عربي21:
2025-01-08@06:20:17 GMT

المنافق الذي يريد أن يربينا

تاريخ النشر: 7th, January 2025 GMT

نستطيع الآن أن نقول هنيئا للسوريين.. حُلت جميع مشاكلهم ومآسيهم الإنسانية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولم يبق شيء يستحق الاهتمام في سوريا وعنها إلا أحمد الشرع ولماذا يرفض مصافحة النساء.

أن يجعل الغرب من «حادثة» الشرع ووزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك حدثا دوليا يستحق كل هذا الاهتمام والتشريح في النقاشات السياسية والإعلامية، دليل على أن هذا الغرب أُصيب فعلا بالجنون، أو أنه أصبح عاجزا عن إخفاء انحرافاته السيكولوجية والسياسية.

ولذلك يتصرف هكذا غير مدرك أنه يفقد ما تبقى من احترامه في العالم، خصوصا بين شعوب جنوب الكرة الأرضية.

كيف يُعقل أن تتوقف ساعة العالم عند «حادثة» تتكرر باستمرار مثلما فعلت هذه المرة؟ كانت المسألة تتعلق بالبروتوكول الدبلوماسي لا أكثر ولا أقل، لكنهم أرادوها قضية ذكورة ومشكلة سياسية وثقافية ودينية.. كل شيء إلا ما هي.

المسألة فيها خبث منذ البداية إذ كان واضحا غياب البراءة وغلبة الجانب الوعظي المتعالي في زيارة الوزيرين. جاء الضيفان الثقيلان إلى دمشق بعقلية «المُعلِّم» الاستعماري الأبيض، وفي ذهنيهما نية بإخضاع حكام دمشق الجدد إلى اختبارات الإنسانية والسياسة والأخلاق والدين والتسامح وحقوق الإنسان.

كانت نية الاستفزاز واضحة. رغم أن أيّ زيارة دبلوماسية رسمية، وضمنها زيارة الوزيرين بيربوك وجان نويل بارو، يسبقها تنسيق حول التفاصيل، أتساءل إذا لم يكن حضور الوزيرة الألمانية بذلك اللباس «الذكوري» الأبيض الكاشف لمفاتن جسمها متعمدا لتحدي المضيفين.

لكن رغم أن العنوان الأبرز في هذه الواقعة ألمانيا، إلا أنني أشم رائحة الخبث الفرنسي. ألمانيا أقل اطلاعا على شؤون المنطقة العربية، وتستند في مقاربتها لها على مشورة الفرنسيين وبدرجة أقل البريطانيين. لذلك لا يمكن إقصاء الدور الفرنسي في هذه المسرحية.

لقد أوشك وزير الخارجية الفرنسي على الامتناع عن مصافحة الشرع، ليس لأنه إسلامي، بل تضامنا مع نظيرته الألمانية التي لم يصافحها الشرع رغم أن بيربوك نفسها، وكما صرّحت لاحقا، حضرت إلى ذلك الموقف على علم مسبق بموضوع المصافحة وجاهزة له بموجب ترتيبات سابقة متفق عليها بين الطرفين. ما لم يكن متفقا عليه «تضامن» الوزير الفرنسي مع نظيرته والذي عبّر عنه بمدّه أطراف أصابعه نحو الشرع وعلى مضض.

إذن، «الحادثة الدبلوماسية» التي يجري الحديث عنها هي مع الوزير الفرنسي، وهو من افتعلها، وليس مع الألمانية.
الآن، لماذا فرنسا ولماذا تصرَّف الوزير بارو بعقلية «المُعلِّم» الذي جاء يختبر أهلية سكان إحدى المستعمرات السابقة.

الجواب: فقط لأنها سوريا ومضيفوه مسلمون من مذهب معيّن لا يعجب كثيرا «المُعلِّم» ومَن أوفدوه.

لو سافر بارو إلى إسرائيل وكان ضمن مستقبليه متشددون يهود، رجال أو نساء، امتنعوا عن مصافحته باليد لَما تجرأ أحد على تحويل الموقف إلى أزمة دبلوماسية وأخضعه لتشريح ديني وسياسي وأخلاقي وحقوقي. كانوا سيقولون إنها حرية دينية وشخصية وعلى الجميع احترامها (في كل زمان ومكان إلا عندما تتعلق بالمسلمين والعرب).

هكذا قالوا عندما رفضت مغنية البوب الإسرائيلية يوفال دايان مصافحة الرئيس بايدن لأسباب دينية (كما أقرَّت هي بلسانها) خلال حفل غنائي في صيف 2022.

الفرنسيون أصحاب سوابق، ولكنهم أكثر شطارة على العرب والمسلمين: افتعلوا أزمة من هذا النوع في ربيع 1999 أسفرت عن إرجاء زيارة الرئيس الإيراني آنذاك محمد خاتمي إلى باريس.

كان الخلاف حول النبيذ الذي يشكّل جزءا من تقاليد الضيافة الفرنسية وطريقة من طرق تكريم الضيف (كلما كان النبيذ معتقا وثمينا). أصرَّ الفرنسيون على النبيذ وأصرَّ الإيرانيون على رفضه، فسقطت الزيارة في الماء. كيف تفرض النبيذ على مائدة ضيف لا يحبذه لأسباب دينية وعقائدية؟ لو كان خاتمي من أتباع أيّ دين آخر ورفض النبيذ لأسباب عقائدية، كانوا سيخرسون أو يقولون إنها حرية شخصية يجب احترامها.

هل بلغكم ماذا فعلت الحكومة الهندية مع زيارات الرئيسين الفرنسيين السابقين نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند إلى نيودلهي؟ في 2008 رفضت السلطات الهندية استقبال كارلا بروني بصفة سيدة أولى أثناء زيارة الرئيس ساركوزي لأنها كانت عشيقته وليست زوجته، وبروتوكول الاستقبال الهندي يمنح صفة السيدة الأولى للزوجات فقط.

اضطر ذلك بروني للبقاء في باريس وساركوزي إلى تقليص مدة زيارته بيومين. ولم تعد بروني برفقة ساركوزي وبصفة السيدة الأولى إلا في 2010 بعد زواجهما.

وتكرر الموقف في 2013 أثناء زيارة الرئيس فرانسوا هولاند إلى الهند مرفوقا بعشيقته فاليري تريرفيلر. طلبت باريس استقبال تريرفيلر كسيدة أولى، لكن نيودلهي، الحريصة على احترام البروتوكول، تمسكت بأنها لا يُمكن منحها صفة السيدة الأولى وهي عشيقة الرئيس وليست زوجته.

في النهاية جرى التوصل إلى حل وسط بمنح تريرفيلر صفة «الضيفة الرسمية» التي تُمنح عادة لمرافقي كبار الضيوف كأخواتهم وأمهاتهم وغير ذلك. كما فرضت نيودلهي تطبيق بروتوكول الضيافة ذاته على جوليا جيلارد، رئيسة وزراء أستراليا بين 2010 و2013، أثناء زيارتها إلى نيودلهي برفقة صديقها تيم ماثيسون.

تناولت الصحافة الفرنسية واقعتي بروني وتريرفيلر في حينها. ورغم أن البعد الديني والعقائدي هو التفسير الوحيد لبروتوكول الضيافة الهندي، لم تجرؤ هذه الصحافة على وضعها في سياق ديني أو ذكوري أو حقوق المرأة وغيره من هذا الكلام الذي صدّعوا به رؤوسنا. لماذا، إذن، لم تجعل باريس (وكانبيرا) من الحبّة قبّة مثلما فعلت مع زيارة بارو وبيربوك إلى دمشق؟ مرة أخرى، لأن دمشق ليست نيودلهي، والمضيفين الهنود ليسوا مسلمين سُنّة.
أوروبا التي سلّمت سوريا للأسد ينكّل بأهلها كيفما شاء،
أوروبا التي سلّمت سوريا للأسد ينكّل بأهلها كيفما شاء، وكانت على وشك فتح سفارة للاتحاد الأوروبي في دمشق في الأيام التي سبقت زحف المعارضة إليها، لا تستحي اليوم من إرسال كبار ممثليها إلى العاصمة ذاتها لإلقاء المواعظ وإملاء الشروط والمطالب على حكامها. في الأصل لا يحق لأوروبا أن تدّعي لعب دور الحريص على سوريا وشعبها بعد أن كانت على بُعد خطوة من التطبيع مع الوحش الذي لم يتوقف عن مص دمائهم طيلة عقود.

إذا كانت أوروبا تريد مساعدة سوريا والسوريين، عليها أولاً أن تتحلى بشيء من التواضع يحررها من غرور الوعظ والتعالي لأنها، منذ مدة طويلة، سقطت في اختبار الإنسانية ولم تعد في مرتبة تخوّلها تلقين أيٍّ كان دروسا.

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه سوريا بيربوك أوروبا سوريا المانيا أوروبا الأقليات بيربوك مقالات مقالات مقالات اقتصاد صحافة سياسة سياسة أفكار اقتصاد سياسة رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

وزير الخارجية الفرنسي يعلق على امتناع الشرع عن مصافحة نظيرته الألمانية

علق وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو على امتناع قائد الإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع عن مصافحة نظيرته الألمانية أنالينا بيربوك، خلال زيارتهما الأولى إلى العاصمة دمشق بعد سقوط نظام الأسد.

وكان استقبال الشرع لكل من وزيري خارجية فرنسا وألمانيا في قصر الشعب بدمشق الجمعة الماضي، أثار جدلا واسعا عقب إظهار لقطات مصورة امتناع قائد الإدارة السورية عن مصافحة بيربوك.

الوزير الفرنسي مصدوم أكثر من الوزيرة الألمانية pic.twitter.com/pbTdciOuhq — أحمد القاري (@ahmed_badda) January 3, 2025
وقال وزير الخارجية الفرنسي في حديث مع إذاعة "إر تي ال" الخاصة، مساء الأحد، "هل كنت أفضل أن يصافح أحمد الشرع زميلتي الألمانية. الجواب هو نعم. هل كان ذلك محور الزيارة؟ الجواب هو كلا".

وأضاف، بحسب ما نقلته وكالة "فرانس برس"، أن "هناك في سوريا اليوم عشرات آلاف المقاتلين الإرهابيين من تنظيم الدولة المعتقلين في سجون في شمال شرق البلاد"، حسب قوله.


وأشار الوزير الفرنسي خلال حديث، إلى أنه "إثر ما قام به نظام بشار الأسد، هناك أسلحة كيميائية في كل أنحاء سوريا (...) استخدمها هذا النظام ضد شعبه، ويمكن أن تقع في الأيدي الخطأ"، متابعا "إذا لم أتوجه إلى سوريا، من سيحمي الفرنسيين من هذه التهديدات؟".

وفي أول تعليق لها على عدم المصافحة، أشارت وزيرة الخارجية الألمانية إلى أنه بعد "وصولها إلى العاصمة دمشق كان واضحا أن لقاءها بالمسؤولين السوريين الجدد سيخلوا من مصافحات اليد المعتادة في مثل هذه اللقاءات الدبلوماسية".

وأضافت في تصريحات صحفية، الأسبوع الماضي، أنه "كان من الواضح لي أنه لن تكون هناك مصافحة عادية هنا"، مشيرة إلى أن "شركاءها في الحوار أيضا كان ذلك واضحا لهم، إذ لم يمد وزير الخارجية الفرنسي أيضا يديه".


وبحسب تصريحات وزيرة الخارجية الألمانية، فإنها أوضحت مع نظيرها الفرنسي خلال لقاء القادة الجدد في سوريا أن قضية حقوق المرأة ليست مجرد قضية تتعلق بحقوق المرأة، "بل إن حقوق المرأة مؤشر على مدى حرية المجتمع".

وتشهد العاصمة السورية دمشق حراكا سياسيا ودبلوماسيا غير مسبوق على مدى أكثر من عقد من الزمان، بعد تولي المعارضة زمام الأمور إثر سقوط نظام الأسد.

وتتوافد البعثات الدولية والعربية إلى دمشق من أجل اللقاء مع الإدارة الجديدة، وقائدها أحمد الشرع المعروف بلقب "أبو محمد الجولاني".

يأتي ذلك في ظل تواصل مساعي الحكومة المؤقتة برئاسة محمد البشير من أجل دفع عجلة الحياة وتقديم الخدمات للشعب السوري دون انقطاع.

مقالات مشابهة

  • الشرع يجري زيارة تفقدية لمطار دمشق
  • ما الذي يريد المواطن من الأحزاب؟
  • موسم الحج إلى دمشق.. ما الذي يبحث عنه الموفدون؟
  • ما الذي يتعلمه الأطفال من زيارة المتاحف؟
  • السفير الرحبي: زيارة الدكتور بدر عبد العاطي إلى مسقط تؤكد عمق الروابط الأخوية التي تجمع البلدين
  • عاجل | القناة 12 الإسرائيلية: تأجيل زيارة رئيس الموساد التي كانت مقررة اليوم إلى الدوحة لمواصلة محادثات صفقة التبادل
  • دولة الطوائف في سوريا.. ماذا يريد الغرب؟!
  • وزير الخارجية الفرنسي يعلق على امتناع الشرع عن مصافحة نظيرته الألمانية
  • الخارجية الإيرانية: زيارة السوداني لمناقشة قضية سوريا ولم نحذر من حكومة إسلامية في دمشق