نستطيع الآن أن نقول هنيئا للسوريين.. حُلت جميع مشاكلهم ومآسيهم الإنسانية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولم يبق شيء يستحق الاهتمام في سوريا وعنها إلا أحمد الشرع ولماذا يرفض مصافحة النساء.
أن يجعل الغرب من «حادثة» الشرع ووزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك حدثا دوليا يستحق كل هذا الاهتمام والتشريح في النقاشات السياسية والإعلامية، دليل على أن هذا الغرب أُصيب فعلا بالجنون، أو أنه أصبح عاجزا عن إخفاء انحرافاته السيكولوجية والسياسية.
كيف يُعقل أن تتوقف ساعة العالم عند «حادثة» تتكرر باستمرار مثلما فعلت هذه المرة؟ كانت المسألة تتعلق بالبروتوكول الدبلوماسي لا أكثر ولا أقل، لكنهم أرادوها قضية ذكورة ومشكلة سياسية وثقافية ودينية.. كل شيء إلا ما هي.
المسألة فيها خبث منذ البداية إذ كان واضحا غياب البراءة وغلبة الجانب الوعظي المتعالي في زيارة الوزيرين. جاء الضيفان الثقيلان إلى دمشق بعقلية «المُعلِّم» الاستعماري الأبيض، وفي ذهنيهما نية بإخضاع حكام دمشق الجدد إلى اختبارات الإنسانية والسياسة والأخلاق والدين والتسامح وحقوق الإنسان.
كانت نية الاستفزاز واضحة. رغم أن أيّ زيارة دبلوماسية رسمية، وضمنها زيارة الوزيرين بيربوك وجان نويل بارو، يسبقها تنسيق حول التفاصيل، أتساءل إذا لم يكن حضور الوزيرة الألمانية بذلك اللباس «الذكوري» الأبيض الكاشف لمفاتن جسمها متعمدا لتحدي المضيفين.
لكن رغم أن العنوان الأبرز في هذه الواقعة ألمانيا، إلا أنني أشم رائحة الخبث الفرنسي. ألمانيا أقل اطلاعا على شؤون المنطقة العربية، وتستند في مقاربتها لها على مشورة الفرنسيين وبدرجة أقل البريطانيين. لذلك لا يمكن إقصاء الدور الفرنسي في هذه المسرحية.
لقد أوشك وزير الخارجية الفرنسي على الامتناع عن مصافحة الشرع، ليس لأنه إسلامي، بل تضامنا مع نظيرته الألمانية التي لم يصافحها الشرع رغم أن بيربوك نفسها، وكما صرّحت لاحقا، حضرت إلى ذلك الموقف على علم مسبق بموضوع المصافحة وجاهزة له بموجب ترتيبات سابقة متفق عليها بين الطرفين. ما لم يكن متفقا عليه «تضامن» الوزير الفرنسي مع نظيرته والذي عبّر عنه بمدّه أطراف أصابعه نحو الشرع وعلى مضض.
إذن، «الحادثة الدبلوماسية» التي يجري الحديث عنها هي مع الوزير الفرنسي، وهو من افتعلها، وليس مع الألمانية.
الآن، لماذا فرنسا ولماذا تصرَّف الوزير بارو بعقلية «المُعلِّم» الذي جاء يختبر أهلية سكان إحدى المستعمرات السابقة.
الجواب: فقط لأنها سوريا ومضيفوه مسلمون من مذهب معيّن لا يعجب كثيرا «المُعلِّم» ومَن أوفدوه.
لو سافر بارو إلى إسرائيل وكان ضمن مستقبليه متشددون يهود، رجال أو نساء، امتنعوا عن مصافحته باليد لَما تجرأ أحد على تحويل الموقف إلى أزمة دبلوماسية وأخضعه لتشريح ديني وسياسي وأخلاقي وحقوقي. كانوا سيقولون إنها حرية دينية وشخصية وعلى الجميع احترامها (في كل زمان ومكان إلا عندما تتعلق بالمسلمين والعرب).
هكذا قالوا عندما رفضت مغنية البوب الإسرائيلية يوفال دايان مصافحة الرئيس بايدن لأسباب دينية (كما أقرَّت هي بلسانها) خلال حفل غنائي في صيف 2022.
الفرنسيون أصحاب سوابق، ولكنهم أكثر شطارة على العرب والمسلمين: افتعلوا أزمة من هذا النوع في ربيع 1999 أسفرت عن إرجاء زيارة الرئيس الإيراني آنذاك محمد خاتمي إلى باريس.
كان الخلاف حول النبيذ الذي يشكّل جزءا من تقاليد الضيافة الفرنسية وطريقة من طرق تكريم الضيف (كلما كان النبيذ معتقا وثمينا). أصرَّ الفرنسيون على النبيذ وأصرَّ الإيرانيون على رفضه، فسقطت الزيارة في الماء. كيف تفرض النبيذ على مائدة ضيف لا يحبذه لأسباب دينية وعقائدية؟ لو كان خاتمي من أتباع أيّ دين آخر ورفض النبيذ لأسباب عقائدية، كانوا سيخرسون أو يقولون إنها حرية شخصية يجب احترامها.
هل بلغكم ماذا فعلت الحكومة الهندية مع زيارات الرئيسين الفرنسيين السابقين نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند إلى نيودلهي؟ في 2008 رفضت السلطات الهندية استقبال كارلا بروني بصفة سيدة أولى أثناء زيارة الرئيس ساركوزي لأنها كانت عشيقته وليست زوجته، وبروتوكول الاستقبال الهندي يمنح صفة السيدة الأولى للزوجات فقط.
اضطر ذلك بروني للبقاء في باريس وساركوزي إلى تقليص مدة زيارته بيومين. ولم تعد بروني برفقة ساركوزي وبصفة السيدة الأولى إلا في 2010 بعد زواجهما.
وتكرر الموقف في 2013 أثناء زيارة الرئيس فرانسوا هولاند إلى الهند مرفوقا بعشيقته فاليري تريرفيلر. طلبت باريس استقبال تريرفيلر كسيدة أولى، لكن نيودلهي، الحريصة على احترام البروتوكول، تمسكت بأنها لا يُمكن منحها صفة السيدة الأولى وهي عشيقة الرئيس وليست زوجته.
في النهاية جرى التوصل إلى حل وسط بمنح تريرفيلر صفة «الضيفة الرسمية» التي تُمنح عادة لمرافقي كبار الضيوف كأخواتهم وأمهاتهم وغير ذلك. كما فرضت نيودلهي تطبيق بروتوكول الضيافة ذاته على جوليا جيلارد، رئيسة وزراء أستراليا بين 2010 و2013، أثناء زيارتها إلى نيودلهي برفقة صديقها تيم ماثيسون.
تناولت الصحافة الفرنسية واقعتي بروني وتريرفيلر في حينها. ورغم أن البعد الديني والعقائدي هو التفسير الوحيد لبروتوكول الضيافة الهندي، لم تجرؤ هذه الصحافة على وضعها في سياق ديني أو ذكوري أو حقوق المرأة وغيره من هذا الكلام الذي صدّعوا به رؤوسنا. لماذا، إذن، لم تجعل باريس (وكانبيرا) من الحبّة قبّة مثلما فعلت مع زيارة بارو وبيربوك إلى دمشق؟ مرة أخرى، لأن دمشق ليست نيودلهي، والمضيفين الهنود ليسوا مسلمين سُنّة.
أوروبا التي سلّمت سوريا للأسد ينكّل بأهلها كيفما شاء،
أوروبا التي سلّمت سوريا للأسد ينكّل بأهلها كيفما شاء، وكانت على وشك فتح سفارة للاتحاد الأوروبي في دمشق في الأيام التي سبقت زحف المعارضة إليها، لا تستحي اليوم من إرسال كبار ممثليها إلى العاصمة ذاتها لإلقاء المواعظ وإملاء الشروط والمطالب على حكامها. في الأصل لا يحق لأوروبا أن تدّعي لعب دور الحريص على سوريا وشعبها بعد أن كانت على بُعد خطوة من التطبيع مع الوحش الذي لم يتوقف عن مص دمائهم طيلة عقود.
إذا كانت أوروبا تريد مساعدة سوريا والسوريين، عليها أولاً أن تتحلى بشيء من التواضع يحررها من غرور الوعظ والتعالي لأنها، منذ مدة طويلة، سقطت في اختبار الإنسانية ولم تعد في مرتبة تخوّلها تلقين أيٍّ كان دروسا.
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه سوريا بيربوك أوروبا سوريا المانيا أوروبا الأقليات بيربوك مقالات مقالات مقالات اقتصاد صحافة سياسة سياسة أفكار اقتصاد سياسة رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
سوريا بعد الأسد.. كيف تزور دمشق القديمة وكأنك تقرأ رواية ملحمية؟
دمشق- إذا ما شعرت فجأة بأن الأحجار من حولك تروي الحكايات، وبأن للحياة إيقاع البدايات الجميلة لقصص الحب، وبأن ابتسامات الناس تُدركك من غير مقدمات، فاعلم حينها أنك في دمشق.
مدينة تعاقبت عليها، عبر 11 ألف عام من التاريخ الحيّ المتصل، عشرات الحضارات الإنسانية، التي نثرت آثارها في كل شبر منها حتى غدت شوارعها وحاراتها أشبه برواية تاريخية ملحمية، يُطالعها السائرون فيها سطرا سطرا، فيعيشون سحر عراقتها كأنهم أبطال خياليون.
وإذا كنت ترغب بالبدء في هذه الرواية من فصلها الأول، فما عليك سوى التوجّه إلى المتحف الوطني في منطقة البرامكة لتطالع مُختصر حضارات سوريا ما قبل الميلاد، وبخروجك منه والاتجاه غربا ستجد نفسك أمام التكية السليمانية لتعود مع عمارتها الفريدة بالزمن إلى القرن الـ16 ميلادي.
شارع بحي القيمرية وهو من المناطق السياحية والتجارية المشهورة في دمشق القديمة (الجزيرة)وبدورها ستسلّمك التكية العثمانية إلى محطة الحجاز التاريخية، ومنها ستدخل إلى المدينة القديمة عبر أهم أسواقها وأشهرها سوق الحميدية، الذي ستقطعه فيسلّمك إلى الجامع الأموي، درّة بني أمية وأفضل عمارتهم، ومن هناك ستزور، عبر الأسواق الدمشقية القديمة، عشرات المواقع الأثرية وصولا إلى الفصل الأخير من الرواية عند باب شرقي؛ حيث تعانق المساجد الكنائس ويتوسّطهما أعمدة رخامية يعود تاريخ بناء بعضها إلى ما قبل الميلاد، فترى مشهدا يليق بخاتمة رواية ملحمية عن دمشق أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ.
تاريخ حضاريقرب ضفة نهر بردى، ما بين التكية السليمانية غربا ومبنى جامعة دمشق جنوبا، يتربع مبنى المتحف الوطني متصدرا حديقة خَميلة تُحيطها باحات واسعة تنتشر على جنباتها أشجار وارفة ترخي بظلالها على قطع أثرية تتوزّع وسط المساحات الخضراء.
المدخل الغربي للتكية السليمانية والتي تحتضن عشرات محال الحرف اليدوية الدمشقية العريقة(الجزيرة)وينقسم المتحف إلى 5 أجنحة تختزل قرونا من تاريخ المنطقة، فمن قسمي عصور ما قبل التاريخ بما فيهما من أسلحة ونقوش ورقم سومرية وآكادية وآشورية، إلى التماثيل الرخامية والأعمدة والعملات اليونانية والرومانية والبيزنطية في القسم الكلاسيكي، وصولا إلى قسمي الآثار الإسلامية والفن الحديث، يعيش زائر المتحف تجربة متميزة في معاينة قطع أثرية تستحضر ببصماتها ذكرى حضارات ضاربة في عمق التاريخ.
إعلانويعود تأسيس المتحف الوطني في دمشق إلى عام 1919، ويضم أبرز الآثار في البلاد، والتي تم اكتشافها خلال القرن العشرين في مختلف أنحاء الجغرافيا السورية.
واجهة المتحف الوطني الذي يضم بين جنباته آثار من عصور وحضارات تعاقبت على دمشق (الجزيرة) عمارة فريدةوعلى بعد بضعة أمتار من مبنى المتحف الوطني غربا، وعند ضفاف نهر بردى، ترتاح مجموعة عمرانية فخمة تخلب الألباب؛ بقبابها المنتظمة كالعقد حول قبة رئيسية كبيرة، يحيط بها مئذنتان ممشوقتان، وتتخللها حدائق وأشجار باسقة يمتزج جمالها بمحاسن العمارة فيجعل منها "أروع البقع وأكثرها جمالا في دمشق"، حسبما يصف أحد الباحثين في تاريخ العمارة الإسلامية التكية السليمانية.
ويتألف بناء التكية السليمانية من كتلتين معماريتين متصلتين متشابهتين، إحداهما كبرى وتضم الجامع والتكية، والأخرى صغرى وتضم المدرسة، ويصل بين هاتين الكتلتين سوق كانت مخصصة لقوافل الحجاج، وتتضح الآثار الهندسية العثمانية على التخطيط والبناء، في حين تطغى اللمسة الفنية الدمشقية على تصاميم الأبواب والنوافذ والزخارف التي تزين جدران وغرف المكان.
جانب من سوق المهن اليدوية داخل التكية السليمانية (الجزيرة)هندسة ترجع بزائر المكان عبر الزمن لعصر النهضة المعمارية الإسلامية، لا بالبناء فحسب، ولكن بالزخرفة والحفر والأعمال الفنية الحرفية المعقدة الأخرى، والتي تكاد تضاهي بتعقيدها وجماليتها تعقيد وجمالية الأبنية نفسها.
سوق تختزن روح المدينةوبعد خروجك من التكية السليمانية وسيرك لمدة 5 دقائق باتجاه شارع النصر غربا، تجد نفسك عند أعتاب المدينة القديمة في دمشق، وتحديدا عند شارع يظلّله سقف مقبَّب من التوتيا يتسلل شعاع الشمس عبر ثقوبه ناشرا الضوء في أرجاء المكان مضفيا عليه لمسة شاعرية، عندئذ تكون في سوق الحميدية أشهر وأعرق أسواق سوريا، أو كما يصفه أحد المؤرخين العرب "درة الأسواق الإسلامية وأجملها".
أحد محلات المشغولات النحاسية في سوق الحميدية وهو مكان لا بد من زيارته للتعرف على روح دمشق (الجزيرة)ويمتد السوق عثماني الطراز إلى حوالي 600 متر، وتصطف على جانبيه حوانيت دمشقية الطراز لبيع الألبسة والأنتيكا والتراثيات من المشغولات الدمشقية كالدامسكينو والبروكار والمقرنصات الخشبية والصدفيات، وغيرها من أنواع الفنون الدمشقية العريقة.
وعند منتصف سوق الحميدية، يصل الزائر إلى "بوظة بكداش" (1885 إلى الآن)، متجر المثلجات الشامية الأعرق، حيث يمكنه شراء كأسا من المثلجات لا يتجاوز ثمنه دولارا واحدا.
إعلانومن بوظة بكداش، يتابع الزائر طريقه ليصل إلى حمام نور الدين الشهيد، أحد أقدم حمامات دمشق، وهناك يمكنه الاغتسال والحصول على خدمات "التكييس" و"التدليك" و"البخار" مع كأس من الشاي الخمير أو أي مشروب ساخن آخر بكلفة 70 ألف ليرة سورية فقط (7 دولار).
حمام نور الدين الشهيد مكان مثالي لمن يريد تجربة الحمام التقليدي على النمط الدمشقي (الجزيرة)وبعدها يتابع مسيره وصولا إلى الساحة الخارجية للمسجد الأموي ضمن المدينة القديمة، حيث يتجمع الناس لالتقاط الصور التذكارية مع بوابة المسجد أو ضمن السياج المستطيل المخصص للوضوء حيث تتجمّع أسراب الحمام الشامي.
درة بني أميةينفتح القوس الأثري لسوق الحميدية عند نهايته على الباب الرئيسي لمسجد بني أمية الكبير في تقابل هندسي مُتقن، ويعتبر الجامع الأموي أكبر جوامع دمشق وأعرقها وأجملها عمارة، وهو المحطة التالية لأي سائح بعد سوق الحميدية.
إذ تعتبر عمارته وفنون بنائه اليوم مرجعا أساسيا للفن الإسلامي، مع أن تأثيرات الفن البيزنطي الذي كان ما يزال سائدا في سوريا آنذاك ألهمت صناعه وهو في طور البناء، حيث نال الجامع -الذي يتوسط مدينة دمشق القديمة ويمتد على مساحة 15 ألفا و300 متر مربع- قسطا وافرا من المديح والثناء من المتخصصين والزوار.
وإلى جانب أبوابه الستة الأثرية، يضم الجامع مساجد صغيرة ملحقة به، وللجامع 3 مآذن: "مئذنة العروس" التي تعد اليوم أقدم مئذنة إسلامية، و"مئذنة النبي عيسى"، وسميت بهذا الاسم للاعتقاد السائد بنزول عيسى عليه السلام إليها نهاية الزمان، و"مئذنة قايتباي" التي استمدت تسميتها من السلطان "قايتباي" الذي أمر بإنشائها.
واشتهر الجامع فيما مضى بزخارفه الفسيفسائية الموشاة بالذهب، التي لم يتبق منها اليوم إلا النُذر اليسير، وقال فيها المؤرخون إنها جمعت كل صور بلاد الدنيا، فلم تترك إقليما أو مكانا أو شجرة مثمرة أو غير مثمرة إلا وصورتها، ويحكى أن هذه النقوش بقيت على حالها حتى عهد الخليفة المأمون ومن ثم بدأت تتلاشى.
عمارة وفنون بناء المسجد الأموي تعد مرجعا أساسيا للفن الإسلامي (الجزيرة)وكان الصرح المعروف اليوم باسم مسجد بني أمية الكبير أو جامع دمشق قائما قبل آلاف السنين معبدا لآلهة الحضارتين الكنعانية والأمورية، وعلى يد الخليفة الوليد بن عبد الملك فاتح مدينة دمشق سنة 13 هجرية تحول هذا الصرح العظيم إلى مسجد.
إعلانويمكن لزوّار الجامع، بعد أن يفرغوا من معاينة أقسام هذا الصرح العظيم، أن يخرجوا ويمشوا بضعة أمتار شمالا ليأخذوا استراحة استثنائية في أقدم مقهى في بلاد الشام قاطبة "مقهى النوفرة"؛ فيستمتعون بطعم الزهورات الدمشقية الأصيلة في مكان يتجاوز عمره خمسة قرون وبمبلغ رمزي لا يتجاوز الدولار الواحد.
مقهى النوفرة هي أقدم مقهى في سوريا برمتها ويتجاوزها عمرها خمسة قرون (الجزيرة) البيوت الدمشقيةويسلّمك الجامع الأموي وقهوة النوفرة إلى سوق القباقيبي الشهير بحوانيتيه العتيقة وصنّاعه الحرفيين المهرة؛ هناك حيث بإمكان السائح أن يشتري تذكارات سياحية من دمشق بأسعار رمزية ( بين 1 و15 دولارا) بما في ذلك المشغولات اليدوية الخشبية والنحاسية والتطريزية.
وينتهي السوق عند حارة ضيقة تفضي إلى أحد أبرز المعالم السياحية في دمشق، وهو "قصر العظم" الذي بناه والي دمشق أسعد علي باشا العظم بين عامي 1749 و1750 وعاش فيه قرابة العقدين.
ومن البيوت الدمشقية الأثرية البارزة أيضا "مكتب عنبر" الواقع في حارة اليهود الدمشقية، والذي بُني على يد يهودي ثري يدعى يوسف عنبر منتصف القرن التاسع عشر.
مبنى داخل قصر العظم والذي يشكل أحد روائع العمارة الإسلامية في دمشق (الجزيرة)وفي مكتب عنبر وقصر العظم وغيرهما من البيوت الدمشقية يعيش السائح تجربة جمالية فريدة؛ فعبر دهاليز ضيقة يصل مباشرة إلى باحة الدار الدمشقي؛ حيث الشمس تنثر أشعتها، وفي كل الجهات أشجار وارفة وزهور مفتّحة.
وقد يتألف البيت من باحة واحدة تتشاطرها عائلة كاملة، أو من باحتين: خارجية تسمى "السلاملك" وهي لاستقبال الضيوف، وداخلية تدعى "الحرملك" وهي لأهل الدار والنساء، أما إذا كان المنزل كبيرا فقد يضم 3 أو 4 باحات كما حال "مكتب عنبر" الذي يضم 4 باحات.
باحة مكتب عنبر وهو صرح يجسد نموذجا للبيوت الدمشقية العتيقة (الجزيرة) شارع بمتحفوفي نهاية هذه الجولة في دمشق القديمة تصل إلى المحطة الأخيرة، وهي الشارع المستقيم الممتد من سوق مدحت باشا غربا وحتى الباب العتيق للمدينة شرقا (باب شرقي).
يعود تاريخ كنيسة المريمية لسنة 36 أو 37 ميلادية وهي بذلك أقدم بكنائس دمشق (الجزيرة)شارع يكاد يكون متحفا قائما بذاته، فمن أرضيته الحجرية القديمة إلى محاله ذات الطراز الدمشقي الأصيل وصولا إلى كنائسه ومساجده وأعمدته الرخامية الرومانية، يشعر العابر منه وكأنما هو في معرض للآثار الحية.
إعلانومع بلوغ نهايته من جهة الغرب، تكون عندئذ أمام مشهد حضاري وإنساني بديع تنصهر فيه المئذنة البيضاء (الُعمرية) مع قبة كنيسة المريمية وبرجها مع قوس الإله الروماني جوبتير المصنوع من الرخام الأبيض، ليبدو هذا المشهد في ختام الرحلة أشبه بمجاز معماري عن المجتمع السوري الغني بمكوناته المتنوعة.
قوس الإله الروماني جوبتير المصنوع من الرخام الأبيض (الجزيرة)