تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق داعش استفاد من التحولات الجيوسياسية فى المنطقة العربية وظهر عبر عدد من العمليات النوعية.. المجتمع الدولى يتحمل جزءا من مسئولية انتشار الإرهاب فى ظل الحروب والصراعات شرقًا وغربًا

إذا كان تنظيم داعش قد نجح فعليًا فى تنفيذ عدد من العمليات النوعية فى أغلب قارات العالم فى اليوم الأول من العام الجديد 2025، فماذا ينتظر هذا العالم من هذا التنظيم فى بقية العام؟ الإجابة عن هذا السؤال يستلزم فهم تحولات داعش الأخيرة وربطها بالتحولات الجيوسياسية التى استفاد منها بالفعل، مع دراسة الأسباب التى أثرت على جهود مكافحة الإرهاب والتى انعكست على وضعيته الآنية.

داعش يكشف اللثام عن نفسه بعد مرور أكثر من 10 سنوات على سقوطه، وهو ما يُعنى أنّ ثمة خللًا فى مواجهته؛ فالتنظيم الذى أعلن دونالد ترامب سقوطه عندما كان رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، يعود الرئيس مرة ثانية خلال أيام قليلة للبيب الأبيض والتنظيم مازال ملء السمع والبصر.

يتحمل المجتمع الدولى جزءا من مسئولية انتشار الإرهاب فى العموم، وبخاصة تنظيم داعش، فأغلب الحروب والصراعات التى ضربت العالم خلال الثلاث سنوات الأخيرة مثلت حاضنة للتنظيمات الإسلاموية الراديكالية، وبالتالى استفاد منها التنظيم الأخطر.

وهنا لابد للمجتمع الدولى أنّ يعيد قراءته للتنظيمات المتطرفة والتحولات التى مر بها، وإمكانية مواجهة هذه التنظيمات مع التحولات الجيو سياسية التى مرت بها المنطقة فى ظل تحول التنظيمات المتطرفة والتى استفادت كثيرًا من الحروب والصراعات التى ضربت العالم.

دلالات العمليات النوعية لـ«داعش»

هناك عدد من دلالات يمكن أنّ نفهمها من العمليات النوعية التى نجح تنظيم داعش فى تنفيذها سواء فى قلب الولايات المتحدة الأمريكية أو فى عدد من الدول الأوروبية والآسيوية والأفريقية، وكأنه يُريد أنّ يقول: إنه يشهد إعادة بعث جديدة بعد سقوط دولته فى ٢٢ مارس من العام ٢٠١٩.

الدلالة الأولى، أنّ هذه العمليات تم تنفيذها فى اليوم الأول من العام الجديد ٢٠٢٥، فهذه العملية تم التخطيط لها بفترة طويلة، ولكن اختيار الزمان كان عاملًا مهمًا، وهو اليوم الأول من العام، متزامنًا ذلك مع احتفالات أعياد الميلاد، وازدحام المحتفلين.

وهنا كان عين التنظيم على دلالة الوقت، فالزخم الذى حققه التنظيم من تنفيذ هذه العملية فى هذا التوقيت يفوق ما قد تحققه عملية أخرى أكبر فى وقت بخلاف احتفالات رأس السنة الميلادية.

الدلالة الثانية، اختار التنظيم الولايات المتحدة الأمريكية لتنفيذ عملية كالتى نجح الذئب المنفرد فى تنفيذها، ومعروف أنه الدولة الأكبر عسكريًا واقتصاديًا، وهنا يُريد التنظيم أنّ يُوصل رسالة مفادها أنه بات أقوى من الدولة التى حاربته سنوات طويلة وأعلنت الانتصار عليه، فضلًا على أنّ التنظيم يُريد أن ينتقم منها نظرًا لمواجهته على مدار أكثر من ١٠ سنوات من خلال التحالف الدولى الذى قام بأولى عملياته فى العام ٢٠١٤.

وكما أنّ التنظيم نجح فى تنفيذ عملية نوعية فى أمريكا، وفى الحقيقة ليست عملية واحدة، نجح التنظيم فى تنفيذ عملية نوعية فى الصومال من خلال ١٢ أنغماسيًا، وعمليات أخرى فى سوريا وأوروبا، بعضها إطلاق نار والبعض الآخر تفجير ودهس.

الدلالة الثالثة، أنّ داعش أراد أنّ يُعلن عن نفسه من جديد من خلال عملية نوعيّة فى أمريكا، وكأنه يُريد أنّ يقول: جئتم إلينا فى الشرق الأوسط ولكننا نأتى إليكم فى عقر داركم، وهى دلالة ذات مغزى عسكرى بأنّ التنظيم مازال موجودًا وقادرًا على تنفيذ عمليات نوعية.

الدلالة الرابعة، أنّ التنظيم يستقبل الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الذى أعلن عن سقوطه وقتل أول خليفة له أبو بكر البغدادى فى أكتوبر من العام ٢٠١٩، والرسالة هنا بقيت فى البيت الأبيض على ما قدر ما بقيت ثم ذهبت ولكن التنظيم مازال باقيًا.

مواجهة داعش بين الماضى والحاضر

المجتمع الدولى فشل ثلاث مرات فى التعامل مع داعش، الفشل الأول عندما وفرت الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا البيئة الحاضنة للتنظيم، من خلال الغزو الأمريكى للعراق فى العام ٢٠٠٣، وهو ما سمح بإنشاء مقاومة "إسلامية" للدولة المحتلة، كان اسمها فى البداية الدولة الإسلامية فى العراق، ثم تطورت التسمية بعد الحرب الأهلية فى سوريا حتى أطلق عليها الدولة الإسلامية فى العراق والشام، وهنا تتحمل الولايات المتحدة الأمريكية هذه المسئولية.

الهجوم الذى نفذه التنظيم فى العاصمة الروسية موسكو فى العام ٢٠٢٤ يؤكد أنّ التنظيم لم يحتضر بعد بخلاف ما أعلنه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى ٢٠١٩، ولعل هذا الهجوم هو الأكثر شهرة للتنظيم فى العام السابق، ولكن التنظيم نجح فى تنفيذ مئات العمليات النوعية منذ إعلان سقوطه!

هجوم داعش فى العام الماضى على مركز تسوق فى موسكو، والذى خلف ما لا يقل عن ١٥٠ قتيلًا وأكثر من ٥٠٠ جريح كان يؤشر لخطورة وضع التنظيم ولما وصل إليه، أمس ضرب روسيا واليوم يضرب الولايات المتحدة الأمريكية، وهنا تبدو دلالة ضرب كل من موسكو وواشنطن والاستعداد لضرب أوروبا ودول فى الشرق الأوسط.

ما فعلته واشنطن فى الماضى تفعله حاليًا من خلال انحيازها الكامل والسافر لإسرائيل فى حربها قبل أكثر من عام على قطاع غزة، وهو ما يخلق خطاب كراهية وبيئة تبدو حاضنة لكل الجماعات المتطرفة، وهو ما استفادت منه داعش على وجه الخصوص سواء من خلال تجنيد عدد كبير، أو من خلال ترتيب صفوفها ومن ثم تنفيذ عدد من العمليات النوعية.

المرة الثانية التى فشل فيها المجتمع الدولي، عندما تأخرت واشنطن فى مواجهة التنظيم، فما بين إنشاء التحالف الدولى فى ٢٠١٤ وما بين سقوط داعش فى ٢٠١٩ جرى فى النهار مياه كثيرة وسقطت دماء كثيرة أيضًا، وهنا يمكن أنّ نقول، إنّ أمريكا وتحالفها فشل كثيرًا فى مواجهة داعش، خمس سنوات من المواجهة بينما التحالف كان مشكلًا من قرابة ثمانين دولة.

المرة الثالثة التى فشل فيها المجتمع الدولي، تتمثل فى عودة تنظيم داعش للعمل مرة ثانية، وهو ما يُعنى أنّ القضاء عليه لم يكن مبنيًا على أصول صحيحة بدليل عودة التنظيم، أو أنّ التنظيم لم ينته حتى نتحدث عن عودته، وفى كلا الحالتين هناك أزمة حقيقية تتعلق بأنّ داعش مازال يمثل تهديدًا كبيرًا للأمن والسلم الدوليين.

وهنا يمكن القول، إنّ تنظيم داعش عاد بقوة، ولكن عودة تبدو مختلفة عن تلك التى أقام فيها دولته فى ٢٠١٤ بمنطقة الشرق الأوسط، ولعل هذه العودة أكثر شراسة، ولذلك من المهم الانتباه لحواضن التنظيم، والعمل على مواجهتها بصورة تبدو مؤثرة وناضجة فى نفس الوقت.

المواجهة الجديدة لتنظيم داعش لابد أنّ تكون مبنية على فكرة فهم التنظيم وتحولاته الأخيرة مع فهم طبيعة المنطقة العربية والتحولات الجيو سياسية التى استفاد منها؛ كلما بذلنا جهودًا تتعلق بفهم التنظيم وتحولاته، كلما أثر ذلك فى مواجهته أو ترك أثرًا حثيثًا فى المواجهة القادمة.

لابد أنّ تتحرك فرص المواجهة من أرضية الفهم الغنى والثرى للتنظيمات الراديكالية، فهم هذه التنظيمات من الداخل واستشراف تجربتها ودورها؛ بمعنى توقع ما تقوم به فى المستقبل، بحيث تكون المواجهة قائمة على الاستشراف، لا تكون مقتصرة على قراءة التنظيم فى الوقت الحالي، ولكن من خلال قراءة مستقبلية، وهذا دور منوط للباحثين القيام به.

لابد أنّ تكون المواجهة القادمة لداعش هى المواجهة الأخيرة والنهائية لبقاء التنظيم على مستوى المواجهة الأمنية والعسكرية وعلى مستوى مواجهة أفكار التنظيم التى مازالت حيّة وتبدو جاذبة لقطاعات كبيرة من المسلمين فى كل دول العالم سواء العربية أو الغربية، تفكيك أفكار التنظيم ومقولاته أمر لم يتحقق على مدار الــ ١٠ سنوات الماضية، وبالتالى لابد من العمل عليه خلال السنوات القليلة القادمة.

ملاحظات على هامش المواجهة الدولية للإرهاب

داعش مازال نشطًا فى أكثر من ١٢ دولة، وقد ألهمت ودعمت أفرادًا وخلايا فى أوروبا وروسيا فى السنوات الأخيرة وهو ما يدعو للقلق، ويؤكد أنّ مقولة سقوط التنظيم وهزيمته لم تكن دقيقة، بل تحتاج إلى مراجعة دقيقة فالتنظيم مازال نشطًا على مستوى تحركات العسكرية والفكرية.

من المهم أنّ تكون هناك مواجهة لكل التنظيمات المتطرفة، سواء الإخوان المسلمين أو القاعدة أو داعش، ولكن الأهم هو مواجهة الظروف التى ساعدت هذه التنظيمات على الظهور أو العمل من جديد، مع العمل على قراءة التحولات الجيوسياسية التى ساعدت هذه التنظيمات على الظهور مجددًا.

صحيح أنّ التغيرات الجيوسياسية تركت أثرًا إيجابيًا على ظهور هذه التنظيمات وعملها، وهنا بدت الولايات المتحدة الأمريكية ما بين فكرة مواجهة هذه التنظيمات وما بين مراعاة الظروف السياسية أو مصلحتها الخاصة التى تقتضى دعم هذه التنظيمات أو على الأقل غض الطرف عن استمرار وجودها على قوائم الإرهاب، وبدا هذا واضحًا بصورة كبيرة فى الحالة السورية.

وهنا لابد من إنشاء تحالف دولى لمواجهة التنظيمات المتطرفة، هدف التحالف هو المواجهة بصورها المختلفة، وأنّ يكون هناك تقييم كل ٦ أشهر، هذا التقيم ليس فقط لأداء هذا التحالف ولكن للتنظيمات المتطرفة التى تمر بعدد من التحولات على المستوى البنيوي، وهو ما يتطلب الإطلاع عليها وأخذها فى الحسبان، حتى تكون المواجهة ذات قيمة وأثر فى نفس الوقت.

ملامح هذا التحالف، لابد أنّ يكون دولي، هدفه مواجهة كل التنظيمات المتطرفة؛ ليس بديلًا عن التحالف الأمريكي، ولكنه يختلف عنه، فى أنّ التحالف الجديد قائم على مواجهة كل التنظيمات الإسلاموية الراديكالية بلا استثناء، مع مراعاة أشكال المواجهة المختلفة الأمنية والعسكرية والفكرية.

لابد ألا يكون هذا التحالف موجهًا ضد دولة أو كيان سياسى بخلاف مواجهة التنظيمات الإسلاموية، دورها إضعاف هذه الكيانات وتفكيكها على كافة الأصعدة المذكورة، مع مواجهة البيئات الحاضنة لهذه التنظيمات أو الدول التى تدعمها، كما لابد أنّ تكون هناك آليات مواجهة مختلفة.

هناك عدد من الدول العربية المعنية بفكرة المواجهة، عليها أنّ تأخذ زمام المبادرة فى طريق التبشير بهذا التحالف والعمل على تدشينه أو الترويج للفكرة حتى ولو تبناها غيرها، ولابد من إتاحة مساحات أكبر للنقاش حول التحالف ودوره، بحيث يُعالج وجوده ما فشل التحالف الدولى فى معالجته.

أخيرًا، لابد أنّ تكون مواجهة الإرهاب سريعة وبناءً على قراءات متعددة لخطر التنظيمات الراديكالية التى باتت تُهدد أمن المنطقة العربية والعالم؛ فأى تأخير فى المواجهة سوف تكون عواقبه وخيمة على الأمن والسلم الدوليين، كما أنه سوف يؤثر سلبًا على أمن المنطقة العربية.

خلاصة القول: فوضى اللا دولة فى سوريا على خلفية سقوط النظام السياسى قد يُحرك خلايا التنظيم من معاقله الصحراوية سواء فى البادية السورية أو حتى فى صحراء الأنبار بالعراق؛ خلايا التنظيم موجودة ولكنها تنتظر الوقت المناسب للعودة، وغياب الدولة فى سوريا وتأخر احتمالات عودتها قد يُرجح عودة التنظيم نفسه.

فضلًا على أنّ البيئة فى سوريا باتت حاضنة للتنظيمات الإسلاموية بمختلف تشكيلاتها، حتى ولو واجهت السلطة الحالية فى سوريا تنظيم داعش أمنيًا، فإنها لن تستطيع أنّ تقف أمام عوامل وجوده القوى أو عودته الشرسة، خاصة وأنّ حواضن التنظيم باتت أكثر حضورًا فى المشهد السوري.

وسوف تزاد هجمات داعش خلال عام ٢٠٢٥؛ سوف تتم عمليات داعش بأدوات منخفضة التقنية والتكلفة، سوف يكون أشهرها عمليات الدهس بمركبات وسط تجمع المواطن أو الاحتفالات العامة، وكذلك عمليات الطعن وإطلاق النّار، وهذا لن يمنع التنظيم من تنفيذ عمليات نوعيّة من تفجير وخلافة، وإنّ كان النوع الثانى من هذه العمليات يحتاج وقتًا للتخطيط واحتمالات اكتشافه كبيرة، مقارنة بالخطط التى يصعب اكتشافها.

هذا ما يجب أنّ يفهمه المجتمع الدولى ومجتمع الباحثين الذين يشتغلون على ظاهرة التطرف والإرهاب، بحيث يكونوا مستعدين لطرح تصورات واضحة للمواجهة وذات أثر؛ تتلافى أخطاء الماضى وتكون على قدر تحولات التنظيم المتسارعة وسط التحولات الجيوسياسية.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: منير أديب الارهاب داعش تنظيم داعش انتشار الارهاب الولایات المتحدة الأمریکیة التحولات الجیوسیاسیة من العملیات النوعیة التنظیمات المتطرفة المنطقة العربیة المجتمع الدولى هذه التنظیمات هذا التحالف تنظیم داعش التنظیم فى استفاد من التحالف ا فى سوریا فى تنفیذ من العام فى العام وهو ما ی العام ا من خلال أکثر من لابد أن عدد من ما بین

إقرأ أيضاً:

أوروبا في مواجهة ترامب جحيم نووي.. رؤية الرئيس الأمريكي الاستعمارية تجعل مشاهد أفلام الحرب حقيقة واقعة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

يحلم ترامب بإمبراطورية ماجا، لكنه على الأرجح سيترك لنا جحيمًا نوويًا، ويمكن للإمبريالية الجديدة للرئيس الأمريكى دونالد ترامب أن تجعل العالم المروع الذى صوره صانعو أفلام الحرب الباردة حقيقة.. هكذا بدأ ألكسندر هيرست تحليله الشامل حول رؤية ترامب.

فى سعيه إلى الهيمنة العالمية، أصبحت رؤية ترامب لأمريكا الإمبريالية أكثر وضوحًا. ومع استعانة الإدارة الحالية بشكل كبير بدليل استبدادى وإظهار عداء متزايد تجاه الحلفاء السابقين، أصبحت خطط ترامب للتوسع الجيوسياسى واضحة. تصور الخرائط المتداولة بين أنصار ترامب، والمعروفة باسم "مجال الماجا"، استراتيجية جريئة لإعادة تشكيل العالم. كشف خطاب ترامب أن أمريكا الإمبريالية عازمة على ضم الأراضى المجاورة، بما فى ذلك كندا وجرينلاند وقناة بنما، مما يعكس طموحه المستمر لتعزيز السلطة على نصف الكرة الغربى.

تعكس هذه الرؤية لعبة الطاولة "المخاطرة" فى طموحاتها، مع فكرة السيطرة على أمريكا الشمالية فى قلب الأهداف الجيوسياسية لترامب. ومع ذلك، فإن هذه النظرة العالمية تضع الاتحاد الأوروبى أيضًا كهدف أساسى للعداء. إن ازدراء ترامب للتعددية وسيادة القانون والضوابط الحكومية على السلطة يشير إلى عصر من الهيمنة الأمريكية غير المقيدة، وهو العصر الذى قد تكون له عواقب عميقة وكارثية على الأمن العالمى.

مخاطر منتظرة

مع دفع ترامب إلى الأمام بهذه الطموحات الإمبريالية، يلوح شبح الصراع النووى فى الأفق. لقد شهدت فترة الحرب الباردة العديد من الحوادث التى كادت تؤدى إلى كارثة، مع حوادث مثل أزمة الصواريخ الكوبية فى عام ١٩٦٢ والإنذار النووى السوفيتى فى عام ١٩٨٣ الذى كاد يدفع العالم إلى الكارثة. واليوم، قد تؤدى تحولات السياسة الخارجية لترامب، وخاصة سحب الدعم الأمريكى من الاتفاقيات العالمية وموقفه من أوكرانيا، إلى إبطال عقود من جهود منع الانتشار النووى.

مع تحالف الولايات المتحدة بشكل متزايد مع روسيا، يصبح خطر سباق التسلح النووى الجديد أكثر واقعية. الواقع أن دولًا مثل اليابان وكوريا الجنوبية وكندا، التى اعتمدت تاريخيًا على الضمانات الأمنية الأمريكية، قد تشعر قريبًا بالحاجة إلى السعى إلى امتلاك ترساناتها النووية الخاصة. وفى الوقت نفسه، قد تؤدى دول مثل إيران إلى إشعال سباق تسلح أوسع نطاقًا فى مختلف أنحاء الشرق الأوسط، إذا تجاوزت العتبة النووية.

رد أوروبا

بدأ الزعماء الأوروبيون، وخاصة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، فى الاعتراف بمخاطر عالم قد لا تكون فيه الولايات المتحدة حليفًا موثوقًا به. وأكدت تعليقات ماكرون الأخيرة على الحاجة إلى استعداد أوروبا لمستقبل قد لا تتمسك فيه الولايات المتحدة بضماناتها الأمنية، وخاصة فى ضوء سياسات ترامب الأخيرة. فتحت فرنسا، الدولة الوحيدة فى الاتحاد الأوروبى التى تمتلك أسلحة نووية، الباب أمام توسيع رادعها النووى فى مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبى. ومع ذلك، يظل السؤال مطروحًا: حتى لو مدت فرنسا قدراتها النووية إلى أعضاء آخرين فى الاتحاد الأوروبى، فهل سيكون ذلك كافيًا لحماية أوروبا من التهديدات الوشيكة التى تشكلها كل من روسيا والدول المسلحة نوويًا الأخرى؟

إن التوترات المتصاعدة بين حلف شمال الأطلسى وروسيا بشأن غزو أوكرانيا والتهديدات النووية الروسية المتكررة تؤكد على الحاجة الملحة إلى أوروبا فى سعيها إلى رادع أكثر استقلالية وقوة. وإذا لم تتمكن أوروبا من الاعتماد على الولايات المتحدة، فقد تحتاج فى نهاية المطاف إلى إنشاء آلية دفاع نووى خاصة بها.

عالم منقسم

قد تكون تداعيات رؤية ترامب كارثية. فمع إعادة تسليح العالم بسرعة، ترتفع مخزونات الدفاع، ويرتفع الإنفاق العسكرى إلى مستويات غير مسبوقة. ويتم توجيه الموارد التى ينبغى استثمارها فى الرعاية الصحية والتعليم وحماية البيئة واستكشاف الفضاء بدلًا من ذلك إلى ميزانيات الدفاع. وإذا سُمح لسياسات ترامب بالاستمرار، فقد تؤدى إلى عالم حيث تصبح الحرب حتمية، أو على الأقل، حيث يتحول توازن القوى العالمى بشكل كبير. مع ارتفاع الإنفاق الدفاعى العالمى، هناك إدراك قاتم بأن البشرية تتراجع إلى نظام عالمى خطير ومتقلب، حيث يتم التركيز بدلًا من ذلك على العسكرة والصراع.

ضرورة التأمل

ويمضى ألكسندر هيرست قائلًا: فى مواجهة هذه التحولات الجيوسياسية، أجد نفسى أفكر فى التباين بين العالم الذى حلمت به ذات يوم والعالم الذى يتكشف أمامنا. عندما كنت طفلًا، كنت أحلم بالذهاب إلى الفضاء، ورؤية الأرض من مدارها. اليوم، أود أن أستبدل هذا الحلم بالأمل فى أن يضطر أصحاب السلطة إلى النظر إلى الكوكب الذى يهددونه من الأعلى. ولعل رؤية الأرض من الفضاء، كما ذكر العديد من رواد الفضاء، تقدم لهم منظورًا متواضعًا، قد يغير وجهات نظرهم الضيقة المهووسة بالسلطة.

إن رواية سامانثا هارفى "أوربيتال" التى تدور أحداثها حول رواد الفضاء، تلخص هذه الفكرة بشكل مؤثر: "بعض المعادن تفصلنا عن الفراغ؛ الموت قريب للغاية. الحياة فى كل مكان، فى كل مكان". يبدو أن هذا الدرس المتعلق بالترابط والاعتراف بالجمال الهش للحياة على الأرض قد ضاع على أولئك الذين يمسكون الآن بزمام السلطة. وقد يعتمد مستقبل كوكبنا على ما إذا كان هؤلاء القادة سيتعلمون يومًا ما النظر إلى ما هو أبعد من طموحاتهم الإمبراطورية والاعتراف بقيمة العالم الذى نتقاسمه جميعًا.

*الجارديان

مقالات مشابهة

  • أوروبا في مواجهة ترامب جحيم نووي.. رؤية الرئيس الأمريكي الاستعمارية تجعل مشاهد أفلام الحرب حقيقة واقعة
  • كيف استخدم داعش عملة مونيرو المشفرة لتمويل عملياته الإرهابية؟
  • دول جوار سوريا تحذّر من عودة داعش وتنسق جهودها ضده
  • بدء أعمال اجتماع دول جوار سوريا في عمان لبحث آليات التعاون في مواجهة التحديات المشتركة
  • مصدر دبلوماسي: وزراء خارجية العراق وتركيا والأردن وسوريا يجتمعون اليوم في عمان لتشكيل التحالف الرباعي ضد الإرهاب
  • الجديد: الحكومتان مطالبتان بضبط الإنفاق قبل تفاقم الأزمة الاقتصادية
  • ظلم نفسه وبقى يحب الأدوار الجريئة.. طارق لطفي يكشف أسراره الفنية للجمهور
  • مخاض جديد لثورة عارمة في مواجهة منابع التجويع
  • الأردن| الأمن العام يكشف ملابسات تغيب فتاتين عن منزل ذويهما
  • منير أديب يكتب: الانفلات الأمني في سوريا.. دلالات ومآلات