التفاصيل الكاملة لاعترافات “خلية التجسس البريطانية السعودية”
تاريخ النشر: 6th, January 2025 GMT
يمانيون../
سجلت الأجهزة الأمنية انتصاراً جديداً ضد أجهزة المخابرات وشبكات التجسس العالمية، وهذه المرة تتعرض الاستخبارات البريطانية والسعودية إلى انتكاسة جديدة.
وتمكنت أجهزة الأمن والمخابرات اليمنية اليوم الاثنين من ضبط خلية جواسيس تتعامل مع أجهزة الاستخبارات السعودية والبريطانية، وذلك خلال قيامها بمهام تجسسية تهدف لاختراق جبهة اليمن الداخلية والإضرار بتحركات القيادات الفاعلة في الميدان، ليتلقى الأعداء صفعة جديدة فقأت أعينهم، ويزداد معها فشلهم الاستخباراتي في اليمن.
وبعد أن تخلص اليمن من الوصاية الأجنبية، وأسدل الستار على مرحلة حكم السفارات، يعمل الأعداء باستمرار، محاولين استعادة وصايتهم، غير أنهم وفي كل جولات المواجهة يحقق اليمن -بفضل الله- والقيادة الثورية الحكيمة والشعب المؤمن، الانتصارات تلو الانتصارات، وبهذا الإنجاز اليمني الجديد يواصل اليمن الإطاحة بالمؤامرات والمتآمرين، ويلحق بهم الهزائم تلو الهزائم.
سقوط بريطاني استخباراتي جديد:
وفي ظل الموقف اليمني المساند لفلسطين، وما تضمنه من عمليات أذهلت العالم والمراقبين، عجزت قوى الاستكبار عن ثني الموقف اليمني رغم الغارات الجوية المكثفة التي استمرت طيلة عام كامل وما تزال، لتلجأ تلك القوى الظلامية إلى انتهاج مؤامرات التجسس والاختراق الداخلي للجبهة اليمنية، في حين أن هذه المحاولة تأتي على أنقاض فشل بريطاني استخباراتي سابق، بعد أن تمت الإطاحة بخلية تجسس تعمل لصالح الاستخبارات البريطانية قبل خمس سنوات.
جهاز الاستخبارات البريطاني “إم آي سكس” السيئ الصيت أحد الأجهزة المتورطة في تجنيد شبكات من الجواسيس على أرض اليمن، ورغم انتكاسته أمام الأجهزة الأمنية اليمنية في العام 2020، عند الإطاحة بعناصر تجسسية، كانت تدار بشكل مباشر من قبل ضباط بريطانيين في المحافظات الجنوبية والشرقية المحتلة، عادت الاستخبارات البريطانية لممارسة نشاطها العدائي بالتعاون مع الاستخبارات السعودية، بهدف استقطاب وتشكيل شبكات تجسسية وتجنيدها في المملكة، ومن ثم إرسالها إلى اليمن للبدء في نشاطها التجسسي لصالح أجهزة الاستخبارات الأجنبية المعادية، عبر عنصر محلي مقيم في السعودية، ويعمل في السفارة اليمنية في الرياض.
كانت البداية في تجنيد نوع جديد من الجواسيس، ضباط في الاستخبارات البريطانية، ويعمل تحت إمرتهم ضباط استخبارات سعوديين أشرفوا بشكل مباشر على عملية الاستقطاب، مستغلين ضعاف النفوس ممن تم استدراجهم من اليمن إلى السعودية، أو من اليمنيين المقيمين في المملكة.
ويتشكل الفريق من (ثلاثة ضباط ومخابرات بريطانيون) وهم : (جون، وأوسكار، وكيلو)، وكان “كيلو” على رأس فريق التدريب والإدارة لشبكة التجسس، ويعمل تحت إشرافهم أربعة من ضباط الاستخبارات السعودية يدعون (عبد العزيز، سلطان، عبد الله، سعد).
وقد تم استقطاب ثلاثة جواسيس يمنيين: (الأول اسمه علي، ويحمل اسماً حركياُ يدعى “جون” وهو المسؤول المباشر على البقية، الذين هم أحمد ويحمل اسماً حركياً يدعى “فيكتور” وعارف ويحمل اسماً حركياً يدعى “مايك”)، فيما تمت إضافة جاسوس رابع من اليمن اسمه “سليمان” وكان له دور خاص، توضحه اعترافات الجواسيس الواردة في هذا التقرير.
استقطاب من باب الإغراء المالي ولقمة العيش:
وخلال فترة الاستقطاب، بعد وصولهم إلى الرياض، خضع المجندون لأربع أو خمس مقابلات مع ضباط الاستخبارات البريطانية، خلال فترة امتدت قرابة أربعة أشهر.
وبعد عملية التحري والفحص الأمني، تمت الموافقة على تجنيد الجواسيس، وتم تحديد موعد لمباشرة التدريب.
هنا يتحدث الجاسوس “عارف” الذي يحمل الاسم الحركي “مايك”، بقوله: “أنا كنت في السعودية مغترب، اشتغلت هناك بالسعودية، بحي السفارات، وجاء “علي” وقال نقابل واحد هناك بكافيه، قلت له من هو؟ قال: واحد نقابله ونشتغل معه”.
ويتابع حديثه: “ذهبت أنا وعلي وتفاجأت أن الذي سنقابله هو ضابط بريطاني اسمه “جون”.
الجاسوس “عارف” خضع لمقابلة الضابط البريطاني الذي طلب منه العودة إلى اليمن للعمل كجواسيس بعد التدريب المكثف.
هنا يؤكد الجاسوس عارف بقوله: “قلت للضابط البريطاني إن شاء الله خير، ومن ثم عدنا، إلى حيث كنا نسكن، وبقينا فترة، ثم ذهبنا لمقابلة الضابط “جون” مرة ثانية، وقال لنا نرجع نشتغل من داخل صنعاء جواسيس، ومراقبة على بعض المنظمات، وناس كبار في أنصار الله.
أما الجاسوس أحمد، والذي يحمل اسماً حركياً يدعى ” فيكتور”، فيقول: “تواصلت مع علي وأنا في صنعاء، قلت له يبحث لي عن عمل، فقال: حاضر، ومن ثم دخلت إلى السعودية واستقبلني هو، وقلت له أيش العمل، فقال: هنا عمل تبع *****، واتضح أنه عمل مع البريطانيين من داخل اليمن، على أساس يكونوا يرسلوا لنا إحداثيات، واحنا نصورها، ونلتقط لها صوراً، ونصور المواقع، ويجيبوا لنا فلوس مقابل ذلك”.
أساليب تجسسية متطورة.. قبضة اليمن أقوى
أخضعت الاستخبارات البريطانية والسعودية عبر ضباطها، الجواسيس للتدريب لأكثر من شهر ونصف، وتلقوا دورات متخصصة في مراقبة الأهداف المتحركة والثابتة، وزرع أجهزة التعقب، ورصد الأهداف، وإجادة شفرة التواصل، وإجراءات الأمن الشخصي، وجمع المعلومات عبر برمجيات وأجهزة مصنعة خصيصاً لمهمة التجسس، ورفعها بطرق في غاية السرية.
هنا يقول الجاسوس “عارف – مايك”: كانوا يعلمونا العمل على الأجهزة وأساليب العمل في استراحة بمنطقة الدرعية، فيما يضيف الجاسوس “علي – سيرا”: كان التدريب على ثلاثة أشياء، الأول فتح الأقفال، والثاني فتح المغالق، والثالثة المراقبة لسيارات الشخصيات”، في إشارة إلى أن الخلايا كانت تهدف لوضع أجهزة التنصت والمراقبة على أجهزة الشخصيات المتدربة.
ويتابع الجاسوس “عارف”: جاؤوا يدربونا، وأنا كنت مع الضابط السعودي “عبد الله” وكان كل واحد مننا اليمنيين يركب مع واحد من الضباط السعوديين.
ويضيف الجاسوس عارف”: قالوا نخرج بالسيارات ونعمل محاكاة لعمليات المراقبة وتحديد أسماء الأشخاص والمنازل وغيرها، وكنا نتدرب تدريبات مكثفة على المراقبة، ثم جاء جاسوس يمني رابع اسمه سليمان، وهو تم تدريبه على زرع الأجهزة في السيارات، وكان يعلموه كيف المراقبة وزرع الأجهزة في السيارات وكيفية إخفائها.
ضباط الاستخبارات البريطانية سلموا أجهزة التعقب جي بي إس، وأجهزة تصوير على شكل ريموت، كونترول سيارة، وأخرى على شكل مفتاح، وكذلك على شكل خازن طاقة، وجهاز تصوير على شكل ساعة، وأجهزة هاتف، وأجهزة بتطبيقات تواصل آمن مع الجواسيس، وبدأ الأمر بالعودة إلى اليمن لبدء المهمة التآمرية التجسسية.
وهنا يوضح الجاسوس اليمني المسؤول على البقية من الجواسيس اليمنيين ويدعى “علي” ويحمل اسماً حركياً باسم “سيرا”، ويقول: “أمرونا نعود لليمن، وقالوا يجيبوا لنا أسماء حركية أخرى، فأنا اعطوا لي اسم “سيرا” وعارف أعطوا له اسم “مايك” وأحمد أعطوا له اسم “فيكتور”.
فيما يقول الجاسوس “عارف – مايك”: جاب لنا الضابط السعودي “سعد” ريموت سيارة، ولكنه ليس ريموت، بل هو كاميرا سرية نصور بها المواقع مع جهاز تعقب صغير، وجئنا بها إلى اليمن.
ويضيف: “دربونا البريطانيين على كيفية استخدام الجوال وفتح الخرائط وتوظيف الأجهزة التي أعطونا، أما الضباط السعوديين فكانوا يدربونا كيف نراقب وكيف نفتح ونغلق الأبواب وغيرها، وكيف نلحق السيارات، وكيف نتكلم مع الأشخاص المستهدفين وكيف نموه”.
فيما يزيد الجاسوس “أحمد – فيكتور” بقوله: “دربونا الضباط السعوديين تحت إشراف الضباط البريطانيين، وتحديداً تحت إشراف الضابط البريطاني “كيلو”، وكان المدرب على وضع الجهاز هو الضابط البريطاني “أوسكار”، حيث يتم زرع الجهاز في السيارات”.
الجواسيس على الأرض ومشغليهم خلف الأثير.. أعين الأمن ترصد
كانت البداية بفحص ما إن كان الجواسيس قد أجادوا تقنية التواصل الفعال والآمن مع الضباط البريطانيين و السعوديين، حيث يقول الجاسوس “عارف – مايك”: أنهينا التدريبات كاملة وأعطانا الضابط البريطاني “أوسكار” الجوالات، وفيها التطبيقات، وفي هذا التطبيق نستطيع المناداة لاسلكياً نستخدمه في اليمن، ويتم الدخول إلى القناة المحددة، وكنا نتلقى المناداة من الضباط السعوديين والبريطانيين، فيما يوضح الجاسوس “علي – سيرا” أن الضباط البريطانيين والسعوديين كانوا يدخلون إلى القناة الخاصة بالأجهزة لمناداتهم والتعقيب عليهم، إذا ما كانوا حاضرين وجاهزين لبدء الأعمال والمهام الموكلة إليهم، مبيناً أن التحضير كان يتم بمناداة تحمل عناوين “زيرو سيرا، زيرو فيكتور، زيرو مايك”، وهكذا أيضاً يتم مناداة الضباط السعوديين.
ويقول “في كل مهمة يطلب منا الضباط البريطانيين القيام بها، كان يتم مناداتنا، وإذا لا يوجد مهمة فيتم تأجيل المناداة إلى وقت المهمة المحددة”.
ولأن دوافع جواسيس الاستخبارات البريطانية كان محكوماً بالإغراءات المالية، فقد شكل ذلك، مع المخاوف من انكشاف آلية وصولها، أحد المعوقات التي واجهت سير عمل الجواسيس، مع يقظة عالية للأجهزة الأمنية، حيث أظهرت مقاطع تسجيلات التواصل بين الجواسيس والضباط السعوديين مخاوف كبيرة من اكتشاف بيانات الحوالات المالية التي كان يتم إرسالها للجواسيس.
وقد تضمنت المحادثات بين الضباط السعوديين والجواسيس اليمنيين، جوانب التمويه في إرسال واستلام الحوالات، حيث لجأوا للاستعانة بأقاربهم لاستلام الحوالات من السعودية عبر ارسالها بأسماء مغتربين هناك، غير أن كل هذه الالتفافات لم تتمكن من اختراق تحصينات الأجهزة الأمنية.
وتكشف الوثائق التي تمكنت الأجهزة الأمنية -بعون الله- من الوصول إليها، أن عناصر شبكة التجسس البريطانية كانوا تحت الإشراف والمتابعة المباشرة من ضباط الاستخبارات البريطانية، وفي بعض الحالات، يمارسون الضغط على الجواسيس اليمنين بتكرار المناداة وإجبارهم على التحرك للقيام بالمزيد من المهام، رغم كثرة مخاوف الجواسيس من الاحتياطات الأمنية الموجودة والتي حالت دون تحركهم بأريحية، وصولاً إلى ضبطهم.
مهام تؤكد عجز الاستخبارات البريطانية
وفي سياق أعمال التجسس، يتحدث الجاسوس “عارف – مايك” بأنه تلقى توجيهات من الضابط السعودي “سلطان” بالذهاب إلى أحد الأحياء في صنعاء لتصوير “فلة” و”عمارة”، فقام بتصويرها وإرسالها للضابط السعودي.
وقد أظهرت المحادثات تداول الصور والرسائل بشأن ما تم تصويره، والجوانب اللازم تصويرها.
ويواصل الجاسوس “عارف” حديثه بالقول: “بعد يوم واحد من تصوير الفلة والعمارة، تلقيت أوامر بالتحرك إلى أحد الأحياء وتصوير سيارة نوع “ليكزز”، وانتظرت للسيارة ولم تأتي السيارة، ثم تواصلت بالضباط وقلت لهم ما يمكن أنتظر أكثر من هذا الوقت كون الإجراءات الأمنية في الحي لا تطمن”.
ويشير إلى أنه وفي ظل الإجراءات والدوريات الأمنية التي تقوم بها أجهزة الأمن، لم يتمكن من القيام بالمهمة، تم إيكال المهام هذه إلى الجاسوس “علي – سيرا”.
وقد أظهرت المحادثات أن الضباط السعوديين طلبوا تصوير لمدة ساعة في أحد الأحياء ورصد حركة الناس والسيارات.
وأكد الجاسوس “عارف” أنه وبرفقة الجاسوس “أحمد” لم يتمكنا من التصوير ولم يجدوا أياً من الأهداف التي أمر الضباط السعوديون بتصوريها، وكانت تتضمن سيارات معينة.
ويضيف الجاسوس “عارف”: “تلقيت أوامر بالتحرك برفقة أحمد لمراقبة سيارة وزرع جهاز تجسس فيها، وكان “سليمان” هو المتخصص في زرع الأجهزة، وبقينا نراقب السيارة بعد تحديدها وكانت السيارة فيها كاميرا مراقبة”.
فيما يوضح الجاسوس “أحمد” أنهم تلقوا مهمة بمراقبة سيارة نوع “راف فور” وتحديد موقعها بغرض زرع جهاز فيها، إلا أنهم لم يتمكنوا من ذلك، إلا بعد فترة، حيث تم زراعة جهاز تنصت في السيارة حسبما أوضح الجاسوس “علي”.
وقد أظهرت محادثات الجواسيس مع الضباط السعوديين، أن الأخيرين طلبوا من الجواسيس اليمنيين بمراقبة السيارة التي تم زراعة الجهاز فيها، وذلك بغرض التقاط صورة للشخص الذي كان يقود السيارة.
كما أوضح الجاسوس “عارف” أنهم تلقوا أوامر من الضباط السعوديين والبريطانيين لتصوير أحد الفنادق وإحدى البنايات في صنعاء، ما يؤكد حجم الفشل الخارجي في تحديد أهداف معينة، أي أنهم يعملون بتخبط كبير ولا يجدون أهدافاً محددة تعطيهم إنجازاً.
ومن خلال ما أدلى به الجواسيس، يتضح للجميع أن الأعداء لا يملكون أي حيلة، وليس بمقدورهم وقف الموقف اليمني المساند لفلسطين، فمع فلشهم العسكري، ها هم يسقطون أمنياً واستخباراتياً.
ورغم كثرة السقطات الاستخبارية بين يدي الأجهزة الأمنية اليمنية، إلا أن الأعداء لا يكلون ولا يملون، وقد تأكد للجميع أن النشاط التجسسي المعادي هو نزعة العدوانية تجاه اليمن من قبل الاستخبارات البريطانية والسعودية، وتعكسه اعترافات عناصر شبكة التجسس البريطانية التي تم الإطاحة بها، وما عرضته الأجهزة الأمنية من وثائق دامغة.
وبضبط هذه العناصر والخلايا، يتحقق إنجاز أمني نوعي لليمن، وصفعة جديدة لجهاز الاستخبارات البريطاني ولمن يعمل تحت إمرتهم، ليواصل اليمن موقفه محلقاً في الأعلى، ويبقى أعداء اليمن غارقين في البحر، أو حائرين مع جواسيسهم بين قبضة اليمن واليمنيين.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الاستخبارات البریطانیة الاستخبارات البریطانی الضباط البریطانیین ضباط الاستخبارات الضباط السعودیین الأجهزة الأمنیة أجهزة الأمن من الجواسیس إلى الیمن على شکل
إقرأ أيضاً:
قصفٌ بلا “ردع”: ورطة ترامب في اليمن تطغَى على أكاذيبه
يمانيون../
فيما تكافح إدارة ترامب لملء الفضاء الإعلامي بدعايات مضللة حول تحقيق انتصارات في اليمن، هروباً من واقع الفشل الذريع للعدوان الجديد، يتواصل تدفق الاعترافات بذلك الفشل والتأكيدات على انسداد أفق الحملة الحالية، مع تقديم اقتراحات لاستراتيجيات مختلفة تعبر بوضوح عن ورطة استراتيجية تعاني منها الولايات المتحدة في التعامل مع الملف اليمني.
كان إعلان القوات المسلحة اليمنية، مساء أمس، عن استهداف العمق الصهيوني بطائرة مسيَّرة، قال الإعلام العبري: إنها “تحدت” الأنظمة الدفاعية للعدو من خلال سلوك مسار مختلف لمهاجمة الأراضي المحتلة، بالإضافة إلى أن استهداف مدمرتين أمريكيتين في البحر الأحمر، دليل جديد على تماسك القدرات العسكرية اليمنية واحتفاظ القوات المسلحة بجاهزيتها لمواكبة التصعيد على كافة مسارات الإسناد في وقت واحد، وهو الأمر الذي يقوض سيل الدعايات المضللة التي تحاول إدارة ترامب من خلالها صناعة انتصارات وهمية فيما يتعلق بتدمير القدرات اليمنية وتصفية القيادات الوطنية، وهي دعايات بات واضحًا أن البيت الأبيض يعتمد عليها بشكل أساسي للهروب من التساؤلات المستمرة عن جدوى العدوان على اليمن، خصوصاً في ظل الاستنزاف الكبير لموارد الجيش الأمريكي في فترة وجيزة.
ومن آخر تلك الدعايات تصريح وزير الدفاع الأمريكي، بأن العدوان على اليمن سيشتد خلال الفترة المقبلة، في محاولة مكشوفة للقفز على ادّعاءات ترامب بأن الحملة العسكرية ناجحة؛ إذ لو كانت كذلك لما كانت هناك حاجة إلى التهديد بتصعيد جديد.
وعلى أية حال، فإن محاولة إدارة ترامب لملء الفضاء الإعلامي بمثل هذه التهديدات والدعايات، لم تفلح في إخفاء الحقيقة، مثلما لم تفلح الغارات الجوية في إحداث أي تأثير حقيقي على واقع الميدان، حيثُ نشر موقع مجلة “ماريتايم إكسكيوتيف” الأمريكية المختصة بشؤون الملاحة البحرية تقريرًا جديدًا، ذكّرت فيه بأن “القوة الجوية لم تنجح قط في قلب موازين الأمور في اليمن، أو تحييد قدرات صنعاء على إطلاق الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز، أو دفع قواتها إلى التراجع”.
وأشار التقرير إلى أن أحد أسباب فشل القوة الجوية في ردع اليمن خلال المراحل الماضية كان التضاريس الصعبة لليمن، ونقص المعلومات الاستخباراتية للقوى المعادية، وهي أمور لم تتغير حتى الآن، حيثُ لا زالت التضاريس كما هي، فيما تجمع مختلف التقارير الأمريكية على أن الولايات المتحدة لا زالت تفتقر إلى المعلومات الكافية عن الترسانة العسكرية اليمنية، لدرجة أنها لا تستطيع حتى تقييم فعالية ضرباتها؛ بسبب نقص هذه المعلومات.
وقد جدَّد تقرير حديث نشره “المجلس الأطلسي”، وهو مركز أبحاث أمريكي، التأكيد على أن “محدودية المعلومات الاستخباراتية الميدانية في اليمن ستعيق قدرة الولايات المتحدة على النجاح” مشيراً إلى أن “هذا الواقع تكرر في أوائل العام الماضي عندما واجهت الولايات المتحدة صعوبة في تقييم نجاح عملياتها وتقييم الترسانة الكاملة في اليمن؛ بسبب نقص المعلومات الاستخباراتية”.
ووفقاً لذلك فإن إدارة ترامب لا زالت محشورة في نفس مربع العجز الذي فشلت إدارة بايدن بالخروج منه، واستخدام القاذفات الشبحية، والتمادي في استهداف المدنيين لا يشكل فرقاً حقيقيًّا، بل يعبر عن تخبط واضح في إيجاد استراتيجيات مؤثرة للتعامل مع اليمن.
ويرى تقرير “ماريتايم إكسكيوتيف” أن التهديد الذي يشكله اليمن بالنسبة للولايات المتحدة “قد خرج عن السيطرة” بالفعل عندما بدأت العمليات البحرية المساندة لغزة، لافتاً إلى أن المشكلة تتجاوز مسألة نقص المعلومات وصعوبة التضاريس، وتكمن بشكل أساسي في “طبيعة الخصم” المتمثل في الشعب اليمني المتعود على الصراعات والمتمرس في التعامل مع الأسلحة.
وفي هذا السياق نقل التقرير عن مايكل نايتس -الباحث البارز في معهد واشنطن الأمريكي لسياسات الشرق الأدنى، قوله: إن “البيئة اليمنية خلقت أمّة من المحاربين الذين يستطيعون تحمل الألم بشكل كبير، وهم أصعب من أن يتم إكراههم علناً”.
وبما أن ترامب لا يستطيع ادّعاء القدرة على تغيير طبيعة اليمنيين أو إعادة تشكيل تضاريس اليمن من جديد، وبالإضافة إلى المشاكل المعترف بها والمستمرة بشأن نقص المعلومات وصعوبة إيجاد الأهداف؛ فإن النتيجة البديهية التي خلص إليها التقرير الأمريكي هي أنه “من غير المرجح أن تنجح أية محاولة لتدمير قدرات اليمن من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز”، مضيفاً أن “حماية المخزون العسكري وتوزيعه، مع عمق الخبرة التقنية لدى اليمنيين، تشير إلى أن القدرات ستبقى”.
وخلص تقرير “المجلس الأطلسي” إلى نفس النتيجة، حيثُ أكّد أنه في ظل المشاكل العملياتية التي يواجهها الجيش الأمريكي فإن عنوان “الحسم” الذي يرفعه بايدن يمثل “تقليلًا من شأن قدرة اليمنيين على الصمود، وقدرتهم على التكيف الاستراتيجي” مشيرًا إلى أن التحديات تتطلب “أن تعترف إدارة ترامب بأن النهج العسكري البحت لن يحقق هدف واشنطن”.
وقد أشار “المجلس الأطلسي” إلى أن إدارة ترامب تواجه مشكلة أخرى، تتمثل في مواجهة الحقائق الإعلامية؛ بسبب “الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية الحيوية والإصابات المدنية الناجمة عن الغارات الجوية” وهو ما يعني أنه حتى حملة التضليل الدعائي المكثف التي تمارسها إدارة ترامب كمتنفس لتعويض الفشل الميداني، ليست ناجحة.
هذه التناولات تشير بوضوح إلى أن المأزق الأمريكي في اليمن أكبر من أن يتم الخروج منه بتصعيد وتيرة العنف الانتقامي ضد المدنيين، وتكثيف الدعايات المضللة، وهذا ما تؤكده حتى الاقتراحات التي تقدمها التقارير الأمريكية، حيثُ يرى تقرير “ماريتايم إكسكيوتيف” أن الولايات المتحدة بحاجة إلى “عدم تنفير السكان” و”تفكيك السلطة” والحفاظ على وجود مستمر وطويل الأمد للقوات الأمريكية في المنطقة، وهي مهمة يرى أنه “يصعب إنجازها” وأنها تحتاج إلى “مساعدة من الحلفاء”.
ويذهب “المجلس الأطلسي” إلى أبعد من ذلك، حيثُ يقترح على الولايات المتحدة الاصطدام مع روسيا والصين والضغط عليهما، وعلى الرغم من غرابة هذا الاقتراح؛ فإنه يعكس بوضوح حجم انسداد أفق نجاح العدوان الأمريكي على اليمن، وهو أيضاً ما يؤكده اقتراح الاعتماد على حكومة المرتزِقة والذي تم تجريبه لعشر سنوات كاملة، ولم ينجح.
المسيرة نت / ضرار الطيب