لعلك تذكر أنك ركبتني وأنت في السابعة من عمرك في سفر مع المرحوم والدك، ومع أني قد رزقني الله خفافا تتأقلم مع الحصى والرمل على حد سواء، إلا أنك سقطت عن ظهري عندما تزحلقت قليلا في سيري بين الساقية والوادي. ولولا أن الجمّال انتبه لك، لمضى دون أن يشعر بك أحد لتكون فريسة ذئب من الذئاب.
نحن الجمال لا نأكل اللحوم رغم ضخامة خلقتنا، بل نعيش على شجر السمر وشوكه ونوى التمر.
الشاهد أن الجمّال أناخني لك لتركب على سنامي، وقال لك تمسّك يا ولدي لا تسقط مرة ثانية. نحن ذلولون بقدرة الله وأمره، لا للبشر فحسب، بل لكل من يأخذ بالزمام. وقد جاء في القصص التاريخية أن فأرا أخذ بزمام أحد أجدادي، ومشى به، وجدي يتبعه، حتى وصل الفأر إلى جحره، وألقى الزمام، فبرك جدي، ثم وضع عنقه بجوار الجحر. هل رأيت كمثل هذا التواضع في أي من مخلوقات الله؟ وقد نوه القرآن بنا فقال تعالى:”أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت”. لكن الويل لمن يعاملنا بقسوة. فأنتم معشر البشر تقولون في أمثالكم “أحقد من جمل”. إذا غضبنا فلا تلوموا إلا أنفسكم. لكننا وقعنا في مصيبة قبل بضع سنوات في استراليا حين قررت إعدام نحو نصف مليون من الإبل. غير أن رجل أعمال من ليبيا تصدى لبني أوزي فاشترى كمية ضخمة من الإبل الأسترالية فللّه دره. لا شك عندي أن حفيد عمر المختار يتغذى بلبن الناقة، ويأكل من لحم القعدان. فنعم الرجل ونعم ما استثمر فيه.
ونحن سفينة الصحراء. النبي موسى حج على جمل أحمر. كنا نحن نقوم مقام السيارات والقطارات عشرة آلاف سنة قبل هذي المخترعات الحديثة. هل تعلم أنني أستطيع أن أشرب في السقيا الواحدة 140 لترا. ذكر ذلك حسين مؤنس في كتاب “قريش”. لذلك قالوا الجمل يصبر بعد سقيا واحدة، أكثر من خمسين يوما.
وختام القصة أنك شعرت برضّة توجعك في فخذك اليمين، فأرسلتك المرحومة والدتك إلى إحدى عجائز القرية كي تدلّك فخذك بزيت السمسم بضعة أيام حتى شفاك الله. ومن يطالع كتاب “قصص الحيوان في القرآن” لأحمد بهجت، سيحزن أنه تكلم بألسنة الحيوانات، حتى ذئب يوسف، ولكنه غفل عني.
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً: