ سيناريو لها لحرب أهلية أو تقسيم.
أيضاً، إذا كان لا بد من حصول تعافٍ اقتصادي ومعيشي في سوريا، فإن هذا التعافي يحتاج إلى دعم عربي كبير، وهذا الدعم كان موجوداً في النواحي الإغاثية والإنسانية في السنوات الأخيرة، لكن هذا الأمر يختلف عن الاستثمار الذي يمكن أن تقوم به الدول أو الشركات العربية، إذ لا يمكن أن يكون هناك دعم جدّي أو استثمارات كبيرة من دون نظام حكم مستقر، وبيئة أمنية مشجعة، وتشريعات تضمن العمل بحرية وكفاءة، وهذا المناخ له متطلبات عديدة، يحتاج تحقيقها إلى بوصلة واضحة وعمل كبير.
السوريون اليوم، وفي كامل الجغرافيا السورية، يعانون نقصاً كارثياً في الخدمات، خصوصاً في حوامل الطاقة، إذ إنه من غير المتوقع أن تبدأ عجلة الإنتاج الداخلي بالخروج من أزمتها من دون أن توجد حلول عاجلة وسريعة لنقص حوامل الطاقة، فمعظم مناحي الخدمات تقوم على توفر هذه الحوامل من نفط وغاز وكهرباء، وبالتالي فإن استمرار النقص الحالي سيدفع السوريين إلى التشاؤم بقدرة البلاد على تطوير دورة الإنتاج، لاستحداث فرص عمل جديدة، إذ تحتاج سوريا سنوياً إلى حوالي 300 ألف فرصة عمل، كما أن تعافي خسائر العملة الوطنية يحتاج إلى تصدير المنتجات، وهو أمر غير ممكن إذا عجزت الإدارة الجديدة عن توفير مستلزمات الإنتاج.
الملفّات الشائكة كثيرة، وكلّها تمتلك ذات الأهمية، مع فوارق في الدرجة، إذ إن التخلّص من فوضى السلاح مرهون بقدرة الإدارة الجديدة على بناء مؤسسات وطنية غير عقائدية، لا تستثني فئة من السوريين، وهذا الأمر قد يصطدم بوجود لون واحد في الفصائل العسكرية، التي تزعم الإدارة الجديدة حلّها، وضمّها إلى الجيش، وهو أمر لن يكون مطمئناً للسوريين، كما أن هيكلة أجهزة الأمن لها الأهمية ذاتها، فمأساة السوريين التاريخية منذ الانفصال عن الوحدة مع مصر، كانت في تغوّل الأجهزة الأمنية على الحياة العامة، وبالتالي، فإن المعايير والآليات التي سيعمل بها لهيكلة الأمن، ستحدد مدى رضا السوريين عنها.
مهمّات الإدارة الجديدة داخلياً وخارجياً كبيرة وصعبة، ويبدو من المبكر الحكم على مدى النجاح في مواجهة تلك التحديات، وتجاوز العقبات الكثيرة، لكن بالطبع لن تدوم حالة عدم اليقين لسنوات طويلة، فالسوريون اليوم لم يعودوا يمتلكون ما يخسرونه للانتظار طويلاً لترجمة الوعود إلى أفعال ووقائع ملموسة، وكذلك، دول الإقليم، فهي اليوم تدعم بحذر، وتراقب التطورات، وستتّخذ مواقفها بناءً عليها.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب خليجي 26 إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية سقوط الأسد الإدارة الجدیدة

إقرأ أيضاً:

ما حقيقة إغلاق الإدارة السورية الجديدة للمعهد الموسيقي في حلب؟

نفت مصادر مسؤولية الإدارة السورية الجديدة، عن إغلاق المعهد الموسيقي في حلب (معهد صباح فخري) بشمال البلاد.

ونقل "تلفزيون سوريا"، اليوم الثلاثاء، عن المصادر قولها إن "نشاط المعهد توقف فعلياً في 28 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ما ينفي صحة بعض الروايات المتداولة عن مسؤولية الإدارة الجديدة في إغلاقه"، مشيرة إلى أن "قرار إعادة فتح المعهد أو إغلاقه بشكل دائم  يظل غير معروف".

وأسس المعهد في عام 1958، ليكون ضمن أهم المؤسسات الموسيقية في سوريا، إلى جانب معهد صلحي الوادي في دمشق. وعُرف باسمه الجديد "معهد صباح فخري للموسيقى" منذ عام 2006، تكريماً للفنان السوري.

وكان المعهد يضم نحو 230 طالباً تتراوح أعمارهم بين 7 و18 عاماً، ويعمل فيه نحو 20 أستاذاً يقدمون تعليماً موسيقياً بأسعار رمزية.

ويعتبر المعهد الموسيقي في حلب أحد أهم المعاهد الفنية على مستوى سوريا، وتعلم فيه كبار الفنانين السوريين مثل الفنان الراحل "صباح فخري".

ووفق تلفزيون سوريا، عانى المعهد على مدى سنوات من حكم نظام الأسد من إهمال شديد، شمل نقص التمويل، وتهالك الأدوات الموسيقية، وانعدام التدفئة، فضلاً عن ضعف الأجور الرمزية للأساتذة، والتي لا تتجاوز 1500 ليرة سورية (نحو 10 سنتات) للحصة الواحدة.

وخلال الأشهر الأخيرة، تم اتخاذ إجراءات أوقفت نشاط المعهد بالكامل، شملت عدم استقبال الطلاب والأساتذة، وتخفيض دوام الإداريين إلى يومين فقط في الأسبوع، مع تفكيك أجهزة الطاقة الكهربائية ومصادرة الوقود اللازم للتدفئة. هذه الخطوات جاءت في عهد النظام السابق، وفقاً لما أكده ناشطون.

وأكد مصدر في إدارة المعهد، لموقع "سناك سوري" الإخباري، أن الإغلاق بدأ يوم 28 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مضيفاً أن الإدارة لم تبلغ بقرار إغلاق دائم أو بإمكانية استئناف النشاط.

ونقل التلفزيون عن محام  يدعى علاء السيد،  قوله إن "مبنى المعهد مستأجر منذ عقود من عائلة بودقة، التي غادرت البلاد منذ زمن طويل"، وأضاف أن "بعض أقرباء المالكين حاولوا استعادة المبنى بالقوة، إلا أن الجهات الأمنية تدخلت وأجلتهم بعد التأكد من عدم امتلاكهم صفة قانونية. الأمر الذي ربما يبرر تأخر البت في قضية إعادة فتح المعهد أو إعادة المبنى إلى أصحابه".

مقالات مشابهة

  • ماذا بحث الأردن مع أول وفد يزور المملكة من الإدارة السورية الجديدة؟
  • ملابسات حول غلق معهد صباح فخري للموسيقى في سوريا وعلاقة الإدارة الجديدة
  • من عمان..وزير خارجية سوريا: لا كبتاغون إلى الأردن في عهد الإدارة الجديدة
  • بالتفصيل.. ما هي الإعفاءات التي أقرّتها أمريكا بخصوص سوريا؟
  • ما حقيقة إغلاق الإدارة السورية الجديدة للمعهد الموسيقي في حلب؟
  • أمن الطاقة في سوريا.. تحديات كبيرة أمام الإدارة الجديدة
  • واشنطن تبدأ في فك القيود على أموال “الإدارة السورية الجديدة”
  • مفاوضات الإدارة السورية الجديدة وقسد.. بحث عن حلول أم كسب للوقت؟
  • رئيس جهاز ناصر الجديدة تستعرض عددًا من مشروعات الخدمات التي تم تنفيذها وتشغيلها بالمدينة في 2024