لا أحد يشك في أن إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب لن تبدي اهتمامًا كبيرًا بالتعددية. فحتى أكثر المعينين توجها نحو العالمية مثل وزير الخزانة المعين سكوت بيسنت يعتقدون أن الغرض من الانخراط مع المؤسسات الدولية هو «الفوز». يجب أن تنخرط أمريكا، ولكن فقط بالقدر الذي لا يسمح بتضرر مصالحها الخاصة.
يفترض النقد الأمريكي النموذجي للتعددية أن النظام القائم معطل بشكل جوهري، وأن هناك حاجة قائمة إلى إحداث صدمة للمؤسسات الدولية لإزالة المخاطر التي تهدد المصالح الأمريكية أو التحديات لوجهة النظر الأمريكية.
على نحو مماثل، في أوائل ثمانينيات القرن العشرين، كان مستشارو رونالد ريجان يشككون علانية في صندوق النقد الدولي؛ وزعم كثيرون في فلك جورج دبليو بوش في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أن الأزمة المالية الأخيرة في شرق آسيا أفقدت الصندوق مصداقيته، وأن تدفقات رأس المال الخاص من الممكن أن تلبي جميع احتياجات تمويل التنمية على أية حال.
ولكن في كل حالة، فَـرَضَت أزمة مالية حادة في نهاية المطاف إعادة النظر. ففي سبعينيات القرن العشرين، تسبب انخفاض قيمة الدولار في دفع منتجي النفط إلى رفع الأسعار، وكان لا بد من إنقاذ كثير من البلدان النامية المستوردة للنفط من خلال مرفق النفط الذي أنشأه صندوق النقد الدولي حديثا آنذاك. وفي عام 1982، أدى ارتفاع قيمة الدولار وارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية إلى إحداث أزمة ديون عامة، الأمر الذي دفع صندوق النقد الدولي إلى إعادة تشكيل نفسه لتلبية متطلبات اللحظة. وبحلول عام 1983، كان ريجان يشير إلى الصندوق باعتباره محور النظام المالي الدولي. وأخيرا، اندلعت أزمة 2008 المالية العالمية في السنوات الأخيرة من رئاسة بوش. وسرعان ما اجتمعت الحكومات في إطار مجموعة العشرين وفي هيئات عالمية أخرى لاحتواء التداعيات ووضع قواعد جديدة للطريق. بعيدا عن التاريخ القريب، نجد سببا أكثر جوهرية وراء استمرار تعددية الأطراف كضرورة أساسية.
في عالم يبدو منقسما إلى كتل متناحرة، تركز معظم الدول عن حق على حماية مصالحها الخاصة. وبما أن تلك المصالح لا تتماشى بدقة مع مصالح أمريكا أو الصين أو أي قوة عالمية طموحة أخرى، فإن الحكومات تريد الحفاظ على التواصل مع كل طرف في الصراع الذي يلوح في الأفق. كانت ديناميكية مماثلة تكمن وراء حركة عدم الانحياز في حقبة الحرب الباردة، والتي جمعت بين الدول التي رفضت الاختيار بين أمريكا والاتحاد السوفيتي. على نحو مماثل، تطورت رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) من منطلق الحرص على ألا تضطر إندونيسيا إلى الانحياز إلى طرف دون الآخر، بل يمكنها أن تؤكد نفسها من خلال إقامة علاقات أقوى مع جيرانها. كما نشأت الجماعة الأوروبية، التي تطورت لتصبح الاتحاد الأوروبي، لأن الأوروبيين، على الرغم من تحالفهم مع الولايات المتحدة، لم يرغبوا في أن يكونوا امتدادا لها. وبحلول عام 2008، في خضم الأزمة المالية الجديدة، أرادت رابطة دول جنوب شرق آسيا أن تتحرك في اتجاه التحول إلى اتحاد على غرار الاتحاد الأوروبي. حيثما نظرت في الوقت الحاضر، ستجد أن الرسالة هي ذاتها: لا نريد أن نختار جانبا، ولا ينبغي أن نُـجبَـر على ذلك. يزعم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر عن حق أن اختيار المملكة المتحدة بين أوروبا والولايات المتحدة «خطأ بَـيّـن». في الرد على ذلك، يقترح ستيفن مور، مستشار ترامب، أن على البريطانيين أن يختاروا الاشتراكية الأوروبية أو الأسواق الحرة على النمط الأمريكي. ولكن مع ملاحقة كل حكومة الآن لشكل ما من أشكال السياسات الصناعية، يصبح هذا التقارب محض وهم.
تجلب الوقائع التاريخية الصعبة إدراكا لحقيقة مفادها أن العالم لا يُبنى حقا على حسابات محصلتها صفر. وقد عبّر وزير الخزانة الأمريكي هنري مورجنثاو عن ذلك بأناقة في مؤتمر بريتون وودز الأصلي: «الازدهار، مثله كمثل السلام، غير قابل للتجزئة. ونحن لا نملك ترف السماح بتبعثره هنا أو هناك بين المحظوظين أو الاستمتاع به على حساب آخرين». في الأشهر الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، رأى قادة الولايات المتحدة أنهم لا يستطيعون كسب السلام بالعمل فقط مع أولئك الذين تبنوا قواعد اللعبة الأمريكية. إذا كانت دولة قوية مثل الولايات المتحدة في عام 1945 لا تزال في احتياج إلى كسب الأصدقاء والتأثير على الناس، فمن المؤكد أن أمريكا اليوم تحتاج إلى ذات الشيء. إن علاج التعددية بالصدمة من شأنه أن يجلب قدرا عظيما من الإرباك؛ ولكن بعد ذلك، يجب أن يجلب مزيدا من التعاون الدولي؛ لأنه لا يوجد بديل.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: صندوق النقد الدولی الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
بعد تدهور حالته الصحية.. ماذا قال نقيب العلاج الطبيعي عن طبيب أمح الدولي؟
تصدر اسم أمح الدولي، أبرز مشجعي النادي الأهلي، ترند مواقع التواصل الاجتماعي خلال الساعات القليلة الماضية، بعد تدهور حالته الصحية واتهام طبيب علاج طبيعي بالتسبب في ذلك.
ماذا حدث مع أمح الدولي؟قال الدكتور سامي سعد، النقيب العام للعلاج الطبيعي، إن النقابة تابعت كل الفيديوهات التي نشرت من "الدكتور أحمد أبو النصر، الذي يعالج كل أمراض العصر" كما يقول عن نفسه، وطريقة علاجه للمشجع أمح الدولي، وبعد مشاهدة الفيديوهات قررنا استدعاءه بصورة ودية، لأنه استخدم أنواعًا خطيرة من العلاج وحذرنا من هذا النوع من طرق العلاج.
وأضاف الدكتور سامي سعد خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامي خيري رمضان، في برنامج "مع خيري"، على قناة "المحور"، أن الطبيب لم يلتزم بتحذيرات النقابة له.
جريمة الطبيب أحمد أبو النصروتابع سعد، أن الطبيب أحمد أبو النصر ليس مصرح له استخدام العلاج الطبيعي، وكان يجب على نقابة الأطباء استدعاءه، لافتًا إلى أن الطبيب كان في النقابة يوم الجمعة وحذرناه من طرق العلاج الخطيرة.
واختتم سعد، بأنه لا يجوز تصوير المريض بهذا الشكل خلال العلاج، وما فعله الطبيب جريمة يعاقب عليها القانون سواء بطريقة العلاج أو التصوير.
متحدث العلاج الطبيعي يفجر الأزمةنشر الدكتور محمد محسن، المتحدث باسم نقابة العلاج الطبيعي، على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، منشورا يتهم من خلاله أحد الأطباء بالتسبب في تدهور الحالة الصحية لأحد المشجعين، الذي يعاني من متلازمة داون.
وقال محسن إن الطبيب "أ. أ" استخدم تقنية "العلاج بالطرقعة" في معالجة المريض "أمح الدولي"، الذي يعاني من متلازمة داون.
وأضاف أن هذا النوع من العلاج غير مناسب لحالات مثل حالة "أمح الدولي"، كونه قد يتسبب في تفاقم المشاكل الصحية.
وأكد أن استخدام تقنيات العلاج بالطرقعة، والتي تتضمن تحريك المفاصل أو العمود الفقري بشكل مفاجئ، قد يكون خطيراً خصوصاً مع الحالات التي تعاني من مشكلات عصبية أو عضلية مثل متلازمة داون، التي تتسم بضعف في التوازن العضلي والمشاكل الهيكلية.
وذكر أنه تبين أن الطبيب "أ. أ" ليس عضوًا في نقابة العلاج الطبيعي، إذ تبين من خلال سجلات النقابة أن الطبيب المذكور مقيد في نقابة الأطباء كأخصائي مساعد تغذية علاجية، وليس أخصائي علاج طبيعي.