قرض جديد.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي عالم الفن كاريكاتير بورتريه كاريكاتير قرض جديد مصر السيسي قرض جديد كاريكاتير كاريكاتير كاريكاتير كاريكاتير كاريكاتير كاريكاتير سياسة سياسة عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
سمر نور: أنصفتُ بطلتي آشا بعد أن ظلمتها الحكاية العائلية
في رواية الكاتبة المصرية سمر نور "آشا.. الجعران والقمر" خلطة ساحرة من واقع قديم يخص النوبة، وأساطيرها وحكاياتها المدهشة، حيث يتسبَّب شخص يُدعى (نُوري) في لعنة لقرية "الشبَّاك" النوبية بعد أن يقتل الابن الوحيد لدوجر ذي مكانة كبيرة بين سكان قاع النهر!
اللعنة تصيب سيدات القرية بعدم إنجاب الذكور تمامًا، ولأن نوري (حكيم القرية وكبيرها) يشعر بالذنب مما جناه على أهل القرية يفكر، رغم شيخوخته، في الإنجاب مجددًا من زوجته "فاتي" ويكون نصيبه أنثى مجددًا، بنتًا جميلة يسمِّيها "آشا"، تكبر وتتزوج من شاب ألقى به شاطئ النيل إليهم يدعى "كرم باش"، لكن آشا هذه تمنح النوبة ما لم يمنحه لها آلاف الرجال!
أسأل سمر كيف استطعتِ اختصار هذا الزمن الهائل الخاص بالنوبة في مساحة الرواية القصيرة؟ فتجيب: "أسلوبي منذ بدأت الكتابة يمتاز بالتكثيف والتركيز، ربما لأن بدايتي كانت مع القصة القصيرة، لذلك أنفر من الثرثرة، وأميل أكثر إلى الحذف في كل مراحل الكتابة. بالنسبة للزمن الهائل الخاص بالنوبة، لم يكن الأمر اختصارًا لكنه زاوية رؤية، لم أرغب أن أقدم صورة للنوبة كما كانت في الواقع بل سعيتُ لتقديم عالمٍ متخيَّل يتخذ من قرية "الشباك" النوبية مكانًا بداية من القرن التاسع عشر، وتحديدًا من 1813 ولمدة خمسة عشر عامًا. واختيار الزمن والمكان له علاقة بتقصي جذور عائلية في النوبة القديمة، في زمن شهد تحولات كبرى، أو بالأحرى كان نتاجًا لفترة سابقة له من التحولات، لها أثرها على الشخصية النوبية من وجهة نظري. لم أرغب في أن يكون الزمن-التاريخ هو البطل، أو أن أنساق وراء أحداث التاريخ. طوال الكتابة كنت ممسكة ببطلتي وقررت إنصافها بعد أن ظلمتها الحكاية العائلية، فقد ركزت على الغريب ومنحته اسم "كرم باش" بينما لم تحكِ عن الجدة النوبية التي ورَّثت هويتها لأحفادها. قررت أن تكون روايتي عنها منذ كانت وليدة وحتى وضعت طفلها الأول".
وعن طريقة تحضيرها للرواية تقول: "لم يكن الأمر واضح المعالم في ذهني منذ البداية، كانت لديَّ حكاية غير مكتملة، مجرد جمل متفرقة يحتفظ بها ذهني من حكايات الطفولة، حكاية انتقلت عبر الأجيال عن جد غريب أتى إلى قريتي النوبية وتزوج جدتي، وكان الإمساك بحكاية متماسكة وتخيل عالم حي يحتاج إلى الكثير من البحث، للإلمام بالثقافة التي نبعتْ منها الحكاية. كوَّنتُ مكتبة عن التاريخ والجغرافيا والتراث النوبي عبر سنوات طويلة، تخطى عدد الكتب الستين مرجعًا في كافة التخصصات، معظمها أهداها إليَّ الكاتب النوبي يحيى مختار، لكن العالم الذي تكوَّن على مهل حمل أسئلته، وكان البحث عن الإجابات يستدعي مزيدًا من الكتب والتسجيلات والمناقشات، ومعظم الأصدقاء والأساتذة الذين استعنت بهم لم يكونوا على علم بما أقوم به تحديدًا، كنت أطلب منهم كتابًا بعينه أو أسأل حول خط معين في الرواية فيقترح عليَّ الكتب، أو حتى أناقش في تفصيلة فأستفيد من العصف الذهني معهم، كما سجلت مع بعض الكبار ممن عاصروا النوبة القديمة قبل التهجير، كما أن هناك أصدقاء قرأوا المسودة الأولى للرواية. ما أريد قوله إنه بالرغم من رحلة البحث الطويلة إلا أن الخيال هو الذي تحكَّم في النهاية، كان الواقع الذي رسمته من خلال القراءة مجرد تكئة معرفية للوصول إلى مناطق مختلفة من الخيال. وقد ذكرت بعض المراجع المستخدمة في نهاية الرواية لأني استخدمت منها الألعاب والأغاني تحديدًا بلا تغيير يذكر، أما الأساطير والحكايات فقد أعدت كتابتها وفقًا لخيالي ومدى توافقها مع عالمي".
الناس في عالم سمر نور يتحدثون عن سكان النهر وحكايات الجعارين وغيرها كأنها حكايات واقعية وتفاصيل يومية. ما الممتع في سرد الأسطوري وإيهامنا بأنه عادي جدًا كما حدث في الرواية؟ أسألها فتجيب: "الناس في المجتمعات القديمة كان يتعايشون مع الأسطوري باعتباره تفسيرًا لتفاصيل حياتهم اليومية، لم يكن هناك فاصل بين الواقعي والأسطوري بشكل قاطع، الأمر بدا ممتعًا بالنسبة لي في الكتابة، خصوصًا أنني أعدت كتابة الحكايات لأقرِّبها إلى زمن الرواية، فالحكايات الشعبية النوبية جُمِعت وكُتِبت في مرحلة متأخرة، مرتبطة ببناء السد العالي والتهجير، بل وفي مراحل أقرب من ذلك، لأن الاهتمام الأكبر كان بنقل الآثار أكثر من جمع التراث الشفاهي، بالتالي فالحكايات متأثرة بزمن جمعها. تخيلتُ ما يمكن أن تكون عليه الحكاية إذا رويتُها في زمن قديم بعيدًا عن التأثيرات المعاصرة، وهذا أمر لم يكن سهلًا، كما أني كنت أحتاج لحكايات مرتبطة بعالم روايتي وشخوصي، فمثلًا حكاية "الجعران والقمر" وهي حكاية أساسية في الرواية، عبارة عن مثل شعبي وحكاية مفسِّرة له في سطرين لا أكثر، لكني تخيلت من خلاله في روايتي أسطورة من أساطير الخلق، وهكذا فيما يتعلق بأسطورة كائنات النهر النوبية. طوال الوقت اهتممتُ بفكرة الطبقات الحضارية والثقافية في النوبة القديمة، وكيف أن كل تلك الحضارات والثقافات كانت منسوجة داخل الثقافة النوبية في سلاسة وبلا أي صراعات، كأن تجاورها شيء طبيعي".
تغطي الرواية زمنًا كبيرًا من أيام طرد المماليك ومطاردة فلولهم في الجنوب حتى اللحظة الحاضرة التي كان نظام العبودية لا يزال معمولًا به خلالها. تعلّق: "زمن البداية محدد بعام 1813 وهو عام ميلاد آشا ثم نستمر حتى تخطيها سن الخامسة عشرة تقريبًا، لكنَّ هناك زمنًا استعاديًّا نرجع فيه إلى مراحل سابقة مثل الحملة الفرنسية، وكما أشرت فإن الزمن أو التاريخ تكئة معرفية لكنه ليس هدف الحكاية. شخصياتي ليست تاريخية بالمعنى المعهود، وربما لم أذكر اسمًا لشخصية تاريخية سوى المستشرق بوركهارت أو محمد علي أو المماليك كجماعة عرضًا خلال أحداث الرواية، أما نظام العبودية فهو من المسكوت عنه في النوبة، ولا أعتقد أن هناك معلوماتٍ تخصه أكثر مما ذكرته، وأنا لا أستفيض فيما لا يخص عالمي، لذلك تخيلت نظام العبودية من خلال شخصيات لعائلة من العبيد ارتبطت بعائلة آشا، وقدمتُها باعتبارها شخصيات من لحم ودم وليست نماذج لنظام ما، وفي العموم فإن المجتمع النوبي فقير، وبالتالي لم تكن أعداد العبيد كبيرة في القرى النوبية وكانت تخص عائلات بعينها كما أوضحت، وربما لا يوجد في القرية كلها سوى تلك العائلة المذكورة، فالمعلومات القليلة عن هذا المجتمع يشير إلى أنهم كانوا أشبه بالخدم وليسوا عبيدًا بمنطق المدن القديمة، وسنرى تطورًا ما في الجزء الثاني من الرواية الذي أكتبه حاليًّا يوضح أكثر مصيرهم الذي دعا إلى السكوت عن وجودهم من الأساس في المجتمع النوبي".
لماذا استخدمتْ الرواية فكرة الحكاية المنفصلة حيث كانت فاتي الأم الكبيرة تنطق بجملة "حكاية حكاية من الله" ليعرف المستمعون أنها ستحكي لهم حكاية شيقة فينصتون لها، ثم ورثت آشا عنها هذه الملكة؟ أسأل وتجيب: "فاتي راوية وهي مكانة كبيرة في المجتمع النوبي وكانت تُورَّث عبر العائلات، فيشتهر في قرية ما أن هذه العائلة يخرج منها الرواة، ولا بد أن يتمتعوا بقدرة كبيرة على الحفظ والمعرفة بالتراث الحكائي داخل القرية، ومن هنا أتت فكرة الحكايات المنفصلة التي ترويها فاتي ثم من بعدها آشا لإيصال فكرة ما، أو للتمهيد لحدث ما، فكانت الحكايات المنفصلة مرتبطة بعالم الرواية وشخوصه".
وتضيف: "أعتقد أن أي عمل خيالي هو أسطوري بشكل أو بآخر، فنحن نصنع أساطيرنا الشخصية أو العائلية أو المجتمعية أو الكونية لنفسر العالم، لا يزال بداخلنا هذا البدائي الذي يخشى العالم ولا يفهمه، ونحن نكتب لنفهم ذواتنا وما حولنا، نكتب لنفسر العالم كما كان يحكي البدائي ليفسر عالمه".
ما جيلك مصريًّا وعربيًّا؟ تقول: "بدأت عام 1998 بكتابة القصة وحصلت في العام نفسه على جائزة نجيب محفوظ من نادي القصة لكني لم أنشر كتابًا قصصيًّا إلا عام 2004 وطوال الوقت أتحرك منفردة، ولديَّ حالة شعور بالاغتراب عن محيطي، فلا أستطيع تحديد جيل بعينه أنتمي له، لكن لديَّ مجموعات كبيرة من الكتَّاب من أجيال مختلفة أنتمي إلى عوالمهم الكتابية، وأشعر بقربي من أدبهم".
وأخيرًا حول طموحها للكتابة تقول: "طموحي هو الكتابة ذاتها، هو ألا أفقد القدرة على الجري وراء الأسئلة، حتى لو لم أحصل على إجابات شافية، والوصول إلى مناطق جديدة لم أطرقها في عالم الخيال، وألا تشغلني أسئلة خارج عالم الكتابة، تعرقل قدرتي على الاستمرار. لا أرغب في التنظير لخطواتي القادمة، يومًا ما في بداياتي قلت إني لن أكتب رواية أبدًا، وإن تركيبتي الشخصية أقرب إلى القصة، وما حدث هو أني كتبتُ الرواية بل لم أعد أستطيع النظر للعالم بمنطق القصة، ويومًا ما قلت إني ابنة القاهرة حتى لو كانت جذوري البعيدة نوبية، وبالتالي لن أكتب عن النوبة وسأظل منشغلة بالمدينة حيث وُلدت وعشت، وما حدث هو أني كتبتُ رواية "آشا.. الجعران والقمر" وأكتب حاليًّا الجزء الثاني منها، بالتالي كذلك أنا لا أعرف ما سأفكر فيه في المستقبل، وما سيقودني إليه الخيال، لكني أطمح أن أظل مستكشفة في عوالم الكتابة".