الجزيرة نت ترصد واقع المحاصرين في مستشفيي العودة والإندونيسي
تاريخ النشر: 7th, January 2025 GMT
غزة- على سرير متهالك وتحت سقف متداع من هول الانفجارات، يجلس المريض السبعيني نزار أبو المعزة، وقد أنهكه المرض والجوع، فلا دواء ولا طعام في المستشفى الإندونيسي المحاصر في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، والذي لا يزال يتعرض لقصف أسفر اليوم الاثنين عن إصابة ممرض، حيث يطالب جيش الاحتلال طاقم المستشفى بإخلائه بالكامل، بالتزامن مع حصار وتهديد مماثلين لمستشفى العودة.
وكان أبو المعزة من بين قلة لم تعتقلها قوات الاحتلال الإسرائيلي، وأجبرتها على النزوح نحو المستشفى الإندونيسي، إثر اقتحام مستشفى كمال عدوان القريب منه في البلدة ذاتها، التي تتعرض -أسوة بمخيم جباليا وباقي بلدات محافظة شمال القطاع- لعملية عسكرية برية شرسة منذ الخامس من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وتحامل أبو المعزة ورفاقه من المرضى على آلامهم حتى وصلوا للمستشفى الإندونيسي، وهو بحسب وزارة الصحة الأول من بين مستشفيات شمال القطاع الذي يخرج عن الخدمة مع بدايات العملية البرية.
وتقول وزارة الصحة إن 3 مستشفيات حكومية في شمال القطاع خرجت عن الخدمة تباعا، هي "الإندونيسي" و"بيت حانون"، وآخرها كمال عدوان الذي ناله دمار هائل وأضرمت فيه قوات الاحتلال النيران، واعتقلت نحو 240 شخصا منه، أبرزهم مديره الدكتور حسام أبو صفية.
إعلانوبالنسبة لأبو المعزة ومن معه، فإنهم يعيشون بحسب وصفه "أياما مرعبة" داخل الإندونيسي، تحاصرهم الدبابات، ولا تغادر الطائرات الحربية والمسيرات أجواء المستشفى، وسط قصف جوي ومدفعي لا يتوقف، يتزامن مع عمليات تجريف وإضرام النيران في المنازل والمباني المتاخمة للمستشفى.
ولا تتوفر لهذا المريض وغيره من المرضى والمحاصرين في المستشفى الإندونيسي سوى وجبة طعام واحدة يوميا، ويقول للجزيرة نت إن "كل دقيقة تمر علينا هنا ونحن على قيد الحياة هي عمر جديد (..) نشعر أن الموت قريب منا وقد يخطف أرواحنا في أي لحظة".
ويوجَد داخل هذا المستشفى الحكومي الصغير 18 شخصا، من بينهم 10 كوادر طبية، و8 مرضى وجرحى، أصغرهم الطفلة الجريحة سارة نصار.
وتقول سارة (4 أعوام) للجزيرة نت إنها لا تجد الماء للشرب إلا قليلا، وحتى الماء للنظافة غير متوفر، وتضطر لاستخدام المحلول الطبي لغسل وجهها وجسدها، حيث دمرت قوات الاحتلال محطة وخزانات المياه بالمستشفى.
وعلى صغر سنها، فإن هذه الطفلة التي تعاني هي ووالدتها من جروح وكسور نتيجة غارة جوية إسرائيلية، تدرك أنها محاصرة في المستشفى، وأن الخطر يحيطها من كل جانب، وتقول "بدي أروح (أنزح) على غرب غزة"، وهي المنطقة التي يبدو أنها اعتادت سماعها من كثرة تكرارها من قبل الاحتلال، خلال مطالبته سكان الشمال بمغادرة منازلهم والنزوح نحو المناطق الغربية من مدينة غزة.
وتشير التقديرات المحلية إلى أن مدينة غزة، وهي كبرى مدن القطاع الساحلي الصغير، تكتظ حاليا بزهاء نصف مليون فلسطيني، من بينهم حوالي 180 ألفا من مخيم جباليا وبلدتي بيت لاهيا وبيت حانون، أجبروا على النزوح على وقع المجازر المروعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
وتتمسك إدارتا مستشفيي الإندونيسي، والعودة (جمعية أهلية)، بالبقاء وعدم النزوح، وبينما خرجت الأولى عن الخدمة تماما، فإن مدير العودة محمد صالحة يقول للجزيرة نت "سنبقى هنا ولن نخلي المستشفى حتى لو بقي مواطن واحد في الشمال يحتاج الخدمة الطبية".
إعلانويقول المدير العام لوزارة الصحة في غزة، الدكتور منير البرش، للجزيرة نت "جرت محاولة سابقة لإجلاء بعض المرضى والنازحين من مستشفيات الشمال، ورغم التنسيق مع منظمة الصحة العالمية وهيئات دولية مختصة، فإن الاحتلال أوقف سيارتين تقلان 10 أشخاص واعتقل 4 منهم، ومن بعدها بات الناس يخشون المغادرة ويتمسكون بالبقاء داخل المستشفيات حتى آخر نفس".
وفي سبيل إجبار مستشفى العودة على الإخلاء القسري، تحكم قوات الاحتلال حصارها عليه، ووصل الأمر للتهديد بقصفه على رؤوس من فيه، وبحسب صالحة فإن "أسيرا لدى الاحتلال حمل لنا قبل يومين رسالة مكتوبة بإخلائه وإلا سنتعرض للموت، ورفضنا لأن لدينا مرضى وإخلاء المستشفيات لا يتم بهذه الطريقة، وعاد إلينا مجددا بعد ساعة ونصف تقريبا ووقف أمام مدخل مبنى الاستقبال ومسيرة "كواد كابتر" تحلق فوق رأسه، وقد حمل رسالة تهديد شفهية بأنه سيتم قصف المستشفى فوق رؤوسنا".
ويوجد داخل المستشفى 112 شخصا -من بينهم 38 مريضا- ويضيف صالحة "في الفترة ما بين الرسالتين ألقت مسيرة إسرائيلية قنبلة على باب مبنى الاستقبال وأصيب موظفان"، وليلا دمروا خزان الوقود الوحيد ويحوي كمية قليلة، وبإصرار يؤكد "مهما حدث، لن نتخلى عن المرضى، ولن نخلي المستشفى بهذه الطريقة".
وتمعن قوات الاحتلال في إحكام الخناق على مستشفى العودة قصفا وحصارا، وقد دأبت منذ العملية البرية على مخيم جباليا ومحافظة الشمال على رفض وصول أي مهمة إنسانية لمنظمة الصحة العالمية والهيئات المختصة إليه لإمداده بالوقود والأدوية والمستلزمات الطبية.
ووفقا لصالحة، فإنه على ضوء خروج كمال عدوان والإندونيسي عن الخدمة، بات "العودة" وحيدا في تلك المناطق، "وتواصلنا مع الصحة العالمية من أجل تزودينا بالإمدادات الضرورية لضمان استمرارية عملنا كمستشفى وحيد لا يزال قائما في الشمال المحاصر والمدمر".
إعلانويشير صالحة إلى أن العودة ليس بإمكانه تغطية كل الخدمات الصحية الضرورية، خاصة أن 70% من الإصابات الناجمة عن القصف الإسرائيلي تحتاج لجراحة عظام، في الوقت الذي يوجد فيه بالمستشفى وكل مناطق الشمال طبيب جراح وحيد يُجري العمليات الجراحية المنقذة للحياة فقط، في حين اعتقل الاحتلال رئيس قسم جراحة العظام في مستشفى العودة الدكتور محمد عبيد، أثناء وجوده في مستشفى كمال عدوان وقت اقتحامه.
وتبدو الصورة أكثر قتامة في المستشفى الإندونيسي ومحيطه، ويقول مديره، الدكتور مروان السلطان، للجزيرة نت، إنه جرى تحييد المستشفى عن الخدمة منذ الأيام الأولى للعملية البرية الأخيرة ضد مخيم جباليا ومحافظة الشمال.
وإمعانا في عدم تمكين المستشفى من استئناف العمل أو تقديم أي خدمة طبية للمرضى، عمدت قوات الاحتلال قبل بضعة أيام إلى تدمير مولدات الكهرباء ومحطات الأكسجين ومحطة وخزانات المياه، وإزاء ذلك يؤكد السلطان "أوضاعنا هنا صعبة ومعقدة، حيث لا ماء ولا طعام ولا دواء، وليس لدينا أي مقومات لتقديم الخدمة الطبية".
ويرى السلطان فيما يتعرض له المستشفى الإندونيسي حاليا "حكما بالإعدام" على الموجودين بداخله، ويقول "خاطبنا الصحة العالمية لوضعها أمام مسؤولياتها وإيجاد بديل كإنشاء مستشفى ميداني بالقرب منا لتقديم الخدمة الطبية".
وأفاد مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة بأنه "بعدما أخرجت كمال عدوان عن الخدمة كليا، فإن قوات الاحتلال تستكمل جريمتها عبر تصعيد التهديد ضد مستشفيي الإندونيسي والعودة، في إمعان وسياسة ممنهجة تهدف إلى تدمير البنية التحتية الصحية في القطاع".
ورغم مزاعم الاحتلال الواهية باستخدام المستشفيات لأغراض عسكرية، فإنه فشل فشلا ذريعا في تقديم أي دليل يثبت صحة ادعاءاته وأكاذيبه، ويضيف المسؤول الحكومي "لقد بات واضحا أن هذه الجرائم تأتي في سياق سياسة التطهير العرقي وخطة الجنرالات الإجرامية التي تسعى إلى تهجير شعبنا من محافظة الشمال".
إعلانويقدر الثوابتة أن 40 ألف فلسطيني محرومون من الرعاية الصحية في مناطق الشمال، جراء سياسة الاستهداف الممنهجة بحق المستشفيات والمرافق الصحية التي لم تتوقف منذ اندلاع حرب الإبادة ضد القطاع والمتصاعدة في عامها الثاني على التوالي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات المستشفى الإندونیسی مستشفى الإندونیسی الصحة العالمیة قوات الاحتلال مستشفى العودة فی المستشفى للجزیرة نت کمال عدوان عن الخدمة
إقرأ أيضاً:
انتشال 76 شهيداً مجهول الهوية بمحيط مستشفى كمال عدوان:الاحتلال يواصل جرائمه في الضفة ويقتحم رام الله ونابلس
الثورة / الأراضي المحتلة/ وكالات
تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها على مدينة طولكرم لليوم الـ39 على التوالي، ولليوم الــ26 على مخيم نور شمس، وسط تعزيزات عسكرية وهدم للمنازل وتدمير للبنية التحتية.
وذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية «وفا» أن الاحتلال الإسرائيلي شرع صباح أمس، بهدم عدد من المنازل والمباني السكنية في حارة المنشية في مخيم نور شمس، وذلك بعد إخطاره يوم أمس، بهدم 17 منزلا، بذريعة شق طريق جديد يهدف لتغيير المعالم الجغرافية للمخيم.
وكانت قوات الاحتلال قد أمهلت أصحاب هذه المنازل ساعتين لدخول المخيم، وإخلاء حاجياتهم ومستلزماتهم من منازلهم، وسط إعاقتها لهم، وإطلاق الأعيرة النارية تجاههم، لإرهابهم.
ويشهد مخيم نور شمس تصعيدا مستمرا منذ بدء عدوان الاحتلال الإسرائيلي، الذي يواصل عمليات هدم ومداهمات متكررة للمنازل بعد تفجير أبوابها، وإجبار المواطنين الفلسطينيين على النزوح قسرا منها، وتحوليها لثكنات عسكرية، إضافة إلى تدمير واسع وكامل للبنية التحتية والممتلكات من منازل ومحلات تجارية التي تعرضت للهدم والتفجير والحرق.
وكانت جرافات الاحتلال قد هدمت في الأيام الأخيرة الماضية، أكثر من 11 منزلا، ضمن مخطط يستهدف شق طريق يمتد من ساحة المخيم، وحتى حارة المنشية.
وفي مخيم طولكرم، يواصل الاحتلال الإسرائيلي حصاره المطبق عليه، ويمنع الدخول إليه أو الخروج منه، وينشر دورياته الراجلة في محيطه وأزقة حاراته، وسط مداهمة المنازل الفارغة من سكانها، وتخريبها وتدمير محتوياتها، في الوقت الذي أجبرت في ساعات الليل المواطنين الفلسطينيين على ترك منازلهم في حارة المطار بعد مداهمتها.
ونقلت وكالة «وفا» عن شهود عيان قولهم، إن جرافات الاحتلال تواصل عمليات تجريف للشوارع والممتلكات، وتغلق مداخل وأزقة الحارات بالسواتر الترابية، وطال ذلك المدخل الرئيسي الشمالي للمخيم، الذي يشهد دمارا غير مسبوق في كل مناحي الحياة فيه.
وفي السياق، دفعت قوات الاحتلال الإسرائيلي بتعزيزات عسكرية مصحوبة بصهريج للوقود، إلى المدينة ومخيميها، وتمركزت أمام المباني السكنية التي تستولي عليها في شارع نابلس الرابط بين مخيمي «طولكرم ونور شمس»، وعرقلت حركة مرور المركبات والمواطنين.
كما تواصل قوات الاحتلال الاستيلاء على عدد من المنازل في ضاحيتي ذنابة وعزبة الجراد، شرق طولكرم، بعد أن داهمتها، وأجبرت سكانها على مغادرتها، وحولتها لثكنات عسكرية، وأماكن للقناصة.
وأسفر العدوان الإسرائيلي المتواصل على المدينة ومخيميها حتى اللحظة عن استشهاد 13 مواطنا فلسطينيا، بينهم طفل ومواطنتان، إحداهما حامل في الشهر الثامن، إضافة إلى إصابة واعتقال العشرات، ونزوح قسري لأكثر من 9 آلاف نازح من مخيم نور شمس، و12 ألف نازح من مخيم طولكرم.
كما اقتحمت قوات الاحتلال «الإسرائيلي»، مدينتي نابلس ورام الله بالضفة الغربية المحتلة، تزامنا مع وقت الإفطار.
وقالت مصادر محلية في تصريحات إعلامية إن قوات الاحتلال داهمت بناية في حي رفيديا، وعمدت إلى تفتيشها وتمركزت في محيط مبنى أكاديمية جامعة النجاح الوطنية بمدينة نابلس.
وفي رام الله، اقتحمت قوات «إسرائيلية» شارع الإرسال وسط المدينة، القريب من مقر الرئاسة الفلسطينية، ونصبت حاجزًا عسكريا للتفتيش.
يأتي ذلك في إطار مسلسل اعتداءات يومية يُنفذها الاحتلال ضد الفلسطينيين في مختلف مدن الضفة الغربية.
إلى ذلك واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي خروقاتها لملف وقف إطلاق النار في اليوم الـ٤٦ في مختلف مناطق قطاع غزة، حيث أطلق جنود الاحتلال النار بشكل مكثف على طول الشريط الحدودي الذي يفصل القطاع عن مصر.
وأعلنت وزارة الصحة-غزة، أنه وصلت إلى مستشفيات قطاع غزة جثث ٣٥ شهيدا (ثلاثون منهم جرى انتشالهم وشهيد واحد متأثر بجراحه، وأربعة شهداء جدد إضافة إلى عشرة إصابات خلال الـ٢٤ ساعة الماضية.
وواصل جيش الاحتلال إغلاق معبر كرم أبو سالم جنوب شرق قطاع غزة أمس الخميس، ولليوم الخامس على التوالي مانعا إدخال البضائع والمساعدات.
وتوقف توزيع الغاز المنزلي على العائلات إثر منع دخوله من المعبر كما ارتفع سعر السولار والبضائع بشكل لافت.
من جهة أخرى قالت حركة المقاومة الإسلامية حماس، إن عمليات الهدم والتهجير التي تنتهجها قوات الاحتلال «الإسرائيلي» في الضفة الغربية، ستتحطم على صخرة صمود الشعب الفلسطيني.
وأكدت على لسان القيادي في «حماس» عبدالرحمن شديد، في بيان أمس، إن مخططات الاحتلال التي بدأت تتسارع في مخيمات جنين وطولكرم، تستدعي التوحد في مواجهة مخاطر إنهاء قضية اللاجئين.
ودعا شديد، لتصعيد المقاومة في وجه الاحتلال ومستوطنيه، وضربه في كل مكان وفي كل اقتحام على الطرق الاستيطانية الممتدة على أرض الضفة المحتلة.
ولفت إلى أن الاحتلال يريد إنهاء قضية اللاجئين في الضفة، وإعادة هندسة المخيمات وترحيل أغلب أهلها وتوزيعهم على المدن الفلسطينية لمحو صفة لاجئ عنهم.
وبيّن القيادي في حماس أن الاحتلال فشل في إنهاء القضية الفلسطينية بفضل وعي الفلسطينيين، موضحا أن الكبار أورثوا لأبنائهم وأحفادهم مفتاح العودة والمقاومة.
من جهته أعلن جهاز الدفاع المدني في غزة، انتشال جثامين 76 شهيدًا، مجهولي الهوية، من محيط مستشفى كمال عدوان شمالي قطاع غزة.
وقال الدفاع المدني في تصريح صحفي: «نقلت طواقمنا جثامين 76 شهيدا مجهولي الهوية من محيط مستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة» .
ويتواصل انتشال جثامين الفلسطينيين الذين ارتقوا على مدى أكثر من 15 شهرا من الإبادة، من تحت أنقاض المنازل والمنشآت المدمر، فيما لا يزال أكثر من 10 آلاف جثمان شهيد تحت الأنقاض يتعذر انتشال أغلبهم لرفض الاحتلال إدخال معدات ثقيلة حتى الآن.
وقال رئيس نادي الأسير الفلسطيني عبدالله الزغاري، إنّ وتيرة الجرائم «الإسرائيلية» بحق الأسرى والمعتقلين عادت بمستواها إلى الجرائم التي شهدناها في بداية الحرب، والتي بلغت ذروتها في حينه.
وأضاف الزغاري، أن الإعلان عن أربعة معتقلين شهداء في السجون في غضون أيام، يمثل كارثة إنسانية متواصلة في مرحلة هي الأكثر دموية في تاريخ الحركة الأسيرة.