في الاعوام ١٩٦٩ إلى ١٩٧٢ دفعت مدارس دنقلا ومروي الثانوية وبورتسودان باعداد مقدرة من ابناء منطقة دنقلا رفدت الاتجاه الاسلامي بقيادات تنظيمية متميزة كان منها الدكتور محمد خيري فقير والمهندس شريف سعيد والشهيد حسن عوض الله والمهندس مكاوي محمد عوض وشقيقه حجازي والمهندس خالد محمد خالد ومحمد صلاح الدين حسن والمهندس ساتي واحمد سليمان وفتحي السيد وعبد العزيز بشاشة وسيد الزبير والسفير عبد الله عمر وغيرهم ممن كانوا في قيادة مؤسسات الخدمة المدنية بعد التخرج .
يبدو ان هذا الرافد الدفاق كان يلهمه من أبناء المنطقة الدكتور عبد الرحيم على والدكتور احمد علي الامام وحسن ساتي والدكتور محمود شريف … وكان من بين هؤلاء الطلاب ابن قرية كلمسيد بمنطقة دنقلا الزورات عبد العزيز عثمان الذي دخل معنا الى كلية الهندسة بجامعة الخرطوم … سطع نجمه فاعتقل مع من اعتقل من قيادات الاتجاه الاسلامي بكلية الهندسة في مطلع العام ١٩٧٦م ..
تقدم الصفوف بثبات في سجن دبك الذي خصص وقتها للطلاب المعتقلين من الجامعات فانبرى بعزيمة مجموعة من طلاب الاتجاه الاسلامي يقودها عبد العزيز لترفع من روح المعتقلين المعنوية وتدير نشاطا ثقافيا واجتماعيا ورياضيا واسعا ومسابقات فارتج السجن بحلقات التلاوة والحفظ والتجويد ودروس الفقه واصوله والتاريخ واللغة الفرنسية والصوتيات والثقافة السودانية والاحتفال بالمناسبات وبوادر برنامج الجبهة الاسلامية القومية في المجالات كافة بعد ان تجاوزت بنا القيادة شعار (الإسلام هو الحل) .
ولأن عبد العزيز كان فتى متعدد المواهب ككثير من السجناء من قيادات الطلاب إذ لم يكن احدهم يتخيل ان يكون عمر محمد زين طالب الزراعة حداد ماهر وفاروق احمد آدم سياسي وبيطري ولاعب ممتاز لكرة القدم وحموري السني الملتزم معلم وعازف ماهر على آلة الطمبور وطالب الهندسة حلاق له صالون تحت الشجر للطلاب وحرس السجن او عبد العزيز عثمان مخرج مسرحي بجانب تقديمه دروس حول اصول الفقه والتشريع يخرج مسرحية رائعة بعنوان (حاج محمود كيف حالك) تحكي معاناة مواطن سوداني مثل فيها طالب الفيزياء واول الشهادة السودانية احمد عبد القادر صالح دور حاج محمود ….
وعندما خرجنا من السجن في تدابير المصالحة الوطنية – بعد ستة عشر شهر قضيناها في سجون مايو – عام ١٩٧٧ كان الطلاب ينظرون إلينا بفخر واعزاز وأمل كالمنقذ ..
حينها قدم الاسلاميون عبد العزيز لقيادة الاتجاه الاسلامي وإمارته في جامعة الخرطوم فاحدث ثورة تنظيمية ومشاركة واسعة ووحد صف التيار الذي اثرت عليه الضغوط السياسية لنظام مايو ودبت إليه خلافات الساحة العامة في ظروف الانتقال من المعارضة الشرسة إلى المصالحة .
تخرج عبد العزيز في كلية الهندسة عام ١٩٧٩ فاختار على الوظيفة التي يتمناها الاهل التفرغ لقيادة العمل الاسلامي الطلابي في الجامعات ليكمل المهمة التي بدأها وتساكنا سويا في مجموعة من القيادات الإسلامية منهم امين حسن عمر ومحمد يوسف محمد وعبد الرحمن موسى وعبد المحمود نور الدائم الكرنكي والزبير احمد الحسن وآخرين كالتجاني عبد القادر وعاصم سيد احمد والمحبوب عبد السلام كنا نلتقي بهم في سوح الجامعات .
وعلى الرغم من انه لم يكن المسؤول الاول في مكتب الطلاب الا ان عبد العزيز كان مركزه وعمدته و(صمد) ساقيته التي تسقي زرع الاتجاه الاسلامي في وسط الطلاب في السودان كله في الخرطوم وقرى الجزيرة والنيل الازرق والقضارف وكسلا وبورتسودان وكوستى والابيض والفاشر والجنينة وعطبرة ومروي ودنقلا والجنوب … ابتعث بعد ذلك للدراسة فوق الجامعية مع كوكبة من الكوادر الى امريكا لتأهيل الحركة الاسلامية لمرحلة الدولة ويسدون حاجة الوطن للنهضة في مجالات عدة …
للامانة والنصح لم يكن عبد العزيز يسمح بعد ذلك للايام ان تفرق بينه وبين رفقائه في العمل حتى اعجزه اتساع دروب الحياة وكان يرى فيهم ما لا يراه أحدهم في نفسه فكنت كلما عملت في موقع ادركت انه كان وراء ترشيحي لهذا الموقع … التقينا كمهندسين جدد في تأسيس شركة التنمية العقارية التي كانت رائدا في مجال التشييد العقاري واقتسمنا إلى حين مكتبا صغيرا في مكتب المخصص لمجموعة حمدي الاستشارية في عمارة الفيحاء التي كانت تحت التشييد ليخرج بنا المهندس اسماعيل محمود منه مديرا لصرح سوداني جديد تألق في سماء الخرطوم بعدة بنايات … وانتقل بعدها عبد العزيز الى رئاسة مؤسسة انشأتها الانقاذ خرجت من رحمها كل مؤسسات التقنية المتطورة في الاتصال والتصنيع الحربي وغيرها من مجالات الصناعة .. استطاع بكوكبة اختارها من المهنيين ان يحقق نجاحا باهرا في هذا المجال ولكن صيته كان خفيضا كصوته اذ لم يكن يأبه لغير الانجاز وانتاج النظم والقيادات وتمكينها من البروز ويدفع ذلك ثمنا غاليا من وقته وجسده الذي انهكته (الأثما) ووضعته على شفا الموت عدة مرات ….
بالامس انتهت هذه الرحلة الطويلة بمعيار الكسب وانطوى هذا السفر الحافل بالإنجازات وانقضت سنوات عمر الاخ عبد العزيز وايامه المليئة بالنشاط وانتقل الى ربه راضيا مرضيا وانطفأ معها شهاب قبس كنا نهتدي بهديه وجذوة كنا نجد عندها الدفء ورجل من اصلب العناصر كنا نجد بجده ونتثبت بثباته وجلده وننعم بصحبته ونقتسم معه الزاد والحديث والكسوب فسبقنا بموته بعض منا الى الله حيث انتقلت معه الى الدار الإخرة ذكريات امتدت لعشرات السنين واحلام تشاركناها في عمر الشباب لا أشك في انه يذكرنا بها في الملأ الاعلى ويستبشر بنا ان نلحق به
ألا رحمة الله العزيز الرحيم وعفوه لعبد العزيز ولطفه بنا حتى لا نفتن بعده ولا نحرم من أجره
سليمان صديق علي
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: عبد العزیز لم یکن
إقرأ أيضاً:
السعودية تعلن وفاة والدة «الوليد بن طلال بن عبد العزيز»
أعلن الديوان الملكي السعودي، مساء امس السبت، وفاة منى الصلح، والدة الوليد بن طلال بن عبد العزيز آل سعود.
وصدر عن الديوان الملكي السعودي بيان جاء فيه: “انتقلت إلى رحمة الله تعالى والدة الأمير الوليد بن طلال بن عبدالعزيز آل سعود”.
وأضاف البيان: “سيصلى عليها، اليوم الأحد الموافق 5 رجب 1446 هجري، بعد صلاة العصر في جامع الإمام تركي بن عبدالله في مدينة الرياض”.
وختم الديوان الملكي بيانه: “تغمدها الله بواسع رحمته ومغفرته ورضوانه وأسكنها فسيح جناته، إنا لله وإنا إليه راجعون”.
يذكر أن منى الصلح، هي “ابنة رئيس الوزراء اللبناني الراحل رياض الصلح والزوجة السابقة لطلال بن عبد العزيز آل سعود، رزقت بثلاثة أولاد: الوليد بن طلال بن عبد العزيز آل سعود، خالد بن طلال وهو أصغر أولاد منى، والأميرة ريما بنت طلال، وكانت منى الصلح الزوجة الثانية لطلال، ودام زواجهما 14 عاما، إلى أن انفصلا من دون إعلان الأسباب”.
{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً، فَادْخُلِي فِي عِبَادِي، وَادْخُلِي جَنَّتِي}
بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره وببالغ الحزن والأسى ننعى والدتنا الغالية الأميرة منى رياض الصلح -رحمها الله وغفر لها- والدة صاحب السمو الملكي… https://t.co/lBuE43Ad9p