من يحاسب الشركات التى لا تحترم عروض العمل
تاريخ النشر: 7th, January 2025 GMT
سوق العمل لدينا في بعض الأحيان، يتعامل مع البشر على أنهم أرقام، وأن كل رقم من الممكن اسنبداله بسهولة. وهذا يخلق شعورا لدي الشباب بعدم الاستقرار والأمن الوظيفي، وبالتالي، يصبح الولاء لديهم، لمن يقدم العرض الأكبر، وكلما حصلوا على عرض أكبر، ولو بألف ريال، يقومون بالقفز من السفينة، فهم يقولون لأنفسهم بأنه من الأفضل أن يغادروا مكانهم قبل أن يتم تغييرهم فجأة لأي سبب كان، سوء تغيير الإدارة، أو تخفيض نفقات، أو إعادة هيكلة.
ولكن ما يحدث مؤخراً، ظاهرة في مستوى آخر في التعامل من قبل الشركات والمؤسسات مع الباحثين عن عمل، أو الباحثين عن تحسين وضعهم الوظيفي.
المعروف أن الموظف لا يستطيع أن يوقِّع على عقد عمل مع شركة أخرى، حتى آخر يوم عمل، بعد أن يقدم استقالته من عمله الحالي.
ويكتفى بعرض العمل المقدم له من الشركة الأخرى كالتزام بين الطرفين.
ولكن لدى البعض لا يمثل العرض والموافقة عليه أي التزام.
وهنا أذكر إبن جاري الذي كان يريد أن ينتقل إلى وظيفة أفضل بالنسبة لمستقبله الوظيفي، وخلال رحلة البحث، تقدم لإحدى الشركات، وأجرى أكثر من مقابلة مع المسئولين فيها، وأخبروه بنجاحه، وقدموا له عرضاً مغرٍ على أن يستقيل من عمله الحالي، لكي ينضم لهم. و بالفعل قدم استقالته. و حين ذهب للشركة الجديدة، اخبروه بأن الوضع تغير، وأنهم ليسوا بحاجة إلى خدماته.
وكنت أظن أنها حاله فردية، ولكني سمعت أكثر من شكوى. وقبل أيام التقيت بأحد الأطباء الذي أخبرني بأنه تعرّض لنفس الموقف.
هذا الطبيب تلقّى عرضاً من مستشفى في مدينه أخرى، و بعد أن خضع لعدد من المقابلات، تم الإتفاق على تاريخ بدء العمل. وبالفعل قدم استقالته من عمله، و ذهب إلى المدينة الجديدة، وأجر شقة وقام بتأثيثها، وعند مراجعة المستشفى لاستلام العمل، أخبروه بأنهم غيروا سياسة التوظيف لديهم، وأنهم لا يحتاجون له.
و فكر في أن يقاضيهم، ولكنه سرعان ما تذكر أنه قد لا يوجد قانون يلزمهم بتوظيفه، وحتّى اذا ما فاز في القضية، والتى قد تستغرق زمناً طويلاً، وصدر الحكم لصالحه، وتم تعيينه في المستشفى الجديد، فإنه بإمكانهم اعتبار أول ٣ شهور كفترة تجربة، ثم إنهاء التعاقد بطريقة رسمية. وبالتالي خسر الوقت والمال في مقاضاتهم.
ولذلك، سلّم أمره لله، وأخذ في البحث عن وظيفة جديدة، وحالفة الحظ بعد عدة أشهر.
لابد أن تكون الشركات مسؤولة عن عروض العمل التي تقدمها، وأن لا تتراجع عنها بعد الاتفاق مع الموظف على كل البنود. وإذا حدث ظرف خارج عن إرادتها، فلابدَّ أن يكون هناك بند يلزمها بدفع تعويض مادي عن هذا التراجع بعد أن يترك الموظف مكانه. وأن يدفع المبلغ في أقرب وقت، كما يجب تعويضه عن النفقات التى تكبدها، خاصة إذا اضطر إلى النقل إلى مدينة اخرى.
نحتاج إلى تدخل الجهات المسئولة عن حماية حقوق الموظف. وعليها دعم الموقف القانوني لكل العاملين .
وقد يقول البعض أن هناك من المتقدمين الذين لا يلتزمون أيضا، ويعتذرون في آخر لحظة، و يقبلوا بعرض شركة أخرى. قد يحدث ذلك، ولكن بالنسبة للشركة، فلديها عشرات المتقدمين، وبامكانها اختيار شخص آخر في وقت قصير، أما الطرف الآخر، والذي قدم استقالته، فلا أحد يعلم متى سيجد وظيفة في شركة أخرى، و قد يضطر للعمل في مجال جديد لا يتوافق مع خبراته، وفي أحيان كثيرة براتب أقل.
الموظف لا يجب أن يكون الحلقة الاضعف في سوق العمل، وأعرف أن وزارة الموارد البشرية تضع القوانين دائما وهي تنظر لمصلحة الموظف أولاً. ولكن بعض المؤسسات تستغل القوانين لمصلحتها، وهو شئ مشروع، ولكن ليس إذا كان يتسبَّب بالضرر للطرف الآخر.
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
النظام ساقط… ولكن الظل قائم: في طقوس الإنكار وانفجارات الكذب الوجودي عند إبراهيم محمود
هل يمكن للظل أن يُلقي بنفسه في النهر ظانًّا أنه سينجو؟
هذا ما يفعله إبراهيم محمود، الرئيس المكلف لحزب المؤتمر الوطني، حين يقف على شاشة الجزيرة ليحاور الأستاذ أحمد طه، ليس بصفته مسؤولًا سياسيًا سابقًا، بل كممثل بارع لمدرسة “الإنكار العالي”، حيث الحقيقة ليست إلا مؤامرة، والوقائع ترف ذهني، والثورات… تجلٍ هوسي، و هلوسة جماعية لشعب مخدوع.
لقد جلس الرجل، في قشرة مدنية صقيلة تحاكي هيئة النظام لا جوهره، ونبرة لا تخلو من يقين أن العالم ما يزال يدور حول “المشروع الحضاري”، ليقول لنا ببساطة: “نحن لم نربِّ الوحش، لم نغذّيه بمكر سياسي حتى تضخمت مخالبه، لم نحرق دارفور، ولم نرَ ديسمبر أصلًا، بل رأينا سحابة صيف عبرت من الخارج، ثم غرّرت ببعض القُصّر.و الحالمين”
أيها الإله الذي نفاك المؤتمر الوطني ثم أعاد استيرادك بشروطه: قل لنا، هل هذا هو التجسيد الحداثي الجديد لسياسة “عليّ الطلاق ما حصل”؟ هل هذه المقابلة كانت درسًا في محو التاريخ أم إملاءً في بنية معماريّة دقيقة لتشويه المعنى؟
إبراهيم محمود لم يُجب، بل ناور، دار، لفّ، وحوّل كل سؤال إلى متاهة. بدا كأنه يفاوض الحقيقة على شاشة البث المباشر، كأنها صفقة سياسية قابلة للتأجيل.
هل المؤتمر الوطني مسؤول عن تضخيم الدعم السريع؟
“لا، قوى الحرية والتغيير فعلت ذلك.”
ومن الذي شرعن له برلمانيًا؟
“البرهان، تحت الضغط الخارجي.”
ومن الذي أوجد البرهان؟
“القدر، ربما… أو إحدى المعجزات السياسية.”
هكذا يجيب من لا يملك شجاعة القول، ومن ما زال يعتقد أن الناس قطيع، وأن الزمن يمكن إعادة تطويعه بدهاء السوقة وشطارة المكر السياسي، وأن الكذب مهارة إدارية.
يا سيدي، إنكم أنتم من نصبتم خيمتكم على مفاصل الدولة، حوّلتم الإسلام إلى سلعة، والوطن إلى غنيمة، والجيش إلى شركة أمن خاصة. ثم جئتم بعد السُكر الطويل، وأنتم تترنحون في محراب الإعلام، لتقولوا: لم نكن هناك.
لا أحد منكم يريد أن يعترف، لأنكم – وكما قال إريك فروم – “لا تحتملون الحرية”، أنتم أبناء الطاعة، تخافون من الحقيقة لأنها تفكّك السلطة، وأنتم عبدة السلطة.
إن إبراهيم محمود، في تلك المقابلة، لم يكن يمثل حزبه فقط، بل جسّد بأمانة كاملة عقلية الإسلام السياسي حين يُستدعى للمساءلة:
أولًا ينكر،
ثم يتّهم الآخر،
ثم يتذكّر أن الله معه،
ثم يختم بابتسامة مُرّة توحي بأنه يعلم أنه يكذب، لكنه قرر أن لا يختشي.
أي نقد يُقدَّم لهؤلاء يُقابل بتهمة “الحرب على الإسلام”، وكأن الإسلام وُكِّل إليهم دون سواهم، وكأن الله نفسه عقد معهم اجتماعًا مغلقًا، ووقّع على بيان رسمي قال فيه: هؤلاء وكلائي الحصريون.
ياللمفارقة التراجيدية! كيف تؤول النصوص، وتُسرق القيم، وتُختطف الأخلاق، ليُقال إن من اختلف مع حزب سرق السلطة لثلاثين عامًا، ونهب الوطن، ودفع به إلى حرب أهلية، إنما هو “عدو للإسلام”!
لقد قدم إبراهيم محمود درسًا في الاستبداد الديني المغلّف: ليس في ما قال، بل في كيف قال. بنبرة فوقية لا تعترف بالمُحاوِر، ولا بالشعب، ولا بالتاريخ، بل تُخاطب جمهورًا متخيّلًا، جمهورًا مخصيًا ذهنيًا، يصفّق لكل شيء، حتى لو قال لهم إن الشمس تشرق من دار المؤتمر الوطني.
لقد خرجت الثورة، يا سيدي، لا من مؤامرة، بل من رحم الغضب.
من دم الشهداء في عطبرة، و نيرتتي من ليل المعتقلات، من جوع الأحياء الطرفية، من حنجرة حميد، من صمت الأمهات، من دعاء أولئك الذين رأوا أطفالهم يُدفنون في خيام النزوح باسم المشروع.
ولكنك، كاهنٌ آخر في معبد الإنكار لا يصغي حتى لصدى خطواته في الخراب.
فلا بأس، سنكتب.
وسنضحك، ساخرين من “الرئيس المكلف” لحزب منحل، يجلس على طاولة الكلام وكأنه ما زال يحكم.
zoolsaay@yahoo.com